مصر تتمسك بقاعدة «الإجماع» لحل «الخلافات المائية» في حوض النيل

وزير الري أكد رفض بلاده إهدار حقوق أي دولة

وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
TT

مصر تتمسك بقاعدة «الإجماع» لحل «الخلافات المائية» في حوض النيل

وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)
وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم خلال حفل تخريج متدربين أفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

أكّدت مصر تمسكها بضرورة العمل وفق قاعدة «الإجماع» في إدارة وحل «الخلافات المائية» مع دول حوض النيل. وشدَّد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الأحد، على رفض بلاده «إهدار حقوق أي دولة». وسط أزمة بسبب اتفاقية «عنتيبي»، التي وقّعتها مجموعة من دول منبع نهر النيل، وتعارضها دولتا المصب (مصر والسودان).

واتفاقية «عنتيبي»، التي تُعرف أيضاً بـ«الإطار التعاوني لحوض نهر النيل»، أُبرمت عام 2010، وتفرض إطاراً قانونياً لحل الخلافات والنزاعات، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية من دون التوافق مع دولتَي مصر والسودان، كما تعتمد مبدأ «الأغلبية» في التصويت على قراراتها.

ويضم حوض نهر النيل 11 دولة أفريقية؛ بين دول المنبع: بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، وجنوب السودان، فضلاً عن دولتَي المصب (مصر والسودان)، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء إثيوبيا «سد النهضة»، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لتعديلها.

وأكد وزير الموارد المائية المصري، الأحد، خلال مشاركته في احتفالية تخريج 19 متدرباً من 14 دولة أفريقية شاركوا في برنامج تدريبي عن «إدارة أحواض الأنهار»، حرص مصر على «التعاون مع الدول الأفريقية الشقيقة، ودعم التنمية بدول حوض النيل، مع أهمية الالتزام بتطبيق مبادئ القانون الدولي فيما يخص المياه العابرة للحدود». وجدَّد سويلم رفض بلاده «أي إجراءات أحادية تقوم بها بعض دول منبع النيل».

سويلم مع المتدربين الأفارقة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في 13 أكتوبر (تشرين الأول)، دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ.

وتُعارض مصر ومعها السودان الاتفاقية، ويتمسّكان باتفاقات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تُقرّ 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، ويرفضان أي مشروع مائي بمجرى النيل يُلحق أضراراً بالأمن المائي.

وشدد سويلم على «ضرورة إدارة الموارد المائية العابرة للحدود بشكل متكامل من خلال منظمات أحواض الأنهار العابرة للحدود، التي تعتمد مبادئ القانون الدولي للمياه، وأن تكون آلية اتخاذ القرار بها بالإجماع لعدم إهدار حقوق أي دولة من دول الحوض».

وتتزامن تصريحات الوزير المصري مع استمرار التوترات بين القاهرة وأديس أبابا بشأن «سد النهضة» الذي تقيمه إثيوبيا على رافد نهر النيل الرئيسي، ويُواجَه المشروع باعتراضات من دولتَي المصب، مصر والسودان؛ للمطالبة باتفاق قانوني ينظِّم عمليات ملء وتشغيل السد، بما لا يضر بحصة كل منهما المائية.

ووفق خبراء، يمكن لاتفاقية «عنتيبي» أن تؤثر سلباً على مصر والسودان، خصوصاً ما يتعلق بحصة كل منهما من مياه النيل، كما أنها (الاتفاقية) تفتح المجال لدول المنبع لإنشاء أي مشروعات مائية دون تشاور مع دولتَي المصب.

وتقول مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، لـ«الشرق الأوسط» إن «اتفاقية عنتيبي مليئة بالغموض، وتوجد بها مواد تضر بمصالح مصر والسودان، منها ألا يكون من حق القاهرة تلقي أي إخطار مسبق أو التشاور بشأن المشروعات المائية والسدود التي تؤثر على حصتها».

وفي أول تحرك للقاهرة بعد الحديث عن تفعيل اتفاقية «عنتيبي»، أعلن وزير الخارجية بدر عبد العاطي، في لقاء مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، منتصف أكتوبر الماضي، «البدء في اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ توجيه رئيس الجمهورية، وذلك بإنشاء صندوق للاستثمار في دول حوض النيل، بهدف تحقيق التنمية على أساس المشارَكة والتعاون بين مصر وأشقائها في دول حوض النيل»، وفق بيان صحافي لمجلس الوزراء.

وترى الطويل أن «اتفاقية عنتيبي ستسهم في تعقُّد نزاع سد النهضة، وزيادة التوترات بين القاهرة وأديس أبابا».

وتطرّق وزير الري المصري، في كلمته أمام المتدربين الأفارقة، إلى التحديات المائية وسبل مواجهتها، مؤكداً أن «مصر تقوم بجهود كبيرة للتعامل مع هذه التحديات من خلال تنفيذ مشروعات كبرى لتطوير منظومة المياه، ورفع كفاءة استخدام المياه، والتوسع في معالجة وإعادة استخدام المياه، حيث تتم معالجة وإعادة استخدام 21 مليار متر مكعب سنوياً من مياه الصرف الزراعي، ستتم زيادتها إلى 26 مليار متر مكعب سنوياً خلال العامين المقبلين من خلال محطات المعالجة الكبرى في الدلتا الجديدة، وبحر البقر والمحسمة».

صورة جماعية للمتدربين الأفارقة في القاهرة (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

وتعاني مصر عجزاً مائياً، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات وزارة الري المصرية.

ويرى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أن اتفاقية «عنتيبي» غير ملزمة لمصر والسودان. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «دول حوض النيل لا يمكنها إلزام القاهرة والخرطوم بهذه الاتفاقية، فلا هي قانون ولا اتفاق دولي، ولا تمَّت مثلاً تحت رعاية الأمم المتحدة، أو مؤسسات دولية».

وبحسب شراقي فإن «الاتفاقية ستتسبب في مشكلات لدول حوض النيل الموقعة مع المؤسسات الدولية التي تعتزم تمويل مشروعاتها المائية، مثل البنك الدولي، فهذه المؤسسات لا يمكنها تقديم أي تمويل لمشروعات ترى دول أخرى، أنها تضر بمصالحها».


مقالات ذات صلة

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

شمال افريقيا الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

حذّرت مصر دول نهر النيل، من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا سويلم يلتقي سفيرة الإمارات في القاهرة (وزارة الموارد المائية)

مصر تطالب بتكاتف الجهود العربية لمواجهة «الشح المائي»

طالبت مصر بتكاتف الجهود العربية لمواجهة «الشح المائي» الذي تعاني منه المنطقة عبر إيجاد حلول مبتكرة للتعامل مع تحديات المياه الأمر الذي عدّه خبراء «ضرورة ملحة».

عصام فضل (القاهرة)
يوميات الشرق الطلب على المياه العذبة سوف يتجاوز العرض بنسبة 40 في المائة بحلول نهاية العقد (رويترز)

أزمة المياه العالمية تُعرض نصف إنتاج الغذاء للخطر

حذّر خبراء من أن أكثر من نصف إنتاج العالم من الغذاء سيكون معرضاً للخطر خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، مع تفاقم أزمة المياه العالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا وزير الري المصري ونظيره النيجيري (الري المصرية)

«أسبوع المياه»... مصر توسع شراكاتها مع الصومال وكينيا ونيجيريا

عززت الحكومة المصرية من شراكاتها مع دول أفريقية في مجال المياه وإدارة الموارد المائية باتفاقيات تعاون مع الصومال وكينيا ونيجيريا.

أحمد إمبابي (القاهرة )
تحليل إخباري مقر وزارة الخارجية المصرية وسط القاهرة على ضفاف نهر النيل (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ما تداعيات دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ على مصر؟

إعلان دخول اتفاقية «عنتيبي»، التي تنظّم ملف المياه لبعض دول حوض النيل، حيّز التنفيذ بعد 14 عاماً من محادثات وخلافات، أثار تساؤلات بشأن تداعياتها على مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

70 منظمة دولية تطالب بإجراءات أممية لحماية المدنيين في السودان

أحد أحياء أم درمان الذي مزقته الحرب في 2 نوفمبر (أ.ف.ب)
أحد أحياء أم درمان الذي مزقته الحرب في 2 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

70 منظمة دولية تطالب بإجراءات أممية لحماية المدنيين في السودان

أحد أحياء أم درمان الذي مزقته الحرب في 2 نوفمبر (أ.ف.ب)
أحد أحياء أم درمان الذي مزقته الحرب في 2 نوفمبر (أ.ف.ب)

أدت موجة العنف والهجمات المسلحة من قبل «قوات الدعم السريع» على أكثر من 30 قرية وبلدة بولاية الجزيرة وسط السودان، لنزوح أكثر من 135 ألفاً يكونون 27 ألف أسرة، إلى مواقع مختلفة في السودان، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، فيما قتل 10 مدنيين في هجوم نُسب لـ«قوات الدعم السريع» في الولاية نفسها، على ما أفادت، الثلاثاء، لجان المقاومة، وهي مجموعة من الناشطين المؤيدين للديمقراطية.

ووصفت 70 منظمة دولية غير حكومية تعمل في منتدى عقد بالسودان، تصعيد الأعمال العدائية في شرق ولاية الجزيرة، بأنه أحد أشد أعمال العنف تطرفاً طوال الأشهر الـ18 الماضية، وحثت تلك المنظمات، وفقاً لبيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان «أوتشا»، الثلاثاء، المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية المدنيين، وضمان توصيل المساعدات بشكل آمن وغير مقيد في جميع أنحاء البلاد.

أطفال جرحى وعنف جنسي

وقال بيان «أوتشا» إن تلك المنظمات تلقت تقارير عن وصول أطفال نازحين مصابين بجروح متعددة، ناتجة عن إطلاق الأسلحة النارية عليهم، بينما تستمر الاعتقالات التعسفية واحتجاز الأطفال في أجزاء من ولاية الجزيرة، في وقت يتواصل فيه العنف الجنسي ضد الفتيات والمراهقات، مع حالات لم يتم التحقق منها لنساء وفتيات تعرضن للاعتداء الجنسي والعنف وانتحرن. وقال البيان إن «انعدام الأمن وتوقف قنوات الاتصال المستدامة يؤثران على قدرة المنظمات الإنسانية على جمع المعلومات والبيانات حول الوضع في أجزاء من الجزيرة التي تعرضت للعنف والهجمات».

عنصر من الجيش السوداني خلال دورية خارج مستشفى بأم درمان 2 نوفمبر (أ.ف.ب)

وفي السياق، بثت مصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية (IOM) في نشرة صحافية، الثلاثاء، تنبيهاً عاجلاً عن ولاية الجزيرة، ذكرت فيه وصول الآلاف من النازحين الجدد إلى 16 منطقة في ولايات القضارف، وكسلا، ونهر النيل، وأنهم في حالة تنقل مستمرة اعتماداً على سعة مراكز الإيواء أو إنشاء مواقع تجمع جديدة، وتوفر المساعدات الإنسانية.

ونقلت الهجرة الدولية أن 50 في المائة من الأفراد الذين يتنقلون سيراً على الأقدام، في ولاية القضارف من الوافدين الجدد هم من النساء والأطفال.

وأشار التقرير إلى صعوبة الوصول للنازحين من مناطق «البطانة بولاية الجزيرة، والفاو بولاية القضارف»، نتيجة للأوضاع الأمنية التي تقيد الوصول الإنساني.

تحديات لإيواء النازحين

ووفقاً لتقرير «أوتشا» عن أبرز الأحداث، يواجه الشركاء الإنسانيون تحديات في تتبع بعض السكان النازحين بسبب التنقل العالي والمناطق الجغرافية الواسعة، ما أدى لتزايد حالات الانفصال الأسري في أثناء النزوح الجماعي، ونزوح أطفال غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عن عائلاتهم، مما يزيد من خطر تعرضهم للاستغلال.

وأشار التقرير إلى أن غالب النازحين داخلياً، يعانون من صدمة عميقة، نتيجة للعنف والصعوبات التي عانوا منها في أثناء الصراع والنزوح، ما يعزز من الحاجة الملحة للدعم الطبي والنفسي والاجتماعي.

ووصل النازحون داخلياً وهم في حالة صحية مزرية، نتيجة قطعهم مسافاتٍ طويلة سيراً على الأقدام، امتدت لسبعة أيام بالنسبة للبعض، مع محدودية أو انعدام الوصول إلى المساعدات الإنسانية على طول الطريق، بعضهم فروا فجأة تاركين ممتلكاتهم الشخصية وأصولهم خلفهم، وفقد ما يتراوح بين 70 - 95 في المائة من وثائق هويتهم.

ويعمل الشركاء الإنسانيين في ولايات كسلا والقضارف على توسيع نطاق الاستجابة وتعبئة الموارد لتلبية الاحتياجات الفورية للنازحين الجدد من الجزيرة، وذلك وفقا لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية اختصارا "أوتشا".

ميدانيا، كثفت قوات الدعم السريع الأيام الماضية من هجماتها على البلدات والقرى في شرق ولاية الجزيرة، وبعض مناطق غرب ووسط الجزيرة، وأسفرت تلك الهجمات عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى والمفقودين، وفي ذات الوقت واصلت عمليات التهجير القسري لسكان تلك البلدات. وحسب تقرير للجان المقاومة في مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة، وهي مجموعة من الناشطين المؤيدين للديمقراطية، قتل 10 مدنيين في هجوم نُسب لقوات «الدعم السريع» في قرية البربوراب على بعد نحو 85 كيلومتراً شمال شرقي ود مدني، وذلك غداة مقتل 13 شخصاً بالرصاص في هجوم نسب أيضاً إلى قوات «الدعم السريع» ببلدة الهلالية شرق ولاية الجزيرة على بعد 70 كيلومتراً شمال ود مدني.