«حوار استراتيجي» مصري - أميركي لـ«تنسيق سياسي وأمني» إزاء قضايا المنطقة

بلينكن عدّ العلاقات مع القاهرة مهمة أكثر من أي وقت مضى

وزير الخارجية المصري يستقبل نظيره الأميركي بالقاهرة ويعلنان إطلاق جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يستقبل نظيره الأميركي بالقاهرة ويعلنان إطلاق جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي (الخارجية المصرية)
TT

«حوار استراتيجي» مصري - أميركي لـ«تنسيق سياسي وأمني» إزاء قضايا المنطقة

وزير الخارجية المصري يستقبل نظيره الأميركي بالقاهرة ويعلنان إطلاق جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يستقبل نظيره الأميركي بالقاهرة ويعلنان إطلاق جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي (الخارجية المصرية)

انطلقت في القاهرة، اليوم الأربعاء، جولة «حوار استراتيجي» بين مصر والولايات المتحدة، برئاسة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن، بهدف «تعميق التعاون الثنائي بين البلدين».

ووفق خبراء سياسيين، فإن مجالات التنسيق السياسي والأمني الخاص بقضايا المنطقة تتصدر أولويات التعاون الثنائي بين القاهرة وواشنطن، في حين أن المصالح الاقتصادية تأتي في «مرتبة تالية».

ويعد الحوار الاستراتيجي من آليات تعميق التعاون بين مصر والولايات المتحدة في مختلف المجالات، وسبق أن استضافت واشنطن آخر جولة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، برئاسة وزيري خارجية البلدين.

عبد العاطي وبلينكن يرأسان المباحثات خلال جولة الحوار الاستراتيجي في القاهرة (الخارجية المصرية)

وخلال مباحثات الأربعاء شدد وزير الخارجية المصري على «أهمية دورية انعقاد الحوار الاستراتيجي، بعدّه مظلة مؤسسية تتناول مختلف أوجه علاقات البلدين»، مؤكداً «أهمية زيادة الدعم الأميركي للبرامج التنموية والاقتصادية في مصر، من خلال زيادة حجم الاستثمارات، في ضوء الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة المصرية مؤخراً في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار الخارجي وتحسين بيئة الأعمال».

كما أعرب عبد العاطي عن تطلعه «لتعزيز التعاون مع واشنطن في مجالات التحول الرقمي والطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر والاستفادة من الإمكانات، التي توفرها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس»، إلى جانب «زيادة السياحة الوافدة من الولايات المتحدة».

وعدّ بلينكن في مؤتمر صحافي مع نظيره المصري أن العلاقات مع مصر «مهمة أكثر من أي وقت مضى» بالنسبة لبلاده، مؤكداً «دعم واشنطن لجهود الإصلاح الاقتصادي في مصر»، ومشيراً إلى أن «المباحثات تطرقت لكل سبل دعم وتعزيز العلاقات بين القاهرة وواشنطن».

وخلال المؤتمر أعلن وزير الخارجية المصري توقيع اتفاق لإنشاء 3 جامعات أميركية جديدة في مصر.

وشهدت جولة الحوار الاستراتيجي مشاركة وزراء التعليم العالي والسياحة والتعليم (المصريين)، حيث عقد وزيرا خارجية البلدين الاجتماع الافتتاحي لمجموعة العمل الخاصة بالسياحة والآثار والتعليم العالي والتعليم والثقافة، لاستعراض آفاق التعاون بين الجامعات المصرية والأميركية، وزيادة الاستثمارات الأميركية في مجال التعليم، وتعزيز التعاون الثقافي والتفاهم المشترك للحضارات، حسب الخارجية المصرية.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، طارق فهمي، أن انعقاد الحوار الاستراتيجي «ترجمة لطبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، وخصوصيتها في هذا التوقيت»، مشيراً إلى أن «مسار التعاون الحالي قائم على الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات»، وقال إن قضايا «التنسيق الإقليمي وتعزيز التعاون الأمني والعسكري تتصدر اهتمامات واشنطن في علاقتها بالقاهرة، مع التعاون الاقتصادي والاستثماري».

وزير الخارجية المصري ونظيره الأميركي في مؤتمر صحافي بالقاهرة (الخارجية المصرية)

وتوقف فهمي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عند قرار الإدارة الأميركية الأخير منح القيمة الكاملة للمساعدات العسكرية لمصر دون قيود، البالغة 1.3 مليار دولار، بوصفها «دليلاً على رغبة واشنطن في تطوير شراكتها مع مصر».

وقال إن «التعاون العسكري والاقتصادي يتصدر مجالات التعاون الثنائي»، مشيراً إلى أن مصر «لا تستهدف دعماً اقتصادياً من واشنطن، بقدر زيادة في حجم الاستثمارات والتبادل التجاري».

وعدّ فهمي مصر «ركناً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية خلال السنوات الأخيرة»، وأن تعميق التعاون بين البلدين حالياً «يأتي في إطار حاجة واشنطن للقاهرة في الملفات الإقليمية، بداية من الوضع في غزة، والترتيبات القادمة في المنطقة، ومنطقة البحر الأحمر، وشرق المتوسط»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لديها تخوفات من تحولات مصرية نحو روسيا.

من جهته، رأى نائب رئيس «المركز العربي للدراسات السياسية»، مختار غباشي، أن «التنسيق السياسي والعسكري يتصدر أولويات مجالات التعاون الثنائي بين القاهرة وواشنطن»، مشيراً إلى أن «الأصل في علاقات البلدين يكون ذات طبيعة سياسية بحتة، يليها مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري»، وأن المساعدات العسكرية الأميركية سنوياً «تأتي من منطلق سياسي في المقام الأول».

وطالب غباشي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بأن «تدعم واشنطن المصالح المصرية في عدد من الملفات بالمنطقة، كقضية الأمن المائي، وتأمين حركة الملاحة بالبحر الأحمر، في ضوء الشراكة بين البلدين»، وقال إنه «يجب أن تكون أميركا حريصة على المصالح المصرية في بعض الملفات دون استخدامها لأغراض سياسية للضغط على الجانب المصري».

وناقش وزيرا خارجية مصر وأميركا خلال جولة الحوار الاستراتيجي «تطورات الأوضاع في السودان وليبيا وحرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر»، وأكد وزير الخارجية المصري «محورية قضية الأمن المائي بالنسبة لبلاده، وضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، ورفض أي إجراءات أحادية وإلحاق أي ضرر بدولتي المصب»، حسب الخارجية المصرية.

ويربط نائب رئيس «المركز العربي للدراسات السياسية» بين الزيارة المباشرة لوزير الخارجية الأميركي للقاهرة، ورئاسة الحوار الاستراتيجي مع نظيره المصري، وقبلها الإفراج عن كامل المساعدات العسكرية الأميركية للقاهرة، وبين «حاجة واشنطن للدور المصري في أزمة غزة، والتوترات الأخرى بالمنطقة»، مشيراً إلى أن واشنطن «تدرك أهمية مصر بصفتها عنصر اتزان في المنطقة».



إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)
وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)
TT

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)
وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت»، وبعض المناطق التاريخية والأثرية في القاهرة، عادّاً أن «ما يجمع طهران والقاهرة هوية وثقافة مشتركة».

جاءت إشارات عراقجي الجديدة على هامش زيارته الثانية للقاهرة، ومشاركته مع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في القمة الحادية عشرة لمجموعة «الثماني النامية» للتعاون الاقتصادي، التي استضافتها مصر، الخميس.

وقطع البلدان علاقاتهما الدبلوماسية عام 1979، قبل أن تُستأنف من جديد بعد ذلك بـ11 عاماً، لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح، وشهدت الأشهر الماضية لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في مناسبات عدة، لبحث إمكانية تطوير العلاقات بين البلدين، وذلك عقب توجيه رئاسي إيراني لوزارة الخارجية في طهران، في مايو (أيار) من العام الماضي، باتخاذ الإجراءات اللازمة لـ«تعزيز العلاقات مع مصر».

والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الإيراني، الخميس، على هامش قمة «الثماني النامية»، وبحث الجانبان «الجهود المشتركة لاستكشاف آفاق تطوير العلاقات الثنائية، بما يحقق مصلحة الشعبين، ويسهم في دعم استقرار المنطقة»، حسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية».

ووصل بزشكيان، مساء الأربعاء الماضي، إلى القاهرة في أول زيارة لرئيس إيراني منذ 11 عاماً، وسبق أن التقى الرئيس السيسي على هامش قمة تجمع «بريكس»، التي استضافتها مدينة قازان الروسية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

عراقجي خلال زيارته لمسجد "السيدة نفسية" بالقاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على "إكس")

وزار عراقجي بعض مساجد «آل البيت» في القاهرة، منها «الحسين»، و«السيدة زينب»، و«السيدة نفيسة»، إلى جانب بعض المناطق التاريخية، منها جامع محمد علي باشا، وأشار عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس»، مساء الجمعة، إلى أن «ما يجمع بلاده ومصر، حكومة وشعباً، هوية وثقافة مشتركة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ».

وهذه ثاني زيارة لوزير الخارجية الإيراني للقاهرة، بعد زيارته الأولى التي كانت ضمن جولة إقليمية.

وبعث عراقجي برسائل جديدة لتعزيز مسار العلاقات الإيرانية-المصرية، وقال إن «ما فرقته المسافات، جمعه حب آل البيت»، الذي «وحّد البلدين اللذين ترسخ بداخلهما حب آل البيت»، مؤكداً أن «الكلام مع الشعب المصري حفر ذكرى أعترف بها بصدق».

وسبق أن تجول وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته الأولى للقاهرة، وسط العاصمة المصرية، وحرص على تناول «الكشري»، أحد أشهر الأطباق المصرية الشعبية.

ووفق تقدير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، فإن «هناك سعياً إيرانياً للانفتاح في العلاقات مع مصر»، مشيراً إلى أن «المساعي الإيرانية ترجمتها زيارات كبار المسؤولين في طهران إلى القاهرة أخيراً، وخصوصاً زيارة الرئيس الإيراني نهاية الأسبوع الماضي لمصر»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مضمون الخطاب السياسي والإعلامي الإيراني يصب في مصلحة تطوير العلاقات مع مصر».

ويرى فهمي أن مسار تطور العلاقات المصرية-الإيرانية «مرتبط بتحفظات مصرية تتعلق بتباين الموقف تجاه القضايا العربية»، مشيراً إلى أن «القاهرة تتجاوب مع التحركات الإيرانية لتعزيز العلاقات»، لكنه عدَّ هذا التجاوب «مرتبطاً برؤية مصر تجاه عدد من القضايا العربية، وخصوصاً التطورات في سوريا ولبنان واليمن والعراق».

وتبادل السيسي وبزشكيان، خلال لقائهما، الخميس، وجهات النظر حول التطورات الإقليمية، وسبل استعادة السلام بالمنطقة، وأيضاً الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء نظيره الإيراني في القاهرة الخميس الماضي (الرئاسة المصرية)

ولا يرجح طارق فهمي «تطور العلاقات بين القاهرة وطهران إلى مستوى إعادة فتح السفارات، وتبادل السفراء، في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «مرحلة العلاقات الاستكشافية سوف تتواصل بما يخدم مصالح المنطقة».

في سياق ذلك، يرى الخبير في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمد عباس ناجي، أن «هناك تطلعاً إيرانياً لرفع مستوى العلاقات مع مصر إلى مستوى السفراء، بدلاً من مكتب رعاية المصالح»، مشيراً إلى أن «رسائل الإعلام الإيراني أخيراً تدعم هذا الاتجاه».

وقال عباس لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة عراقجي لمساجد «آل البيت» والمناطق التاريخية بالقاهرة، «رسالة من طهران بوجود قواسم مشتركة بين البلدين، يمكن البناء عليها لتحسين مستوى العلاقات»، إلى جانب التأكيد على أنه «لا توجد إشكالية في البعد المذهبي على مسار العلاقات».

ويعتقد عباس أن «طهران مهتمة بتعزيز علاقاتها مع القاهرة، وقد زادت تلك الأهمية في الفترة الأخيرة، في ضوء الضغوط التي تتعرض لها إيران على خلفية تطورات الأوضاع في المنطقة، خصوصاً في غزة ولبنان وسوريا».

ويرتبط تطور العلاقات المصرية-الإيرانية بمجموعة من الأبعاد السياسية والأمنية والاستراتيجية، وفق خبير الشؤون الإيرانية، الذي أشار إلى أن القاهرة «ما زالت تقف عند مرحلة استكشاف العلاقات لوضع النقاط فوق الحروف تجاه بعض القضايا»، موضحاً أن «هناك ملفات محل نقاش بين الجانبين، ومصر ما زالت معنية باستيضاح مواقف إيران في بعض الملفات، مثل ما يحدث في البحر الأحمر، والوضع في اليمن».