حملة مصرية كبرى لترشيد المياه بموازاة تصاعد نزاع «السد الإثيوبي»

تنطلق في نوفمبر المقبل بمشاركة علماء بالأزهر والكنيسة

تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)
تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)
TT

حملة مصرية كبرى لترشيد المياه بموازاة تصاعد نزاع «السد الإثيوبي»

تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)
تواضروس الثاني خلال استقباله وزيرَي الموارد المائية والأوقاف للمشاركة في حملة ترشيد استهلاك المياه (وزارة الموارد المائية المصرية)

بالتوازي مع تصاعد النزاع بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة» على نهر النيل، حيث تخشى القاهرة من تأثيره في حصتها المائية، التي لا تلبي احتياجاتها، تستعد مصر لإطلاق حملة كبرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لترشيد الاستهلاك المحلي من المياه، بمشاركة علماء في الأزهر وكبار رجال الكنيسة.

وتعاني مصر من «عجز مائي»، بنحو 30 مليار متر مكعب سنوياً، حيث «تبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، في حين يتجاوز استهلاكها الحالي 85 مليار متر مكعب، ويتم تعويض الفارق من المياه الجوفية ومشروعات تحلية مياه البحر»، وفق وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم.

وتستهدف الحملة رفع الوعي بأهمية المياه، ونشر ثقافة ترشيد استخدامها، بحسب إفادة رسمية للوزير هاني سويلم، الثلاثاء، الذي قال إن الحملة تنطلق بمشاركة عدد من علماء الأزهر الشريف وكبار الأئمة، وكبار رجال الكنيسة المرقسية (الأرثوذكسية)، ورموز الفكر والثقافة، والقدوات المجتمعية؛ لدعوة المواطنين لترشيد المياه والحفاظ عليها.

وعقب زيارته لبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، أشار سويلم إلى أنه «تم مؤخراً تدريب أكثر من 900 من أئمة وزارة الأوقاف؛ للمشاركة في الحملة، ونشر المعلومات الصحيحة عن قضية المياه، وأن الوزارة ترغب في تكرار مثل هذا النموذج الناجح بتدريب الآباء الكهنة».

وتتضمّن حملة ترشيد استخدام المياه «تنويهات توعوية بمختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والاتفاق مع وزارة النقل لعرض بوسترات توعية في محطات وعربات القطارات والمترو كافة، وفق وزير الموارد المائية المصري.

ويشترط أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أن تشارك مؤسسات الدولة كلها في الحملة؛ كي تحقق أهدافها. يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحملة يجب أن تتم على المستوى القومي»، موضحاً أن «80 في المائة من الموارد المائية تذهب لقطاع الزراعة، و5 في المائة للصناعة، وما بين 12 و15 في المائة للشرب».

من جهته، رحّب البابا تواضروس الثاني بعقد لقاءات تدريبية للآباء الكهنة؛ لتوعيتهم بأهمية الاستخدام الرشيد للمياه ليقوموا بدورهم في توعية أبناء الكنيسة في العظات الكنسية»، مؤكداً خلال استقباله الوزير سويلم، ووزير الأوقاف المصري أسامة الأزهري، «استعداد الكنيسة الكامل للمشارَكة في دعم الفعاليات كافة التي تهدف إلى زيادة وعي المواطنين بقضية المياه».

في حين أكد الوزير الأزهري، أن الوزارة «تقوم بكثير من البرامج الدعوية والتوعوية بأهمية نعمة الماء والحفاظ عليها»، معرباً عن استعداده الكامل لـ«تكثيف البرامج التوعوية لترشيد استخدام المياه بالتعاون مع الكنيسة المرقسية ووزارة الري».

وتتزامن الحملة المصرية مع تصاعد التوترات بين القاهرة وأديس أبابا بشأن «سد النهضة»، الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل منذ عام 2011، بداعي توليد الكهرباء، لكن دولتَي المصب، مصر والسودان، تخشيان من تأثر حصتيهما من مياه نهر النيل.

وفي أحدث إفادة مصرية بشأن السد الإثيوبي، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، (الثلاثاء)، موقف بلاده «الداعي للتوصل لاتفاق ملزم قانوناً لتشغيل السد الإثيوبي، وإعمال قواعد القانون الدولي في هذا الشأن».

وشدّد عبد العاطي على أن «الأمن المائي المصري مسألة وجودية لن تتهاون مصر فيها»، في حين نقل بيان مصري، عن وزير الخارجية الأميركي تأكيده «التزام الولايات المتحدة بدعم الأمن المائي المصري».

وكان رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أكد خلال لقائه عدداً من المفكرين والكُتاب المصريين، الأسبوع الماضي، أن «بلاده سعت للخروج بأقل الأضرار من مشروع السد الإثيوبي خلال السنوات الماضية، بإجراءات منها مشروعات فنية لمعالجة المياه»، مشيراً إلى أن «التحدي الأساسي حالياً هو حماية حصة مصر من مياه النيل، والحفاظ عليها»، لافتاً إلى أن «أي معطيات جديدة في قضية سد النهضة من شأنها أن تؤثر في حصة مصر المائية، سيقابلها توجه آخر تماماً».

وتأمل مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، الدكتورة أماني الطويل، أن تُبنى على إعادة إثارة قضية «سد النهضة» مع الولايات المتحدة، «وساطة أميركية تحرك المياه الراكدة».

وقالت الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن «القضية مطروحة على أجندة الإدارة الأميركية، وقد نشهد تحركات بشأنها عقب الانتخابات الرئاسية»، وبحسب الطويل فإن «أميركا والمجتمع الدولي أصبحا لديهما تفهم لمخاوف مصر ومطالبها بشأن سد النهضة»، كما أنه «بسبب التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط فإن أميركا تحتاج للجهود المصرية، فضلاً عن تراجع التفهم الدولي للجانب الإثيوبي؛ بسبب ما تثيره أديس أبابا من توترات في القرن الأفريقي».


مقالات ذات صلة

رسائل «طمأنة مشروطة» من السيسي إلى إثيوبيا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال حفل تخرج الدفعة الجديدة من طلبة الشرطة (الرئاسة المصرية)

رسائل «طمأنة مشروطة» من السيسي إلى إثيوبيا

حملت رسائل رئاسية مصرية جديدة، «طمأنة مشروطة»، بالتأكيد على أن دعم القاهرة لمقديشو لا علاقة له بأديس أبابا، التي أبدت قلقاً متواصلاً على مدار نحو شهرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (الخارجية المصرية)

رسائل مصرية - إثيوبية متبادلة في الأمم المتحدة تنذر بالتصعيد

تنذر رسائل القاهرة وأديس أبابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ«مزيد من التصعيد»، وسط توتر يتزايد مع رفض إثيوبي للدعم العسكري المصري لجارتها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مؤتمر صحافي بالقاهرة بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره المجري بيتر سيارتو (الخارجية المصرية)

«سد النهضة»: مصر تشدِّد على حتمية ضمان «حقوق» دولتَي المصب

شدَّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الثلاثاء، على أهمية التوصل مع إثيوبيا إلى اتفاق قانوني مُلزِم لتشغيل وإدارة «سد النهضة» على نهر النيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري خلال محادثات مع نظيره الألماني في القاهرة (الرئاسة المصرية)

محادثات مصرية - ألمانية تناولت «سد النهضة» ومستجدات المنطقة

أكد الرئيس المصري أنه اتفق مع نظيره الألماني على أهمية التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
تحليل إخباري منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

خطوة تصعيدية جديدة لإثيوبيا ترفع منسوب التوتر مع القاهرة عبر طلب للاتحاد الأفريقي بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيساً على اتفاقية عرفت باسم «عنتيبي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«تفتيش حرب» بحضور السيسي... رسائل للداخل والخارج

السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)
السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)
TT

«تفتيش حرب» بحضور السيسي... رسائل للداخل والخارج

السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)
السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)

وسط توترات إقليمية متصاعدة، وتحذيرات دولية من اتساع رقعة الصراع، شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، «تفتيش حرب» لواحدة من أبرز الفرق العسكرية بالجيش المصري، مؤكداً أن بلاده لا تملك «أجندة خفية»، وأن السلام «خيارها الاستراتيجي».

وفي إطار الاحتفالات بمرور 51 عاماً على حرب 6 أكتوبر 1973، حضر الرئيس المصري «اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثاني الميداني»، بمدينة الإسماعيلية، ما عده خبراء سياسيون وعسكريون بمثابة «رسائل للداخل والخارج»، لا سيما أنه يتزامن مع مرور عام على «حرب غزة».

وأكد السيسي، في كلمته، أن «بلاده حققت النصر في أكتوبر 1973 رغم فارق الإمكانيات، بالإرادة والرؤية العبقرية التي سبقت عصرها، وحققت السلام حتى الآن»، وقال: «الأوضاع الحالية في المنطقة تؤكد أن رؤية قادة السلام بعد حرب أكتوبر كانت شديدة العبقرية وسابقة لعصرها».

السيسي يلقي كلمة الثلاثاء (الرئاسة المصرية)

وأضاف «ليس لدينا في مصر وقواتها المسلحة ومؤسسات الدولة أي أجندة خفية تجاه أحد»، و«كل ما تبغيه أن تعيش في سلام على حدودها سواء الحدود الشمالية الشرقية أو الجنوبية أو الغربية أو حتى عمق هذه الحدود»، مشيراً إلى أن «الحرب هي الاستثناء، والسلام والبناء والتنمية هو الأساس».

وشدد السيسي على أن «السلام خيار استراتيجي لبلاده»، وقال: «الدولة المصرية تريد أن تعيش وتتعاون لأن تجربتها تثبت أن التعاون والبناء والتنمية أفضل من الصراعات والاقتتال».

ولفت إلى أن «ما يحدث في المنطقة كان اختباراً حقيقياً لاستراتيجية السلام التي تبنتها مصر»، مشبهاً ما تشهده المنطقة من صراع اليوم بالحالة التي كانت سائدة قبل «حرب أكتوبر»، وقال: «ما نعيشه اليوم من صراع وقتال وحالة من الغضب والكراهية كان موجوداً في تلك الفترة (أكتوبر) بشكل أو بآخر، على مستوى المنطقة بأكملها»، مشيراً إلى أن «القيادة في تلك الفترة في مصر وحتى في إسرائيل اتخذت خيار السلام لإنهاء حالة الحرب».

وأكد الرئيس المصري أن «القوات المسلحة دورها هو الحفاظ على أراضي الدولة وحماية حدودها». وقال: «رغم القوة التي تتمتع بها القوات المسلحة، فإنها قوة رشيدة تتسم في تعاملها بالتوازن الشديد»، مشيراً إلى أن سياسة بلاده الخارجية «تتسم بالتوازن والاعتدال الشديد والحرص على عدم إذكاء الصراعات».

وجدد الرئيس المصري التأكيد على موقف بلاده «الثابت والعادل» من القضية الفلسطينية، والذي يؤمن بـ«حق الشعب الفلسطيني بأن يعيش في دولة مستقلة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل». وقال: «أتحدث هنا باسمي واسم مصر والأشقاء العرب... تحقيق حل الدولتين سيفتح آفاقاً حقيقية وموضوعية للسلام والتعاون على مستوى المنطقة والإقليم بالكامل».

وأشار إلى أن القاهرة تسعى حالياً لتحقيق ثلاثة أهداف لم تتغير منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، وهي «وقف إطلاق النار، وعودة الرهائن، ثم إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، حيث يعاني أكثر من مليوني إنسان منذ نحو سنة».

ولفت الرئيس المصري إلى «مقتل أكثر من 40 ألف شخص، ثلثهم من النساء والأطفال، في قطاع غزة، إضافة إلى أكثر من 100 ألف مصاب». وقال: «هذا ثمن كبير جداً، وحجم الدمار لا يقتصر على البنية العسكرية، بل يشمل البنية الأساسية للقطاع، مثل المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والكهرباء والمساكن العادية»، مؤكداً «حرص بلاده على تحقيق هدفها، وإقامة الدولة الفلسطينية، لوضع نهاية للصراع والكراهية».

اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)

وعلى الصعيد الداخلي أشار السيسي إلى أن «القوات المسلحة المصرية واجهت اختباراً حقيقياً خلال عام 2011، كان يستهدف جناحي الأمة، الشرطة والجيش، ويسعى لإسقاط الدولة في اقتتال أهلي ضخم جداً يستمر ويأكل كل فرص التنمية»، مثمناً «دور القوات المسلحة في حماية الأمن القومي والشعب من تداعيات فترة تعد من أصعب الفترات التي مرت بها مصر».

واختتم الرئيس المصري كلمته بقوله: «طالما القوات المسلحة ظلت يقظة ومنتبهة ومستعدة ومدربة وأمينة وشريفة؛ فلا خوف أبداً»، معرباً عن أمله «في أن تتجاوز المنطقة خلال الشهور المقبلة المحن والظروف الصعبة التي تمر بها».

بدوره، أشار الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كلمة السيسي وحضوره «تفتيش الحرب» حملا رسائل عدة للداخل والخارج، موضحاً أن «تفتيش الحرب تضمن رسالة طمأنة للشعب بقدرة القوات المسلحة على حماية الحدود والأمن والاستثمارات»، لا سيما أنه «اصطفاف الفرقة السادسة المدرعة لتأكيد جاهزيتها لتنفيذ أي مهام».

أما على المستوى الخارجي، فإن تفتيش الحرب يوجّه رسالة مفادها بأنه «لا تغامر مع مصر، فهي دولة قوية، لكن في الوقت نفسه لا تهاجم وملتزمة بالسلام كخيار استراتيجي»، وفق فرج.

يتفق معه الدكتور عمرو الشوبكي مؤكداً أن «رسائل تفتيش الحرب تؤكد جاهزية القوات المسلحة للدفاع بشكل أساسي في إطار موقف استراتيجي للدولة يتمسك بالسلام كخيار استراتيجي».

وقال الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «تفتيش الحرب حمل رسائل واضحة بأن مصر متيقظة للدفاع عن حدودها، ومتمسكة بالسلام وبدور الوسيط لوقف حرب غزة»، إضافة إلى «التأكيد على الثوابت المصرية المتعلقة بحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين»، وهو طرح أشار الشوبكي إلى «اتفاق مصري - عربي بشأنه يقابله رفض إسرائيلي مستمر منذ سنوات».