مصر وليبيا وتشاد لإحياء «الطريق البري» المشترك

القاهرة تدرس المشروع... ومقترح بتشكيل «لجنة ثلاثية»

خريطة المشروع البري داخل ليبيا (صندوق إعمار ليبيا)
خريطة المشروع البري داخل ليبيا (صندوق إعمار ليبيا)
TT

مصر وليبيا وتشاد لإحياء «الطريق البري» المشترك

خريطة المشروع البري داخل ليبيا (صندوق إعمار ليبيا)
خريطة المشروع البري داخل ليبيا (صندوق إعمار ليبيا)

تعمل مصر وليبيا وتشاد على إحياء مشروع قديم للربط البري، بين الدول الثلاث، عبر إقامة طريق دولي مشترك، يعزز من حركة التبادل التجاري بينها. وبينما أعلنت الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، في وقت سابق، عن مقترح لتشكيل لجنة ثلاثية لبحث آليات تنفيذ المشروع، قال مصدر حكومي مصري لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده «تدرس إمكانية البدء في تنفيذ المشروع».

ويرى خبراء من مصر وليبيا وتشاد، في المشروع المزمع، فوائد اقتصادية وتجارية وأمنية عديدة، أهمها «تعزيز التكامل التجاري والسلعي، خصوصاً في مجال الأمن الغذائي»، إلى جانب «المساهمة في تأمين الحدود المشتركة».

وخلال زيارة رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب الليبي، أسامة حماد، لتشاد نهاية أغسطس (آب) الماضي، بحث مع الرئيس التشادي، محمد إدريس دبي، «تنفيذ الطريق الدولي الذي يربط ليبيا ومصر وتشاد»، حسب إفادة للحكومة الليبية وقتها.

وبموازاة ذلك، أعلنت الحكومة الليبية المكلفة، خلال مشاورات وفد وزاري ليبي مع نظريه التشادي، في العاصمة أنجامينا، نهاية أغسطس، عن «مقترحاً لتشكيل لجنة ثلاثية بين كل من ليبيا وتشاد ومصر، لدراسة تنفيذ مشروع الطريق البري الدولي». فيما كشف مصدر مصري مطلع، لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشروع الطريق الدولي مقترح مطروح للدراسة من جانب الحكومة المصرية»، مشيراً إلى أنه «لم يتم اتخاذ أي إجراءات تنفيذية للمشروع حتى الآن».

ويرى رئيس هيئة الطرق والكباري السابق بمصر، اللواء عادل ترك، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «من مميزات إقامة المشروع أن منطقة التنفيذ في الجنوب الشرقي بليبيا غير سكنية، وبالتالي تسهل عملية تأمينه»، مشيراً إلى أن «المشروع يحقق فوائد تجارية واقتصادية بالنسبة لمصر، أهمها التكامل في مجال الأمن الغذائي، في ضوء ما تمتلكه تشاد من ثروة حيوانية وبأسعار منخفضة، فضلاً عن الثروات التي تزخر بها إنجامينا، خصوصاً في مجال البترول والطاقة»، عادّاً ذلك «يوفر فرصاً للتعاون بين الدول الثلاث».

وفي 11 أغسطس الماضي، ناقش رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال استقباله أسامة حماد، بحضور المدير العام لصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا «سبل تعزيز التعاون المشترك، في مختلف المجالات، ومساهمة الشركات المصرية في جهود إعادة إعمار ليبيا»، وأكّد «دعم بلاده الكامل للشعب الليبي، في المجالات كافة»، حسب إفادة لمجلس الوزراء المصري.

وإلى جانب تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين الدول الثلاث، يرى المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي الليبي محمد السلاك، في مشروع الربط البري بين مصر وليبيا وتشاد، فوائد أمنية وسياسية، وقال إن «المشروع يوفر مساراً رسمياً آمناً لحركة الأفراد والبضائع بين الدول الثلاث، ومع التنسيق المشترك في تأمين حركة النقل، سيساعد في تأمين الحدود المشتركة، للتصدي لعمليات التهريب الحدودية والأنشطة غير المشروعة».

وأوضح السلاك لـ«الشرق الأوسط»، أن «الربط البري بين الدول الثلاث سيحقق فوائد اقتصادية وتجارية لليبيا، بتعزيز حركة الأفراد والبضائع بين الدول الثلاث، وتحقيق التكامل الاقتصادي والسلعي، وفقاً لاحتياجات كل دولة»، وقال إن «المشروع يدعم منظومة المصالح الجيوسياسية بين الدول الثلاث، ويعزز من الروابط السياسية».

بينما ينظر الكاتب والمحلل التشادي، صالح يونس، للمشروع باعتباره «منفذاً تجارياً مهماً لبلاده»، وقال إن «تشاد دولة حبيسة (لا موانئ بحرية لها)، وتعتمد في تجارتها على ميناء (بورتسودان) في السودان، أو ميناء (دوالا) الكاميروني»، مشيراً إلى أن «الحرب الداخلية في السودان أثرت على الحركة التجارية لتشاد كثيراً»، مضيفاً أن «إقامة مشروع الربط البري سيمثل أهمية قصوى لبلاده، في توفير مسار تجاري مهم لبلاده مع الخارج».

ومن مزايا المشروع لتشاد، قال يونس، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «سيساهم في التكامل التجاري والاقتصادي بين الدول الثلاث»، إلى جانب «استثمار الثروات والموارد التشادية، خصوصاً أن تشاد تمتلك ثروة حيوانية وزراعية وبترولية»، مشيراً إلى أن «هذه الموارد، ستستفيد منها مصر، بما تمتلكه من خبرات ومقومات في مجال البنية التحتية، وأيضاً ليبيا على المستوى التجاري».

وقال إن هناك مشاريع مشتركة على مستوى الثنائي تجمع الدول الثلاث، مشيراً إلى أن «الشركات المصرية تنفذ مشاريع للطاقة الشمسية في تشاد، ومشروعات في مجال البنية التحتية»، وفي الوقت نفسه، ناقش رئيس الحكومة الليبية المكلف، خلال زيارته الأخيرة لتشاد، «مجموعة من المشروعات المشتركة»، معتبراً أن «ربط الدول الثلاث بطريق بري سيعزز التقارب الثقافي بينهم».



مصر: الجدل بشأن السلع «الترفيهية» يتصاعد

مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
TT

مصر: الجدل بشأن السلع «الترفيهية» يتصاعد

مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
مشهد من العاصمة المصرية القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

أثارت تصريحات وزير النقل والصناعة المصري نائب رئيس الوزراء لشؤون التنمية الصناعية، كامل الوزير، حول استيراد الحكومة «سلعاً استفزازية» بـ5.6 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2014 و2023، من بينها «أثاث فاخر، وأوانٍ خزفية، وحلي، وورق فويل، وسجاد، وسيراميك وبورسلين، وشوكولاته»، حالة من الجدل المتصاعد في الشارع المصري؛ حيث اعتبر البعض أن «هذه السلع لم تعد ترفيهية»، بينما رأى آخرون أن هذه «الأرقام كبيرة» وتأتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

وأمام تلك الأرقام، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ضرورة تطوير الصناعة المحلية للحد من الاعتماد على الاستيراد، منتقداً التوسع في استيراد «السلع الترفيهية»، بقوله: «تتسبب في ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه».

كلمات الرئيس والوزير، التي جاءت خلال افتتاح محطة قطارات «صعيد مصر» بمنطقة بشتيل في الجيزة، السبت الماضي، سرعان ما سيطرت على نقاشات المصريين، وتفاعلت معها مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، لترتفع بعض أسماء هذه السلع إلى صدارة «الترند» في مصر، خاصة «#ورق_الفويل»، وبينما ظهر تفاعل آخر بتأييد «حديث الرئيس»، دافع آخرون عن رؤيتهم بأن «الحل ليس في وقف استيراد هذه السلع».

كان السيسي، في تعقيبه على كلام الوزير، قد أشار إلى أن التجار في مصر يفضلون الاستيراد من الخارج بدلاً من التصنيع محلياً، وأضاف أن الدولة يجب أن تعمل بجدية وصلابة لحل تلك الأزمة، مشيراً إلى أن مصر استوردت عطوراً ومزيلات عرق بـ440 مليون دولار، ومستحضرات تجميل بنحو 500 مليون دولار، وحقائب يد بـ200 مليون دولار، وشوكولاته بنحو 400 مليون دولار. كما استوردت سيراميك بـ235 مليون دولار، وورق فويل بـ500 مليون دولار، وجبناً بمليار و200 مليون دولار، وسيارات بنحو 25 مليار دولار. (الدولار يساوي 48.59 جنيه في البنوك المصرية).

وقال السيسي حينها: «وبتلوموني إن الدولار بيرتفع ليه؟»، مؤكداً أن حل الأزمة الحالية في أيدي المصريين، وشدد على ضرورة إنشاء مصانع وإنتاج المستلزمات التي يسهل تصنيعها بمصر، موضحاً أن هذا الأمر يعد فرصة عظيمة للاستثمار، لافتاً إلى أنه لكي يتم تجاوز أزمة الدولار يجب تصنيع هذه المنتجات محلياً.

عامل في محل ذهب بخان الخليلي بالقاهرة (رويترز)

وعانت مصر خلال العامين الماضيين من أزمة في توافر الدولار، ما أدى إلى انتعاش «السوق الموازية»، حيث وصل سعر الدولار خلال العام الماضي إلى نحو 70 جنيهاً. في حين سمحت لعملتها بالانخفاض أمام الدولار في مارس (آذار) الماضي.

تصريحات الوزير المصري وجدت جدلاً عبّر عنه البعض بالإشارة إلى أن هذه السلع لها مردود اقتصادي مهم وليست «استفزازية»، حيث يقف وراءها طابور طويل من «مستوردين، وموظفي جمارك، وضرائب، وشركات شحن، وسائقين، وموظفي مخازن، وموظفي تسويق وتوزيع وتحصيل وبنوك»، وبالتالي تخلق الآلاف من فرص العمل.

كما عبّر آخرون عن رفض المصطلح نفسه، قائلين: «مفيش حاجة اسمها (سلع استفزازية) وكل شخص له حرية في اختياراته وأمواله»، بينما قال البعض إن «الرقم المعلن من الوزير ليس كبيراً، إذا تم تقسيمه على 10 سنوات، و12 شهراً، ثم على 30 يوماً».

أمينة سر «لجنة الصناعة» بمجلس النواب المصري (البرلمان) النائبة شيرين عليش قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «حالة الجدل التي تصاعدت في مصر عقب تصريحات وزير النقل والصناعة تعود إلى عدم تخيل المواطنين لقيمة فاتورة استيراد هذه السلع، وعدم تقديرهم لحجمها الكبير»، مضيفة أن حديث الرئيس السيسي وضع المصريين أمام الحقيقة، التي وجدها البعض بمثابة «حقيقة مُرة»، خاصة مع ذكر الرئيس سلعاً معينة مثل «ورق الفويل»، فهي سلعة تستخدم داخل كل منزل بشكل مستمر، لكن مع ضرب المثل بها، اتضح للمواطن أن أبسط الأمور لديه تكلفتها باهظة، وهو ما لم ينتبه إليه أو يحسب تكلفته من قبل.

ونال «ورق الفويل»، تفاعلاً كبيراً، حيث أبرز كثيرون أهميته، وأنه لا يقتصر على الاستخدام في الطهي فقط.

الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مدحت نافع يوضح أن «الفويل» لا يدخل فقط في الطعام المنزلي، فهو يستهلك استهلاكاً صناعياً، ويستهلك في المنتجات الدوائية بنسب كبيرة للغاية، كما يستهلك في المبردات، بما يعني أنه يدخل في العملية التصنيعية بشكل كبير. ويبين أن إنتاج الفويل يحتاج إلى استثمارات كبيرة، ورغم ذلك تستطيع مصر إنتاجه في شركة مصر للألومنيوم (التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام)، شريطة تحديث خطوط الإنتاج وعمل توسعات في الشركة، مع استقرار أسعار الكهرباء، التي تسهم بنحو 40 إلى 50 في المائة من تكلفة الإنتاج.

وقال نافع لـ«الشرق الأوسط» إن الدولة تربح من دخول هذه السلع الترفيهية إليها بشكل أكبر من السلع الأساسية، مشيراً في الوقت نفسه إلى «أهمية سياسة أولويات الاستيراد مع محدودية الوفرة الدولارية في البنوك».

في المقابل، رأى جانب من رواد «السوشيال ميديا»، أن ما ذكره الرئيس المصري من حقائق يؤدي بالفعل إلى وجود أزمة في الدولار.

وطالب آخرون بأن تكون هناك وقفة مع هذه «الفواتير الكبيرة للسلع الترفيهية»، مؤكدين وجود فئات بعينها هي القادرة على شرائها.

من ناحية أخرى، أرجع الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور أشرف غراب، حالة التفاعل مع حديث الرئيس عن هذه السلع، لكونها تأتي في وقت يعاني فيه الكثيرون من الغلاء، إلى جانب أن الحكومة قد حصرت بالفعل منذ شهور مضت عدداً من السلع، ما يقارب 130 صنفاً أو أكثر من السلع التي يتم استيرادها من الخارج، وأكدت حينها أنه سيتم عمل دراسات لتصنيعها محلياً بالتعاون مع القطاع الخاص لمنع استيرادها، حتى لا تُستنزف العملة الصعبة، خاصة «السلع الترفيهية غير الضرورية»، ورغم ذلك عندما تحدث الرئيس، فوجئ المواطن بحجم فاتورة الاستيراد الضخمة.