​تصاعد الشكاوى في شرق ليبيا من «ازدياد الاعتقالات»

بعد توقيف صحافية ووالديها ومستشار في محكمة بنغازي

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
TT

​تصاعد الشكاوى في شرق ليبيا من «ازدياد الاعتقالات»

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)

صعّدت مطالبة توجهت بها زوجة مستشار ليبي للمشير خلفية حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، بالتدخل للإفراج عنه، من شكاوى «ازدياد عمليات الاعتقال» بشرق البلاد، وسط استنكار حقوقي لأي توقيف يتم «على أساس سياسي وكيدي خارج إطار القانون».

وكانت زوجة المستشار بمحكمة بنغازي (شرق)، وائل رضوان، قد تحدثت في مقطع فيديو عن خطف زوجها منذ الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، دون أن تعلم عنه شيئاً، وقالت إنه موجود لدى «كتيبة طارق بن زياد» التابعة لـ«الجيش الوطني».

ويرى الباحث الليبي في قضايا حقوق الإنسان، محمود الطوير، أن «عمليات الاعتقالات، التي تشهدها المنطقة الشرقية خارج إطار القانون، وعشوائية وكيدية، وتتم على أساس الهوية الاجتماعية والمواقف السياسية، وهذا مرفوض شكلاً وموضوعاً».

من جهتها، قالت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيـا، إن رضوان «تعرّض للخطف والاحتجاز التعسفي من قبل عناصر التحريات والقبض، التابعين لـ(كتيبة طارق بن زياد)، وذلك عندما كان يستقل سيارته بالقرب من منزله في مدينة بنغازي»، مشيرة إلى أن المستشار الليبي، الذي لا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن، يُعاني من أمراض مزمنة، وحالته الصحية سيئة.

النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على فيسبوك)

وقال الطوير في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الاعتقالات «تمثل انتهاكات جسيمة للقانون، وتستوجب ملاحقة المتورطين بارتكابها».

وكانت الصحافية الليبية، إكرام رجب، قد اعتقلت في 18 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد مغادرتها منزلها في حي السلماني من قِبل جهاز الأمن الداخلي، وفق ما أفادت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي قالت إن أسرة الصحافية «تعرّضت للاعتداء من قِبل عناصر الجهاز عقب اعتقالها».

كما تحدّث الباحث الليبي عن «مؤشر خطير للاعتقالات العشوائية، بحجة أن منفذيها أمنيون»، وقال موضحاً: «ما يجري يخالف القانون الذي كفل وضمن الحق في سلامة وحماية الموقوفين»، مشدداً على ضرورة ملاحقة الخارجين عن القانون وضبطهم وتقديمهم للعدالة، وضمان سلامة وحماية وأمن المواطنين وذويهم، جراء هذه الحملات المتواصلة للاعتقالات، التي تنفذ «خارج تعليمات النيابة العامة».

واتجه والدا الصحافية إلى مقر جهاز الأمن الداخلي لمعرفة مصيرها، ما دعا عناصر الجهاز إلى اعتقالهما في اليوم التالي من منزلهما، وفق المؤسسة الوطنية. علماً بأن الأب يبلغ من العمر 72 عاماً، وذكرت المؤسسة الوطنية أن والدة إكرام عمرها (64 عاماً) وتعاني أمراضاً مزمنة، وتحتاج إلى رعاية طبية يومية.

كما أفادت المؤسسة الوطنية إلى تعرض منير العرفي، الذي يعمل محامياً، للاحتجاز التعسفي خارج إطار القانون، من قِبل جهاز الأمن الداخلي. مبرزة أن الاحتجاز جاء عقب تقدم العرفي بشكوى لدى النيابة العامة؛ كونه موكلاً عن الصحافية إكرام رجب السعيطي.

ويبدي الاتحاد الأوروبي تمسكه بـ«الدفاع عن حرية التعبير في جميع أنحاء ليبيا، وحماية الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام». وسبق لبعثة الاتحاد الأوروبي التعبير عن قلقها إزاء التوجه الزائد في جميع أنحاء البلاد نحو الاعتقال التعسفي للأشخاص، الذين يعبرون عن آرائهم السياسية بشكل سلمي، ويعززون الحق في حرية التعبير.

وفي هذا السياق، تحدث الطوير عن تعرُّض المعتقلين من قبل الأجهزة الأمنية «لسوء معاملة، والحرمان من الاتصال بعائلاتهم، ومنعهم من العرض على النيابة العامة للفصل في مشروعية احتجازهم، وكذلك اقتحام المنازل وتفتيشها، من دون اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة».

وتعتقد بعثة الاتحاد بأن «مناخ الخوف الزائد، وتدهور الحيز المدني الذي أبرزته تقارير بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يتطلبان اهتماماً فورياً، وإجراءات من جميع أصحاب المصلحة لدعم سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان بالبلاد».

وكانت زوجة المستشار المعتقل قد ناشدت أيضاً السلطات العسكريّة للكشف عن مصيره، وإطلاق سراحه، أو عرضه على النيابة العامة للفصل في مشروعية احتجازه.

وترى المؤسسة الوطنية أن هذه الممارسات، التي وصفتها بـ«الشائنة»، تُسهم في تقويض سيادة القانون والعدالة، وانتهاك حقوق الإنسان والمواطنة، مما يستوجب وقفها، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، داعية القيادة العامة والحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، وجهاز الأمن الداخلي إلى «الالتزامات الدستوريّة والقانونيّة».

أسامة حماد رئيس الحكومة الموازية في بنغازي (الاستقرار)

وانتهى الطوير إلى مطالبة مكتب النائب العام بضرورة وضع حد لما سماها «جرائم جسيمة»، تمس السلامة الجسدية وحق الحياة للمواطنين، والعمل على الحد منها، بالإضافة إلى كشف مصير المخطوفين، وفتح تحقيق مستقل يتم من خلاله تحديد الأطراف المتورطة في هذه الجرائم، وضمان عدم إفلات الجناة من العدالة.

ودائماً ما يستقطب ملف حقوق الإنسان في شرق ليبيا وغربها انتقادات منظمات دولية، حيث سبق أن دعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» سلطات شرق ليبيا، والنائب العام الصديق الصور إلى إجراء تحقيق «فوري ومحايد» في وفاة الناشط السياسي سراج دغمان (35 عاماً).

وأُعْلِنَ عن وفاة دغمان، الذي كان يعمل مديراً لـ«مركز أبحاث ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية»، فرع بنغازي، منتصف أبريل (نيسان) الماضي بأحد المقار الأمنية بشرق ليبيا، وسط موجة غضب واسعة في جميع أنحاء البلاد.

وتشير تقارير محلية ودولية إلى اختفاء شخصيات بارزة في بنغازي، من بينهم نواب ونشطاء، فيما تشير أصابع الاتهام إلى أجهزة أمنية.


مقالات ذات صلة

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

شمال افريقيا الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على تقرير ديوان المحاسبة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد بتقرير ديوان المحاسبة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الوفد البرلماني الليبي برئاسة صالح في إيطاليا (مكتب صالح)

رئيس «النواب» يُشدد من روما على «حاجة ليبيا لحكومة موحدة»

دافع عقيلة صالح عن مجلسه خلال زيارته إلى روما، وقال إن «الجمود في العملية السياسية ليس بسبب البرلمان؛ بل نتيجة القوة القاهرة التي ذكرتها مفوضية الانتخابات».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)

شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

إلى جانب المخاطر الدستورية المحتملة، يخشى مراقبون من تهديدات «التوطين» للأمن القومي في ليبيا؛ إذ قد ينذر «باختراقات أمنية خطيرة وارتفاع معدلات الجريمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع الوفد الأممي مع القيادات المحلية في سبها جنوب ليبيا (البعثة الأممية)

خوري: حان الوقت ليمسك الليبيون بزمام أمورهم

ناقش وفد أممي بقيادة خوري، خلال زيارته مدينة سبها بجنوب ليبيا مع كبار المسؤولين العسكريين، تحسن الوضع الأمني في الجنوب وتحديات أمن الحدود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة لسيف القذافي تداولها أنصاره على صفحاتهم الشخصية

تصريحات منسوبة لسيف القذافي تعيده للساحة السياسية الليبية

يُبقي أنصار سيف الإسلام القذافي عليه حاضراً في المشهد السياسي الراهن بتصريحات غير موثقة للتأكيد على قربه من الحياة العامة رغم أنه لم يظهر في مكان عام منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.