حديث عن تراجعات في عقبة «فيلادلفيا»... هل يعزّز مساراً لـ«هدنة غزة»؟

وسط تضامن واسع مع مصر ضد تصريحات نتنياهو

طفل فلسطيني يحمل حقيبة بجوار أنقاض المنازل التي دمرتها الضربات الإسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني يحمل حقيبة بجوار أنقاض المنازل التي دمرتها الضربات الإسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

حديث عن تراجعات في عقبة «فيلادلفيا»... هل يعزّز مساراً لـ«هدنة غزة»؟

طفل فلسطيني يحمل حقيبة بجوار أنقاض المنازل التي دمرتها الضربات الإسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)
طفل فلسطيني يحمل حقيبة بجوار أنقاض المنازل التي دمرتها الضربات الإسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)

تراجعات جديدة تتحدث عنها وسائل إعلام إسرائيلية، بشأن حل أزمة «محور فيلادلفيا»، العقبة الرئيسية في مفاوضات الهدنة بقطاع غزة، تحت ضغوط وخلافات تواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورفض مصري ببقاء قواته بذلك المحور، وتضامُن عربي مع القاهرة، وتحذيرات من تقويض جهود الوسطاء، متزامناً مع تمسّك واشنطن بإبرام صفقة تبادُل أسرى قُبيل انتخابات رئاسية حاسمة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

تلك التراجعات المحتملة التي لم يعتمدها نتنياهو أو يعلّق عليها بعد، تُلاقي تشكيكاً فيها من خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أنه من الوارد أن يتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي عنها بعد المرحلة الأولى من المراحل الثلاث التي أعلنها مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، في نهاية مايو (أيار) الماضي، وطالبوا بوجود دول ضامنة للاتفاق، خصوصاً الولايات المتحدة، حتى لا يتذرّع بأي حُجج أخرى ويعود إلى التصعيد عبر الحرب.

بعد ساعات قليلة من تصريحات لنتنياهو، الثلاثاء، التي أثارت رفضاً مصرياً وعربياً، بشأن تمسّكه بالبقاء في «محور فيلادلفيا» الحدودي، بزعم ألا يتم تهريب أسلحة لـ«حماس»، نقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مسؤول إسرائيلي رفيع، قوله إنه «تم تبليغ الوسطاء، الأيام الأخيرة، أن إسرائيل توافق على الانسحاب من محور فيلادلفيا في المرحلة الثانية (من اتفاق الهدنة)».

وبالتزامن ربطت القناة الإخبارية «12 الإسرائيلية» بين تمسّك نتنياهو بـ«محور فيلادلفيا» وقراره السري للجيش بالاستعداد للتعامل مع مسألة توزيع المساعدات الإنسانية على السكان في غزة، بدلاً من المؤسسات الدولية، وسط اعتراضات من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، لافتةً إلى أنه «في ضوء هذا التوجيه من الممكن أن يؤدي إصرار نتنياهو على وجود عسكري إسرائيلي على طريق فيلادلفيا إلى الخطة الحقيقية لإسرائيل في غزة، وهي الحكم العسكري».

هذا التباين بين التواجد والانسحاب الإسرائيلي أُضيف عليه مسار ثالث نقلته هيئة البث، الأربعاء، يشير إلى أن «الولايات المتحدة ومصر وقطر أجرت محادثات مهمة في الأيام الأخيرة لصياغة خطة حل وسط لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن».

وفي ضوء ذلك «يعتزم الوسطاء نشر المخطط علناً، على الأرجح من قِبل الرئيس بايدن، بحلول الجمعة المقبل، لذلك سافر رئيس الموساد، دافيد برنياع، إلى الدوحة هذا الأسبوع، ومن المحتمل أن تستمر المحادثات هناك في الأيام المقبلة».

فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)

وكان تراجع نتنياهو عن التمسك بالبقاء في «محور فيلادلفيا»، مطلباً رئيسياً في احتجاجات دعمتها عائلات المحتجزين بتل أبيب، ودعَمه أولُ إضراب داخل إسرائيل منذ حرب غزة قبل 11 شهراً، بخلاف تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا خلال المرحلة الأولى من الاتفاق لن يمثّل مشكلة أمنية لبلاده.

وهذا الانسحاب يدعمه أيضاً رئيس حزب معسكر الدولة المعارض، بيني غانتس، موضحاً في إفادة، الثلاثاء، بأن «المحور لا يشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل، ويمكن الانسحاب منه والعودة إن اقتضت الضرورة»، متهماً نتنياهو بالانشغال بـ«البقاء السياسي».

وشكّك رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية»، اللواء سمير راغب، في إمكانية تراجع نتنياهو عن التمسك بـ«محور فيلادلفيا»، موضحاً «بين يوم وليلة تغيّر الموقف الإسرائيلي من تشدّد نتنياهو بعدم الانسحاب من ذلك المحور، إلى حديث عن إمكانية تنفيذه في المرحلة الثانية من مقترح بايدن، وهذا شيء غريب».

«بالطبع نتنياهو مناور ومراوغ، لكن لو فعلها سيمكن أن نصل لاتفاق»، وفق راغب، الذي أضاف: «لكن (حماس) ستطلب ضمانات من دول كبرى لضمان التزامه بالاتفاق، وإلا فلا حل ولا هدنة، فهو يريد أخذ الأسرى الورقة الرابحة لدى الحركة ثم يعود للحرب».

ويقترح أن تكون الولايات المتحدة الأميركية إحدى الدول الضامنة؛ كونها حليفاً لإسرائيل، بجانب آخرين، وخصوصاً أن نتنياهو أوجد بتصريحاته المتكررة خصومة مع مصر وقطر.

«الأيام المقبلة ستحدد مدى مصداقية ذلك التراجع من عدمه، وهل هو مناورة جديدة أم لا؟»، هكذا يرى الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، مؤكداً أن نتنياهو معروف عنه المماطلة، وتصريحاته الأخيرة دليل على أنه «يريد إفساد المفاوضات».

ويرجح أنور أن «تستمر الجهود المصرية بلا كلل للتوصل لاتفاق»، بالتوازي مع رسائلها الغاضبة التي كان أحدثها رفض تصريحات نتنياهو ومزاعمه بشأن دخول السلاح لـ«حماس» عن طريق مصر، والتي شملت التحذير من تداعيات أي محاولة لتقويض الوساطة.

فلسطينية تسير بالقرب من أنقاض المنازل التي دمرتها الغارات الإسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)

وأعلنت مصر، الثلاثاء، «رفضها التام لتلك التصريحات، وللمزاعم كافةً التي يتم تناولها من جانب المسؤولين الإسرائيليين في هذا الشأن»، وحمّلت «الحكومة الإسرائيلية عواقب إطلاق مثل تلك التصريحات التي تزيد من تأزيم الموقف، وتؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة».

ولاقت تصريحات نتنياهو رفضاً عربياً واسعاً. وقالت المملكة العربية السعودية في إفادة لوزارة الخارجية، إنها «تُعرب عن إدانتها واستنكارها الشديدين للتصريحات الإسرائيلية بشأن محور فيلادلفيا»، مؤكدة «تضامنها ووقوفها إلى جانب مصر في مواجهة تلك المزاعم الإسرائيلية».

وحذّرت السعودية من «عواقب هذه التصريحات الاستفزازية، وما لها من تَبِعات في تقويض جهود الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة الأميركية، للتوصّل إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، وتزيد حدة التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة».

كما لاقت تلك التصريحات الإسرائيلية رفضاً من رابطة العالم الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، وقطر والكويت وسلطنة عُمان، في إفادات لوزارات الخارجية، الثلاثاء، واصفين إياها بأنها «أكاذيب وأباطيل، ومحاولة لعرقلة الوساطة ووأد السلام»، مؤكدين التضامن الكامل مع مصر.

وبالتزامن، كشفت الخارجية الأميركية، أن «المحادثات أحرزت تقدّماً الأسبوع الماضي»، مؤكدة أن «الوقت حان لإبرام اتفاق حول وقف إطلاق النار في غزة».

ذلك التضامن العربي والإسلامي مع مصر، لا سيما الصادر من السعودية، يرى الدكتور أحمد فؤاد أنور أنه «سيكون مؤثراً، ورسالة للعالم بأن نتنياهو هو المعرقل للصفقة، وأن اتهاماته للقاهرة كاذبة وأنها لا تريد التصعيد في المنطقة»، ويتوقع أن تثمر التحركات المصرية مع الوسطاء عن «الاتفاق على تنفيذ أولى مراحل مقترح بايدن من المراحل الثلاث التي تمتد إلى 42 يوماً»، وعوّل على ضغوط أميركية حقيقية لإجبار نتنياهو على إبرام الصفقة قريباً دون «مناورات».


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (رويترز)

ماذا نعرف عن «الخلية الفلسطينية» المتهمة بمحاولة اغتيال بن غفير؟

للمرة الثانية خلال ستة شهور، كشفت المخابرات الإسرائيلية عن محاولة لاغتيال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يعيش في مستوطنة بمدينة…

نظير مجلي (تل ابيب)
تحليل إخباري فلسطينيون يبحثون عن ضحايا عقب غارة إسرائيلية وسط مدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري حديث إسرائيلي عن «إدارة عسكرية» لغزة يعقّد جهود «الهدنة»

الحديث الإسرائيلي عن خطط لإدارة غزة يراه خبراء، تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، بمثابة «تعقيد خطير لجهود التهدئة المتواصلة بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي المندوب الأميركي البديل لدى الأمم المتحدة روبرت وود يرفع يده لنقض مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خلال اجتماع لمجلس الأمن (أ.ف.ب)

أميركا تحبط الإجماع الدولي على المطالبة بوقف إطلاق النار فوراً في غزة

خرجت الولايات المتحدة عن إجماع بقية أعضاء مجلس الأمن لتعطيل مشروع قرار للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

علي بردى (واشنطن)

المغرب: تفكيك خلية لـ«داعش» في عملية مشتركة مع إسبانيا

عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)
عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)
TT

المغرب: تفكيك خلية لـ«داعش» في عملية مشتركة مع إسبانيا

عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)
عناصر من الأمن المغربي في عملية أمنية سابقة (أ.ف.ب)

أعلنت السلطات المغربية، الجمعة، تفكيك خلية مسلحة تابعة لتنظيم «داعش» في منطقة الساحل، في عملية أمنية مشتركة مع الأجهزة الإسبانية، موضحة أنها تتكوّن من تسعة عناصر، من بينهم ثلاثة ينشطون في المغرب، وستة آخرون ينشطون في مدن إسبانية.

وذكر بيان للمكتب المركزي المغربي للأبحاث القضائية أن التحريات الأولية أظهرت أن المشتبه فيهم كانوا يروّجون للفكر «الداعشي»، ويعقدون لقاءات في إطار التخطيط والتنسيق للقيام بأعمال إرهابية باسم التنظيم، قبل الالتحاق بصفوفه في منطقة الساحل جنوب الصحراء، مضيفاً أن عمليات التفتيش المنجزة بمنازل المشتبه فيهم مكّنت السلطات من حجز أسلحة ومعدات إلكترونية، سيتم إخضاعها للخبرات الرقمية اللازمة، ومؤكداً أن البحث جارٍ لتحديد الارتباطات الداخلية والخارجية لهذه الخلية.

من جهتها، ذكرت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، في بيان نشرته «وكالة المغرب العربي للأنباء»، أن الخلية تتكوّن من تسعة عناصر، تنشط في تطوان والفنيدق ومدريد وإبيزا وسبتة، موضحاً أن التحريات أظهرت أن المشتبه فيهم «كانوا يروّجون للفكر (الداعشي)، ويعقدون لقاءات بسبتة وتطوان في إطار التخطيط والتنسيق للقيام بأعمال إرهابية».

وأضاف المصدر ذاته أن التحريات الأولية المنجزة أظهرت أن بعض المشتبه فيهم معتقلون سابقون في قضايا الإرهاب بإسبانيا، وكانوا يروّجون للفكر «الداعشي»، ويعقدون لقاءات في إطار التخطيط للقيام بأعمال إرهابية باسم «داعش». وقد تم وضع الأشخاص الموقوفين بتطوان والفنيدق رهن الحراسة النظرية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة المكلفة قضايا الإرهاب والتطرّف، وذلك للوقوف على ارتباطاتهم الداخلية والخارجية، وكذا تحديد مستوى تورّطهم في إطار المشروعات الإرهابية المخطط لها من طرف أعضاء هذه الخلية.

وأشار البلاغ إلى أن هذه العملية المشتركة تندرج في إطار التنسيق الأمني المتواصل والمتميّز بين الأجهزة الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، لصد التهديدات الإرهابية التي تحدق بأمن المملكتين.

وتأتي هذه العملية بعد أيام قليلة من إصدار غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في الرباط، حكمها في حق أفراد خلية إرهابية أخرى، تم تفكيكها بمدينتي تزنيت وسيدي سليمان من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في 14 من مايو (أيار) الماضي.

وحكمت هيئة المحكمة بما مجموعه 29 سنة سجناً نافذاً على الخلية المكوّنة من أربعة أفراد، بعد إدانتهم بتهم متعلقة بالإرهاب، والتحريض على التمييز والكراهية بين الأشخاص، وخرق ظهير التجمعات العمومية وظهير حق تأسيس الجمعيات.

وأدانت المحكمة المتهم الأول «أ.م» الذي جرى توقيفه بمدينة سيدي سليمان، بثماني سنوات سجناً نافذاً بعد إدانته بالإرهاب والتحريض على التمييز والكراهية بين الأشخاص، وهي العقوبة نفسها التي قضت بها في حق المتهم الثاني «أ.ه»، المُدان بجريمة الإرهاب والتحريض على التمييز والكراهية بين الأشخاص، وخرق ظهير التجمعات العمومية وظهير حق تأسيس الجمعيات؛ وذلك بعد توقيفه داخل مسكن وظيفي حيث يقطن بحي الوداديات بمدينة تزنيت.