ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)
مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)
TT

ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)
مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

تصاعد الجدل في ليبيا بعد أداء مستشاري المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية أمام النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، مصباح دومة، الاثنين الماضي، فيما وصف بـ«تجاهل لرفض مشروع قانون المحكمة» من قِبَل أطراف عديدة بالدولة، من بينها المجلس الرئاسي.

مجلس النواب أقر قانوناً لإنشاء محكمة دستورية عليا في بنغازي بدلاً من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس (المجلس)

وسبق أن أقر مجلس النواب في ديسمبر (كانون الأول) 2022 قانوناً لإنشاء محكمة دستورية عليا في مدينة بنغازي (شرق)، بدلاً من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس (غرب). وفي يونيو (حزيران) 2023 صعّد من خطواته، وصوّت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية.

ومنذ ذلك الحين ظلت الأوضاع تراوح مكانها، إلى أن تم تفعيل قرار البرلمان بإنشاء المحكمة الدستورية العليا في مدينة بنغازي، الشهر الحالي، وهو ما أحدث ردود فعل معارضة لهذا القرار، لا سيما مع وجود «أحكام قضائيّة صادرة ترفض هذا الإجراء»، فضلاً عن أن المجلس الرئاسي عدّ مشروع القانون «تغييراً للنظام القضائي السائد في ليبيا».

وسارعت السلطات القضائية في شرق ليبيا بتفعيل القرار، وذلك بإعلان بلدية بنغازي، في 19 سبتمبر (أيلول) الحالي، افتتاح مقر المحكمة الدستورية العليا، بحضور عدد من أعضاء مجلس النواب وأعضاء المحكمة، ورؤساء المحاكم والنيابات والهيئات القضائية.

المجلس الرئاسي عدّ أن «توقيت تفعيل هذا القانون في هذه المرحلة الدقيقة مثير للقلق» (رويترز)

ورداً على هذه الخطوة، رأى المجلس الرئاسي، في بيان مطوّل أصدره للتنديد بهذا الإجراء، أن «توقيت تفعيل هذا القانون في هذه المرحلة الدقيقة يثير القلق»، وقال إن من شأنه «تعميق حالة الانسداد السياسي القائم، ويزيد من تعقيد المشهد الوطني».

كما عبَّر المجلس الرئاسي عن اعتقاده بأن المشروع «يمنح مجلس النواب سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة، واختيار أعضائها، مما يعزز من نفوذ المجلس على القضاء، ويضعف من توازن السلطات في البلاد».

ومستشارو المحكمة الدستورية العليا، الذين أدوا اليمين أمام مجلس النواب، في 23 سبتمبر الحالي، هم: محمد سالم الحضيري، وحسين إبراهيم أبو خزام، والساعدي أمبارك الفقيه، وأحمد محمد المسماري، وخليفة أحمد المعلول، ومصطفى عبد الله قديم، وسلوى فوزي الدغيلي، وعز الدين أبو بكر علي.

مستشارو المحكمة الدستورية العليا بعد أداء اليمين في مجلس النواب الليبي (مجلس النواب)

ووسط معارضة حقوقية واسعة للإقدام على تفعيل المحكمة الدستورية في بنغازي، دافع برلمانيون عن حق مجلس النواب في إصدار وتفعيل قانون المحكمة الدستورية العليا، لكن المجلس الرئاسي تمسك برفضه، وقال إن أي تشريع «ينبغي أن يكون مدفوعاً بحاجات ضرورية ملحة؛ لا أن يكون وسيلة لتحقيق مصالح محدودة أو فئوية». مشيراً إلى أن العملية التشريعية في الدولة الليبية «يجب أن تستند إلى أسس دستورية وقانونية ثابتة، تراعي المصلحة العليا للدولة».

وكانت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس قد قضت في يونيو عام 2023 بعدم دستورية القانون رقم 5 لسنة 2023، الصادر عن مجلس النواب، بإنشاء المحكمة الدستورية العليا في ليبيا.

وعبّرت المؤسسة الوطنية لحُقوق الإنسان في ليبيا عن رفضها لتفعيل خطوة إنشاء محكمة دستورية عليا في بنغازي، وعدت ذلك عملاً «غير دستوري»، وأرجعت ذلك إلى أن قانون إنشاء المحكمة «قُضيَّ بعدم دستوريته»، بالإضافة إلى أن إصدار هذا القانون «يحتاج إلى نص دستوري، وإلى تعديل القانون رقم (6) لسنة 82 بشأن إنشاء المحكمة العليا».

ودعت المؤسسة في ختام تصريحاتها، أعضاء الهيئات القضائية كافة، على اختلاف أدوارهم ومواقعهم، إلى «التمسك بوحدة السلطة القضائية والدفاع عنّ استقلالها، وعدم السماح بالتدخل في شؤونها».


مقالات ذات صلة

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

شمال افريقيا المنفي يلتقي البرهان على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة (المجلس الرئاسي الليبي)

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

حثت أميركا ودول أوروبية وعربية الأطراف الليبية كافة على العمل لاستئناف إنتاج وتصدير النفط «بالكامل دون تعطيل أو تدخل أو تسييس».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)

المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

في تصعيد جديد على مسار الصراع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اتهم خالد المشري غريمه محمد تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة المصرف المركزي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، التوصل إلى تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة إدارة المصرف المركزي الذي يشهد تنازعاً على السلطة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية (المجلس الرئاسي)

​توقعات بحسم أزمة المصرف المركزي الليبي

وسط توقعات بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي خلال اجتماع ممثلي مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» برعاية أممية في العاصمة طرابلس

خالد محمود (القاهرة )

هل تُسهم التحركات العربية في الضغط لتنفيذ «حل الدولتين»؟

اجتماع بشأن فلسطين في الأمم المتحدة (الجامعة العربية)
اجتماع بشأن فلسطين في الأمم المتحدة (الجامعة العربية)
TT

هل تُسهم التحركات العربية في الضغط لتنفيذ «حل الدولتين»؟

اجتماع بشأن فلسطين في الأمم المتحدة (الجامعة العربية)
اجتماع بشأن فلسطين في الأمم المتحدة (الجامعة العربية)

شهدت فعاليات الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حالياً في نيويورك، تحركات ومساعي عربية من أجل تنفيذ «حل الدولتين». وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن الاعتراف بدولة فلسطين، يمهد الطريق لـ«تفاوض متكافئ» مع إسرائيل.

وعدّ خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، التحركات العربية في هذا الصدد، بمثابة «وسيلة للضغط على إسرائيل والدفع باتجاه السلام»، لا سيما مع إعلان المملكة العربية السعودية إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين».

واستضاف مقر الأمم المتحدة في نيويورك، مساء الخميس، اجتماعاً وزارياً حول «القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين»، شارك فيه ممثلون عن عدد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

وخلال الاجتماع، أعلن وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، باسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين، إطلاق «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»، لافتاً إلى أن الاجتماع الأول للتحالف سيعقد في الرياض.

وركز أبو الغيط، في كلمته خلال الاجتماع، على 3 محاور رئيسية؛ وهي «أولاً ضرورة العمل بشكل فعال وعملي لتنفيذ حلّ الدولتين من خلال إضعاف الاحتلال والامتناع عن مساعدته بفرض عقوبات على الاستيطان ورموزه ومقاطعة منتجاته، وفي الوقت نفسه دعم المساعي الفلسطينية لإقامة الدولة»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الأمين العام، جمال رشدي.

أما المحور الثاني فيتعلق بـ«العمل على زيادة وتيرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تمهيداً للتفاوض البنّاء بين دولتين قائمتين»، وفق أبو الغيط، الذي أكد في المحور الثالث أن «السبيل الوحيد لتوسيع رقعة السلام والاعتراف والعلاقات الطبيعية وصون اتفاقيات السلام القائمة، هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية».

أبو الغيط في كلمته خلال الاجتماع (الجامعة العربية)

بدوره، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال الاجتماع، «ضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، وقيام المجتمع الدولي بدوره لوقف العدوان على فلسطين»، بحسب إفادة رسمية لوزارة الخارجية المصرية. وأشار إلى أن الأزمة الحالية ليست نتاج ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنها نتاج أعوام من الممارسات الإسرائيلية لتكريس احتلال غير شرعي»، مطالباً بـ«منح الشعب الفلسطيني حقه في التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة والقابلة للحياة على خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967، اتساقاً مع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ومبادرة السلام العربية ومبدأ حل الدولتين».

والاجتماع الذي عقد في نيويورك يأتي استجابة لدعوة وجهتها مجموعة الاتصال العربية - الإسلامية بشأن غزة، التي تضم مصر والسعودية وقطر والأردن وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا، عقب اجتماع وزاري عربي - أوروبي، عقد في العاصمة الإسبانية مدريد منتصف الشهر الحالي، شارك فيه وزيرا خارجية النرويج وسلوفينيا، ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ورئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى.

وعوّل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، على «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا التحالف من شأنه الضغط على إسرائيل، وتحويل المطالبات العربية من مسار الدعوة للاعتراف بدولة فلسطين، إلى مسار المطالبة بإنهاء الاحتلال». وأوضح أن «تكوين تكتل عربي - دولي معترف بفلسطين من شأنه أن يفضي إلى فرض عقوبات على إسرائيل»، مشيراً إلى أن «الاجتماع الأول للتحالف المقرر عقده في السعودية قد يتبنى مجموعة من المبادئ، إذا لم تستجب لها تل أبيب، فمن الممكن التصعيد ضدها».

وقال: «لا سبيل لردع إسرائيل، إلا بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية، وهذا أمر ممكن من خلال (التحالف) وزيادة تكتل الدول التي تعترف بدولة فلسطين».

جانب من الاجتماع (صفحة الخارجية المصرية على «فيسبوك»)

وكان وزير الخارجية السعودي، قد دعا، خلال كلمته في الاجتماع، «جميع الدول للتحلي بالشجاعة واتخاذ القرار ذاته، والانضمام إلى الإجماع الدولي المتمثل بـ149 دولة مُعترفة بفلسطين». وقال إن «تنفيذ حل الدولتين هو الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة».

وبينما أكد خبير الشؤون الإسرائيلية بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعد عكاشة، «أهمية التحركات الدبلوماسية من أجل الدفع نحو السلام»، أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الظروف الحالية ربما تكون غير مواتية لاستجابة إسرائيل لأي مطالب دولية لوقف الحرب، أو الاعتراف بدولة فلسطين، لا سيما أنها تحقق تقدماً عسكرياً دون رادع، وتحت غطاء أميركي»، لافتاً إلى أن «الولايات المتحدة تعدّ نفسها الراعي الوحيد لعملية السلام». وقال عكاشة إن «التحركات الدبلوماسية عادة ما تكون أكثر فاعلية عقب وقف الحرب»، وإن لم ينكر «أهميتها في الوقت الحالي لمنع انزلاق المنطقة إلى منعطف أخطر».

وفي سياق الدفع نحو دعم القضية الفلسطينية، عقد أبو الغيط، لقاء، مساء الخميس، مع وزيرة خارجية الأرجنتين، ديانا موندينو، أعرب خلاله عن «أسف الجامعة العربية حيال بعض المواقف التي تم تبنيها مؤخراً من جانب الأرجنتين، والتي تم رفضها عربياً». وشدد أبو الغيط على «أهمية مراجعة التوجهات والمواقف الأرجنتينية وتصحيحها تفادياً لردود فعل عربية غير مواتية»، بحسب إفادة رسمية.

وفي جلسة الحوار التفاعلي غير الرسمي لأعضاء مجلس الأمن و«ترويكا» القمة العربية على المستوى الوزاري، بشأن «التعاون بين مجلس الأمن وجامعة الدول العربية»، قال أبو الغيط إن «المنطقة العربية تقف عند منعطف طرق خطير، وعلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤولية كبيرة لوقف آلة القتل والتدمير الإسرائيلية فوراً، ومن ثم التدخل الحاسم لفرض الحل العادل، على أساس رؤية الدولتين».

يذكر أن «القمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية» التي عقدت بالرياض في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قد كلفت لجنة وزارية ببلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة. وأجرت اللجنة الوزارية مباحثات في عدة دول، والتقت عدداً من رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، وعدداً من المسؤولين في الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وعدداً من البلدان الفاعلة على الصعيد الدولي، لوقف الحرب في غزة.