الجزائر وإسبانيا تستثمران في الطاقات النظيفة لتجاوز خلافاتهما السياسية

بعد أكثر من عامين من «القطيعة التجارية» بسبب الصحراء الغربية

مراسيم التوقيع على اتفاق يخص الطاقات النظيفة بين «سوناطراك» الجزائرية و«سيبسا» الإسبانية (وزارة الطاقة الجزائرية)
مراسيم التوقيع على اتفاق يخص الطاقات النظيفة بين «سوناطراك» الجزائرية و«سيبسا» الإسبانية (وزارة الطاقة الجزائرية)
TT

الجزائر وإسبانيا تستثمران في الطاقات النظيفة لتجاوز خلافاتهما السياسية

مراسيم التوقيع على اتفاق يخص الطاقات النظيفة بين «سوناطراك» الجزائرية و«سيبسا» الإسبانية (وزارة الطاقة الجزائرية)
مراسيم التوقيع على اتفاق يخص الطاقات النظيفة بين «سوناطراك» الجزائرية و«سيبسا» الإسبانية (وزارة الطاقة الجزائرية)

أطلقت شركة المحروقات الجزائرية «سوناطراك»، وشركة «سيبسا» الإسبانية، مشروعاً لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في الجزائر، في خطوة دلّت على تجاوز خلافات سياسية حادة نشأت في 2022، بسبب إعلان مدريد دعمها «خطة الحكم الذاتي المغربية» للصحراء الغربية، التي تطالب الجزائر باستقلالها.

وأشرف وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، اليوم في العاصمة الجزائرية، على مراسيم التوقيع على اتفاق يخص مشروع الهيدروجين الذي «سيسهم في تحقيق أهداف إزالة الكربون»، وفق ما ذكرته وزارة الطاقة على حسابها بالإعلام الاجتماعي، مشيرة إلى أن المشروع «سيتيح تصدير الهيدروجين إلى إسبانيا عبر البنية التحتية القائمة، أو بواسطة مشروع جديد».

والمعروف أن الجزائر هي المورّد الرئيسي لإسبانيا بالغاز، الذي يتم نقله عن طريق أنبوبين عابرين للبحر المتوسط.

وتم التوقيع على مذكرة التفاهم حول المشروع، من طرف رئيس «سوناطراك» رشيد حشيشي، ورئيس «سيبسا» مارتين فيتسيلار. وأوضحت شركة المحروقات الجزائرية المملوكة للدولة، أن الغرض من مذكرة التفاهم «تحديد شروط وأحكام ومجالات وأساليب التعاون بين (سوناطراك) و(سيبسا)، في مجال تطوير الهيدروجين الأخضر».

جانب من مؤتمر شمال أفريقيا للطاقة والهيدروجين المنعقد بالجزائر (وزارة الطاقة الجزائرية)

وقالت إن الوثيقة «تشمل دراسة وتحليل وتقييم الجدوى الفنية والاقتصادية، وتصميم المشروع وتطويره وبناءه واستغلاله وتشغيله وصيانته»، مبرزة أن المشروع «يتمثل في إنجاز محطة للتحليل الكهربائي الهيدروجيني بقدرة من 50 إلى 200 ميغاواط، لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وإنجاز محطات توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية لتزويد المحللات الكهربائية بالطاقة المتجددة، وإنجاز محطة إنتاج الميثانول الأخضر و/أو الأمونيا الخضراء، مع إنجاز مرافق تخزين ونقل الميثانول و/أو الأمونيا، وغيرها من المرافق الإضافية اللازمة للتشغيل التجاري للمشروع، بما في ذلك المرافق على مستوى الميناء، وكذا تحديد أفضل موقع لتشييد المشروع وتنفيذه وتشغيله تجارياً».

ويأتي هذا المشروع المهم في مجال الطاقة، بينما «القطيعة التجارية» مستمرة بين البلدين المتوسطين، للعام الثاني. فقد قررت الجزائر في يونيو (حزيران) 2022، وقف كامل مبادلاتها التجارية مع إسبانيا، إثر إعلان رئيس الحكومة بيدرو سانشيز تأييده مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء. وكانت صادرات إسبانيا إلى الجزائر، في حدود 2.10 مليار دولار عام 2020، بينما وارداتها من الجزائر وصلت إلى 762 مليون دولار في العام نفسه.

الوزير الأول الجزائري السابق مع وزيرة التحول البيئي الإسبانية بالجزائر في 27 أكتوبر 2021 (الشرق الأوسط)

وسحبت الجزائر سفيرها من مدريد، بسبب هذا التغير الذي عدّته مفاجئاً من جانب إسبانيا، حيال نزاع الصحراء. ورغم عودة السفير إلى منصبه بنهاية 2023، فإن المبادلات التجارية بقيت في حدودها الدنيا، باستثناء عقود الطاقة طويلة المدى، ما كبّد عدة شركات إسبانية خسائر مهمة، في مقابل ندرة شهدتها السوق الجزائر مست كثيراً من السلع والخدمات، كانت توفرها إسبانيا.

وجاء الاتفاق بين «سوناطراك» و«سيبسا» بمناسبة بداية أعمال النسخة 12 من «مؤتمر شمال أفريقيا للطاقة والهيدروجين» (نابك 2024) بالجزائر. وأكد وزير الطاقة عرقاب في خطاب ألقاه بالاجتماع، أن حكومة بلاده تعتزم إطلاق استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة، «من دون أن تتخلى عن الغاز الطبيعي»، الذي يعدّ واحداً من أهم مصادر الطاقة التي تنتجها الجزائر.

وأبرز عرقاب بهذا الخصوص «جهود الدولة في الصناعات الطاقوية للتكيف مع المتطلبات البيئية، وبهدف الحد من آثار التغيرات المناخية، مع تعزيز مكانة الجزائر مورداً موثوقاً للطاقة على الساحة الدولية». وأضاف: «أصبح من الضروري تعزيز قدرة قطاع الطاقة لدينا على التكيف وإيجاد طرق أكثر استدامة لتطويره (...) فالعالم يشهد حالياً ديناميكية تتسم بتحولات جذرية وسريعة ومتقلبة، تعمل على تشكيل اقتصادات تتميز بالابتكار والإبداع».

وشدد الوزير الجزائري على «دور الغاز الطبيعي، كطاقة محورية للتحول الطاقوي العالمي، وهو عنصر أساسي في استراتيجيتنا الطاقوية، بحيث يمكّن الجزائر من ضمان أمنها الطاقوي مع تلبية الطلب الداخلي المزداد، وتعزيز دورها شريكاً دولياً موثوقاً به في مجال الطاقة».


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا من زيارة سابقة لرئيس أركان الجيش الموريتاني السابق إلى الجزائر مطلع 2021 (وزارة الدفاع الجزائرية)

الجزائر وموريتانيا تبحثان أمن الحدود والتغيرات السياسية بالمنطقة

يبحث رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أول سعيد شنقريحة، اليوم الثلاثاء، في نواكشوط مع المسؤولين العسكريين الموريتانيين قضايا أمن الحدود والدفاع.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الاقتصاد منشأة لمعالجة الغاز في الجزائر (رويترز)

الجزائر للإعلان عن جولة لتراخيص النفط والغاز

قال وزير الطاقة الجزائري إن «الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات» ستعلن عن جولة من العطاءات؛ لجذب استثمارات أجنبية وشركات تشغيل لتطوير قطاع النفط والغاز.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا صورة لاجتماع المفوضية الأوروبية (متداولة)

الجزائر تطلب من سفراء أوروبيين «توضيحات» بشأن نزاع الصحراء

برّر القضاء الأوروبي قراره ببطلان اتفاقات الصيد والزراعة في الصحراء بـ«غياب شرط موافقة شعب الصحراء المغربية على التنفيذ»

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي الجزائري كمال داود (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)

الجزائر: جدل حول حظر رواية تستحضر أحداث «العشرية السوداء»

تحرص السلطات الجزائرية على إغلاق ملف مؤلم، ومنعه من التداول السياسي والإعلامي، يتعلق بالاقتتال مع الجماعات المتطرفة في تسعينات القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الأمم المتحدة تندد بتقارير «صادمة» عن عنف واغتصاب للمهاجرين في تونس

أكد خبراء لدى الأمم المتحدة تسجيل انتهاكات كثيرة في تونس ضد المهاجرين غير النظاميين (إ.ب.أ)
أكد خبراء لدى الأمم المتحدة تسجيل انتهاكات كثيرة في تونس ضد المهاجرين غير النظاميين (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة تندد بتقارير «صادمة» عن عنف واغتصاب للمهاجرين في تونس

أكد خبراء لدى الأمم المتحدة تسجيل انتهاكات كثيرة في تونس ضد المهاجرين غير النظاميين (إ.ب.أ)
أكد خبراء لدى الأمم المتحدة تسجيل انتهاكات كثيرة في تونس ضد المهاجرين غير النظاميين (إ.ب.أ)

أبدى خبراء لدى الأمم المتحدة قلقهم بشأن تلقيهم تقارير «صادمة» عن انتهاكات في تونس ضد المهاجرين غير النظاميين، واللاجئين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك الاغتصاب والإبعاد القسري. وتشمل تلك التقارير بشكل خاص عمليات البحث والإنقاذ، ونقل المهاجرين الضحايا، بما في ذلك الأطفال والنساء الحوامل، نحو المناطق الحدودية الصحراوية مع ليبيا والجزائر، ووضعهم أمام مخاطر الجفاف وضربات الشمس وسوء التغذية، وتهديدهم بإطلاق النار في حال عودتهم.

مهاجرون بقوارب الموت بشواطئ تونس (أ.ف.ب)

وقال خبراء المنظمة، في بيان صحافي تلقت «وكالة الأنباء الألمانية» نسخة منه: «تلقينا تقارير صادمة عن مناورات خطيرة عند اعتراض المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في البحر، والعنف الجسدي، بما في ذلك الضرب، والتهديدات باستخدام الأسلحة النارية، وافتكاك المحركات والوقود، وانقلاب القوارب». ووفق بيانات المنظمة فقد في الفترة الممتدة ما بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) من العام الحالي، 189 مهاجراً حياتهم في أثناء عبور البحر، و265 شخصاً أثناء عمليات الاعتراض في المياه، بينما يُعد 96 شخصاً في عداد المفقودين، أو ضحايا لعمليات إبعاد قسري. ولفت البيان إلى قلق الخبراء بشأن تزايد الجماعات الإجرامية المتورطة في الاتجار بالبشر، وتقارير عن عنف جنسي، بما في ذلك اغتصاب المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس.

وقال الخبراء في إحاطتهم: «تلقينا تقارير تشير إلى اعتداءات جنسية، واستغلال للأطفال، واغتصاب للنساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن 10 سنوات في المناطق الحدودية»، مشيرين إلى أنهم أجروا اتصالات مع السلطات في تونس والاتحاد الأوروبي بشأن هذه الادعاءات، ومؤكدين أنه «على الرغم من الادعاءات الخطيرة، فإن تونس لا تزال تُعد مكاناً آمناً بعد عمليات البحث والإنقاذ في البحر، والتعاون مستمر بعد إبرام مذكرة التفاهم بشأن شراكة استراتيجية وشاملة مع الاتحاد الأوروبي».

وتحولت تونس خلال سنوات قليلة إلى نقطة استقطاب لمهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، الباحثين عن عبور البحر إلى السواحل الأوروبية. وأدت التدفقات إلى قلاقل مع السكان المحليين في عدة مناطق في البلاد.