أعادت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ملف الأموال المجمّدة بالخارج إلى دائرة الضوء مجدداً، وذلك بالحديث عن سعيها دولياً للمشاركة في إدارتها، فيما ترى غريمتها بشرق البلاد بقيادة أسامة حمّاد، أنه «ليس من حقها الاضطلاع بهذا الملف» لكونها حكومة «منتهية الولاية».
وتبذل حكومة «الوحدة» جهوداً في المحافل الدولية لحلحلة أزمة تجميد الثروة الليبية المجمدة منذ إسقاط نظام القذافي، أو الإشراف على إدارتها، لكن جبهة شرق ليبيا تتمسك بإبعاد الدبيبة عن هذه الأرصدة راهناً، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عن فرص استعادة هذه الأموال راهناً في ظل الصراع السياسي.
القائم بأعمال وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»، طاهر الباعور، قال إن وزارته «تعمل على الوصول إلى اتفاق مع المجتمع الدولي لإنشاء رقابة مشتركة لإدارة الأموال المجمّدة باعتباره حقاً للدولة الليبية».
في المقابل، عدّ مصدر مقرّب من حكومة حمّاد، تحرك سلطات طرابلس على مسار إنهاء الحظر المفروض على الأموال المجمدة أو السعي لمباشرة إدارتها في الخارج «عبثاً إضافياً»، واتهمها بـ«ارتكاب تجاوزات كبيرة في حق المال العام»، منذ أن تسلمت السلطة في فبراير (شباط) 2021.
وتحدث لـ«الشرق الأوسط» عما أسماه بـ«تآكل الأرصدة الليبية» خلال السنوات الماضية، وقال: «لم يعد منها إلا القليل»، وأرجع ذلك لـ«الخلافات والتمسك بالسلطة والتهرب من إجراء انتخابات تأتي برئيس موحّد للبلاد؛ مما يحول دون تمكن فصيل سياسي منها».
وسبق أن اتهم الدبيبة بلجيكا بـ«محاولة الاستيلاء على أموال ليبيا المجمّدة لديها»، وقال: «لدينا مشكلة مع دولة بلجيكا، في الحقيقة بلجيكا الدولة التي نعتبرها متقدمة، تطمع في أموال الليبيين الموجودة لديها، وأعلنها بشكل رسمي، السلطات في بلجيكا تقوم بمحاولة جديدة للاستيلاء على أموال ليبيا».
وتدفع الأموال والأصول الليبية، المجمّدة في الخارج بدول عدة، ضريبة الانقسام السياسي في البلاد. فمنذ عام 2017 لم تتوافق السلطة المنقسمة في ليبيا على مطالبة مجلس الأمن الدولي برفع الحظر عن هذه الأموال، في ظل محاولات من شركات دولية الاستيلاء على بعضها بدعوى «تعويض خسائرها عما لحق بها في ليبيا بعد عام 2011».
فأمام تحركات حكومة «الوحدة» حيال هذا الملف، تحذّر غريمتها بشرق ليبيا «من أي تصرف في هذه الأموال». وسبق أن بحث حمّاد مجموعة من الإجراءات، مع أعضاء لجنة الحراسة القضائية على أموال وأصول وإيرادات المؤسسة الليبية للاستثمار. ونبهت الحكومة إلى أن «الإجراءات المتخذة هذه تهدف إلى «حفظ وصيانة المال العام من الفساد والعبث والاختلاس المتعمد من قبل الحكومة منتهية الولاية»، متهمة رئيسها بالتسبب «في ضياع حقوق الدولة والشعب بالتصرف في أموال وأصول المؤسسة، بطرق غير قانونية».
والأموال الليبية في الخارج كانت تقدر بقرابة 200 مليار دولار، وهي عبارة عن استثمارات في شركات أجنبية وأرصدة وودائع وأسهم وسندات، تم تجميدها بقرار من مجلس الأمن الدولي في مارس (آذار) عام 2011. لكن الأرصدة النقدية تناقصت على مدار السنوات الماضية إلى 67 مليار دولار، وفق فائز السراج رئيس حكومة «الوفاق الوطني» السابقة.
وكانت وسائل إعلام بلجيكية تحدثت، في يوليو (تموز) الماضي، عن إجراء السلطات تحقيقات تتعلق بمصير نحو 2.3 مليار دولار من فوائد الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا، التي تبيّن من التحقيقات أنه تم الإفراج عنها بشكل غير قانوني ما بين عامي 2012 و2017.
وعلى الرغم من الصراع الحكومي الدائر في ليبيا، يرى الباعور، في تصريحات صحافية أنه «باتت هناك قناعة داخل مجلس الأمن بأحقية مطلب مشاركة ليبيا في الإشراف على أموالها»، وقال: «نطالب بأن يكون لدينا علم بهذه الأموال وكيفية إدارتها، حتى وهي تحت التجميد».
الباعور الذي يتولى إدارة وزارة خارجية «الوحدة» منذ إقالة نجلاء المنقوش، يتحدث عما أسماه بـ«انفراجة جيدة» تجاه هذا الملف، وقال: "أصبح هناك قناعة لدى كثير من الدول وخاصة في مجلس الأمن، بأن هذا حق لليبيا». وعادة ما تفيد تقارير ديوان المحاسبة الليبي بارتكاب حكومة الدبيبة «تجاوزات مالية كبيرة».
ووقع القائم بأعمال خارجية «الوحدة» على انضمام ليبيا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحصانة الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية، وأيضاً الانضمام لاتفاقية البيع القضائي للسفن المعروفة بـ(اتفاقية بكين). وعدّت الوزارة هذا الإجراء «خطوة مهمّة في تحصين أملاك الدولة بالخارج وحمايتها من الاعتداءات»، منوهة بأن هذه «الخطوة المهمة» جاءت «بناءً على المشاورات التي تمت بين المؤسسات الوطنية الليبية المعنية سواء القضائية أو السياسية».
وللعلم فقد سبق لـ«المجلس الرئاسي»، بقيادة محمد المنفي، أن اعترض على محاولات «الوحدة» في سبتمبر (أيلول) 2023، لاستخدام الأموال الليبية المجمدة في الخارج في إعادة إعمار المناطق المنكوبة شرق البلاد.
وكان المنفي، سارع في إطار رفضه لتحرك «الوحدة» وأعلن أن «الدعم الدولي في كل مراحله يحتاج لمؤسسة ليبية موحدة تحظى بثقة المتضررين»، وهو الأمر الذي يرى المختصون أنه يحول راهناً دون سيطرة ليبيا على أموالها المجمّدة من دون انتخاب سلطة موحدة.
وعقب سقوط نظام القذافي، خضعت ليبيا لعقوبات دولية من قبل مجلس الأمن، شملت فرض حظر على صادرات السلاح وتجميد الأرصدة والحسابات الليبية في الخارج.