ماكرون: فرنسا مستعدة لدعم المغرب في المحافل الدولية

الرئيس الفرنسي يجدد أمام البرلمان المغربي دعم «سيادة» الرباط على الصحراء

الرئيس الفرنسي يلقي كلمته في البرلمان مجتمعاً بغرفتيه (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي يلقي كلمته في البرلمان مجتمعاً بغرفتيه (إ.ب.أ)
TT

ماكرون: فرنسا مستعدة لدعم المغرب في المحافل الدولية

الرئيس الفرنسي يلقي كلمته في البرلمان مجتمعاً بغرفتيه (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي يلقي كلمته في البرلمان مجتمعاً بغرفتيه (إ.ب.أ)

قطعاً، من حق الطرفين، الفرنسي والمغربي، الشعور بالارتياح للنتائج التي حققتها زيارة الدولة من ثلاثة أيام، التي يقوم بها الرئيس الفرنسي للمغرب وتنتهي الخميس. فالمغرب حصل على ما يسعى إليه منذ سنوات، وهو أن تسير فرنسا في ركب الدول التي تعترف بسيادته على صحرائه، وأن تزكي الخطة التي أطلقها منذ سنوات طويلة والقائمة على إعطاء هذه المنطقة إدارة ذاتية في إطار السيادة المغربية، وبذلك تكون باريس قد لحقت بركب واشنطن وبرلين ومدريد.

الرئيس الفرنسي مستعرضاً حرس الشرف لدى وصوله إلى البرلمان المغربي الثلاثاء لإلقاء خطابه (أ.ف.ب)

وتراهن الرباط على التحول في الموقف الفرنسي لدفع دول أوروبية أخرى باقتداء المقاربة الفرنسية الجديدة. وبالمقابل، فإن الحصاد الفرنسي من العقود والاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، والتعاون في الكثير من المجالات الثقافية والتربوية والرياضية، جاء وفيراً، حيث وصلت القيمة الإجمالية لما تم توقيعه إلى عشرة مليارات يورو. ومنذ اليوم الأول من الزيارة، تم توقيع 22 عقداً بحضور الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون، وثمة عقود إضافية يفترض أن توقع يومي الأربعاء والخميس؛ ما يعني أن ما كانت تسعى إليه باريس، الهادفة إلى استعادة موقع استثنائي في المغرب، أصبح قاب قوسين أو أدنى. ولا تتوقف الأمور عند العقود. فالطرف الفرنسي يريد أيضاً دفع ملف الهجرات إلى الأمام، ويسعى تحديداً إلى التزام الرباط بتسهيل وتسريع عملية استعادة المغرب لرعاياه، الذين ليس لهم الحق في البقاء على الأراضي الفرنسية، وصدرت بحقهم أحكام بالإبعاد.

ماكرون: سياستنا إزاء الصحراء ليست معادية لأحد

كان الحدث الأبرز في اليوم الثاني لزيارة ماكرون للمغرب، الخطاب المطول الذي ألقاه أمام غرفتي البرلمان المغربي بكامل أعضائه، حيث لقي تجاوباً ملحوظاً، وقوطعت كلمته بالتصفيق مرات عدة، خصوصاً في حديثه عن الصحراء وعن موقف فرنسا إزاءها.

الرئيس ماكرون قبل دخوله قاعة البرلمان المغربي لإلقاء خطابه (أ.ف.ب)

وقال ماكرون: «أعيد التأكيد أمامكم أن فرنسا تعتبر أن حاضر ومستقبل هذه المنطقة يندرجان في إطار السيادة المغربية»، مؤكداً أمرين: الأول وهو أن باريس ومعها «الفاعلون الاقتصاديون وشركاؤنا سوف يرافقون تنمية هذه المنطقة، عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها»، بحيث تتصرف فرنسا وفق قراءتها لمنطوق القانون الدولي. والآخر أن باريس تلتزم «مواكبة المغرب في المحافل الدوليةّ» بشأن ملف الصحراء.

ماكرون مصافحاً رئيس مجلس النواب رشيد طالبي العلمي (أ.ف.ب)

وترجمة هذا الكلام تعني أن فرنسا مستعدة لدعم المغرب أكان داخل الاتحاد الأوروبي، حيث لها قدرة على التأثير على عدد من أعضاء الاتحاد، لكن أيضاً داخل مجلس الأمن الدولي، حيث تتمتع بمقعد دائم وبحق اللجوء إلى استخدام الفيتو (حق النقد).

ولأن التحول في الموقف الفرنسي أثار عند الإعراب عنه للمرة الأولى في رسالة من ماكرون للملك نهاية يوليو (تموز) الماضي، غيظ الجزائر التي عمدت إلى سحب سفيرها من باريس، فإن التأكيد عليه مجدداً أمام البرلمان سيثير مرة أخرى حنق الطرف الجزائري. لذا؛ سارع ماكرون إلى التأكيد أن موقف بلاده الجديد «ليس معادياً لأحد». في إشارة واضحة للجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو، وترفض الخطة المغربية.

الرئيس الفرنسي مع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش (أ.ف.ب)

وتريد فرنسا والمغرب «كتابة كتاب جديد» في علاقاتهما الثنائية، وفق تعبير الملك محمد السادس. وطيلة خطابه، لم يتوقف ماكرون عن كيل الثناء للعاهل المغربي، مشيداً بسياساته وبما عرفه المغرب من تقدم. وقال بهذا الخصوص ماكرون إن «الرؤية المستنيرة للعاهل المغربي، وما حققته طيلة 25 عاماً تنير لنا طريق المستقبل». ولذا؛ اقترح أن يعمد الطرفان إلى التوقيع على معاهدة جديدة، تشكل ما سماه «إطاراً استراتيجياً» للعلاقات المستقبلية الثنائية بين البلدين في العام 2025، وبمناسبة «زيارة الدولة» إلى فرنسا، التي قبل محمد السادس تلبيتها بناءً لدعوة ماكرون، والتي تصادف الذكرى السبعين لاتفاقية «سيل سان كلو»، التي ثبتت استقلال المغرب عن فرنسا.

العاهل المغربي خلال استقباله الرئيس ماكرون في الرباط (أ.ف.ب)

ويفترض أن تكون الرؤيا الجديدة امتداداً لـ«الشراكة الاستثنائية المعززة»، التي أبرمها ماكرون ومحمد السادس، مساء الاثنين، والتي جاء عليها البيان المشترك الذي وزَّعه في وقت واحد البلاط الملكي وقصر الإليزيه. وأشار ماكرون إلى تشكيل هيئة مشتركة، تقوم مهمتها على بلورة مضمون الإطار المذكور، مؤكداً أن المغرب سيكون الدولة الوحيدة خارج الاتحاد الأوروبي، التي تقيم معها فرنسا علاقات من هذا النوع، والذي «سيشكل ترجمة لطموحنا المشترك».

ملف الهجرات

إضافة إلى توثيق العلاقات الاقتصادية والتجارية، يريد ماكرون من زيارته إحراز تقدم في ملف الهجرات، الذي يدفع الرأي العام الفرنسي باتجاه اليمين واليمين المتطرف. وثمة مسألة تريد الحكومات المتعاقبة تحقيق تقدم في معالجتها، وحتى اليوم لم تفلح، وعنوانها قبول المغرب، كما الدول الأخرى، مثل الجزائر وتونس ودول أفريقية عدّة، استعادة رعاياها الذين يتكدسون في مراكز الاحتجاز بانتظار ترحيلهم عن الأراضي الفرنسية. وهذا الملف كان موضع تباحث بين وزيري داخلية البلدين برونو روتايو، وعبد الوافي لافتيت.

ويريد الأول، المنتمي إلى الجناح المتشدد في حزب «اليمين الجمهوري»، إيجاد رابط بين سياسة التأشيرات للمواطنين المغاربة بقبول الرباط استعادة مواطنيها، وتسريع إرسال الوثائق القنصلية لإتمام عمليات الترحيل.

العاهل المغربي مستقبلاً الرئيس الفرنسي في القصر الملكي بالرباط (رويترز)

وفي كلمته، رأى ماكرون أنه يأمل أيضاً أن تتناول «الشراكة الاستثنائية قضية الهجرات غير الشرعية، وضرورة التعاون الطبيعي والسلس في ملف الإجازات القنصلية». مشددا على رغبة الفرنسيين في الحصول على «مزيد من النتائج». وليس سراً أن ملف الهجرات وتبعاته يشكل الرافعة الرئيسية لارتفاع تأييد اليمين المتطرف في فرنسا وفي البلدان الأوروبية بشكل عام. كذلك، حث على العمل المشترك لمحاربة الإرهاب والتهريب بأنواعه كافة، بما في ذلك المخدرات وأيضاً الجريمة المنظمة.

المغرب بوابة أفريقيا

يضيق المجال للغوص على المواضيع كافة التي تناولها ماكرون في خطابه، إن لجهة العلاقات التاريخية بين بلاده والمغرب، أو بالنسبة لما قام به الاستعمار الفرنسي، أو لما قدمه المغاربة لفرنسا إن أثناء الحرب العالمية الثانية، أو في إعادة إعمارها بعد الحرب. كذلك سمى أعلاماً من المغاربة الذين لمعت أسماؤهم بفرنسا من كبار المفكرين والأدباء، وتوقف بالتفصيل عند ضرورة التعاون بين باريس والرباط، إن على المستوى الثنائي أو في إطار البحر الأبيض المتوسط أو أفريقيا.

وبالنظر للإخفاق الذي واجهته سياسة ماكرون في منطقة الساحل الأفريقي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر...)، أعرب ماكرون عن أسفه لأن بلاده «اتُهمت من قِبل البعض بكل الشرور، ظلماً وعدواناً؛ لأنها حالت على مدى عقد من الزمن دون انهيار دول عدة في مواجهة الإرهاب».

وبمواجهة هذا الوضع، شدد ماكرون على تغير مقاربة بلاده، التي أخذت تسعى لـ«بناء استراتيجيات تشاركية جديدة»، وعلى الحاجة إلى التوصل إلى «توفير الاستقرار الذي يحترم الشعوب»، والتركيز خصوصاً على فئة الشباب.

وشرح ماكرون مطولاً فائدة العمل المشترك الفرنسي - المغربي في أفريقيا، التي وصفها بأنها قارة المستقبل، والدور الذي يستطيع المغرب أن يلعبه بفضل جغرافيته وثقافته، والحاجة إلى «الاستهداء» بما قام به المغرب في هذه القارة.

الرئيس ماكرون وعقيلته خلال زيارتهما ضريح محمد الخامس بالرباط (أ.ف.ب)

يبقى أن ماكرون لم يتناسَ ما يحدث في لبنان وغزة، حيث دعا إلى «وقف فوري للهجمات». وإذ اعترف بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن شعبها»، إلا أنه أكد أن «لا شيء يمكن أن يبرر الحصيلة الإنسانية (للخسائر) في غزة».

وفي الحالتين، ركز على ضرورة اتباع النهج الديبلوماسي لوضع حد للحرب القائمة على الجبهتين.

وسبق خطابه دعوة مشتركة من ملك المغرب ومنه من أجل «وقف فوري للهجمات في غزة ولبنان»، و«التأكيد على أولوية حماية السكان المدنيين، وأهمية ضمان وتسيير وصول المساعدات الإنسانية الكافية، مع وضع حد لتأجيج الوضع على المستوى الإقليمي». كذلك لفت الزعيمان إلى ضرورة الإسراع «لإعادة إحياء مسار السلام في إطار حل الدولتين». لكن هذه الدعوة المشتركة لن تلقى الصدى الإيجابي في إسرائيل التي صوَّت برلمانها مؤخراً على رفض إقامة دولة فلسطينية.


مقالات ذات صلة

سان جيرمان يواجه أوكسير على وقع «توتر غرفة الملابس»

رياضة عالمية سان جيرمان يسعى لاستعادة توازنه عندما يحل ضيفاً على أوكسير (رويترز)

سان جيرمان يواجه أوكسير على وقع «توتر غرفة الملابس»

يسعى باريس سان جيرمان، بطل الموسم الماضي، إلى استعادة توازنه عندما يحل ضيفاً على أوكسير العائد حديثاً للنخبة، الجمعة، في المرحلة الرابعة عشرة من الدوري.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عربية ناصر الخليفي رئيس نادي باريس سان جيرمان الفرنسي (رويترز)

الخليفي: سان جيرمان لا يفكر في ضم صلاح

وضع ناصر الخليفي رئيس نادي باريس سان جيرمان الفرنسي حداً للإشاعات بشأن التفكير في ضم محمد صلاح.

«الشرق الأوسط» (باريس)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)
رياضة عالمية لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان (أ.ب)

«الدوري الفرنسي»: سان جيرمان الجريح أوروبياً يبحث عن الابتعاد بالصدارة

يجد باريس سان جيرمان حامل لقب الدوري الفرنسي لكرة القدم نفسه في سيناريو يعرفه جيداً: يتعملق على منافسيه المحليين ويعاني في دوري أبطال أوروبا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية لويس إنريكي (د.ب.أ)

إنريكي: عانينا بعد طرد ديمبلي

أبدى لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، إحباطه بعد الخسارة 1-صفر أمام بايرن ميونيخ في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)

ناشطون: 7 قتلى بقصف جوي على مسجد في الخرطوم

الدخان يتصاعد فوق مباني الخرطوم خلال اشتباكات سابقة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
الدخان يتصاعد فوق مباني الخرطوم خلال اشتباكات سابقة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
TT

ناشطون: 7 قتلى بقصف جوي على مسجد في الخرطوم

الدخان يتصاعد فوق مباني الخرطوم خلال اشتباكات سابقة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
الدخان يتصاعد فوق مباني الخرطوم خلال اشتباكات سابقة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

قُتل 7 أشخاص في قصف جوي للجيش السوداني، طال مسجداً في شمال الخرطوم، الجمعة، وفق ما أفادت مجموعة محامين سودانيين مؤيدين للديمقراطية، الأمر الذي أكدته أيضاً لجنة من الناشطين.

ووفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، قال المحامون الذين يوثقون انتهاكات حقوق الإنسان منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع»: «تعرض مسجد الشيخ أحمد الصديق في حي شمبات بمدينة بحري لقصف جوي عشوائي عقب صلاة الجمعة، ما أسفر عن استشهاد 7 من المصلين».

ولفتت المجموعة إلى أنه «تم تنفيذ القصف بواسطة صاروخ انطلق من طائرة عسكرية تابعة للجيش».