بعد «هجوم باماكو»... عواصم دول الساحل تعيش حالة طوارئ غير معلنة

بوركينا فاسو تُفتش سيارات الإسعاف وعربات الموتى تحسباً لهجوم إرهابي

عربات عسكرية في واغادوغو (أرشيفية رويترز)
عربات عسكرية في واغادوغو (أرشيفية رويترز)
TT

بعد «هجوم باماكو»... عواصم دول الساحل تعيش حالة طوارئ غير معلنة

عربات عسكرية في واغادوغو (أرشيفية رويترز)
عربات عسكرية في واغادوغو (أرشيفية رويترز)

أعلنت السلطات الأمنية في بوركينا فاسو أن سيارات الإسعاف والمركبات الدبلوماسية وعربات نقل الموتى ستخضع للتفتيش الأمني عند دخولها أو تحركها داخل العاصمة واغادوغو، خشية استغلالها لشن هجوم إرهابي من طرف «القاعدة» أو «داعش».

يأتي هذا القرار بعد أيام من هجوم إرهابي نفذه مقاتلون من تنظيم «القاعدة» في مدينة باماكو، عاصمة مالي المجاورة لبوركينا فاسو، وخلف أكثر من 77 قتيلًا خلال استهداف مركز لتكوين الدرك ومطار عسكري حيوي، وقد أثار الهجوم مخاوف دول الساحل من ازدياد خطر الجماعات الإرهابية واقترابها أكثر من العواصم والمناطق الحيوية.

وكردة فعلٍ على هجوم باماكو، أصدرت السلطات في بوركينا فاسو تعليمات للشرطة بتفتيش جميع سيارات الإسعاف، وعربات نقل الموتى، والمركبات الدبلوماسية وغيرها، عند جميع مداخل مدينة واغادوغو، عاصمة البلاد.

وقالت بلدية واغادوغو في بيان صحافي: «حتى الآن كانت سيارات الإسعاف وما في حكمها، والمركبات التي تنقل جثامين الموتى، والعربات المصفحة التي تنقل العملات أو الممتلكات الأخرى، ومركبات المناجم والمحاجر، وكذلك المركبات الدبلوماسية، معفاة من التفتيش الشرطي».

وأضافت البلدية: «الآن لم تعد هذه المركبات معفاة من التفتيش، بل ستكون خاضعة له عند مداخل واغادوغو تحسباً لأي خداع محتمل»، وأوضحت البلدية أن الهدف من ذلك هو «تعزيز مكافحة الإرهاب».

تعليمات للدبلوماسيين

وطلبت السلطات من السائقين ورؤساء البعثات على متن هذه المركبات «تقديم أمر المهمة أو استمارة نقل المريض المعبأة بشكل صحيح، أو قرار نقل الجثامين الموقع من السلطة المختصة، أو أمر المهمة الموقع من المسؤول عن الشركة المكلفة بالنقل، أو البطاقة الدبلوماسية، في حال خضوعهم للتفتيش».

جنود بوركينا فاسو يحرسون مدخل محطة التلفزيون الوطنية في العاصمة واغادوغو (أرشيفية - أ.ب)

ولكن السلطات شددت على أنه رغم إثبات الهوية وطبيعة المهمة «تحتفظ خدمات التفتيش بالحق في إجراء مزيد من التحقق من المركبة أو الأفراد، بالإضافة إلى المستندات المقدمة».

ومع تشديد الإجراءات الأمنية في محيط العاصمة واغادوغو، لم تكشف سلطات بوركينا فاسو عن أي مخاوف أو معلومات تشير إلى إمكانية وقوع هجوم إرهابي، بل تؤكد أن الوضع تحت السيطرة وأنها تحقق مكاسب مهمة في حربها ضد الإرهاب، خصوصاً في الشمال والشرق، حيث تنشط جماعات مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش».

إجراءات في النيجر

السلطات في النيجر من جانبها أعلنت اتخاذ «إجراءات استثنائية» لتعزيز الأمن في مواجهة الهجمات الإرهابية المستمرة في مناطق عدة من البلاد، خصوصاً في الغرب على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، وفي الجنوب على حدود نيجيريا، وعلى الحدود مع ليبيا في الشمال.

وقالت وزارة الدفاع النيجرية في بيان صحافي إنه «لمواجهة تكرار الهجمات في بعض مناطق بلادنا، قرر مجلس الوزراء (...) تعزيز التدابير الأمنية في مختلف مناطق العمليات العسكرية. وبذلك، سيجري تنفيذ إجراءات استثنائية للحد من هذه الظاهرة».

ورغم أن الوزارة لم تحدد طبيعة هذه الإجراءات الجديدة، فإنها أكدت أن «الوضع تحت السيطرة وقوات الدفاع والأمن تعمل جاهدة للحفاظ على الأمن في جميع أنحاء البلاد».

وتشكلُ هذه الدول الثلاث (مالي، النيجر وبوركينا فاسو) تحالفاً تحت اسم «تحالف دول الساحل»، هدفه مواجهة تحدي الإرهاب والجريمة المنظمة، ولكنه تحول مؤخراً إلى ما يشبه كونفدرالية للاندماج السياسي والاقتصادي.

أعلام بوركينا فاسو ومالي والنيجر في أحد شوارع ضواحي عاصمة بوركينا فاسو واغادوغو (د.ب.أ)

ومن النقاط المشتركة بين الدول الثلاث أنها محكومة من طرف أنظمة عسكرية استثنائية، وجرى تعطيل العمل بالدستور فيها، بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة، كما أنها جميعها قطعت علاقاتها مع القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، وتوجهوا نحو التحالف العسكري والأمني مع روسيا.

خطر الإرهاب يتصاعد

ورغم كل هذه التغيرات الجوهرية في دول الساحل الثلاث، فإن خطر الإرهاب لا يزال يتصاعد، حيث تشير منظمة «أكليد»، التي ترصد ضحايا النزاعات حول العالم، إلى أن نحو 1500 مدني وعسكري قُتلوا في هجمات إرهابية خلال العام الماضي في النيجر وحدها، مقارنة بـ650 بين يوليو (تموز) 2022 و2023.

بينما تشير تقارير منظمات دولية أخرى، إلى أن عام 2024 الحالي، مرشح بقوة لأن يكون العام الأكثر دموية في بوركينا فاسو، منذ بداية الهجمات الإرهابية عام 2015، في هذا البلد الأفريقي الفقير والهش.


مقالات ذات صلة

البرلمان الألماني يوافق على تشديد القواعد الخاصة بطالبي اللجوء

أوروبا مدخل البرلمان الألماني (د.ب.أ)

البرلمان الألماني يوافق على تشديد القواعد الخاصة بطالبي اللجوء

وافق البرلمان الألماني، الجمعة، على الحدّ من المنافع الممنوحة لطالبي اللجوء، فيما تسير برلين على خطى دول أوروبية أخرى باتت تعتمد خطّاً أكثر تشدّداً إزاء الهجرة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ الشكوى الجنائية التي رفعتها وزارة العدل ضد ناصر أحمد توحيدي «أ.ب»

قاضٍ يأمر باستمرار احتجاز أفغاني متهم بالتخطيط لهجوم يوم الانتخابات الأميركية

صدر قرار، الخميس، باستمرار احتجاز أفغاني متهم بالتخطيط لهجوم يوم الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (أوكلاهوما سيتي )
أوروبا وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر "متداولة"

البرلمان الألماني يصوت على حزمة أمنية جديدة

يصوت البرلمان الألماني (بوندستاغ)، الجمعة، على حزمة أمنية جديدة اقترحها الائتلاف الحاكم.

«الشرق الأوسط» (برلين )
الولايات المتحدة​ مقاتل من «داعش» يحمل سلاحاً مع علم التنظيم في أحد شوارع مدينة الموصل يوم 23 يونيو 2014 (رويترز)

الولايات المتحدة وحلفاؤها يدرسون مستقبل محاربة تنظيم «داعش»

بعد مرور 10 سنوات على الإطلاق الرسمي للعملية، التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش»، اجتمعت واشنطن وحلفاؤها في «الناتو» في بروكسل لمناقشة مستقبل المهمة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أفريقيا سيارة نقل تابعة للشرطة الصومالية تتجه إلى موقع انفجار في مطعم يرتاده عادة ضباط الشرطة بالقرب من معسكر تدريب في مقديشو في 17 أكتوبر 2024  (رويترز)

7 قتلى في تفجير انتحاري بمقديشو تبنته «حركة الشباب»

قالت الشرطة الصومالية، الخميس، إن 7 أشخاص قتلوا، وأصيب 6 آخرون، عندما فجر انتحاري عبوة مجهولة في مقهى خارج مدرسة تدريب تابعة للشرطة بالعاصمة مقديشو.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)

«التيار الناصري» المصري يُقيم عزاءً للسنوار وسط تفاعل «سوشيالي»

قيادات ناصرية في وقفة تضامنية سابقة مع أهالي غزة (الحزب الناصري)
قيادات ناصرية في وقفة تضامنية سابقة مع أهالي غزة (الحزب الناصري)
TT

«التيار الناصري» المصري يُقيم عزاءً للسنوار وسط تفاعل «سوشيالي»

قيادات ناصرية في وقفة تضامنية سابقة مع أهالي غزة (الحزب الناصري)
قيادات ناصرية في وقفة تضامنية سابقة مع أهالي غزة (الحزب الناصري)

أعلن «الحزب الناصري» المصري إقامة عزاء لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، يحيى السنوار، على غرار ما حدث مع إسماعيل هنية، وحسن نصر الله، وسط تفاعل «سوشيالي» لمستخدمي منصات التواصل الاجتماعي.

وجاءت دعوة الحزب الناصري، الذي يتبنى أفكار الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، تنديداً بـاستمرار «حرب غزة»، ووصف الحزب السنوار في إفادة، أمس الجمعة، بـ«قائد نصر السابع من أكتوبر (تشرين أول) في ملحمة طوفان الأقصى».

وقُتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، يحيى السنوار، غرب مدينة رفح الفلسطينية، جنوب قطاع غزة، عن طريق الصدفة يوم الأربعاء برصاص القوات الإسرائيلية، حسب ما أعلنت تل أبيب.

ونعى الحزب الناصري المصري السنوار، ووصفه في بيانه بـ«القائد المجاهد، الذي كان نموذجاً للتخطيط والتنظيم، والقدرة على المواجهة والفداء، وتجاوز كل الآيديولوجيات والمذهبية»، مؤكداً دعمه لمن سماهم «المجاهدين في فلسطين ولبنان».

الحزب الناصري المصري وصف السنوار بـ«القائد المجاهد» الذي كان نموذجاً للتخطيط والتنظيم (إ.ب.أ)

وسبق أن أدّت قيادات الحزب الناصري «صلاة الغائب» على أمين عام «حزب الله» اللبناني، الراحل حسن نصر الله، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط انقسام سياسي وقتها. وقبل ذلك أقام التيار الناصري بمصر عزاء بمقر حزب الكرامة (الناصري) في القاهرة لرئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» السابق، إسماعيل هنية، بعد اغتياله في إيران، بداية شهر أغسطس (آب) الماضي، مما أثار جدلاً وقتها. فيما عبّر ناصريون مصريون، ومستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي، عن تضامنهم مع ما سموه «مشروع المقاومة».

وقال السياسي الناصري بمصر، حمدين صباحي، عبر حسابه على منصة «إكس»: «نحن من المقاومة، والمقاومة منا».

ونعى صباحي، بعدّه الأمين العام لـ«المؤتمر القومي العربي»، في بيان عبر حسابه على «إكس»، اليوم السبت، يحيى السنوار، ودعا إلى «تحويل يوم استشهاده إلى يوم للاعتزاز به، وبكل الشهداء في الحرب الدائرة حالياً في فلسطين ولبنان»، مجدداً التأكيد على «دعم حركة (حماس) في أعمال المقاومة التي تقوم بها».

من جهته، عدّ المخرج المصري، خالد يوسف، مقتل السنوار «رحيلاً لآخر جيل كبار المقاومين»، وقال عبر حسابه بمنصة «إكس» إنه «رحل وهو معتصم بسيفه في ساحة المعركة، وفي الخطوط الأمامية، كما فعل الشهيد عبد المنعم رياض».

بينما كتب عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، عبر حسابه الشخصي على «إكس»: «في الأزمات يحدث الفرز، تتكشف الوجوه، المتصهينون ليسوا منا، هم خونة هذا العصر، هم لسان المحتل، مهمتهم بث اليأس والإحباط، والترويج للعدو وتبرير جرائمه، هؤلاء سيلاحقهم العار أبد الدهر».

من جانبه، عدّ أستاذ العلم الاجتماع السياسي، أمين الشؤون السياسية للحزب الناصري السابق، محمد سيد أحمد، أن تفاعل التيار الناصري مع حركات المقاومة في فلسطين ولبنان «جزء أساسي من ثوابته السياسية، التي تؤمن بفكرة القومية العربية»، عادّاً ذلك «تفاعلاً مشروعاً دفاعاً عن القضية الفلسطينية، التي ترتبط بشكل مباشر بالأمن القومي المصري».

وأوضح سيد أحمد لـ«الشرق الأوسط» أن الناصريين «يدعمون كل من يرفع سلاح المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حتى لو كان هناك اختلاف سياسي معهم»، وعدّ هذه المواقف «مهمة لتوعية الرأي العام المصري والعربي بأن المقاومة حركات تحرر وطني، وليست حركات إرهابية»، ومشيراً إلى أن «مشهد الحرب في غزة ولبنان يعيد فرز الداعمين لحركات المقاومة»، عادّاً أن المخالفين لها «يدعمون بشكل غير مباشر الطرف الآخر، وهو الاحتلال الإسرائيلي».

أدّت قيادات الحزب الناصري «صلاة الغائب» على أمين عام «حزب الله» اللبناني الراحل حسن نصر الله (أ.ف.ب)

بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن سلامة، أن «الدعم السياسي والمعنوي لحركات المقاومة في غزة ولبنان، في هذا التوقيت، ضروري لها»، وأرجع ذلك في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «حالة الارتباك التي تواجهها تلك الحركات، والتحدي العنيف لاستمراريتها، مع استهداف الجانب الإسرائيلي لرأس تلك الحركات مؤخراً، كما حدث مع قيادات حماس، إسماعيل هنية ويحيى السنوار، وأمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله».

لافتاً إلى أن «التصعيد الحالي بالمنطقة، من الجانب الإسرائيلي، يفرض استمرار الدعم السياسي لحركات المقاومة»، وقال بهذا الخصوص إن «إسرائيل تستهدف حالياً تنفيذ مخطط استيطاني توسعي بالمنطقة، يتجاوز بكثير تلك الحركات»، عادّاً ذلك «يفرض الحفاظ على قوة الردع من حركات المقاومة بفلسطين ولبنان».