سلطات طرابلس تلوح منفردة بـ«استفتاء» لحسم أزمة الدستور

سياسيون حذروا من «إنهاء شرعية» مجالس وطنية منتخبة

لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)
لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

سلطات طرابلس تلوح منفردة بـ«استفتاء» لحسم أزمة الدستور

لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)
لقاء سابق يجمع المنفي والدبيبة (المجلس الرئاسي الليبي)

كرر عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، خلال الأيام الماضية، الحديث عن ضرورة العمل على إعداد مشروع دستور للبلاد يحظى بتوافق الجميع، وقال إنه يفكر في استفتاء عام «ليعبر الناس من خلاله عما يريدونه».

وجاء خطاب الدبيبة متوافقاً مع توجهات المجلس الرئاسي، الذي دشن الشهر الماضي «مفوضية للاستفتاء»، ضد رغبة باقي الأفرقاء السياسيين في شرق ليبيا. وفي ظل عدم إفصاح الدبيبة عن القضايا الخلافية التي سيطرحها للاستفتاء الشعبي، زاد الترقب والمخاوف مما قد تقدم عليه البلاد.

سيناريوهان لحسم الخلافات

في حديثهم إلى «الشرق الأوسط»، توقع سياسيون ليبيون توجه الدبيبة، بالتنسيق مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لسيناريوهين؛ لتأكيد جديتهما لحسم الخلافات السياسية التي تعوق إجراء الانتخابات.

السيناريو الأول يتمثل في إجراء استبيان للرأي خلال الفترة المقبلة حول طرح مسودة مشروع الدستور، الذي سبق أن أعدته هيئة عام 2017. أما السيناريو الثاني فيتعلق بإجراء استفتاء على النقاط الخلافية المتضمنة بالقوانين الانتخابية التي أقرها البرلمان قبل عام، والتي تواجه بعض الاعتراضات لما تضمنته من شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة.

من جلسة سابقة للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

رئيس لجنة الأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة، سعيد ونيس، عدّ أن «السيناريو الأول هو الأقرب للتنفيذ». واستبعد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما ردده البعض مؤخراً عن احتمال دعوة المنفي والدبيبة لتشكيل لجنة جديدة تضطلع بمهمة إعداد مشروع دستور جديد. وقال بهذا الخصوص إن حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي «مجرد سلطة تنفيذية نتجت عن (ملتقى الحوار السياسي) بجنيف، الذي رعته الأمم المتحدة بداية عام 2021، وليست سلطة تشريعية ليكون لديهما أي صلاحية لإعداد مشروع دستور جديد، أو حتى المساس بتعديل مشروع مسودة دستور الهيئة التأسيسية»، مضيفاً أن إجراء استبيان أو استفتاء يُعدّ ضمن «مهام تنفيذية يمكن أن يضطلع بها المجلس الرئاسي».

قرار المجلس الرئاسي بتشكيل مجلس إدارة «المفوضية الوطنية للاستفتاء» أثار حفيظة البرلمان (البرلمان)

وكان المجلس الرئاسي قد قرر تشكيل مجلس إدارة «المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني»، وهو ما أثار حفيظة البرلمان، الذي عدّ ذلك «تجاوزاً لصلاحيات المجلس الرئاسي»، المنصوص عليها في «اتفاق جنيف».

وشدد عضو (الأعلى للدولة) على أنه «لا توجد شخصية أو جسم سياسي يستطيع أن ينكر على الليبيين حقهم في إبداء رأيهم حيال أي قضية وطنية، بما في ذلك مجلسا النواب و(الأعلى للدولة)، خاصة إذا ما أُجري الاستفتاء بإشراف دولي».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» برئاسة الدبيبة، وتتخذ من العاصمة بالمنطقة الغربية مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان ومدعومة من «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

وحذر ونيس من مغبة «محاولة الاقتراب من إنهاء شرعية مجالس وطنية منتخبة، وهو ما يعني الانتقال بالكامل لشرعية المجتمع الدولي، الذي أتى بحكومة (الوحدة) والمجلس الرئاسي للسلطة، مما يعد مساساً بسيادة البلاد».

من جهتها، تحدثت عضوة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، نادية عمران، عن وجود «حالة غموض بشأن القضايا التي يعتزم الاستفتاء عليها»

وأعربت لـ«الشرق الأوسط» عن قناعاتها بأن الحل الأمثل «يتمثل في طرح مسودة مشروع الدستور المعدّ من قبل الهيئة التأسيسية للاستفتاء»، لافتة إلى «وجود طعون أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بطرابلس على التعديل الـ(13) للإعلان الدستوري، الذي انبثقت عنه لجنة مشتركة من مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة لوضع القوانين الانتخابية، التي أقرها البرلمان لاحقاً».

وتعترض مجموعة ليست هينة من أعضاء الأعلى للدولة، وأصوات أخرى في الساحة السياسية، على القوانين الانتخابية التي أقرها البرلمان، وتحديداً كونها تتيح «ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين لمنصب رئيس الدولة».

كما تواجه مسودة مشروع الدستور، المنجز في 2017، «اعتراضات واسعة من أطياف ليبية عديدة، من بينهم الأمازيغ والتبو والطوارق، بسبب ما سموه بـ«الإقصاء، وعدم تمثيلهم بما يكفي في الحياة السياسية».

وفي مواجهة من يشككون بنوايا الدبيبة، وكيف يحاول توظيف الاستفتاء كورقة ضغط ومناكفة مع البرلمان، قالت عمران: «أغلب قرارات القوى الرئيسية بالبلاد تنشد وتستهدف في ظاهرها تحقيق المصلحة العامة، إلا أن ذلك لا يقلل المخاوف حيال توظيفها في المناكفات المتواصلة بينهم»، ورأت أنه «إذا تحقق الاستفتاء فهذا يحسب للدبيبة والرئاسي، والعكس صحيح».

بدوره، توقع المحلل السياسي الليبي، صلاح البكوش، أن يُقدم المنفي على ممارسة صلاحياته «بالاحتكام للشعب عند الضرورة، والدعوة للاستفتاء الشعبي على مسودة الدستور المنجز قبل نحو خمس سنوات، ليقول الشعب كلمته بشأنه قبولاً أو رفضاً».

الصديق الكبير المحافظ السابق للمصرف المركزي (رويترز)

ووفقاً لرؤية البكوش في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، فإن هناك «فرصاً كبيرة لنجاح المجلس الرئاسي في فرض الاستفتاء كأمر واقع»، معتقداً أنه «تمكن من تغيير قواعد اللعبة السياسية بالبلاد، بإجباره مجلسي النواب والأعلى الدولة على إحداث تغيرات بإدارة المصرف المركزي، بعد إقالة محافظه السابق الصديق الكبير».


مقالات ذات صلة

ليبيا: عودة الاحتقان إلى تاورغاء بعد 6 أعوام من «المصالحة» مع مصراتة

شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» خلال زيارة سابقة إلى تاورغاء وبجواره عميد البلدية عبد الرحمن الشكشاك (الوحدة)

ليبيا: عودة الاحتقان إلى تاورغاء بعد 6 أعوام من «المصالحة» مع مصراتة

وسط دعوات لوقفات احتجاجية يرفض سكان مدينة تاورغاء قراراً أصدره رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة بضمها بوصفها فرعاً بلدياً إلى جارتها مصراتة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لاجتماع رئيسه صالح مع خوري في القبة

ترقب ليبي بعد إعلان صالح وخوري اتفاقهما على تشكيل «حكومة موحدة»

في ظل الصراع على السلطة في ليبيا، أعلن صالح، رئيس مجلس النواب، اتفاقه مع المبعوثة الأممية بالإنابة على تشكيل حكومة «موحدة»، دون توضيح آلية تشكيل هذه الحكومة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا بلقاسم حفتر مستقبِلاً المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني خوري (صندوق التنمية والإعمار)

خوري تناقش مع بلقاسم حفتر سبل ضمان التنمية العادلة لـ«جميع الليبيين»

قالت المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني خوري، إنها عقدت اجتماعاً مع مدير «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، ناقشا فيه ضمان التنمية العادلة لجميع مناطق البلاد.

خالد محمود (القاهرة)
يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا من ملتقى «المسار الاجتماعي الأول للمصالحة الوطنية» الذي نظمه «المجلس الرئاسي» في 2022 (أرشيفية - المجلس الرئاسي)

ليبيا: مشروعان لـ«المصالحة الوطنية»... لا يتصالحان

يراوح ملف «المصالحة الوطنية» في ليبيا مكانه منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011 في ظل نزاع بين مجلسي «النواب» و«الرئاسي» على إدارة الملف.

جمال جوهر (القاهرة)

الرباط تحتضن الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المغربية - الفرنسية

العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
TT

الرباط تحتضن الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المغربية - الفرنسية

العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)
العلاقات المغربية - الفرنسية شهدت زخماً جديداً بعد زيارة ماكرون الأخيرة للرباط (أ.ف.ب)

تنفيذاً لتعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ترأس الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، مع الجنرال تييري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية، الاثنين، في العاصمة الرباط، الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المختلطة المغربية - الفرنسية، بحسب ما أوردته تقرير لوكالة الأنباء المغربية الرسمية.

وذكر بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية أن المباحثات بين المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية تمحورت حول مختلف أوجه التعاون العسكري الثنائي، وكذا الوضع الأمني الإقليمي والدولي.

وأضاف المصدر ذاته أن المسؤولين أشادا بالمستوى المتميز للتعاون بين القوات المسلحة للبلدين؛ ما يعكس الروابط القوية التي تجمعهما، والتي ما فتئت تتعزز في مختلف القطاعات. كما اتفقا على الاستفادة من الدينامية التي أحدثتها الشراكة الاستثنائية المعززة، التي أرساها قائدا البلدين، الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون.

وخلال اللقاء، ركزت اللجنتان على بحث نتائج التعاون العسكري الثنائي لعام 2024، وكذا الأنشطة التي سيتم تنفيذها في عام 2025.

كما أجرى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف إدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، في اليوم نفسه، مباحثات بمقر الوزارة مع الجنرال تيري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية.

وخلال هذه المحادثات، يضيف البلاغ، أعرب المسؤولان عن ارتياحهما للدينامية الإيجابية لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين، وكذا آفاق توسيعها لتشمل مجالات الفضاء والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي خدمة للقوات المسلحة والصناعة الدفاعية.