ماكرون لتقديم اعتراف مثير في «مصالحة الذاكرة» مع الجزائر

مؤشرات للإقرار بمسؤولية فرنسا عن اغتيال أبرز رموز «ثورة التحرير»

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

ماكرون لتقديم اعتراف مثير في «مصالحة الذاكرة» مع الجزائر

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

تشير مؤشرات تتعلق بمسعى «مصالحة الذاكرتين» بين الجزائر وفرنسا إلى اعتراف وشيك من الرئيس إيمانويل ماكرون بمسؤولية الدولة الفرنسية عن تعذيب واغتيال العربي بن مهيدي، أحد كبار ثورة التحرير ضد الاستعمار (1954 - 1962)، وذلك بعد مرور أكثر من 67 سنة على حادثة اعتقاله، في وقت كانت فيه «معركة الجزائر العاصمة» على أشدها مع قوات المظليين الفرنسية.

والتقى ماكرون في 19 من الشهر الحالي الأعضاء الخمسة الفرنسيين بـ«لجنة الذاكرة» المشتركة مع الجزائر، بغرض متابعة نتائج اجتماعات عقدوها مع نظرائهم الخمسة الجزائريين في الأشهر الماضية، في إطار ما يعرف بـ«التوصل إلى مصالحة بين الذاكرتين»، قصد تجاوز خلافات التاريخ، التي تقف عائقاً أمام إقامة علاقات عادية بين البلدين.

أعضاء لجنة الذاكرة الجزائريين مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

وقالت الرئاسة الفرنسية بعد يومين من الاجتماع إن ماكرون «أكد إرادته مواصلة الاشتغال على الذاكرة والحقيقة والمصالحة»، حول الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر (1830-1962). وقال بن جامان ستورا، رئيس فريق المؤرخين الفرنسيين الخمسة، لمجلة «لوبوان» الأسبوعية الصادرة الخميس إنه سأل ماكرون خلال الاجتماع إن كان لديه استعداد للاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال العربي بن مهيدي، فأجاب الرئيس بالقول: «سنرى كيف سنتقدم».

وأضاف الباحث في التاريخ المولود بالجزائر لعائلة يهودية: «لم يقل لا، وشعوري هو أنه ينتظر اللحظة المناسبة ليقدم على ذلك... شعرت أن الرئيس كان مصمماً للغاية، بغض النظر عن رد فعل الجزائريين. إنه يريد مواصلة العمل»، فيما يخص «الذاكرة».

المؤرخ بن جامان ستورا وفي الصورة كتاب صدر حديثاً له عن الجزائر (حسابه الشخصي)

وكان إيمانويل ماكرون قد قدم في 13 من سبتمبر (أيلول) 2018 اعترافاً مهماً من «أجل الحقيقة التاريخية»، في تقدير باحثين جزائريين في تاريخ الاستعمار الفرنسي، يخص خطف وقتل الناشط الفرنسي اليساري من أجل استقلال الجزائر، موريس أودان عام 1957، تحت التعذيب.

وفي الثالث من 3 مارس (آذار) 2021، قدم ماكرون اعترافاً بمسؤولية الجيش الاستعماري الفرنسي عن تعذيب وقتل المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل عام 1957، في حين كانت الرواية الفرنسية السائدة منذ عشرات السنين هي أن بومنجل «مات بعد أن قفز من طابق مرتفع»، حيث كان البوليس الفرنسي يستجوبه في مكاتبه بالعاصمة.

صورة أرشيفية لمظاهرات الثامن من مايو 1945 بشرق الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وضمن سلسلة «الاعترافات»، ندد ماكرون في 16 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بحملة دموية شنتها الشرطة على المتظاهرين الجزائريين في باريس عام 1961، ووصفها بأنها «جريمة لا تُغتفر بالنسبة للجمهورية»، وكان ذلك أقوى اعتراف من رئيس فرنسي بمذبحة ألقيت خلالها جثث كثيرة في نهر السين.

وبمناسبة اعتراف ماكرون بقتل أودان، ناشدته شقيقة بن مهيدي، ظريفة بن مهيدي، «الاعتراف بجريمة الدولة» بحق بطل «معركة الجزائر»، الذي اعتقله كومندوز مظلي فرنسي في فبراير (شباط) 1957، بينما كان مختبئاً في شقة بالعاصمة، يخطط لعمليات فدائية. وقتلت «الكتيبة الثالثة» للمظليين، التي كانت تتبع العقيد مارسيل بيجار، العربي بن مهيدي شنقاً بمنطقة جنوب العاصمة، في الرابع من مارس من السنة نفسها، بعد أن أذاقته صنوف التعذيب، وأشيع في تلك الفترة أنه «انتحر».

غير أن الخطوة الأكثر قوة فيما يخص جريمة بن مهيدي جاءت من القائد العسكري الكبير في ذلك الوقت، الجنرال بول أوساريس. ففي كتاب له صدر عام 2000 بعنوان: «مصالح الاستخبارات... الجزائر 1955-1957»، ذكر أن رجاله قتلوا بن مهيدي شنقاً في مزرعة تعود لمستوطن متطرف في سهل المتيجة، وأن المخابرات أذاعت بأنه «انتحر». وتوفي أوساريس عام 2013 من دون أن يحاكم على جريمته.

صورة لأحد التفجيرات النووية في الجزائر (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

وعاد الجدل بشأن التعذيب، الذي مارسته فرنسا الاستعمارية، في الرابع من مارس الماضي، بمناسبة صدور فيلم جديد يحمل اسم «بن مهيدي»، يصور الانتهاكات التي تعرض لها على أيدي ضباط الجيش الفرنسي. وفي اليوم نفسه، راسلت 20 منظمة في فرنسا مهتمة بالتاريخ «الإليزيه» تطالبه بـ«اعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن ممارسة التعذيب» بشكل عام خلال الثورة الجزائرية.


مقالات ذات صلة

لويس إنريكي: من الصعب تحسين تشكيلتنا لأنها قوية بالفعل

رياضة عالمية لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان (رويترز)

لويس إنريكي: من الصعب تحسين تشكيلتنا لأنها قوية بالفعل

قال لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، إن فريقه سيركز على تطوير المواهب الشابة بدلاً من البحث عن تعزيزات في فترة الانتقالات الشتوية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية دوناروما اضطر للخروج من الملعب ودخل بدلاً منه الحارس الاحتياطي ماتفي سافونوف (أ.ف.ب)

إنريكي بعد إصابة دوناروما: من الصعب إدارة مثل هذه المباريات

رفض لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، انتقاد الحكم فرنسوا ليتكسييه لعدم طرد ويلفريد سينغو مدافع موناكو، أمس (الأربعاء)، خلال مباراة الفريقين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في المحكمة (أ.ب)

في سابقة بفرنسا... ساركوزي يخضع للرقابة عبر سوار إلكتروني لمدة عام

رفضت أعلى محكمة فرنسية اليوم الأربعاء طعن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي في قضية التنصت، ما يثبّت الحكم نهائيا عليه بخضوعه للرقابة لمدة عام عبر سوار إلكتروني

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة سعودية نيمار يتطلع للمشاركة مع الهلال في مونديال الأندية (رويترز)

نيمار: أسعى إلى المشاركة مع الهلال في مونديال الأندية

بعد وصوله بصفقة قياسية عام 2017 ورحيله بعد ست سنوات لم يكن لدى نيمار رحلة طويلة وهادئة في باريس سان جيرمان

مهند علي (الرياض)
رياضة عالمية لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان (رويترز)

إنريكي: أعتمد على المنافسة الداخلية لرفع مستوى لاعبي باريس

قال لويس إنريكي، مدرب فريق باريس سان جيرمان، متصدر ترتيب دوري الدرجة الأولى الفرنسي، الثلاثاء، إنه يُركز على إحداث منافسة قوية داخل الفريق.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
TT

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، طرفي النزاع في السودان إلى «إلقاء السلاح» بعد عام ونصف العام من الحرب التي تعصف بالبلاد، عادّاً أن المسار الوحيد الممكن هو «وقف إطلاق النار والتفاوض».

وقال ماكرون خلال جولة في القرن الأفريقي، عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد: «ندعو طرفي النزاع إلى إلقاء السلاح، وكل الجهات الفاعلة الإقليمية التي يمكنها أن تلعب دوراً إلى القيام بذلك بطريقة إيجابية، لصالح الشعب الذي عانى كثيراً».

وأضاف وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «العملية الوحيدة الممكنة في السودان هي وقف إطلاق النار والتفاوض، وأن يستعيد المجتمع المدني الذي كان مثيراً للإعجاب خلال الثورة، مكانته» في إشارة إلى التحرك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وأثار تفاؤلاً كبيراً.

ومنذ أبريل (نيسان) 2023 اندلعت حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو؛ وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 11 مليون شخص.

ويواجه نحو 26 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وفقاً للأمم المتحدة التي دقت ناقوس الخطر مجدداً، الخميس، بشأن الوضع في البلاد التي قد تواجه أخطر أزمة غذائية في التاريخ المعاصر.

وهناك حاجة إلى مساعدات بقيمة 4.2 مليار دولار لتلبية حاجات السودانيين عام 2025، بحسب إيديم ووسورنو، رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.