في ظل تصاعد النزاع في السودان، تزداد المخاوف من تقسيم البلاد إلى كيانات متنازعة تحت حكم حكومتين متنافستين. وتتصاعد الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، مما يهدد بتفكك البلاد إلى مناطق متباينة ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية. وفي مواجهة هذه الأزمة، تصبح الحاجة إلى ضغط دولي منسق وفعال أكثر إلحاحاً للحيلولة دون تفكك السودان وضمان استقرار المنطقة بأسرها.
تقول الباحثة والدبلوماسية البريطانية روزاليند مارسدن، في تقرير للمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) إن الحرب في السودان المستمرة منذ 17 شهراً، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وتشريد 10 ملايين شخص؛ 2 مليون إلى الدول المجاورة، و8 ملايين داخلياً.
وأحدثت الحرب أسوأ أزمة جوع في العالم، مما دفع ملايين الأشخاص إلى حافة مجاعة من صنع الإنسان.
وفشلت سلسلة من جهود الوساطة الدولية في وقف النزاع. وفي منتصف أغسطس (آب) الماضي، كانت أحدث محاولة وساطة أميركية لإعادة تنشيط عملية وقف إطلاق النار المتوقفة، بهدف جمع وفود رفيعة المستوى من الطرفين المتحاربين؛ القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع». وكانت المحادثات في جنيف تهدف إلى تحقيق وقف شامل للأعمال العدائية على مستوى البلاد، مما يسمح بالوصول الإنساني إلى جميع أنحاء البلاد، وإنشاء آلية قوية للمراقبة والتحقق. واستضافت المفاوضات المملكة العربية السعودية وسويسرا، مع حضور الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات العربية المتحدة بصفتهم مراقبين. وتم تحقيق بعض التقدم المحدود في الوصول الإنساني إلى دارفور. ووافقت القوات المسلحة السودانية على إعادة فتح معبر أدري المؤقت من تشاد، الذي أغلق بشكل تعسفي في فبراير (شباط)، بينما قامت «قوات الدعم السريع» بفتح طريق الدبة.
أسباب فشل جنيف
تقول مارسدن في تقريرها، حسب وكالة «رويترز»، إن السبب الرئيسي لفشل محادثات وقف إطلاق النار هو أن كلاً من القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» ما زالت تسعى لتحقيق نصر عسكري. ورفضت القوات المسلحة السودانية إرسال وفد إلى جنيف، حيث وضعت شروطاً مسبقة غير واقعية، واعترضت على وجود الإمارات العربية المتحدة، التي تتهمها بتسليح «قوات الدعم السريع». وأجبر هذا الوسطاء على التواصل افتراضياً مع ممثلي القوات المسلحة السودانية، بينما أجروا محادثات شخصية مع «قوات الدعم السريع». وتضيف مارسدن أنه على الرغم من أن القوات المسلحة السودانية تخسر على أرض المعركة، فإنها لا ترغب في التفاوض من موقع ضعف، وزادت من تكثيف القصف الجوي منذ محادثات جنيف. ويأمل قادتها أن تغير الأسلحة المتقدمة من إيران والصين وروسيا وغيرها من الدول، مسارَ المعركة.
كما يواجه قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ضغوطاً من الإسلامويين المتشددين لمواصلة الحرب، لا سيما من أولئك المرتبطين بعلي كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية وزير الخارجية السابق في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. وتوفر الألوية الإسلاموية الأفراد للقوات المسلحة السودانية، كما أن السيطرة الإسلاموية على وزارة الخارجية السودانية جعلت الموقف الدبلوماسي للقوات المسلحة عدائياً أمام أي تقدم.
«الدعم» في انتظار موسم الجفاف
وتأمل «قوات الدعم السريع»، التي أنشأها أيضاً نظام البشير، في تحقيق مكاسب إقليمية إضافية بمجرد بدء موسم الجفاف في أكتوبر (تشرين الأول). وقد أبدت هذه القوات تعاوناً أكبر في المحافل الدولية، مستغلة تعنت القوات المسلحة السودانية لتظهر بصورة إيجابية. وخلال محادثات جنيف، وافقت «قوات الدعم السريع» على مدونة سلوك لحماية المدنيين، تلاها توجيه من قائدها، الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي». ولكن التزاماتها تظل مقوضة بشكل كبير بسبب سجلها في ارتكاب الفظائع، بما في ذلك القتل المستهدف على أساس عرقي، وتوسيع الهجمات على المدنيين، بحسب مارسدن.
وفي ظل هذا الجمود، يجب زيادة الضغط على الدول التي تدعم الحرب من خلال تقديم الدعم العسكري والمالي واللوجيستي للأطراف المتحاربة. وكان تجديد نظام العقوبات وحظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على دارفور مؤخراً، والذي تم تطبيقه منذ عام 2005، ولكن لم يتم تنفيذه بفاعلية، فرصةً ضائعة لتوسيع حظر الأسلحة ليشمل جميع أنحاء السودان، بالنظر إلى انتشار النزاع والأدلة التي تشير إلى حصول كلا الطرفين المتحاربين على أسلحة جديدة من عدة دول.
إجراءات دولية صارمة
وتوضح مارسدن أن الأولوية الآن يجب أن تكون اتخاذ مجلس الأمن إجراءات أكثر صرامة في مواجهة الانتهاكات المتعلقة بالحظر الحالي. كما أن هناك حاجة لفرض عقوبات على الأشخاص الذين يعيشون في الديمقراطيات الغربية، ويقومون بنشر خطاب الكراهية والدعوة إلى استمرار الحرب. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تواصل الولايات المتحدة وشركاؤها العمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة، لمحاولة استغلال نفوذها على الطرفين المتحاربين، وإقناعهما بأن الجميع خاسر إذا استمرت الحرب. وفي هذا الصدد، قد تكون جماعة «التحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان»، التي تم إنشاؤها في جنيف وتضم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والاتحادين الأوروبي والأفريقي، والأمم المتحدة، منصة مهمة. كما ستكون الجلسة رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة مهمة لتعزيز هذه الرسائل.
احتمالات التقسيم
وترى مارسدن، حسب «رويترز»، أن السودان يواجه احتمالاً حقيقياً للتقسيم الفعلي تحت حكومتين متنافستين، وقد يصل الأمر إلى تفكك أكبر. فقد تعهد أحد كبار ضباط الجيش السوداني مؤخراً بأن الجيش سيتشبث بالسلطة لعشرين عاماً أخرى إذا انتصر، بينما سيؤدي انتصار «قوات الدعم السريع» إلى تحويل الدولة إلى جزء من إمبراطورية أعمال عائلة دقلو. وتضيف أنه إذا أراد المدنيون الداعمون للديمقراطية في السودان تغيير هذه الحسابات، فيجب عليهم التوحد على منصة مناهضة للحرب، وجعل أصواتهم مركزية في تشكيل جهود بناء السلام المستقبلية. والدعم الدولي ضروري لتحقيق هذا الهدف. ويعني هذا عدم منح الشرعية لأي من الطرفين المتحاربين، بل تعزيز دور المدنيين في المبادرات الدبلوماسية، والضغط من أجل انتقال سلمي إلى حكومة مدنية ديمقراطية في أنحاء البلاد. وتقول مارسدن إنه إذا تفكك ثالث أكبر بلد في أفريقيا، فإن ذلك سيكون له تأثيرات على السودانيين لأجيال. كما سينشر عدم الاستقرار إلى جيرانه الهشين، وإلى ما وراء ساحله على البحر الأحمر الذي يمتد لمسافة 800 كيلومتر.
وتخلص مارسدن إلى أنه لم يعد بالإمكان تجاهل السودان وسط الأزمات العالمية الأخرى، ومن ثم فإن الاهتمام السياسي المنسق والعالي المستوى أمر حاسم لإنهاء هذه الحرب المدمرة.