فرار محافظ «المركزي» الليبي خوفاً على حياته

قلق أوروبي «بالغ» من تدهور الأوضاع

محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير (الشرق الأوسط)
محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير (الشرق الأوسط)
TT

فرار محافظ «المركزي» الليبي خوفاً على حياته

محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير (الشرق الأوسط)
محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير (الشرق الأوسط)

قالَ محافظ المصرف المركزي الليبي، الصديق الكبير، إنهَّ فرّ من البلاد عقب «تهديدات»، وسط توترات بين سلطات متنافسة على إدارة المؤسسة.

ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أنَّ رئيس المصرف المركزي المعزول، الذي يشرف على مليارات الدولارات من عائدات النفط، أُجبر مع موظفين كبار آخرين بالبنك على الفرار من البلاد؛ «حفاظاً على حياتنا» من هجمات محتملة لـ«مجموعات مسلحة»، مبرزاً أنَّ «المسلحين يهددون ويرهبون موظفي البنك، ويختطفون أحياناً أطفالهم وأقاربهم لإجبارهم على الذهاب إلى العمل»، في إشارة إلى خطف راسم النجار، مدير مكتب الكبير، وثلاثة موظفين آخرين من المصرف.

في غضون ذلك، أعربت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا عن «قلقها البالغ» من تدهور الأوضاع، ودعت قادةَ البلاد إلى «خفض التوترات، والامتناع عن استخدام القوة، ورفع حالة (القوة القاهرة) عن جميع الحقول النفطية».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تتَّهم إيران بـ«فتح جبهة الضفة»

شؤون إقليمية إسرائيل تتَّهم إيران بـ«فتح جبهة الضفة»

إسرائيل تتَّهم إيران بـ«فتح جبهة الضفة»

فيما خفّفت إسرائيل من عملياتِها في قطاع غزة وأعلنت انتهاءَها في خان يونس ودير البلح، واصلت قواتها وأجهزتها الأمنية توغلها في مناطق عدة شمال الضفة الغربية، وسط

نظير مجلي ( تل أبيب)
المشرق العربي مُسيّرة إسرائيلية مسلّحة تُحلق فوق قرى جنوب لبنان في يوليو (تموز) الماضي (إعلام «حزب الله»)

مسيّرات إسرائيلية تدقّق في وجوه اللبنانيين

طوّرت إسرائيل وظائفَ مسيّراتها العسكرية في جنوب لبنان من الاغتيالات وقصف المنشآت والملاحقات وجمع المعلومات، إلى التدقيق في وجوه اللبنانيين وحرق أحراشهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي 
تعبير فني عن المختفين قسراً (المرصد السوري لحقوق الانسان)

أميركا تقيّد منح التأشيرات لـ14 مسؤولاً سورياً

أعلنت الولايات المتحدة، أمس، فرضَ قيود على تأشيرات دخول 14 مسؤولاً سوريّاً، بسبب تورطهم في قمع الحقوق والاختفاء القسري لعدد كبير من السوريين.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا بيسكوف

الرئيس بوتين يتحدى مذكرة التوقيف الدولية

عبّر الكرملين عن عدم قلقه تجاه مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارته الثلاثاء إلى منغوليا، الدولة العضو في

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزيرة الداخلية والشؤون الداخلية الألمانية نانسي فايزر (الثانية من اليمين) تحضر الجلسة الخاصة للجنة الشؤون الداخلية بالبرلمان الألماني في برلين - الجمعة 30 أغسطس 2024 (أ.ب)

ألمانيا تباشر ترحيل اللاجئين المدانين بجرائم

رحّلت الحكومة الألمانية، أمس، 28 أفغانياً مدانين بارتكاب جرائم، وذلك للمرة الأولى منذ عودة حركة «طالبان» إلى السلطة في 2021، في رسالة حازمة بشأن الهجرة.

راغدة بهنام (برلين)

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
TT

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

يلقى النزاع في السودان جزءاً ضئيلاً من الاهتمام الذي حظيت به الحرب في غزة وأوكرانيا. ومع ذلك، فهو يهدد بأن يكون أكثر فتكاً من أي صراع آخر. فثالث أكبر البلدان في أفريقيا مشتعل.

لقد دُمرت عاصمته، ولقي ربما 150 ألف شخص حتفهم، وتتراكم الجثث في مقابر مؤقتة يمكن رؤيتها من الفضاء. وأُجبر أكثر من 10 ملايين شخص، أي خُمس السكان، على الفرار من منازلهم. وتلوح في الأفق مجاعة يمكن أن تكون أكثر فتكاً من المجاعة التي شهدتها إثيوبيا في الثمانينات. يُقدر البعض أن 2.5 مليون مدني قد يموتون بحلول نهاية العام.

هذه المقدمة جاءت في تقرير أعدته أسبوعية «إيكونوميست» البريطانية، من داخل السودان، تشير إلى أنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وقنبلة جيوسياسية موقوتة.

فحجم السودان وموقعه يجعلانه مُحركاً للفوضى خارج حدوده. كما أن الدول التي تتدخل في هذا الصراع، وتدعم المتحاربين في الشرق الأوسط وروسيا بمنأى عن العقاب. والغرب غير عابئ؛ والأمم المتحدة مشلولة. من شأن أعمال العنف هناك أن تهدد استقرار البلدان المجاورة وتُحفز تدفقات اللاجئين إلى أوروبا.

قناة السويس في خطر

ويشير التقرير إلى أن السودان يمتلك نحو 800 كيلومتر من السواحل على البحر الأحمر، لذا فإن انهياره يهدد قناة السويس، الشريان الرئيسي للتجارة العالمية. وتقول «إيكونوميست» إن الخصمين الرئيسيين هما الجيش التقليدي (القوات المسلحة السودانية)، وميليشيا قوات الدعم السريع، لا يتمتع أي منهما بهدف آيديولوجي أو هوية عرقية متجانسة. يقود كليهما أمراء حرب عديمو الرحمة يتنافسون على السيطرة على الدولة وغنائمها.

معروف أن السودان عانى من الحرب الأهلية، بصورة متقطعة، منذ استقلاله عام 1956. انتهى أحد الصراعات الدموية بانفصال جنوب السودان عام 2011. وقبل عشرين عاماً، جذبت جولة القتال والإبادة الجماعية في دارفور انتباه العالم.

عنصر من الجيش السوداني يمرّ بين منازل متضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان (أرشيفية - رويترز)

ومع ذلك، حتى وفقاً لتلك المعايير المروعة، فإن الصراع الحالي صادم للغاية. فالخرطوم، المدينة التي كانت مزدهرة ذات يوم، باتت في حالة خراب. ويواصل كلا الجانبين قصف المدنيين، وتجنيد الأطفال، ويتسببان في المجاعة. وتُتهم قوات الدعم السريع بشكل موثوق بالاغتصاب الجماعي وبالإبادة الجماعية.

الأسوأ القادم

ويشير تقرير «إيكونوميست»، إلى أن المجازر سوف تزداد سوءاً. يُظهر تحليل لبيانات الأقمار الاصطناعية والصور الحرارية بلداً مغطى بالنيران والحرائق. إذ حُرقت المزارع والمحاصيل. ويُجبر الناس على أكل العشب والأوراق. إذا استمر الغذاء في التناقص، ربما يموت من 6 إلى 10 ملايين شخص من الجوع بحلول عام 2027، وفقاً لمؤسسة بحثية هولندية تعمل على صياغة أنموذجاً للأزمة.

كانت لدى أفريقيا حرب أخرى من درجة الرعب والفظاعة نفسها خلال السنوات الـ25 الماضية، في الكونغو. ما يجعل السودان مختلفاً هو مدى انتشار الفوضى خارج أراضيه. فالسودان يتمتع بحدود مسامية مع سبعة بلدان هشة، تمثل 21 في المائة من مساحة اليابسة في أفريقيا، وتُعد موطناً لنحو 280 مليون شخص، بما في ذلك تشاد، ومصر، وإثيوبيا، وليبيا. تواجه هذه البلدان تدفقات اللاجئين، والأسلحة، والمرتزقة المزعزعة للاستقرار.

أوروبا في مرمى اللاجئين الجدد

حرب السودان باتت معضلة تهدد الأطفال والكبار مع استمرار غياب الحلول (رويترز)

خارج أفريقيا، يتوقع التقرير صدمة جديدة للاجئين في أوروبا، تتبع تلك التي أعقبت الحروب في سوريا وليبيا، في وقت صارت فيه الهجرة قضية مثيرة للجدل في فرنسا وألمانيا، وغيرهما من البلدان. ويبلغ عدد الأشخاص في مخيمات «كاليه»، على الجانب الجنوبي من القنال الإنجليزي، نحو 60 في المائة من السودانيين بالفعل.

يمكن أن يصبح السودان ملاذاً للإرهابيين، أو يوفر موطئ قدم لأنظمة أخرى حريصة على زرع الفوضى والاضطرابات: تطالب روسيا وإيران بقواعد بحرية في البحر الأحمر مقابل تسليح القوات المسلحة السودانية. إذا سقط السودان في دوامة من الفوضى الدائمة أو تحول إلى دولة مارقة معادية للغرب، فقد يزيد ذلك من المخاطر على تشغيل قناة السويس، التي تحمل عادة سُبع التجارة العالمية، لا سيما بين أوروبا وآسيا. إنها (قناة السويس) تواجه بالفعل اضطرابات من هجمات الحوثيين في اليمن، مما يُجبر سفن الشحن على اتخاذ طرق التفافية طويلة ومكلفة حول أفريقيا.

صمت غربي

تقول «إيكونوميست»: «رغم المخاطر الهائلة، استجاب العالم لحرب السودان بالإهمال والقدرية، مما يُظهر كيف أصبحت الفوضى أمراً طبيعياً. في حين سعى الغرب إلى إنهاء أزمة دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يتجاهل المسؤولون الأميركيون الأمر اليوم بحجة انشغالهم للغاية بالتعامل مع الصين، وغزة، وأوكرانيا. الرأي العام الغربي ساكن للغاية: لم تكن هناك العديد من الأعلام السودانية التي ترفرف في مخيمات الجامعات الأميركية العريقة هذا العام. ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منقسم على ذاته، وتعمل بيروقراطيته بتثاقل عجيب. ولدى الصين اهتمام ضئيل بحل الحروب البعيدة. كما فقدت بلدان أفريقية أخرى شهيتها للتنديد بالفظائع. ولم تُسفر محادثات وقف إطلاق النار الفاترة في جنيف عن أي نتيجة».

ويخلص التقرير إلى أن تجاهل العالم الخارجي للسودان، لأسباب أخلاقية ومصالح ذاتية، خطأ جسيم. ومن الخطأ تخيل أنه لا يمكن فعل أي شيء. يمكن للسخط العام أن يفرض الضغوط على الحكومات الديمقراطية التي تهتم بحياة الإنسان لبذل المزيد من الجهود. ولدى العديد من البلدان حافز لخفض التصعيد واحتواء القتال. كما ترغب أوروبا بشدة في الحد من تدفقات المهاجرين؛ وتحتاج آسيا إلى استقرار البحر الأحمر.

ويضيف: «المقاربة الأكثر إيجابية لا بد أن تقوم على أولويتين. تتمثل إحداهما في الحصول على المزيد من المساعدات بسرعة، لتقليل عدد الوفيات بسبب الجوع والمرض. يجب أن تتدفق الشاحنات المحملة بالطعام عبر كل الحدود الممكنة. ويجب أن يتدفق التمويل العام والخاص إلى المنظمات غير الحكومية السودانية التي تدير العيادات والمطابخ المؤقتة. يمكن إرسال الأموال إلى الجياع مباشرة، عبر الأموال المتنقلة، حتى يتمكنوا من شراء الطعام، حيث توجد أسواق عاملة».

الحد من الأضرار

والأولوية الأخرى حسب «إيكونوميست» هي الضغط على الجهات الفاعلة الخارجية الساخرة التي تؤجج الصراع. إذا كان لدى أمراء الحرب في السودان عدد أقل من الأسلحة والأموال لشرائها، فسوف يكون هناك قتل أقل، والمجاعة الناجمة عن الحرب ستكون أقل. يجب على أميركا وأوروبا والقوى المسؤولة الأخرى فرض عقوبات على أي شركة أو مسؤول رسمي يستغل أو يُمكّن حرب السودان، بما في ذلك من الحلفاء.

لا يمكن لأحد بسهولة إعادة السودان إلى سابق عهده مجدداً. بعد أكثر من 500 يوم من القتال المستعر بلا رحمة، سوف يستغرق إصلاح الأضرار عقوداً ممتدة. ولكن من الممكن إنقاذ ملايين الأرواح، والحد من احتمال حدوث ارتدادات جيوسياسية كارثية، إذا تحرك العالم الآن. لفترة طويلة للغاية كان السودان مسرح الحرب التي تجاهلها الجميع تقريباً. لقد حان الوقت للانتباه الآن.