ألغام الإرهاب تواصل حصد أرواح أهالي جبال القصرين التونسية

الجماعات المسلحة زرعتها هرباً من ملاحقات قوات الأمن

سكان الضواحي القريبة من جبال القصرين يشتكون من الإهمال والتهميش (أ.ف.ب)
سكان الضواحي القريبة من جبال القصرين يشتكون من الإهمال والتهميش (أ.ف.ب)
TT

ألغام الإرهاب تواصل حصد أرواح أهالي جبال القصرين التونسية

سكان الضواحي القريبة من جبال القصرين يشتكون من الإهمال والتهميش (أ.ف.ب)
سكان الضواحي القريبة من جبال القصرين يشتكون من الإهمال والتهميش (أ.ف.ب)

تحت وطأة فقر مدقع وألغام مختبئة في باطن الأرض، يعيش سكان القرى التونسية المتاخمة لجبال القصرين، الواقعة غرب البلاد، حياة قاسية محفوفة بالمخاطر، بعد أن باتت هذه الألغام تهدد بقاءهم وأرزاقهم، وتنغص عليهم معيشتهم. ورغم علم أهالي المنطقة بأن جبال سمامة والشعانبي والسلوم لم تعد تلك المناطق الآمنة، التي احتضنتهم على مدار سنوات طويلة، بسبب انتشار جماعات مسلحة بها، ومطاردة قوات الأمن لها، فإنهم يضطرون للمخاطرة بحياتهم، والتنقل هنا وهناك بحثاً عن غذاء لماشيتهم، أو لقضاء احتياجاتهم اليومية، رغم علمهم بانتشار الألغام في مناطق متفرقة.

يضطر سكان المناطق القريبة من جبال القصرين إلى التنقل داخل مناطق رغم علمهم أنها محفوفة بالمخاطر (أ.ف.ب)

وتقتل الألغام الكثير من السكان في منطقة جبال القصرين، كما تخلف عاهات دائمة لدى آخرين، لكن لا توجد إحصاءات رسمية تكشف العدد الحقيقي للضحايا، غير أن وثيقة تناقلتها وسائل إعلام تونسية محلية أشارت إلى أن عدد ضحايا الألغام من المدنيين في محافظة القصرين لوحدها بلغ نحو 17 قتيلاً، و22 جريحاً منذ 2013.

خديجة الرحيمي واحدة من ضحايا تلك الألغام، التي أصابتها مرتين، ففقدت في المرة الأولى ساقها، وفي الثانية فقدت حياتها، يقول محمد الهادي، شقيق خديجة: «في بداية سنة 2018 انفجر لغم في شقيقتي، مما أدى إلى بتر ساقها، وكل هذا بسبب الفقر ومعاناة الحياة. شقيقتي تعلم جيداً خطر الألغام الكامن في الجبال، لكن الجوع والفقر دفعاها للبحث عن لقمة عيشها وعيش طفليها، واليوم مرت ثلاثة أشهر على وفاة شقيقتي بعد انفجار لغم جديد بها».

أحد سكان المنطقة في رحلة يومية للتزود بالماء (أ.ف.ب)

ولا يخفي محمد أن الفقر هو الذي دفع شقيقته للمخاطرة بحياتها وسط كل هذا الخطر المتفاقم، قائلاً لوكالة «الشرق نيوز»: «نحن نعيش حياة قاسية جداً هنا، والسبب الرئيسي لوفاة شقيقتي هو الفقر، الذي دفعها لجمع الحطب من أجل بيعه، ورعي الماعز بالجبال».

وتضيف فائزة، والدة خديجة، موضحة أن حياة أسرتها باتت صعبة وقاسية، لكنهم مضطرون لتحملها، قائلة: «العيش هنا أصبح متعباً جداً، ولو كان لنا أي مأوى آخر غير هذا المكان لذهبنا للعيش به، لكن لا يوجد». ومنذ الثورة التونسية عام 2011 مثّلت جبال القصرين ملاذاً لجماعات مسلحة زرعت ألغاماً في المنطقة، التي تعرضت فيها هذه الجماعات لعمليات ملاحقتها نفذتها القوات الأمنية.

ويؤكد حمادي الغيلاني، النائب عن جهة القصرين في البرلمان التونسي، أن ضحايا الألغام من المدنيين «فئة هشة»، يسكنون بمحاذاة سفوح الجبال ويعمرونها، مضيفاً أن أغلب ضحايا العمليات الإرهابية، أو الألغام بالتحديد في هذه المناطق، هم من رعاة الأغنام أو عاملات الفلاحة، اللاتي يكسبن رزقهن من جمع الحشائش.

وأشار النائب التونسي إلى وجود جهود داخل مجلس النواب كي تشمل تعويضات صندوق ضحايا الألغام والعمليات الإرهابية الضحايا المدنيين. وقال بهذا الخصوص: «نحاول جاهدين توجيه الأنظار لهؤلاء الضحايا، خصوصاً وأن في مشروع قانون الميزانية لسنة 2025 هناك صندوق (فداء)، الذي يتم دعم مخصصاته، وهناك صندوق لصالح ضحايا الألغام وضحايا الإرهاب، لكنه اقتصر على المؤسسة العسكرية والأمنية، وسنحاول بالتنسيق مع السلطة التنفيذية إيجاد آليات لحل هذه الإشكالات».


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

تصديق الصومال نهائياً على قانون «الانتخاب المباشر» بديلاً عن «المحاصصة القبلية»، رغم رفض ولايتي جوبالاند وبونتلاند وبعض السياسيين، يفتح تساؤلات حول تداعيات تلك الخطوة وتأثيراتها على أوضاع البلاد التي تشهد انقسامات وحرباً لم تنتهِ ضد حركة «الشباب» الإرهابية.

ويأتي القانون الجديد، وفق خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، «في ظل وضع أمني هش ومعارضة سياسية»، وبينما عدّه البعض «خطوة مهمة تعزز التحول إلى نظام ديمقراطي وتحسّن العلاقات الدولية التي تميل إلى تعزيز المشاركة الجماهيرية»، رأى آخرون أنه سيواجه تحديات كثيرة، منها أن النظام الانتخابي القبلي عزّز نفوذ قادة الولايات وزعماء العشائر، ومن الصعب أن يتخلوا عنه؛ إلا عن طريق فتح حوار حقيقي، حتى لا يتحول الرفض إلى جبهة صراع جديدة تواجهها الدولة الصومالية تزيد من الانقسامات بخلاف مواجهات حركة «الشباب».

وصادق نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية عقب «تصويت 169 نائباً لصالحه، فيما رفضه نائبان، وامتنع عن التصويت نائب واحد»، وفق ما نقلته وكالة «الأنباء الصومالية» الرسمية، لافتة إلى أن القانون «هام لإجراء انتخابات بنظام الصوت الواحد في البلاد».

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلاها انقلابات وحروب أهلية ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب أعضاء المجالس التشريعية المحلية ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايدت المطالب لإجراء انتخابات مباشرة، التي اعتمدها بالفعل البرلمان، وفق إعلام محلي.

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من «حركة الشباب» خلال عملية عسكرية (أ.ب)

خطوة مهمة

المحلل السوداني في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن تلك الخطوة مهمة باعتبارها تنقل العملية الديمقراطية إلى الانتخاب القائم على رأي الجمهور، بديلاً عن عملية الاقتراع غير المباشر عن طريق القبائل والزعامات الأهلية.

ويأتي صدور القانون قبل إجراء ولاية جوبالاند الرافضة له انتخابات رئاسية، يوم الاثنين، لا تعترف بها مقديشو. وقال وزير البترول، عبد الرزاق عمر، في تصريحات صحافية قبل أيام، إن «الحكومة الفيدرالية ملتزمة بتحويل الصومال بعيداً عن الانتخابات غير المباشرة القائمة على العشائر إلى نظام صوت واحد لشخص واحد. لا يمكننا تأييد نتائج هذا المشروع المسرحي، الذي ينتهك مبادئ الحكم الشامل».

وسبقه اتهام رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، إلى أحمد مادوبي، الذي يتولى قيادة جوبالاند منذ عام 2013، بتقويض الجهود الرامية إلى تحويل الصومال نحو الاقتراع العام، مؤكداً أن «تصرفات جوبالاند تنتهك الالتزامات التي تم التعهد بها خلال المجلس الاستشاري الوطني لإنشاء إطار انتخابي موحد».

وينضم لرفض جوبالاند موقف مماثل من ولاية بونتلاند، في وقت تعاني فيه الصومال من عنف مستمر وتهديدات إرهابية، بحسب المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري، لافتاً إلى أن تطبيق قانون الانتخابات الوطنية في الصومال «يمثل فرصة لتعزيز الديمقراطية»، ولكنه يحمل في طياته تحديات كبيرة.

ويرى أن تطبيق قانون الانتخاب المباشر في ظل الظروف الحالية يتطلب معالجة تحديات عدة، أولها «الوضع الأمني الهش مع تهديدات إرهابية تجعل من الصعب ضمان أمن الانتخابات، باعتبار أنه إذا لم تتوفر الظروف الأمنية الكافية، فإن إجراء انتخابات حرة ونزيهة سيكون صعباً»، وثانيها «المعارضة السياسية، خصوصاً مع سير سياسيين في فلك معارضة بعض الولايات، ما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار».

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية (أ.ب)

اعتراضات على القانون

وكان الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، قد اعترض على مشروع القانون في مؤتمر صحافي بمقديشو، قبل أسبوع، موضحاً أنه «لا يمكن إجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد، لا تشارك فيها ولايتا بونتلاند وجوبالاند والسياسيون المعارضون، مع عدم وجود أجواء أمنية تسمح بإجراء الانتخابات المذكورة حتى في العاصمة الصومالية».

ودافع النائب الصومالي، عبد الرحمن عبد الشكور، عن حق الولايات الإقليمية في عقد الانتخابات الخاصة بها وفقاً للنظام الفيدرالي المعمول به في البلاد، فيما توقع رئيس الوزراء الصومالي السابق حسن علي خيري، في تصريحات منفصلة، قبل نحو أسبوع، أن يقود القانون الصومال إلى مزيد من الصراع وعدم الاستقرار السياسي، داعياً إلى «عدم تجاهل الواقع الذي تشهده البلاد، وفتح منصة وطنية للاتفاق على الانتخابات بمشاركة ولايتي بونتلاند وجوبالاند وأصحاب المصلحة السياسية لإنقاذ الشعب الصومالي من الارتباك وعدم اليقين السياسي».

وأرجع تورشين ذلك إلى أن «بعض القوى السياسية والأهلية لديهم مصالح في الإبقاء على الوضع كما هو عليه، لما له من مزايا أعطت العشائر والقبائل نفوذاً كبيراً للتأثير على العملية السياسية، وكذلك توجيهها ومحاولة الضغط والتأثير عليها، وهذا أيضاً يفسر المعارضة من الولايتين المهتمين الساعتين للاحتفاظ بمكاسبهما»، محذراً من «فتح جبهة صراع مباشر بين الرافضين والموافقين ستحد من سبل مواجهة جبهة حركة الشباب».

ضباط صوماليون يشاركون في عرض عسكري أبريل عام 2022 (رويترز)

عقبة حركة «الشباب»

ووفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإنه من الصعب في الوقت الحالي تطبيق نظام انتخابات مباشرة، وأرجع ذلك إلى تمسك الحكومة بتطبيق القانون، وسعيها لـ«تعزيز البقاء في الحكم».

وأوضح أن «هناك أكثر من 60 في المائة من منطقة جنوب الصومال تسيطر عليها (حركة الشباب)، وتحتاج الحكومة على الأقل 5 سنوات أخرى لعقد انتخابات مباشرة بها، ولذا يجب أن يكون تحرير تلك المناطق الأولوية حالياً»، محذراً من حدوث انقسام قبلي كبير إذا مضت الحكومة نحو التطبيق دون توافق.

لكن حال نجحت حكومة في إجراء انتخابات مباشرة فإنها، بحسب عبد الولي جامع بري، ستعزز من شرعية الحكومة وتعيد ثقة المواطنين بالعملية السياسية، وأيضاً سيؤدي نجاح الانتخابات إلى تحسين العلاقات الدولية المهتمة بالمشاركة الجماهيرية، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة الدعم الدولي للصومال، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو دعم التنمية.

وأضاف: «للتغلب على الرفض، فإنه يجب على الحكومة الفيدرالية فتح قنوات حوار مع الولايات المعارضة، والعمل على إيجاد توافقات، بجانب تأجيل التطبيق الذي من الحكمة أن يتم حتى التوصل إلى توافق سياسي، ووضع استراتيجيات أمنية عبر التعاون مع المجتمع الدولي لضمان سلامة الانتخابات».

وإذا أصرت الحكومة على تطبيق القانون دون توافق، فإن هذا قد يؤدي إلى «انقسامات جديدة»، وفق بري، الذي أكد أنه «من الضروري أن تتبنى الحكومة نهجاً شاملاً يضمن تمثيل جميع الأطراف ويساهم في تحقيق الاستقرار».

ويتفق معه تورشين، قائلاً إنه مع إجراء حوار مباشر وتقديم تطمينات، ومن ثم يمكن التوصل لتفاهمات بشأن إجراءات الانتخابات التي ستقلل نفوذ الزعمات الأهلية والقبلية، وتمنح مع الوقت الشعب الصومالي الفرصة في أن يقرر بأصواته ووعيه مصيره عبر الاقتراع المباشر، رغم تحديات الفقر المتزايد وتراجع معدلات التعليم.