«هدنة غزة»: كيف يؤثر الموقف القطري في جهود الوساطة؟

طفل فلسطيني يجلس على أنقاض منزل دمّرته غارة إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يجلس على أنقاض منزل دمّرته غارة إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: كيف يؤثر الموقف القطري في جهود الوساطة؟

طفل فلسطيني يجلس على أنقاض منزل دمّرته غارة إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يجلس على أنقاض منزل دمّرته غارة إسرائيلية في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

توضيحُ قطر موقفها بشأن ما أُثير في دوائر إعلامية غربية عن «تعليق» دور وساطتها بشأن وقف الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، يطرح تساؤلات بشأن تأثيراته على جهود الوساطة، في ضوء أن المفاوضات لا تزال تُراوح مكانها وسط تبادل اتهامات بين «حماس» وإسرائيل بـ«عرقلة» التوصل لاتفاق، ووضع شروط مسبقة.

ونقلت «وكالة الأنباء القطرية» الرسمية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماجد الأنصاري، مساء السبت، قوله: «إن الأنباء عن انسحاب قطر من جهود الوساطة في وقف إطلاق النار بغزة غير دقيقة»، موضحاً أن «قطر أخطرت الأطراف قبل 10‏ أيام أثناء المحاولات الأخيرة للوصول إلى اتفاق، بأنها ستُعلق جهودها في الوساطة بين (حماس) وإسرائيل في حال عدم التوصل لاتفاق في تلك الجولة».

خبراء تحدّثوا مع «الشرق الأوسط»، يرون أن تأثيرات الموقف القطري على مسار الاتفاق ستتضح خلال الأيام المقبلة في حال وجود جدية، خصوصاً لدى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عادّين أنه يمثل «رسالة رفض وضغط» بالدرجة الأولى، على اعتبار الأخير «المعطل الرئيسي» للمفاوضات. كما رجّحوا أن يبقى مسار المحادثات بلا جديد، باستثناء مناشدات واتصالات للوسطاء دون أي اختراق إلا مع تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في يناير (كانون الثاني) المقبل.

مشيعون يحملون جثمان قتيل إثر قصف إسرائيلي على مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالفعل قبل نحو 10 أيام، نقلت قناة «الأقصى»، الموالية للحركة عن قيادي بـ«حماس» -لم تذكر اسمه- أن «وفداً من الحركة استمع خلال الأيام الأخيرة من الوسطاء في مصر وقطر لأفكار حول هدنة مؤقتة لأيام محددة وزيادة عدد شاحنات المساعدات، يتمّ خلالها تبادل جزئي للأسرى»، مشيراً إلى أن المقترحات «لا تتضمن وقفاً دائماً للعدوان، ولا انسحاباً للاحتلال من القطاع، ولا عودة للنازحين، ولا تعالج احتياجات شعبنا للأمن والاستقرار والإغاثة والإعمار، ولا فتح المعابر بشكل طبيعي، خصوصاً معبر رفح».

وجدّد القيادي في «حماس»، أسامة حمدان، التمسك بتلك الأهداف، قائلاً للقناة نفسها آنذاك: «إن أي عرض أو اتفاق يجب أن يوقف العدوان نهائياً وليس مؤقتاً»، لافتاً إلى أن «الاحتلال يقدم أفكاراً تظهر له انتصاراً؛ لكنه غير جاد في مفاوضاته».

وكان موقف «حماس» وقتها يختتم أسبوعاً حافلاً بدأ بمحادثات ومقترحات بين مصر وقطر؛ تهدف إلى الوصول لهدنة في قطاع غزة، بعد لقاءات للحركة بالقاهرة قبل أيام، وصولاً للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المخابرات الأميركية، وليام بيرنز، في القاهرة، ضمن مساعي الوسطاء لدفع المفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق النار في القطاع.

وأرجع مصدر مصري رفيع المستوى، تحدّث لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية قبل نحو أسبوع، «تمسُّك (حماس) بعدم تجزئة المفاوضات خوفاً من تسليم الأسرى، ثم عودة الجانب الإسرائيلي إلى إطلاق النار».

دخان ولهيب يتصاعدان من منزل عقب غارة إسرائيلية في مخيم النصيرات للاجئين وسط غزة (رويترز)

المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، يرى أن الموقف القطري سيتضح أكثر الأيام المقبلة، خصوصاً أنه يُعد رسالة رفض لتعطيل نتنياهو للمحادثات، لا سيما وهو المعطل الرئيسي للمفاوضات على مدار عام، مؤكداً أن «التوضيحات لم تحسم الأمر بشكل كامل، وفتحت مساراً محدداً للاستئناف وقبول التوصل لاتفاق».

ويبدو أن «الموقف القطري بشأن جهود الوساطة جاء لأن إسرائيل استمرّت في المراوغة السياسية من قبل رئيس وزرائها خلال عدة أشهر من المفاوضات دون أن تكون هناك نتيجة ملموسة في المفاوضات الجدّية لوقف إطلاق النار، وهو ما قد يكون رسالة رفض أو ضغط»، وفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي.

ويعتقد العبادي أن تعليق أي وساطة حالياً «لن يؤدي إلى مسار اتفاق بين طرفي الصراع، خصوصاً أن نتنياهو هو مَن يريد إطالة أمد الحرب، ويريد أن تبقى الحرب مستمرة، وغير معني باستعادة المختطفين، لا بل في الدفاع عن نفسه، وحماية موقعه».

وفي المقابل، رأى نتنياهو في تصريحات، الأحد، أن «هناك مَن يكذب على عائلات الرهائن (في إشارة إلى تقارير إسرائيلية تتحدث عن قرب الوصول لاتفاق)، وأن (حماس) لم تفعل سوى تشديد مواقفها»، لافتاً إلى أنه تحدث مع ترمب 3 مرات في الأيام الأخيرة، دون كشف فحوى الاتصال.

وتأتي المواقف الجديدة قبيل قمة «عربية - إسلامية» تنعقد، الاثنين، بالرياض، تبحث صدور موقف موحد بشأن وقف إطلاق النار في غزة ولبنان المستمرة بوتيرة متسارعة منذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد مواجهات متبادلة منذ بداية الحرب بالقطاع قبل عام.

رد فعل امرأة فلسطينية عقب غارة إسرائيلية أصابت خياماً نصبت بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أ.ف.ب)

ودعا رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، إلى «أهمية تكثيف الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان»، وذلك في لقاء جمعهما بالعاصمة الكويتية، الأحد، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الإماراتية» الرسمية.

كما طالب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، بوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، وفق بيان ختامي لمحادثات ثنائية بالقاهرة، وفق «الرئاسة المصرية».

ووفق الرقب، فإن «الجهود العربية مقدرة ومتواصلة؛ لكن المشكلة في نتنياهو الذي يتهرّب من الذهاب لاتفاق، ولن يمكّن إدارة بايدن من تمرير اتفاق قريب، وسينتظر تنصيب ترمب، الذي يأمل في دعمه للبقاء السياسي فترة أكبر».

ويدلل على ذلك بخطوات تتخذها إسرائيل داخل القطاع من توسيع وجودها العسكري، وإنشاء محاور جديدة، بما يعني عدم الخروج القريب وانتظار ترمب من أجل تسوية شاملة.

ويتفق معه العبادي بقوله: «إن نتنياهو لن يوافق على أي جهود لإعادة الأسرى والمحتجزين قُبيل أن يتسلّم ترمب رئاسة الولايات المتحدة مطلع العام المقبل»، مرجحاً أن يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي الفترة الزمنية المتبقية من مدة ولاية جو بايدن فرصةً له «لمواصلة العمليات العسكرية في قطاع غزة، لفصل شمالها عن جنوبها، ومواصلة العمليات العسكرية في الجنوب اللبناني».


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (رويترز)

ماذا نعرف عن «الخلية الفلسطينية» المتهمة بمحاولة اغتيال بن غفير؟

للمرة الثانية خلال ستة شهور، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن محاولة لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة بمدينة…

نظير مجلي (تل ابيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث إسرائيلي عن «إدارة عسكرية» لغزة يعقّد جهود «الهدنة»

الحديث الإسرائيلي عن خطط لإدارة غزة يراه خبراء، تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، بمثابة «تعقيد خطير لجهود التهدئة المتواصلة بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده لنقض مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال اجتماع لمجلس الأمن (أ.ف.ب)

أميركا تحبط الإجماع الدولي على المطالبة بوقف إطلاق النار فوراً في غزة

خرجت الولايات المتحدة عن إجماع بقية أعضاء مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

علي بردى (واشنطن)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيراً، وسوف يحيله لمجلس النواب (البرلمان) للموافقة عليه.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، أن مشروع القانون يهدف إلى «تحسين بيئة العمل الخاصة بالأطباء والفريق الصحي، ويرتكز على ضمان توفير حق المواطن في تلقي الخدمات الطبية المختلفة بالمنشآت الصحية، وتوحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يضمن عملهم في بيئة عمل جاذبة ومستقرة»، وفق إفادة وزارة «الصحة» المصرية، الجمعة.

وأشار الوزير المصري إلى تضمن القانون «توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يكفل الوضوح في هذا الشأن ويراعي صعوبات العمل في المجال الطبي»، مع الحرص على «منع الاعتداء على مقدمي الخدمة الصحية، وتقرير العقوبات اللازمة في حال التعدي اللفظي أو الجسدي أو إهانة مقدمي الخدمات الطبية، أو إتلاف المنشآت، وتشديد العقوبة حال استعمال أي أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى».

جانب من العمل داخل أحد المستشفيات (وزارة الصحة المصرية)

وحسب عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب، النائبة إيرين سعيد، فإن «هذه الخطوة تأخرت كثيراً»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القانون كان يفترض جاهزيته منذ عامين في ظل مناقشات مستفيضة جرت بشأنه، لافتة إلى أن القانون سيكون على رأس أولويات «لجنة الصحة» فور وصوله البرلمان من الحكومة تمهيداً للانتهاء منه خلال دور الانعقاد الحالي.

لكن وكيل نقابة الأطباء المصرية، جمال عميرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع القانون «لا يوفر الحماية المطلوبة للأطباء في مقابل مضاعفة العقوبات عليهم حال الاشتباه بارتكابهم أخطاء»، مشيراً إلى أن المطلوب قانون يوفر «بيئة عمل غير ضاغطة على الطواقم الطبية».

وأضاف أن الطبيب حال تعرض المريض لأي مضاعفات عند وصوله إلى المستشفى تتسبب في وفاته، يحول الطبيب إلى قسم الشرطة ويواجه اتهامات بـ«ارتكاب جنحة وتقصير بعمله»، على الرغم من احتمالية عدم ارتكابه أي خطأ طبي، لافتاً إلى أن النقابة تنتظر النسخة الأخيرة من مشروع القانون لإصدار ملاحظات متكاملة بشأنه.

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقته شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، والاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض نهاية الشهر الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية بالمستشفيات المصرية تكررت خلال الفترة الأخيرة (وزارة الصحة المصرية)

وينص مشروع القانون الجديد، وفق مقترح الحكومة، على تشكيل «لجنة عليا» تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتعد «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، والمعنية بالنظر في الشكاوى، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية»، حسب بيان «الصحة».

وتعوّل إيرين سعيد على «اللجنة العليا الجديدة» باعتبارها ستكون أداة الفصل بين مقدم الخدمة سواء كان طبيباً أو صيدلياً أو من التمريض، ومتلقي الخدمة المتمثل في المواطن، لافتةً إلى أن تشكيل اللجنة من أطباء وقانونيين «سيُنهي غياب التعامل مع الوقائع وفق القوانين الحالية، ومحاسبة الأطباء وفق قانون (العقوبات)».

وأضافت أن مشروع القانون الجديد سيجعل هناك تعريفاً للمريض بطبيعة الإجراءات الطبية التي ستُتخذ معه وتداعياتها المحتملة عليه، مع منحه حرية القبول أو الرفض للإجراءات التي سيبلغه بها الأطباء، وهو «أمر لم يكن موجوداً من قبل بشكل إلزامي في المستشفيات المختلفة».

وهنا يشير وكيل نقابة الأطباء إلى ضرورة وجود ممثلين لمختلف التخصصات الطبية في «اللجنة العليا» وليس فقط الأطباء الشرعيين، مؤكداً تفهم أعضاء لجنة «الصحة» بالبرلمان لما تريده النقابة، وتوافقهم حول التفاصيل التي تستهدف حلاً جذرياً للمشكلات القائمة في الوقت الحالي.