«الجامعة العربية» تطالب بتمويل خطة مساعدات إنسانية عاجلة للسودان

أعربت عن استعدادها التعاون في أي مساعٍ حميدة تنهي «الاحتراب الأهلي»

أبو الغيط خلال محادثات مع البرهان في نيويورك (الجامعة العربية)
أبو الغيط خلال محادثات مع البرهان في نيويورك (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة العربية» تطالب بتمويل خطة مساعدات إنسانية عاجلة للسودان

أبو الغيط خلال محادثات مع البرهان في نيويورك (الجامعة العربية)
أبو الغيط خلال محادثات مع البرهان في نيويورك (الجامعة العربية)

طالبت جامعة الدول العربية بـ«تمويل خطة مساعدات إنسانية عاجلة للسودان». وأعربت عن استعدادها المشاركة في «أي مساعٍ حميدة» من شأنها إنهاء حالة «الاحتراب الأهلي» المستمرة في البلاد منذ أكثر من عام، بحسب إفادة رسمية، الجمعة.

وكثفت «الجامعة العربية» تحركاتها لدعم السودان، على هامش اجتماعات للدورة 79 من الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث عقد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، لقاءً، مساء الخميس، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، جدد خلاله «تأكيد موقف الجامعة الثابت القائم على ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وصون كل مؤسساته الوطنية»، وفق إفادة رسمية للمتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية، جمال رشدي.

وتناولت محادثات أبو الغيط والبرهان «تطورات الوضع على الأرض». وأكد أبو الغيط «جاهزية الجامعة العربية الكاملة لبذل أي مساعٍ حميدة تطلب منها لدعم السلام والاستقرار في السودان».

الأمر نفسه أكده الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، خلال مشاركته في اجتماع بشأن «سبل الاستجابة الإنسانية في السودان»، عُقد أيضاً على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث أعرب زكي، في كلمته، عن «استعداد جامعة الدول العربية للتنسيق والتعاون بشأن أسرع وأفضل السبل والآليات لإنهاء حالة الاحتراب الأهلي وصون مؤسسات البلاد الوطنية ومقدراتها، ودعم استعادة السلام والأمن في السودان».

وشدد الأمين العام المساعد على أن «الوضع الإنساني المتدهور وازدياد تهديدات المجاعة وانعدام الأمن الغذائي وندرة الأدوية المنقذة للحياة، كل ذلك يتطلب ضرورة الدعم المالي العاجل لتمويل خطط منسقة عاجلة وقصيرة المدى لتوريد المساعدات الغذائية واستعادة سبل العيش، وإنقاذ الموسم الزراعي».

وفي اجتماع آخر عقد بنيويورك أيضاً، حول «دعم السلام في السودان»، أكد زكي «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية»، مشدداً في هذا الإطار على أن «إنشاء آليات لمراقبة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين السودانيين ومنع تدفق الأسلحة وفقاً لقرارات مجلس الأمن، مسؤولية سودانية كاملة».

متطوع يوزّع الطعام على النازحين في أحد أحياء أم درمان بالسودان (أرشيفية - رويترز)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023، حرباً داخلية بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة. وتزامن ذلك مع تحذيرات دولية وأممية من «خطر المجاعة» في البلاد.

وعولت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتورة أماني الطويل، على التحركات العربية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بشأن السودان «كوسيلة فاعلة لدعم فكرة التفاوض، عبر البناء على المجهودات السابقة في هذا المجال»، لكنها في الوقت نفسه رهنت نجاح تلك الجهود بـ«نوايا الأطراف الداخلية». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «اجتماعات جنيف شهدت تحضيرات على مستويات عدة، لكنها أجهضت في النهاية بسبب الإرادة الداخلية لطرفي الصراع على الأرض».

واستضافت مدينة جنيف السويسرية، في أغسطس (آب) الماضي، محادثات دولية هدفت إلى وقف إطلاق النار في السودان، ووضع الحلول للأزمة الإنسانية الناتجة عنها، بمشاركة وفد «قوات الدعم السريع»، وغياب ممثلين عن الجيش السوداني، وبحضور أميركي وسعودي وسويسري ومصري وإماراتي، إلى جانب الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. لكنها لم تخلص إلى اتفاق على وقف الحرب.

جانب من الاجتماع التشاوري حول السودان يونيو 2024 (الجامعة العربية)

وكانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية قد أبدت نوعاً من الامتعاض إزاء عدم دعوتها لمحادثات جنيف. وقالت، في إفادة رسمية في حينها، إن «دعوتها، التي لم تصل - حتى الآن - للمشاركة في الجهد المطلق بجنيف، هي بمثابة تطبيق لقرار مجلس الأمن رقم 2736 بتاريخ 13 يونيو (حزيران) 2024. وأشارت إلى أن الفقرة الثامنة من قرار مجلس الأمن تنص على «التواصل المنسق مع الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية الأخرى للمساعدة في النهوض بالسلام بالسودان».

عودة إلى الطويل التي أكدت أن «الجامعة العربية لها دور مهم في تحريك المسألة السودانية، لا سيما أن وجودها يعكس التنوع السوداني». وقالت: «لم يكن هناك معنى لاستبعاد الجامعة العربية من محادثات جنيف، لا سيما مع حضور الاتحاد الأفريقي؛ إلا إذا كانت هناك مساعٍ لخلق معادلة سياسية مختلفة في السودان، وهو أمر غير مقبول». وأضافت أن «الجامعة العربية تفاعلت مع الأزمة منذ بدايتها، واستضافت اجتماعات عدة في هذا الصدد، من بينها اجتماع لتنسيق المبادرات المتعلقة بحلحلة الأزمة».

وفي يونيو الماضي، استضافت جامعة الدول العربية اجتماعاً إقليمياً - عربياً لمناقشة سبل تنسيق الجهود الرامية لاستعادة السلم والاستقرار في السودان، دعا إلى تنفيذ «إعلان جدة» الإنساني. وكانت مدينة جدة السعودية استضافت مفاوضات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، في مايو (أيار) 2023، خلصت إلى اتفاق أطلق عليه «إعلان جدة - الالتزام بحماية المدنيين في السودان»، وعقدت بعد ذلك عدة جولات لم تحقق تقدماً.


مقالات ذات صلة

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

شمال افريقيا الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

قضت سائحة إيطالية، الأحد، إثر حادث تصادم بين مركبين سياحيين في محافظة الأقصر بجنوب مصر، وفقاً لوزارة النقل المصرية ووسائل إعلام إيطالية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال محادثات مع رئيس حكومة كردستان - العراق مسرور بارزاني في القاهرة الأحد (الرئاسة المصرية)

مصر تشدد على دعمها الكامل لوحدة العراق وسلامة أراضيه

أشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـ«مستوى التعاون القائم بين الأجهزة المصرية والعراقية في المجال الأمني».

وليد عبد الرحمن (القاهرة )
شمال افريقيا علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)

مصر: رفع اسم علاء عبد الفتاح من قائمة «منع السفر»

رفع النائب العام المصري، محمد شوقي عياد، السبت، اسم الناشط علاء عبد الفتاح من قوائم «منع السفر» استجابة لطلب قدمه محاميه في وقت سابق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية الروسي في القاهرة السبت (الرئاسة المصرية)

مصر وروسيا… «شراكة استراتيجية» تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية

أعرب الرئيس المصري خلال لقاء لافروف، السبت، عن «تقديره لمسار العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو، التي تشهد نمواً متواصلاً في مختلف المجالات»

فتحية الدخاخني (القاهرة )

السودان: نزوح من كادوقلي جراء تصاعد العمليات العسكرية

جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)
جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)
TT

السودان: نزوح من كادوقلي جراء تصاعد العمليات العسكرية

جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)
جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)

نزحت عشرات العائلات السودانية من مدن كادوقلي والدلنج في ولاية جنوب كردفان، مع استمرار تمدد «قوات الدعم السريع» وحلفيتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في البلدات المجاورة للمدينة التي انسحب منها الجيش السوداني.

وشهدت جبهات القتال في إقليم كردفان الكبرى هدوءاً نسبياً، الأسبوع الماضي، ما عدا عمليات قصف مدفعي وهجمات للطيران المسّير التابع لـ«الدعم السريع» على مواقع داخل كادوقلي.

وأفاد سكان في المدينة بأن تصاعد المواجهات العسكرية في عاصمة الولاية كادوقلي أدى إلى فرار أعداد كبيرة من المدنيين إلى المناطق الآمنة في الأيام القليلة الماضية. وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط»، إن تدهور الأوضاع الإنسانية زاد من وتيرة موجات النزوح بصورة لافتة، جراء توقف تدفق الإمدادات الغذائية والصحية، بسبب الحصار المفروض على المدينة. وتابعت المصادر أن المنظمات الإنسانية في كادوقلي شرعت فعلياً في إجلاء طواقهما العاملة هناك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، عقب استهداف مقر بعثة الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أسفر عن مقتل وجرح العشرات من قوات حفظ السلام (يونيسفا).

لقطة من فيديو نشرته «قوات الدعم السريع» في 23 أبريل 2023 أثناء عبورهم أحد شوارع منطقة شرق النيل في الخرطوم الكبرى (أ.ف.ب)

وتجدد القتال بضراوة في مناطق واسعة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر الماضية بعد انضمام «الحركة الشعبية» بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، إلى جانب «قوات الدعم السريع»، وفصائل عسكرية أخرى في «تحالف السودان التأسيسي» (تأسيس).

ومطلع الأسبوع الحالي سيطرت «قوات تأسيس» على بلدة برنو، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً من مدينة كادوقلي، وبدأت تتوغل في المناطق الجبلية المحيطة بها.

من جهة ثانية، أفادت مصادر عسكرية بأن الجيش السوداني شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على مواقع عدة لتمركزات «قوات الدعم السريع» حول مدينتي كادوقلي والدلنج، في محاولة لإيقاف تقدمها في الولاية.

وكانت منصات «الدعم السريع» قد تحدثت في الأيام الماضية عن تحشيد كبير لقواتها في مناطق بالقرب من كادوقلي بهدف تكثيف الضغط على الجيش والقوات المتحالِفة معه، وتعزيز مواقعها للارتكاز في مناطق استراتيجية بهدف تمهيد الطريق لمهاجمة المدينة.

وأدى الحصار الخانق على حاضرة جنوب كردفان إلى خلق أزمة إنسانية كبيرة جراء النُّدرة الكبيرة في السلع الغذائية والدوائية.

ويستمر، منذ أشهر، خروج الرجال والنساء والأطفال من المدينة المحاصَرة، إلى مناطق تقع بالقرب من معقل سيطرة قوات «الحركة الشعبية» في مدينة كاودا في منطقة جبال النوبة.

وتسيطر «قوات تأسيس» فعلياً على كل المناطق حول مدن جنوب كردفان، وفي الوقت نفسه تفرض رقابة مشددة على حركة التجارة، وتقطع طرق وخطوط الإمداد للجيش السوداني والفصائل المسلحة المتحالفة معه، المحاصرة داخل كادوقلي.

وفي وقت سابق سيطرت «الحركة الشعبية» على مناطق الكرقل والدشول، الواقعة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى الدلنج، ثاني أكبر مدن الولاية، التي تعاني من أوضاع مماثلة لما تشهده عاصمة الولاية. ويتهم تحالف «تأسيس» الجيش السوداني والقوات المتحالفة، بعدم السماح للمدنيين بالمغادرة واستخدامهم دروعاً بشرية، على غرار ما حدث في الفاشر.

وحسب المصادر ذاتها، إن «قوات تأسيس» تُرابط على امتداد الطرق لتأمين خروج المدنيين المرضى وكبار السن من كادوقلي الفاشر إلى كل الجهات الآمنة نسبياً، مقارنة بالأوضاع في المدينة.

وذكرت وكالات الإغاثة العاملة في المنطقة أن مئات الأسر الفارّة بسبب القصف المدفعي والمسّيرات في كادوقلي تتجه إلى المناطق الآمنة حولها، لكنها بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة.


قوى المعارضة الجزائرية تقرر العودة للمنافسة الانتخابية

جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)
جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)
TT

قوى المعارضة الجزائرية تقرر العودة للمنافسة الانتخابية

جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)
جانب من مظاهرات الحراك الشعبي عام 2019 (أرشيفية)

تستعدّ قوى المعارضة الجزائرية للعودة إلى المشاركة في المنافسة الانتخابية، في تحوّل لافت عن سياسة المقاطعة والابتعاد التي وًسَمت انتخابات عام 2021 في ظل الحراك الشعبي المعارض آنذاك. ومع اقتراب الاستحقاقات التشريعية والبلدية المرتقبة قبل نهاية عام 2026، أعلنت تشكيلات سياسية عدة عن قرارها رسمياً بالانخراط في السباق، مُنهية بذلك فترة طويلة من الغياب والترقب السياسي.

وفي سياق التحضيرات للانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة، كان آخر حزب أعلن مشاركته هو «جيل جديد»، حيث قررت هيئاته القيادية في اجتماعها يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي المشاركة بشكل «مبدئي» في الاستحقاقات المقبلة. وبرّر الحزب قراره بالاعتقاد أن «العمل السياسي السلمي والمنظم يظل أداة أساسية للتغيير الديمقراطي وبناء دولة القانون»، وفق بيان صادر عنه. كما قدّم تشخيصاً حاداً للوضع الوطني، مشيراً إلى «أزمة ثقة مستمرة بين المواطنين والمؤسسات»، إلى جانب «بطء الإصلاحات الهيكلية وتضييق الفضاءين السياسي والإعلامي».

رئيس حزب «جيل جديد» لخضر أمقران (إعلام حزبي)

وأكد الحزب، الذي تسلم قيادته حديثاً الطبيب لخضر أمقران خلفاً لسفيان جيلالي، أن الدولة شهدت بعض الجوانب الإيجابية المتعلقة باستقرارها، مشدداً على ضرورة إطلاق «حوار وطني شامل» بوصفه السبيل الوحيد لإعادة تأسيس الدولة واسترجاع شرعية المؤسسات.

مشاركة مشروطة

ومع ذلك، تبقى المشاركة في الانتخابات مشروطة بمطالب عدة، وفقه، أبرزها «فتح حقيقي للمجال السياسي، واحترام الحريات العامة، والإفراج عن معتقلي الرأي، وحياد الإدارة، ومراجعة قانون الانتخابات، وتعزيز صلاحيات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات».

يذكر أن الرئيس عبد المجيد تبون صرّح في مارس (آذار) الماضي بأنه ملتزم إطلاق «حوار وطني شامل مع نهاية عام 2025 أو بداية عام 2026»، مؤكداً أن هذا الموعد يتيح فرصة لمعالجة المشكلات الموروثة وسدّ الثغرات قبل الانطلاق في النقاش السياسي الواسع، دون تحديد القضايا التي سيناقشها الحوار المرتقب.

رئيس حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» عثمان معزوز (إعلام حزبي)

وفي خطوة وُصفت بـ«المفاجأة السياسية»، قرر «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، الذي يمثل المعارضة الراديكالية، إنهاء سياسة المقاطعة التاريخية، معلناً دخول المعركة الانتخابية. وعدّ رئيس الحزب، عثمان معزوز، خلال اجتماع لـ«المجلس الوطني» للحزب، أن العودة إلى المسار الانتخابي تمثل «مسؤولية تاريخية»، مؤكداً أن قوى المعارضة «لا يمكنها الاكتفاء بالانسحاب الذي قد يترك المجال مفتوحاً أمام التعسف، بل وجب إيصال صوت التغيير إلى مراكز القرار حتى داخل الفضاءات» التي وصفت بأنها «غير مكتملة ومغلقة». وبالنسبة إلى الحزب، فإن الانخراط المؤسساتي لا يعني الصمت، «بل هو استثمار في الميدان لنقل الصراع الديمقراطي إلى الداخل والدفاع عن سيادة المواطن»، محذراً في الوقت ذاته من مخاطر التلاشي السياسي والاستسلام الجماعي.

وعلى غرار «جيل جديد»، ربطت قوى المعارضة مشاركتها بـ«ضمانات» واشتراطات، على رأسها «الفتح الفعلي للمجالين السياسي والإعلامي»، وإطلاق إجراءات تهدئة تشمل الإفراج عن معتقلي الرأي، مع التشديد على ضرورة حياد الإدارة ووقف التدخلات الأمنية في المسار الانتخابي لضمان شفافية الاقتراع.

الأمينة العامة لـ«حزب العمال» لويزة حنون (إعلام حزبي)

تعهدات رئاسية

وتتقاطع هذه التحركات مع تعهدات الرئيس تبون بإطلاق حوار وطني شامل مع نهاية عام 2025 أو بداية عام 2026، وهو الموعد الذي يراه الرئيس فرصة لمعالجة المشكلات الموروثة، وسد الثغرات، قبل الانطلاق في النقاش السياسي الواسع، وفق تصريحات له بهذا الشأن أطلقها في مارس الماضي، بينما تعتزم المعارضة تحويل المجالس المنتخبة المقبلة إلى «منابر للمقاومة الديمقراطية وكشف تجاوزات النظام».

وبهذا التحول، يلتحق حزبا «جيل جديد» و«التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» بكل من «جبهة القوى الاشتراكية» المعروف اختصاراً بـ«أفافاس»، و«حزب العمال»، اللذين كانا قد استبقا الجميع بإعلان نية العودة إلى صناديق الاقتراع. وقد رسم «أفافاس» موقفه رسمياً خلال دورة «مجلسه الوطني» مطلع الشهر الماضي، واصفاً هذا الخيار بأنه «قرار قناعة ومسؤولية يقع في قلب استراتيجيتنا النضالية».

السكرتير الأول لـ«جبهة القوى الاشتراكية» يوسف أوشيش (إعلام حزبي)

وبالنسبة إلى أقدم حزب معارض في البلاد، فإن الغاية من المشاركة تبدو واضحة في أبعادها، وهي «إعادة الاعتبار للعمل السياسي الجاد، وترميم جسور الثقة المنهارة بين المواطن والمؤسسات»، وصولاً إلى «إفراز مجالس منتخبة تملك صلاحيات فعلية لممارسة الرقابة على السلطة». ومع ذلك، فإن قرار «القوى الاشتراكية» لم يخرج عن قاعدة «المشاركة المشروطة» التي تبنتها بقية أطياف المعارضة؛ إذ رهن الحزب نجاح هذا المسار بتوفر «قواعد لعب عادلة، ومراجعة جذرية لقانون الانتخابات، وتقديم ضمانات سياسية ملموسة تكون كفيلة بكسر حاجز العزوف الشعبي ومواجهة مناخ انعدام الثقة السائد».

وتأتي هذه الديناميكية الجماعية لعودة المعارضة إلى المسار الانتخابي في توقيت سياسي بالغ التعقيد؛ حيث تتقاطع طموحات التغيير من الداخل مع مخاوف قديمة من التزوير أو إعادة إنتاج الممارسات السابقة. ويصطدم هذا الرهان، في تقدير مراقبين، بواقع اقتصادي - اجتماعي ضاغط، يجعل من مهمة تعبئة الشارع وإقناع المواطن بجدوى الصندوق تحدياً مصيرياً أمام أحزاب تجد نفسها اليوم في اختبار صعب: إما إثبات قدرتها على التأثير من داخل المؤسسات، وإما المجازفة بالتلاشي في ظل مناخ سياسي لا يزال يفتقر إلى كثير من مقومات الانفتاح.

Cannot connect to https://api-fallback.languagetool.org/v2/check—please check your internet connection or try again in a minute (#1, code=0)


جدل في ليبيا يستبق تعديلاً وزارياً مرتقباً في «حكومة الوحدة»

رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع مسؤولي المؤسسة الوطنية للنفط - 14 ديسمبر (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع مسؤولي المؤسسة الوطنية للنفط - 14 ديسمبر (مكتب الدبيبة)
TT

جدل في ليبيا يستبق تعديلاً وزارياً مرتقباً في «حكومة الوحدة»

رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع مسؤولي المؤسسة الوطنية للنفط - 14 ديسمبر (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع مسؤولي المؤسسة الوطنية للنفط - 14 ديسمبر (مكتب الدبيبة)

استقبلت الأوساط السياسية في ليبيا إعلان رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، عزمه إجراء تعديلات وزارية مرتقبة، بكثير من الجدل والتكهنات، فيما عزا الدبيبة هذا الإجراء المرتقب إلى «سدّ الشواغر ورفع كفاءة الجهاز التنفيذي».

وجاءت التباينات - التي تستبق التعديلات - في اتجاهين؛ حيث يرى الأول في التعديلات مؤشراً على تفاهمات غير معلنة مع خصوم «الوحدة» في الشرق والجنوب، تمهيداً لتشكيل «حكومة موحدة» برعاية قوى غربية منخرطة في الملف الليبي، فيما عدّها الاتجاه الآخر خطوة لإعادة ترتيب وتحصين الجبهة السياسية والأمنية الداعمة للدبيبة.

وبالتوازي مع ذلك، فتح الإعلان باب التكهنات بشأن مصير الوزراء الحاليين، بين من سيحتفظ بمنصبه ومن سيغادره، ما زاد من حدة الجدل حول ملامح التوازنات السياسية والأمنية التي قد تفرزها هذه التعديلات، المتوقع الكشف عنها قبل نهاية العام الحالي.

ووصف عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، علي التكبالي، التعديلات المرتقبة، بأنها «مناورة لكسب الوقت» وتعزيز حضور حكومة «الوحدة» في غرب البلاد، بما يضمن عدم تجاوزها أو تهميشها، في ظل المبادرات المطروحة لحل الأزمة، وفي مقدمتها الخريطة الأممية والمساعي الأميركية.

وتساءل التكبالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أسباب تأخر الدبيبة في معالجة الشغور القائم منذ فترة طويلة في أكثر من 15 وزارة من أصل 35، من بينها حقائب سيادية وخدمية مهمة؛ كالتعليم والصحة.

وتعيش ليبيا حالة ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة» التي تتخذ من العاصمة بالغرب الليبي مقراً لها، وحكومة أسامة حمّاد المكلّفة من البرلمان والمدعومة من قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، التي تدير المنطقة الشرقية وأجزاء واسعة من الجنوب.

ومنذ تشكيلها عام 2021، واجهت حكومة «الوحدة» أزمات متلاحقة، تمثلت في اتهام وإدانة 5 وزراء على الأقل، إضافة إلى استقالة عدد من أعضائها دعماً للحكومة التي شكّلها البرلمان مطلع عام 2022، فضلاً عن استقالات أعقبت احتجاجات شعبية على خلفية اشتباكات مسلحة شهدتها العاصمة قبل أشهر.

وأشار التكبالي إلى «فشل محتمل لمساعي الدبيبة لإدماج عناصر مقربة من القوى السياسية والعسكرية في الشرق الليبي»، موضحاً أنه «يسعى إلى قطع الطريق أمام تنفيذ الخريطة الأممية التي تتضمن تشكيل حكومة موحدة جديدة لعموم ليبيا، بما يعني عملياً إزاحة حكومته، ولذلك يحاول ضم وزراء من الشرق لإظهار حكومته بوصفها أمراً واقعاً موحداً».

ومع تجدد الاهتمام الأميركي بالملف الليبي خلال الأشهر الأخيرة، يرى مراقبون أن واشنطن تعمل على بلورة صفقة غير معلنة لتقاسم النفوذ بين القوى الفاعلة على الأرض، تحديداً بين حفتر والدبيبة، قد تفضي إلى تشكيل حكومة مشتركة بين الطرفين.

أما فيما يتعلق بموقف البرلمان من التعديلات، فاكتفى التكبالي بالتذكير بأن مجلس النواب سحب الثقة من حكومة الدبيبة في سبتمبر (أيلول) 2021، ويعدّها منتهية الولاية، مرجحاً «عدم الاكتراث بهذه التعديلات من قبل أطراف عدة، بما في ذلك البعثة الأممية».

وقبل أيام قليلة وخلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي، قالت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، إنها أُحيطت علماً بإعلان حكومة الوحدة بشأن التعديلات، لكنها «ليست على اطلاع على تفاصيلها».

وانضم التكبالي إلى آراء بعض المراقبين الذين يرون أن «التعديل حال تحققه لن يمس وزير الدولة لشؤون الاتصال وليد اللافي، مقابل رهان واسع على استبعاد وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي»، لافتاً إلى أن استبعاد الأخير «سيبقى مرهوناً بالتوصل إلى تفاهمات مع مدينة الزنتان، مسقط رأسه، حتى لا تفقد الحكومة دعم هذه المدينة المهمة الواقعة شمال غربي البلاد».

ويرى سياسيون مقرّبون من «الوحدة» أن التعديلات تستهدف تعزيز التحالف الداعم للحكومة، لا سيما في ظل تغير خريطة النفوذ الأمني في طرابلس، ونجاح الدبيبة في تقليص نفوذ بعض المجموعات المسلحة لصالح أخرى أقرب إليه، وهو ما قد ينعكس على التشكيلة الحكومية.

أما الناشط السياسي الليبي أسامة الشحومي، فيذهب إلى أن «هناك بصمات أميركية تقف وراء التعديلات المرتقبة، وقد تمهّد لتشكيل حكومة تضم ممثلي القوى الفاعلة في شرق وغرب البلاد». واستند الشحومي في رؤيته إلى «تكرار زيارات مسؤولين أميركيين عسكريين ودبلوماسيين إلى ليبيا».

وسلط الشحومي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، الضوء على تمكن مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي، قبل أشهر، من جمع كل من نائب قائد «الجيش الوطني» الفريق أول صدام حفتر، ومستشار رئيس حكومة «الوحدة» إبراهيم الدبيبة، في روما، حيث نوقشت خطوات عملية لتوحيد المؤسسات.

كما أشار إلى «رعاية واشنطن للتوصل إلى اتفاق يحدد قنوات الإنفاق على مشروعات التنمية في شرق وغرب البلاد، التي كانت في مقدمة أسباب الخلاف بين الجانبين»، معتبراً أن ذلك «قد يفتح الباب أمام صيغة جديدة لتقاسم السلطة».

ويتوقع أن «سلطات الشرق ربما لن تتنازل عن ثلثي مقاعد الحكومة الجديدة، بما فيها وزارات سيادية كالمالية والدفاع، مما يمثل شروطاً صعبة على الدبيبة».

وتوسّط المحلل السياسي محمد محفوظ، هذه الآراء، معتبراً أن المفاوضات ستستمر حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان التعديلات، ما يصعّب الجزم بمآلاتها. وقال محفوظ لـ«الشرق الأوسط»، إن صدام حفتر «قد يكون من بين الشخصيات الأكثر قابلية للتوافق في معسكر الشرق، مع طرح تشكيل حكومة موحدة مع الدبيبة، في إطار مساعٍ أميركية لإيجاد صفقة تقاسم جديدة»، وفق اعتقاده، لكنه يرى أن الأمر لا يزال غير محسوم.

وخلص محفوظ إلى أن أي تعديل، سواء أفضى إلى «صفقة تقاسم أم لا، لن يكون سهلاً، وسيخضع لاعتبارات سياسية وأمنية معقدة»، مؤكداً أن «هذه التعديلات لن تدعم بالضرورة تطلعات الليبيين نحو الانتخابات؛ بل قد تؤدي إلى إبعادها أكثر».