مصر والقرن الأفريقي... إثيوبيا «المشكلة الوحيدة» وتمسك بدعم الصومال والسودان

عبد العاطي قال إن القاهرة «لا تتآمر على أحد»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
TT

مصر والقرن الأفريقي... إثيوبيا «المشكلة الوحيدة» وتمسك بدعم الصومال والسودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)

زادت وتيرة الحضور المصري في منطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل، إثر تصاعد الخلاف مع إثيوبيا، عقب تحركات من أديس أبابا تجاه مصر والسودان والصومال، بثلاثة ملفات مرتبطة بـ«سد النهضة»، واتفاقية «عنتيبي»، وتوقيع اتفاقية مبدئية تمس سيادة مقديشو.

وفي ضوء ذلك، صارت إثيوبيا «الدولة المشكلة الوحيدة» بأفريقيا أمام القاهرة، وسط مساعٍ مصرية لدعم الصومال والسودان، بحسب تصريحات مصرية رسمية، عدّها خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، «تأكيداً للواقع؛ إثر تحركات عدائية من أديس أبابا» تجاه المصالح المصرية - الصومالية - السودانية، في الملفات الثلاثة، لافتين إلى أن الوجود المصري ضمن مجابهة التهديدات المحتملة عبر مسارات متعددة للتعاون.

وفي مقابلة متلفزة، مساء الجمعة، مع قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، قال وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، إن «هناك ترحيباً قوياً بدعم مصر للعلاقات مع الصومال، ومساعدة الحكومة هناك على بسط سيادتها داخل الأراضي الصومالية، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب»، لافتاً إلى أن «البيان المصري - الصومالي - الإريتري (عقب قمة ثلاثية رئاسية قبل أيام)، كان واضحاً في الترحيب بالمشاركة المصرية في هذه البعثة التابعة للاتحاد الأفريقي، ورداً على المزاعم والأكاذيب التي رددها أحد الأطراف، حينما ادعى أنه ليس هناك ترحيب أو طلب من الحكومة الشرعية»، في إشارة لتصريحات سابقة لـ«الخارجية الإثيوبية».

وجغرافياً تضم منطقة القرن الأفريقي أربع دول، هي «الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا»، ومن زوايا سياسية واقتصادية يمكن أن تتسع لتشمل كينيا وأوغندا والسودان وجنوب السودان، وتعد تاريخياً المنطقة الأكثر استراتيجية في التجارة البحرية العالمية.

ومطلع العام عقدت إثيوبيا مذكرة تفاهم مبدئية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبها أديس أبابا على مَنفذ بحري على البحر الأحمر، وعَدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».

وفي أغسطس (آب) وقعت مصر والصومال بروتوكول «تعاون عسكري (دفاعي)»، وإعلان القاهرة استعداد المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية يناير (كانون الثاني) المقبل، فضلاً عن مد مقديشو بصفقة أسلحة، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية»، الشهر الماضي، وهي خطوات مصرية انتقدتها أديس أبابا مراراً، ودعت مقديشو إلى «وقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا».

الرئيس المصري خلال لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أ حمد في القاهرة عام 2018 (الرئاسة المصرية)

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير صلاح حليمة، يرى أن عقد تلك المذكرة مع إقليم انفصالي جعل من إثيوبيا دولة «تبحث عن المشكلات، وتسعى للسيطرة على مدخل البحر الأحمر بشكل يهدد أمن مصر القومي»، لافتاً إلى أن «تحركات القاهرة مع الصومال مبنية على اتفاقات قانونية رسمية عكس ما تفعله أديس أبابا».

وبحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، «تنطلق مصر من فهمها، وإدراكها لفرائض القانون الدولي، الذي لم يعترف بأرض الصومال بوصفها إقليماً منفصلاً عن السيادة الصومالية، وهي الفرضية ذاتها التي أخطأت تقديراتها إثيوبيا عندما رمت بثقلها لدعم استقلال أرض الصومال لتقوية نفوذها، وإعادة ترسيم التحالفات الدولية في منطقة القرن الأفريقي».

وإزاء ذلك «تتحرك مصر بقوة، ليس فقط في القرن الأفريقي، ولكن أيضاً في حوض النيل الجنوبي، وهناك مبادرات مصرية قوية لإعادة التأكيد على أن مصر تدعم التنمية، والمشروعات المائية لدول حوض النيل، بما في ذلك إقامة السدود طالما أنها توافقية، ولا تسبب الضرر لدولتي المصب مصر والسودان، خلافاً لسردية كاذبة تروجها إحدى الدول»، وفق حديث الوزير بدر عبد العاطي.

ولم يذكر وزير الخارجية والهجرة المصري خلال حديثه المتلفز اسم تلك الدولة، غير أنه عاد وذكر أن مصر «ليس لديها أي مشكلة مع أي من دول حوض النيل، باستثناء دولة واحدة هي إثيوبيا، التي ترفض التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، يضمن تشغيل وملء سد النهضة»، مشيراً إلى أنه «لا يُمكن تحت أي ظرف من الظروف، أو وقت، أن يكون هناك تشكيك في أن مصر يُمكن أن تقبل أن يتم الخصم من حصتها المائية السنوية (55.5 مليار متر مكعب)».

وتضم دول حوض نهر النيل (منبع النهر) بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وجنوب السودان وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب «مصر والسودان»، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء «سد النهضة»، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لإلغائها.

ويعارض السودان ومصر الاتفاقية، ويتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدولتي المصب، كما تقرّ نسبة 55.5 مليار متر مكعّب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يُلحق أضراراً بالأمن المائي، بخلاف اتفاقية «عنتيبي»، التي تُعرف أيضاً بـ«الإطار التعاوني لحوض نهر النيل»، والتي أبرمت عام 2010، ودخلت حيز التنفيذ في 13 أكتوبر (تشرين أول) الحالي، وتستهدف إنهاء الحصص التاريخية لمصر والسودان.

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

وبرأي حليمة، فإن «المواقف الإثيوبية العدائية تتضح أكثر في ملف سد النهضة واتفاقية عنتيبي»، مؤكداً أن الموقف الإثيوبي هو السبب الرئيسي في إحداث أزمة مفتعلة في القرن الأفريقي، ثم بين دول حوض النيل بـ«مساعٍ تهدد الاستقرار».

إصرار إثيوبيا على إحداث «خلخلة» في الاتفاقيات التاريخية لتقسيم مياه النيل، بغية «شرعنة» مشروعها التنموي المتمثل في سد النهضة، هو ما يدفع مصر للوقوف في خط الدفاع عن الاتفاقيات القديمة لتقسيم مياه النيل بين دول الحوض، بحسبان أن «إثيوبيا تسلك الآن طريقاً وعراً، ومهدداً لطبيعة الأمن المائي» لدولتي المصب مصر والسودان، بحسب تقدير عبد الناصر الحاج.

وبعد دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ، لم يعد أمام مصر غير مناهضة الاتفاقية عبر القانون، وكل أشكال الدبلوماسية الممكنة، فضلاً عن اضطرار مصر لدخول حلبة توازنات القوى الإقليمية، وهو ما عبرت عنه القاهرة فعلياً بدعم مقديشو في حقها في الدفاع عن حماية أراضيها، وسيادتها الوطنية، وفق الحاج، الذي أشار إلى أنه لا يزال أمام مصر عدد لا يحصى من الاتجاهات والمسالك، التي يمكن أن ترتادها لتدارك المخاطر الوجودية من فرضية إعادة تقسيم المياه، على نحو لا يراعي تحفظات دولتي المصب تحديداً، و«إنهاء حالة التشرذم والانقسامات التي تسعى لها إثيوبيا بين دول حوض النيل».

وبشأن مستقبل التحرك المصري بأفريقيا، يرى بدر عبد العاطي في المقابلة ذاتها أن «أفريقيا إحدى الدوائر الحيوية للسياسة الخارجية المصرية، وفي أهمية الدائرة العربية نفسها، والتعاون والتطوير ليسا على الإطلاق موجهين ضد أحد، ولا تآمر على أحد، لكن في إطار سياسة رشيدة عاقلة، هدفها تحقيق التنمية لدى أشقائنا الأفارقة وتعزيز العلاقات».


مقالات ذات صلة

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

وأكد الناطق باسم الجيش السوداني على منصة «إكس» أن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى نجحت في تحرير سنجة... وسنستمر في التحرير، وقريباً سننتصر على كل المتمردين في أي مكان».

وفي وقت لاحق، قال رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، إن «الانتصار الكبير والعظيم سيكون له ما بعده».

وأضاف المجلس، في حسابه على «تلغرام»، أن البرهان أكد عزم القوات المسلحة على تحرير كل شبر من البلاد «ودحر الميليشيا التي تستهدف وحدة السودان».

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في القوات المسلحة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى.

وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد، وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء السودان.