الجزائر تطلب من سفراء أوروبيين «توضيحات» بشأن نزاع الصحراء

بعد قرار المحكمة الأوروبية بإبطال اتفاقات تجارية مع المغرب

صورة لاجتماع المفوضية الأوروبية (متداولة)
صورة لاجتماع المفوضية الأوروبية (متداولة)
TT

الجزائر تطلب من سفراء أوروبيين «توضيحات» بشأن نزاع الصحراء

صورة لاجتماع المفوضية الأوروبية (متداولة)
صورة لاجتماع المفوضية الأوروبية (متداولة)

بحث دبلوماسيون جزائريون، مع سفراء دول أوروبية معتمدين لدى الجزائر، مواقف صدرت عن حكوماتهم، يبدو أنها لم تعجب الجزائريين، تخص قرار محكمة العدل الأوروبية بإلغاء اتفاقات تجارية أبرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب، وتشمل أراضي الصحراء المغربية، المتنازع عليها بين «بوليساريو» والرباط.

ونشرت «وكالة الأنباء الجزائرية» الخبر، لكن من دون توضيح جنسيات هؤلاء السفراء، كما لم توضح من تم استقباله بمقر وزارة الخارجية، وما إذا كان الوزير أحمد عطاف حاضراً في اللقاء، مبرزة طلب تقديم توضيحات حول التصريحات التي أصدرتها دول هؤلاء السفراء، بخصوص قرار القضاء الأوروبي، علماً بأن الجزائر تدعم «بوليساريو»، وقد عدّت القرار القضائي الأوروبي «خطوة تاريخية تنتصر للشعب الصحراوي، ولكفاحه من أجل الاستقلال».

وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف (الخارجية الجزائرية)

ووفق الوكالة الحكومية: «أكد معظم السفراء الذين تم استقبالهم أن التصريحات المعنية لا تعني بأي حال من الأحوال معارضتهم القرارات التي اتخذتها المحكمة، أو رغبتهم في عدم مراعاتها بالمستقبل»، وأبرزت الوكالة أن المغرب «حاول إثبات العكس»، أي بخلاف ما ذكره الدبلوماسيون الأوروبيون.

كما نقلت عنهم أن العواصم التي يمثلونها «تتعهد باحترام قرارات محكمة العدل الأوروبية، كونها تمثل المرجعية القانونية العليا لدول الاتحاد الأوروبي التي تتقيد باحترام سيادة القانون الدولي».

ونقلت الوكالة الإخبارية «استغراب بعض السفراء البيان الذي أصدرته المفوضية الأوروبية»، في رد فعل على قرار المحكمة الأوروبية. وقالت: «كأنه يعطي الأولوية لمبدأ شريعة المتعاقدين، على حساب القرارات التي أصدرتها أعلى هيئة قضائية في أوروبا». وأضافت أن موقف مفوضية الاتحاد الأوروبي من القرار «يثير تساؤلات حول مدى تقيد الاتحاد الأوروبي بتنفيذ أحكام المحكمة في هذا النزاع المعقد، بين المغرب وبوليساريو».

الاتحاد الأوروبي أبرم عدة اتفاقات تتعلق بالصيد مع المغرب عام 2019 شملت منتجات من الصحراء المغربية (أ.ب)

ويوم صدور القرار القضائي 4 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، صرّح متحدث باسم الجهاز التنفيذي الأوروبي، بأن المفوضية «تؤكد على الأهمية الكبيرة التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته الاستراتيجية مع المغرب، التي هي قديمة وواسعة وعميقة».

ويبدو أن هذا التصريح، هو ما أغضب الجزائر التي رأت فيه «تجاهلاً لحكم المحكمة». وأضاف المتحدث نفسه أن «المفوضية الأوروبية تجري حالياً تحليلاً للأحكام بالتفصيل»، لافتاً إلى أن المحكمة تمنح 12 شهراً قبل تنفيذ الحكم؛ «لتجنب عواقب سلبية خطيرة على أعمال الاتحاد في الخارج».

وبرّر القضاء الأوروبي قراره ببطلان اتفاقات الصيد والزراعة في الصحراء، بـ«غياب شرط موافقة شعب الصحراء المغربية على التنفيذ». وجاء في القرار أن الاتفاقات «تنتهك حقه في تقرير المصير وغياب موافقته»، وهو بمثابة حكم نهائي بعد طعون قدمتها المفوضية (حكومة الاتحاد الأوروبي)، تخص اتفاقات تجارية تشمل منتجات من الصحراء، التي تعد في نظر القانون الدولي أرضاً محل نزاع.

كما قضت المحكمة بوضع علامة تشير إلى منشأ البطيخ والطماطم المنتجين في الصحراء، وقالت إن «الملصقات يتعين أن تشير إلى الصحراء المغربية وحدها، بوصفها أرض المنشأ لهذه السلع، مع استبعاد أي إشارة إلى المغرب تجنباً لتضليل المستهلكين».

رئيس «المجلس الأوروبي» شارل ميشال خلال زيارته الجزائر في 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

من جهتها، قالت الرباط إن الحكم «يمثل انحيازاً سياسياً صارخاً»، عادّةً مضمونه «تشوبه عيوب قانونية واضحة، وأخطاء هي في الوقائع محل شبهات»، مؤكدة أن المملكة المغربية «ليست معنية على الإطلاق بقرار محكمة العدل الأوروبية (...) وهي ليست طرفاً في هذه القضية التي تخص الاتحاد الأوروبي من جهة، وحركة بوليساريو المدعومة من الجزائر من جهة أخرى».

والمعروف أن إسبانيا وفرنسا أعلنتا دعمهما لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، ما أثار استياء الجزائر التي سحبت سفيرها من البلدين (دبلوماسي شغل المنصب في البلدين خلال فترتين مختلفتين)، وأوقفت التجارة مع مدريد بشكل شبه كامل منذ 2022، وأقصت الأسبوع الماضي شركات تعرض قمحاً فرنسي المنشأ من مناقصة لاستيراد القمح.


مقالات ذات صلة

الجزائر: جدل حول حظر رواية تستحضر أحداث «العشرية السوداء»

شمال افريقيا الروائي الجزائري كمال داود (من حسابه بالإعلام الاجتماعي)

الجزائر: جدل حول حظر رواية تستحضر أحداث «العشرية السوداء»

تحرص السلطات الجزائرية على إغلاق ملف مؤلم، ومنعه من التداول السياسي والإعلامي، يتعلق بالاقتتال مع الجماعات المتطرفة في تسعينات القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي قبل توتر العلاقات بين البلدين خلال مشاركتهما في قمة المناخ بشرم الشيخ (الرئاسة الجزائرية)

بسبب توتر العلاقات... الجزائر تستبعد فرنسا من مناقصة لاستيراد القمح

الجزائر تستبعد الشركات الفرنسية من مناقصة لاستيراد قمح هذا الأسبوع، وتشترط ألا تعرض الشركات المشاركة قمحاً فرنسي المنشأ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الصحافي إحسان القاضي (الشرق الأوسط)

«مراسلون بلا حدود» تناشد الرئيس الجزائري منح صحافي عفواً كاملاً

ناشدت منظمة «مراسلون بلا حدود» الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، منح الصحافي إحسان القاضي، المسجون بسبب كتاباته، عفواً كاملاً بدل تخفيض العقوبة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم العربي وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف (الخارجية الجزائرية)

الجزائر تدعو «الأوروبي» إلى «تجاوز منطق الربح التجاري» في علاقاتهما

قال وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، الثلاثاء، إن «اتفاق الشراكة» بين بلاده والاتحاد الأوروبي «ينبغي أن يتجاوز منطق الربح الفوري».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا المطلوب قضائياً من طرف الجزائر (يسار) مع رئيس التنظيم الانفصالي ومحاميه بمحكمة باريس (متداولة)

صراع قانوني بين الجزائر وفرنسا لترحيل ناشط انفصالي

أكسيل بلعباسي يعيش في فرنسا منذ عام 2012، ولم يعد إلى بلاده منذ عام 2019، وتتهمه الجزائر بـ«رعاية أعمال إرهابية» وتطلب من فرنسا تسليمه.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

​«المصالحة الليبية»… مسار يعترضه الانقسام و«الحسابات الجهوية»

وفد الاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس الموريتاني في اجتماع مع «الرئاسي» بطرابلس (المجلس الرئاسي)
وفد الاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس الموريتاني في اجتماع مع «الرئاسي» بطرابلس (المجلس الرئاسي)
TT

​«المصالحة الليبية»… مسار يعترضه الانقسام و«الحسابات الجهوية»

وفد الاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس الموريتاني في اجتماع مع «الرئاسي» بطرابلس (المجلس الرئاسي)
وفد الاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس الموريتاني في اجتماع مع «الرئاسي» بطرابلس (المجلس الرئاسي)

يأمل الاتحاد الأفريقي، الذي وصل وفد منه إلى العاصمة طرابلس، وفي جعبته «أمنيات وطموحات» أن يُحدث اختراقاً في مسار «المصالحة الوطنية» المتعثر، يقرّب بين الأطراف المتصارعة، ويوفر على ليبيا إهدار مزيد من الوقت في فترات انتقالية.

اجتماع المجلس الرئاسي الليبي ووفد الاتحاد الأفريقي في طرابلس (المجلس الرئاسي)

وسبق أن لعب الاتحاد دوراً ملحوظاً مع «المجلس الرئاسي» الليبي لجهة تحريك هذا المسار من خلال المساعي التي بُذلت، بداية من اجتماعات شهدتها المدن الليبية، وصولاً إلى عقد لقاءات بالكونغو برازافيل، قبل أن تتجمد هذه الجهود لأسباب كثيرة.

وترأس وفد الاتحاد، الذي زار طرابلس الجمعة الماضي، الرئيس الحالي للاتحاد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وضم رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي، وممثل رئيس الكونغو برازافيل، رئيس لجنة الاتحاد رفيعة المستوى المعنية بليبيا، وزير الخارجية جان كلود جاكوسو.

ومنذ رحيل الرئيس معمر القذافي عام 2011 شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي الذي عرفته ليبيا بداية من عام 2014، وهي الرؤية التي بات يميل إليها كثير من المتابعين لملف «المصالحة».

ويرى رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي، فتحي عمر الشبلي، أن ملف «المصالحة الوطنية» بات يستخدم لـ«المزايدة السياسية، وتحقيق نقاط» من قبل «المجلس الرئاسي» ومجلس النواب؛ وفق قوله.

وقال الشبلي في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن «أزمة ليبيا تتمثل في ساستها؛ نحن في حاجة إلى مصالحة بين السياسيين وليس المواطنين»، لافتاً إلى «أن طبيعة الليبيين لا تسمح بتدخل الغريب فيما بينهم».

الرئيس الموريتاني في طرابلس (المجلس الرئاسي)

وخلال العامين الماضيين، احتضنت أكثر من مدينة ليبية اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها «المجلس الرئاسي»، وظلت المساعي تُبذل على أمل عقد «مؤتمر وطني جامع للمصالحة»، بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) الماضي، لكنها تعثرت بعد تصاعد الأزمات.

وسبق أن انسحب ممثلو القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي من المشاركة في ملف المصالحة؛ رداً على سحب رئيس «المجلس الرئاسي» قرار ضم «قتلى وجرحى» قوات الجيش إلى «هيئة الشهداء».

وكان وفد الاتحاد الأفريقي، أكد خلال اجتماعه مع «المجلس الرئاسي»: «استمرار التزامه بمسار المصالحة الوطنية، وبوحدة ليبيا وسيادتها واستقرارها في مواجهة التدخلات الخارجية». وقال إن زيارته إلى طرابلس العاصمة «تأتي تجسيداً لقرار الاتحاد في دورته المنعقدة في فبراير (شباط) 2024، ولنداء برازافيل الصادر عن قمة لجنة الاتحاد رفيعة المستوى المعنية بليبيا».

ويعتقد أحد المعنيين بملف «المصالحة الوطنية»، بأن «الحسابات الشخصية، لغالبية ساسة البلاد، تحول دون نجاح عمليات المصالحة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوطن يحتاج إلى رجال يُؤثرونه على أنفسهم؛ وليس لشخصيات تتصارع على المكاسب الخاصة والجهوية».

وكانت أطياف ليبية كثيرة شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً لأسباب، من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في اجتماعات اللجنة التحضيرية لـ«المؤتمر العام».

ويضرب رئيس حزب «صوت الشعب» مثلاً على اتفاق الليبيين بمواقفهم خلال الإعصار الذي ضرب مدينة درنة قبل عام من الآن، وقال: «عندما وقعت كارثة درنة تداعى جميع الليبيين من الأنحاء كافة، وهذا يوضح أنه ليست هناك أي مشاكل اجتماعية بين المواطنين، ولكنها بين قادتهم».

وسبق للمبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي، القول خلال اجتماع اللجنة الأفريقية في برازافيل، إن المصالحة الوطنية «مهمة طويلة الأمد، تتطلب الصبر والتصميم، والاستناد إلى منهجية عمل أثبتت نجاحها».

وأبرز باتيلي أن «إطلاق سراح المعتقلين من شأنه أن يشجع المشاركة الفعالة للعائلات السياسية، التي كانت حتى الآن مترددة في المشاركة في العملية»، وهو الرهان الذي يستند إليه أنصار النظام السابق للمشاركة مرة ثانية في عملية المصالحة.

وكانت بعثة الاتحاد الأفريقي أعلنت بعد مباحثاتها مع السلطة التنفيذية في طرابلس، أنها بصدد إجراء مشاورات مماثلة مع السلطة بمدينة بنغازي في أقرب وقت، دون تحديد موعد.

عبد الله السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي (أرشيفية من رويترز)

وتعلل فريق سيف القذافي، بالإبقاء على رموز من النظام السابق معتقلين، وقال: «لا يُعقل أن يستمر إنسان في السجن دون محاكمة، وتؤجل الجلسات 15 مرة دون سبب قانوني وجيه»، في إشارة إلى عبد الله السنوسي (73 عاماً)، صهر القذافي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق.

وأمام تعثر ملف المصالحة في البلد المنقسم بين حكومتين، بدأ مجلس النواب في دراسة قانون للمصالحة. ودعا رئيسه عقيلة صالح، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية، ودعمها بكل الإمكانيات لتشمل «جميع المؤسسات والجماعات»، بما يضمن «إنهاء الخلافات والاستفادة من حركة التاريخ»؛ وفق قوله.