«البلديات الليبية» ساحة صراع محتدم بين حكومتَي الدبيبة وحمّاد

وسط سعي لتأكيد «الشرعية» وتوسيع النفوذ الجغرافي

الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)
الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)
TT

«البلديات الليبية» ساحة صراع محتدم بين حكومتَي الدبيبة وحمّاد

الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)
الدبيبة يلتقي عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)

أظهر اجتماع نظمته حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس لعدد من عمداء المجالس البلديات «صراعاً محتدماً» مع نظيرتها بشرق ليبيا حول البلديات، وكيفية السيطرة عليها.

وكان أسامة حماد، رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، التي تدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب الليبي، قد أمر بوقف عدد من عمداء بلديات تلك المناطق عن العمل، وإحالتهم للتحقيق بعد مشاركتهم في اجتماع عقده الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، بالعاصمة طرابلس.

رئيس حكومة «الوحدة» خلال اجتماع بعدد من عمداء البلديات بشرق ليبيا وجنوبها (حكومة الوحدة)

وعدّت أصوات سياسية هذا القرار «نتيجةً متوقعة» في ظل إعلان البرلمان قبل أكثر من شهرين «انتهاء ولاية» حكومة الدبيبة، فضلاً عن إصدار حكومة حماد الكثير من القرارات بعدم التعامل مع سلطات طرابلس أو تنفيذ قراراتها.

ويرى عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، أن توقيف عمداء البلديات «نتيجة طبيعية» لاستمرار حالة الانقسام السياسي والحكومي بالبلاد منذ سنوات عدة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن حكومتَي حماد والدبيبة «تسعيان لتأكيد شرعيتهما عبر وسائل عدة، ومنها إظهار تبعية أكبر عدد من البلديات في عموم البلاد لسيطرتها». مبرزاً أن قرار إيقاف بعض العمداء «جاء في إطار الانزعاج من توظيف حكومة الدبيبة للاجتماع دعايةً سياسيةً لها، بعد أن ضم مسؤولين محليين بالشرق والجنوب، وهي مناطق نفوذ حكومة حماد، للاجتماع معها بالعاصمة».

وتوقع البرلماني أن تقوم حكومة حماد بالتحقّق من أسباب اجتماع هؤلاء العمداء مع الدبيبة؛ وهل كان ذلك لطلب الأموال اللازمة منها لمعالجة مشكلات وأزمات خانقة، تؤثر على معيشة المواطنين ببلدياتهم في ظل ضعف الموارد المخصصة لها»، مشيراً إلى أن هذا الأمر «يمكن التفاهم حوله على اعتبار أن أموال أي حكومة هي ملك لعموم الليبيين».

وأضاف الزرقاء موضحاً: «إذا كان اجتماع هؤلاء العمداء من قبيل دعم الدبيبة وحكومته وتسيس بلدياتهم؛ فإن ذلك قد يستوجب عقاباً ما، في ظل القرارات المعلنة من البرلمان بانتهاء ولاية تلك الحكومة».

رئيس المجلس الأعلى لقبائل فزان ومدنها انتقد حظر حكومة حماد على عمداء بلديات المنطقة التعامل مع حكومة الدبيبة (الشرق الأوسط)

وفي إدراج له على موقع «فيسبوك»، انتقد رئيس المجلس الأعلى لقبائل فزان ومدنها، علي أبو سبيحة، حظر حكومة حماد على عمداء بلديات فزان التعامل مع حكومة الدبيبة؛ «رغم عدم قدرتها (أي حكومة حماد) على توفير متطلبات الجنوب».

أما رئيس مؤسسة «سلفيوم» للأبحاث والدراسات، الليبي جمال شلوف، فسلّط الضوء على ظاهرة توظيف بعض عمداء البلديات وضعية الانقسام السياسي «عبر التنقل بالولاء والتبعية بين حكومتَي الدبيبة وحماد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا لم توافق حكومة حماد على المطالب المادية للمجالس البلدية، فقد لا يتردد هؤلاء في التوجه للاجتماع مع الدبيبة والعكس صحيح». مشيراً إلى أن الدبيبة «يسارع بالاستجابة لأي مطالب تصدر عن أي مجلس بلدي يتبع جغرافياً لحكومة حماد، وذلك نوعاً من المناكفة السياسية، خصوصاً خلال الفترة التي حظي خلالها بدعم محافظ المصرف المركزي السابق، الصديق الكبير». كما أشار إلى أن «السيناريو ذاته يتكرر أيضاً عند مطالبة بعض الشخصيات في منطقة ما بإنشاء بلدية جديدة؛ نظراً لاتساع مساحة البلاد، فإذا رفضت حكومة حماد قام الدبيبة بإصدار قرار بإنشائها».

ويبلغ عدد البلديات في عموم ليبيا 143 بلدية، وفق مسؤولي المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، إلا أن الانتخابات لن تجري إلا في (106) منها، ممن انتهت مدة مجالسها الانتخابية.

أسامة حماد أمر عمداء بلديات بعدم التعامل مع حكومة الدبيبة (الاستقرار)

وترجم بعض المراقبين قرار حماد، قبل أيام عدة، بسحب قرارات سابقة له باعتماد قرابة 17 بلدية مستحدثة في المنطقة الغربية بتوصله إلى اتفاق غير معلن مع حكومة الدبيبة، يقضي بألا يتدخل أي منهما في مناطق نفوذه خصمه.

المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، ورغم انضمامه إلى الآراء السابقة بأن كل حكومة تسعى لاستقطاب أكبر عدد من البلديات بهدف تعزيز نفوذها السياسي، فإنه رأى أن توجه عمداء البلديات لحكومة الدبيبة «يأتي في سياق طبيعي كونها الحكومة المتمركزة بالعاصمة»، مشيراً إلى أن وزارة المالية التابعة لها تصرف الرواتب والمخصصات المالية للأجهزة والمؤسسات كافة بعموم البلاد.

وقال محفوظ لـ«الشرق الأوسط» إن عدم التعامل مع حكومة الدبيبة «قد يشكل عائقاً وعبئاً مالياً وإدارياً على البلديات، التي تتعرض في الوقت نفسه لضغوط من حكومة حماد»، لافتاً إلى أنه «على الرغم من كبر المساحة التي تسيطر عليها حكومة حماد، فإن عدد البلديات بها يعدّ أقل من الموجود بالمنطقة الغربية لتمركز الكثافة البشرية بالأخيرة».

ويعتقد محفوظ أن حكومة حماد «أُبلغت باجتماع الدبيبة مع عمداء بلديات بالشرق والجنوب؛ لكنها كانت مضطرة إلى اتخاذ رد فعل قوي بإعلان إجراء عقابي لمنع أي لقاءات مستقبلية».

وخلافاً لآراء عدّة، يرى محفوظ أن المواطن قد يكون مستفيداً من هذا التنافس الحكومي على استقطاب البلديات، موضحاً أن «رغبة الحكومتين في جذب المجالس البلدية رافقها تنفيذ مشروعات تنموية وخدمية داخل حدودها، خصوصاً وأن كل حكومة تربط اسمها بالمشروعات التي يتم إنجازها».

من جهته، قلّل الناشط السياسي الليبي، بشير الشيخ، من العقوبات التي قد تتخذها أي الحكومتين لمعاقبة أي مجلس بلدي منتخب. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمر قد لا يتعدى التوقيف عن العمل لفترة ما، وليس الفصل، وربما عرقلة تمويل المشروعات بتلك البلدية، وبالطبع يمكن تعويض هذا بالاستنجاد بالحكومة المنافسة».


مقالات ذات صلة

الأحزاب السياسية الليبية... اتجاه متزايد لـ«الاندماج» لمواجهة «الهشاشة»

شمال افريقيا نائبة المبعوث الأممي ستيفاني خوري في لقاء مع منسقي عدد من الأحزاب والكتل السياسية الليبية (البعثة الأممية)

الأحزاب السياسية الليبية... اتجاه متزايد لـ«الاندماج» لمواجهة «الهشاشة»

وسط تزايد أعداد الأحزاب السياسية في ليبيا خلال العقد الماضي، تباينت آراء سياسيين وحزبيين ليبيين بشأن دوافع الاتجاه الكبير من هذه الكيانات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا استخراج الجثث من «مقبرة جماعية» بتاجوراء (الجمعية العامة للبحث عن المفقودين)

سلطات ليبيا تحقق لكشف لغز «مقبرة جماعية» بتاجوراء

ينتظر الليبيون نتائج التحقيقات الجارية في العثور على «مقبرة جماعية» في منطقة بئر الأسطى بمدينة تاجوراء غربي البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة) «الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا بالقاسم ومحمد أبونيان مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «أكوا باور» السعودية (صندوق الإعمار الليبي)

بالقاسم حفتر يتهم السياسيين بـ«إرهاق» ليبيا

خلال مشاركته في افتتاح مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» بالمملكة العربية السعودية، اتهم بالقاسم حفتر السياسيين في بلده، بـ«إرهاق» ليبيا.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا زيارة اللافي والنمروش مدينة يفرن (المجلس الرئاسي)

«الرئاسي» يدخل على خط احتجاجات أمازيغ ليبيا

وسط استمرار تجاهل حكومة الوحدة الليبية «المؤقتة»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، دخل المجلس الرئاسي على خط أزمة الاحتجاجات، التي شهدتها بعض مناطق الأمازيغ.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا من عملية إنقاذ عدد من المهاجرين من طرف خفر السواحل بغرب ليبيا (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)

غرق 12 مصرياً أمام طبرق الليبية خلال محاولتهم «الهجرة»

أعلنت مؤسسة حقوقية ليبية انقلاب قارب كان يقل 13 مصرياً، أمام ساحل مدينة طبرق (شرق)، غرق منهم 12 فرداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سلطات ليبيا تحقق لكشف لغز «مقبرة جماعية» بتاجوراء

استخراج الجثث من «مقبرة جماعية» بتاجوراء (الجمعية العامة للبحث عن المفقودين)
استخراج الجثث من «مقبرة جماعية» بتاجوراء (الجمعية العامة للبحث عن المفقودين)
TT

سلطات ليبيا تحقق لكشف لغز «مقبرة جماعية» بتاجوراء

استخراج الجثث من «مقبرة جماعية» بتاجوراء (الجمعية العامة للبحث عن المفقودين)
استخراج الجثث من «مقبرة جماعية» بتاجوراء (الجمعية العامة للبحث عن المفقودين)

تجري الجهات الأمنية والقضائية في ليبيا تحقيقات موسعة لحل لغز العثور على «مقبرة جماعية» في منطقة بئر الأسطى بمدينة تاجوراء، الواقعة غربي البلاد.

كانت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين بطرابلس قد عثرت على «مقبرة جماعية» بمنطقة بئر الأسطى ميلاد، في 21 من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، استخرجت منها 6 جثامين مجهولة الهوية، بعد إخطار جهات التحقيق بالواقعة، مشيرة إلى أنه جرى بتعاون بين إدارتي البحث عن الرفات والطب الشرعي بالهيئة العامة، أخذ العينات من تلك الجثامين، وإحالتها إلى إدارة المختبرات بالهيئة لإجراء تحليل الحمض النووي بهدف التعرف على هويات الجثامين.

فريق الجمعية العامة للبحث عن المفقودين يواصل استخراج الجثث من «مقبرة جماعية» بتاجوراء (الجمعية)

وفي حين كشفت الهيئة العامة أن هذه الجثث تعود لعام 2011، فإن جهات التحقيق لم تعلن حتى الآن عن الكيفية التي قضوا بها في تلك الأثناء، لكنّ مصدراً بالنيابة العامة قال إن ليبيا شهدت أحداثاً دموية على فترات متقطعة خلال السنوات التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، متوقعاً أن تكون هذه الجثث، التي ارتفع عددها إلى 46 جثة، نتيجة لهذه الأحداث، وقال إنهم سيعلنون قريباً عن معطيات تتعلق بمقبرة بئر الأسطى ميلاد.

فريق الجمعية العامة للبحث عن المفقودين ينتشل عدداً من الجثث (الجمعية العامة للبحث عن المفقودين)

وكانت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين قد أعلنت، مساء أمس (الأربعاء)، أن فرق الهيئة تمكنت من استخراج 21 جثماناً من مقبرة بئر الأسطي خلال اليومين الماضيين، مشيرة إلى أن العدد الإجمالي ارتفع إلى 46 جثة.

في غضون ذلك، تؤكد الهيئة عزمها على مواصلة جهودها للكشف عن مصير المفقودين وتقديم الدعم لذويهم.

وعرفت ليبيا «المقابر الجماعية»، أو حفر الموت، بشكل مفجع بعدما رحلت ميليشيا «الكانيات» عن مدينة ترهونة، الواقعة على بُعد 90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة الليبية طرابلس.

وفور انتهاء الحرب التي شنها «الجيش الوطني» على العاصمة مطلع يونيو (حزيران) 2020، عثر عدد من المواطنين في ترهونة على «مقابر جماعية»، ضمت مئات الجثث من مختلف الأعمار. وأظهرت مقاطع فيديو آنذاك عمليات الكشف وانتشال عشرات الجثث لأشخاص بعضهم مكبل اليدين، بينهم عدد من الأطفال، من مواقع بصحراء ترهونة، وحاوية حديدية، وبئر معطلة بالقرب من ترهونة، الأمر الذي أحدث ردود فعل محلية ودولية واسعة.

وتواجه «الكانيات» اتهامات بتصفية مئات الأسرى، الذين وقعوا في قبضتها انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم، ودفنهم في «مقابر جماعية» على أطراف مدينة ترهونة.

من عمليات البحث عن الجثث (الجمعية العامة للبحث عن المفقودين)

وتاجوراء منطقة ساحلية تقع في شرق العاصمة طرابلس، وتبعد 21 كيلومتراً من وسط طرابلس. وسبق أن عثرت جمعية «الهلال الأحمر الليبي» في تاجوراء على 7 جثث مجهولة الهوية عام 2015، وقالت حينها إنهم قتلوا بسبب الاشتباكات المسلحة العنيفة التي شهدتها المنطقة.

واكتشف مواطنون خلال السنوات الماضية «مقابر جماعية» في ليبيا، كما عثروا على جثث عليها آثار رصاص ملقاة على قارعة الطريق، لكن لم تصل التحقيقات التي أجريت حينها إلى نتيجة.