المعارضة التونسية مشتتة بين التصويت ومقاطعة الانتخابات الرئاسية

عدَّتها «مسرحية تفتقر إلى شروط المصداقية»

معارضون للرئيس سعيد يؤكدون أن نتائج الاقتراع الرئاسي ستكون «محسومة» لصالحه (أ.ب)
معارضون للرئيس سعيد يؤكدون أن نتائج الاقتراع الرئاسي ستكون «محسومة» لصالحه (أ.ب)
TT

المعارضة التونسية مشتتة بين التصويت ومقاطعة الانتخابات الرئاسية

معارضون للرئيس سعيد يؤكدون أن نتائج الاقتراع الرئاسي ستكون «محسومة» لصالحه (أ.ب)
معارضون للرئيس سعيد يؤكدون أن نتائج الاقتراع الرئاسي ستكون «محسومة» لصالحه (أ.ب)

لم تتفق أطياف المعارضة في تونس حول المشاركة في الاقتراع الخاص بالانتخابات الرئاسية، المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، حسبما أوردت وكالة الأنباء الألمانية، الخميس.

ويتنافس الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد، من أجل ولاية ثانية مع رئيس «حركة الشعب» زهير المغزاوي، ورئيس «حركة عازمون» العياشي زمال، الموقوف في السجن والصادرة ضده عدة أحكام في نزاعات انتخابية. وتتهم المعارضة الرئيس سعيد، الذي أطاح بالبرلمان وبالنظام السياسي في 2021، ووضع دستوراً جديداً وسَّع بشكل كبير من صلاحياته في 2022، بالسعي إلى تعزيز هيمنته على الحكم وتقويض أسس الديمقراطية.

وقال القيادي في جبهة الخلاص الوطني المعارضة، سمير ديلو، لوكالة الأنباء الألمانية: «لا يمكننا المشاركة في مسرحية، وفي انتخابات تفتقر إلى شروط المصداقية».

سمير ديلو رأى أن الانتخابات الرئاسية «مسرحية لا يمكن المشاركة فيها» (إ.ب.أ)

وتابع ديلو موضحاً أن المسار «كان خاطئاً منذ البداية، ومنذ وضع الدستور بإرادة منفردة، واعتقال المعارضين، وسجن بعض المترشحين، وعدم احترام قرار المحكمة الإدارية في إعادة مترشحين إلى السباق الرئاسي».

من جانبه، أصدر حزب «حركة النهضة الإسلامية»، أكبر الأحزاب المعارضة للرئيس سعيد، بياناً جاء فيه أن «المؤشرات المبكرة أكدت عدم نزاهة المسار الانتخابي وفقدانه الشفافية». وتابعت الحركة موضحةً: «لم تقم هيئة الانتخابات المعيّنة بدورها في ضمان شفافية ونزاهة المسار الانتخابي. بل انحازت بوضوح لصالح أحد المتنافسين، وعملت على إقصاء أغلب المرشحين الجديين، وحرمانهم من حقهم في الترشح». ولم يدعُ الحزب، الذي يقبع زعيمه راشد الغنوشي وعدد آخر من قيادييه البارزين في السجن، صراحةً منتسبيه إلى التصويت لمنافسي الرئيس سعيد أو إلى مقاطعة الاقتراع.

المرشح لـ«رئاسية تونس» الموقوف العياشي زمال (الشرق الأوسط)

وكان أغلب الأحزاب المعارضة قد أعلنت مقاطعتها لخريطة الطريق السياسية، التي وضعها الرئيس سعيد بعد سنة 20121. ولم تتعدَّ نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد في سنة 2022 نسبة 11.22 في المائة، فيما تخطت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المبكرة في نفس العام 30 في المائة. في المقابل، يعارض القيادي المخضرم في «جبهة الخلاص الوطني»، عز الدين الحزقي، فكرة المقاطعة في الانتخابات الرئاسية هذه المرة، قائلاً إن رد المعارضة «يجب أن يكون بالتصويت المكثف»، مضيفاً أن «البقاء على الربوة سيعود على الجميع بالوبال».



بعد 6 سنوات من الجفاف... المغاربة يروون عطشهم من مياه البحر

أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
TT

بعد 6 سنوات من الجفاف... المغاربة يروون عطشهم من مياه البحر

أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)

في قرية سيدي بوشتة المغربية لم يتوقَّع السكان الذين يعيشون على صيد السمك يوماً أنهم سيروون عطشهم بمياه المحيط الأطلسي بعد تحليتها بفضل محطات متنقلة، في تقنية باتت أساسية لمواجهة جفاف مزمن. بالقرب من هذه القرية الواقعة في محافظة آسفي وسط البلاد الغربي.

القصة بدأت عندما أُقيمت منشأة متنقلة صغيرة مؤلفة من صهريجين وحاويتين فوق رمال شاطئ رأس بدوزة تعمل على تحلية المياه لتوزع على نحو 45 ألفاً من سكان القرى المجاورة.

عمال يملأون حاويات شاحنات بالمياه المحلاة (أ.ف.ب)

وبينما تعتمد مدن ساحلية عدة، منذ عام 2022، على مصانع التحلية التقليدية لتلبية احتياجاتها كلياً، أو جزئياً، من مياه الشرب، لجأت السلطات إلى هذه المحطات الصغيرة المتنقلة، التي «مكَّنت من تفادي الأسوأ»، بحسب تصريح مدير الوكالة المحلية لتوزيع الماء والكهرباء ياسين الملياري لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

فرج بعد 6 سنوات من الانتظار

بعد 6 سنوات متتالية من الجفاف، لم يعد سد المسيرة، الواقع على بُعد نحو 220 كيلومتراً، شمال آسفي، قادراً على تلبية حاجات المنطقة من مياه الشرب، على غرار كل سدود البلاد، التي لا يتجاوز مخزونها معدل 28 في المائة. وإزاء هذا الإجهاد المائي الحاد، جهزت السلطات 44 محطة تحلية متنقلة، ابتداءً من أبريل (نيسان) 2023، بينما ثمة 219 أخرى في طور الإعداد، لتلبية حاجات نحو 3 ملايين من سكان الأرياف، وفق معطيات رسمية.

صورة لأحد مصانع تحلية المياه التقليدية في مجدينة آسفي (أ.ف.ب)

يقول الملياري إنه يمكن لهذه المحطات الصغيرة إنتاج 360 إلى 3600 متر مكعب يومياً من المياه؛ ما يجعلها «الحل الأفضل لسهولة تركيبها وإمكانية نقلها»، مشدداً أيضاً على تكلفتها المنخفضة التي تقارب 1.3 مليون دولار في المتوسط للوحدة.

«لم نتخيل ذلك»

في غفلة من المصطافين، تُضخ مياه البحر من شاطئ رأس بدوزة، وتُخضع للمعالجة، قبل أن تُضاف إليها المعادن الضرورية، ثم تُنقَل بعد ذلك في صهاريج لتوزع على سكان القرى المحتاجة «يومياً بالمجان في مجال يصل حتى 180 كيلومتراً»، على ما يؤكد الملياري.

يقول الصياد المتقاعد خير حسن (البالغ 74 عاماً): «حتى وقت قريب كان سكان قرية سيدي بوشتة يعتمدون على المياه الجوفية، لكنها نضبت مؤخراً... ولم نشهد مثل هذا الوضع منذ الثمانينات».

أسرة مغربية في رحلة يومية للتزود بالمياه المحلاة في قرية سيدي بوشتة (أ.ف.ب)

ويضيف كريم البالغ 27 سنة، وهو الآخر صياد سمك: «كنا نسمع أن مدناً أخرى تعتمد على مياه البحر، لكننا لم نكن نتخيل أننا سنلجأ إليها أيضاً». وقد أتى كريم رفقة عدد من سكان القرية الصغيرة إلى باحة المسجد؛ حيث وُضع خزانٌ بلاستيكي تُفرَغ فيه المياه المحلاة، ليأخذ حاجته. هنا يبدو الوضع أقل سوءاً مقارنة مع قرى أخرى نائية؛ حيث نقلت وسائل إعلام محلية معاناة قرويين من ندرة المياه خلال الصيف.

بينما تنذر التوقعات عموماً باستمرار الجفاف في أفق عام 2050، حيث يرتقب تراجع الأمطار بمعدل 11 في المائة، وارتفاع درجات الحرارة (+ 1.3 درجات)، وفق دراسة لوزارة الزراعة.

إنقاذ الزراعة

يعوِّل المغرب على مياه البحر أيضاً لإنقاذ الزراعة، التي خصص لها عام 2023 نحو 25 في المائة من المياه المحلاة في 12 محطة، وفق وزارة التجهيز والماء.

ويستهلك هذا القطاع أكثر من 80 في المائة من موارد البلاد المائية، ويوظف ثلث اليد العاملة النشطة. لكن الأولوية تعطى لتوفير مياه الشرب، بعدما واجهت مدن بأكملها خطر العطش، مثل آسفي، التي انقطع ربطها بسد المسيرة، ثاني أكبر سدود البلاد؛ حيث تراجع مخزون السد «من 75 في المائة، عام 2017، إلى 0.4 في المائة حالياً»، بحسب المسؤول في محطة التحلية التابعة للمكتب الشريف للفوسفات (رسمي)، عبد الغني آيت باحسو.

عملية شحن المياه المحلاة في صهاريج الشاحنات لحملها للسكان (أ.ف.ب)

وإزاء الخطر المحدّق، لجأت السلطات إلى رائد الفوسفات العالمي، الذي يستغل مصانع في المنطقة، لبناء محطة تحلية. وبهذا الخصوص يقول باحسو: «في ظرف وجيز... أصبحنا في سباق مع الزمن منذ 2022، وبدأ تزويد المدينة تدريجياً بالماء الشروب منذ أغسطس (آب) 2023. وبشكل تام، ابتداءً من فبراير (شباط)»، من العام ذاته.

ويُرتقَب توسعة المحطة لتزويد عاصمة السياحة مراكش (150 كيلومتراً شرقاً) ونواحيها، في أفق عام 2026. وبحسب معطيات رسمية، فقد بدأ بناء 6 محطات جديدة، أبرزها بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، في حين يُرتقَب الشروع في إنشاء 8 أخرى، بينها محطة بالرباط. علماً بأن العاصمة تفادت خطر العطش بفضل «طريق الماء»، وهي قناة بُنيَت على امتداد 67 كيلومتراً، تنقل المياه من منطقة سبو الماطرة شمالاً، منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.

عملية تحلية المياه داخل مصنع الفوسفاط في آسفي (أ.ف.ب)

ورغم أن بعض سكان سيدي بوشتة يجدون مياه البحر المحلاة أقل عذوبة من مياه الينابيع، فإن حدة التقلبات المناخية تجعلها خياراً استراتيجياً في المغرب، الذي له واجهتان بحريتان شاسعتان. وقد أعلن الملك محمد السادس في خطاب مؤخراً أن المغرب يعول عليها لتوفير «أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنوياً»، و«تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب»، و«سقي مساحات فلاحية كبرى»، في أفق 2030.