ماذا تستهدف مصر من حضورها العسكري في الصومال؟

سفير مقديشو أعلن وصول معدات ووفود

الرئيس المصري ونظيره الصومالي يشهدان مراسم توقيع بروتوكول التعاون العسكري منتصف الشهر الجاري (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري ونظيره الصومالي يشهدان مراسم توقيع بروتوكول التعاون العسكري منتصف الشهر الجاري (الرئاسة المصرية)
TT

ماذا تستهدف مصر من حضورها العسكري في الصومال؟

الرئيس المصري ونظيره الصومالي يشهدان مراسم توقيع بروتوكول التعاون العسكري منتصف الشهر الجاري (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري ونظيره الصومالي يشهدان مراسم توقيع بروتوكول التعاون العسكري منتصف الشهر الجاري (الرئاسة المصرية)

أثار حديث صومالي عن بدء وصول معدات ووفود عسكرية مصرية إلى مقديشو، تساؤلات عن أهداف وتداعيات الحضور العسكري المصري المتوقع في الصومال، في ضوء بروتوكول تعاون دفاعي بين البلدين وتوتر متصاعد مع إثيوبيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن تلك الخطوة تستهدف تعزيز العلاقات بين البلدين عبر «تطبيق الاتفاقيات على أرض الواقع»، لافتين إلى أن الوجود العسكري المصري «سيكون لتدريب القوات الصومالية والمشاركة في قوات حفظ السلام»، في ضوء محددات أبرزها «دعم مقديشو في مواجهة الإرهاب والحفاظ على وحدة أراضيها».

وتباينت آراء الخبراء بشأن تداعيات الخطوة المصرية بين من يرى أنها «إجرائية ولا تستهدف أي تصعيد»، وآخرين قالوا إنها «ستحمل تعقيدات جديدة مع إثيوبيا المتوترة علاقاتها مع مصر بشأن سد النهضة الإثيوبي، ومع الصومال بشأن وجودها في ميناءٍ تراه مقديشو يهدد سيادتها».

وحسب صحيفة «الصومال الجديد» فقد «وصلت طائرتان عسكريتان مصريتان، الثلاثاء، إلى مطار آدم عدي الدولي في العاصمة الصومالية مقديشو، كان على متنهما معدات عسكرية وضباط ضمن إعادة تنظيم استراتيجي أوسع نطاقاً في منطقة القرن الأفريقي، حيث يسعى الصومال إلى تعزيز قدراته العسكرية من خلال الشراكات الدولية».

يأتي هذا في الوقت الذي «تستعد فيه مصر للمشاركة في بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، والتي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية (ATMIS) بحلول يناير (كانون الثاني) 2025»، وفق الصحيفة.

وبينما لم تعلق القاهرة، ثمَّن سفير الصومال لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، الأربعاء، «بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام»، موضحاً أن «مصر بذلك ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية».

وعدَّ السفير الصومالي هذه الخطوة «مهمة وأولى الخطوات العملية لتنفيذ مخرجات القمة المصرية الصومالية» التي عُقدت في القاهرة مؤخراً بين الرئيسي المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود (في 14 أغسطس «آب» الجاري)، والتي شهدت توقيع اتفاق دفاعي مشترك بين البلدين.

وفي 14 أغسطس، كشف الرئيس المصري، في مؤتمر صحافي مشترك في القاهرة مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، أنه «في هذا العام سيتم تجديد بعثة حفظ السلام في الصومال، وسنتقدم للمشاركة في هذه البعثة، والأمر متروك للدولة المضيفة (الصومال)، إن كانت ترغب أن نكون موجودين فسنكون».

السيسي يستقبل شيخ محمود في قصر الاتحادية خلال زيارته القاهرة منتصف الشهر الجاري (الرئاسة المصرية)

جاء الإعلان عن توقيع الاتفاقية بعد نحو شهر من إعلان التلفزيون الرسمي الصومالي، في تدوينة نشرها على منصة «إكس»، في 20 يوليو (تموز)، موافقة الحكومة الصومالية خلال «اجتماع استثنائي» لمجلس الوزراء، على اتفاقية دفاعية بين مصر والصومال.

كما يأتي الإعلان بعد أشهر من معارضة مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) الماضي، اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلةً. وعدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداء على السيادة الصومالية».

محددات

الخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج، يرى أن مصر تستهدف من حضورها العسكري في الصومال 3 محددات: «أولاً مساعدة الجيش الصومالي ورفع كفاءته القتالية للتعامل مع عمليات (منظمة الشباب) الإرهابية عبر الخبرات الكبيرة للجيش المصري، وثانياً دعم وحدة الأراضي الصومالية برفع كفاءة قواتها المسلحة، وثالثاً تعزيز مشاركة مقديشو في تأمين قناة السويس من باب المندب».

واستبعد فرج أن «يكون الوجود المصري مرتبطاً بالتوازن العسكري مع دولة أو أخرى موجودة هناك»، ودلَّل على ذلك بعدم وجود قواعد عسكرية مصرية هناك كما هو حال الآخرين، متوقعاً ألا يثير هذا الأمر أي تداعيات، خصوصاً أن «الصومال دولة عربية طلبت حضور مصر بقوات حفظ السلام وسط علاقات استراتيجية للبلدين».

وتتفق مساعدة وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية الأسبق، السفيرة منى عمر، مع هذا التقدير، مؤكدةً «أنها تأتي في سياق ما بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك وستشمل دعم مصر للقوات الصومالية وتدريبها وربما تزويدها بالسلاح لمواجهة الإرهاب هناك حتى تستعيد مقديشو استقرارها» .

وعن المدى المتوقع لتلك المساعدة المصرية وتأثيرها، أكدت السفيرة منى عمر، أن «مصر لا تتدخل عسكرياً ولا تلجأ إلى القوة الخشنة، وهذا أسلوبها في التعامل مع الأزمات، لذا سيكون الواقع في الصومال قائماً على التدريب والمساعدة والمشاركة في قوات حفظ السلام»، فالصومال دولة استراتيجية لمصر ويجب أن تتعاونا معاً خصوصاً أن لهما مواقف مشتركة «رافضة للتحركات الإثيوبية الجديدة تجاه مقديشو أو الأمن المائي المصري»، وفق عمر، التي لفتت إلى أن مصر مشاركة بقوات حفظ سلام منذ سنوات طويلة في الصومال، وبالتالي، فهذا التعاون الجديد مبنيٌّ على علاقات البلدين وأهمية دعم استقرار مقديشو.

تعقيدات محتملة

وباعتقاد الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، فإن تلك المساعدات المصرية «تعد خطوة مهمة جداً في إطار تعزيز العلاقات المصرية-الصومالية، وتؤكد حضور القاهرة في الصومال في ظل تنامي دور إثيوبيا وتركيا وغيرهما من الدول»، لافتاً إلى أن مقديشو كانت بحاجة إلى تلك الخطوة لإعادة تأهيل القوات الأمنية والعسكرية وإرسال رسائل إلى الجانب الإثيوبي بأنها «لديها شركاء أقوياء ولا يمكن الاستهانة بها».

ويرى أن «تداعيات ذلك الحضور بلا شك ستكون معقدة»، مُرجعاً ذلك إلى «عدم تقبل الجانب الإثيوبي هذه الخطوة في ظل توتر علاقاته مع مصر، بشأن ملف سد النهضة خصوصاً أنه سيفهم الحضور المصري على أنه رسالة من مصر تفيد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي تهديد لأمنها المائي».

وهناك خلافات بين مصر والسودان من ناحية، وإثيوبيا على الجهة الأخرى، بشأن «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على فرع النيل الأزرق، والذي تقول القاهرة والخرطوم إنه سيؤثر بشكل كبير في حصتيهما من مياه النيل، وتتمسكان بالتوصل أولاً إلى «اتفاق ملزم» مع أديس أبابا بشأن ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل، وهو ما تنفيه إثيوبيا، وتؤكد أنها لا تستهدف الإضرار بدولتَي مصبّ النيل.


مقالات ذات صلة

أفريقيا شاحنة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي تعود لتحميل المواد الغذائية من مروحية تابعة للأمم المتحدة هبطت مؤخراً بمخيم «ييدا» جنوب السودان 14 سبتمبر 2012 (أ.ب)

2023 العام «الأكثر دموية» للعاملين الإنسانيين… و2024 أسوأ

كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الاثنين، عن أن عدداً قياسياً من عمال الإغاثة قُتلوا بالنزاعات في كل أنحاء العالم عام 2023 الذي صار الأكثر دموية.

علي بردى (واشنطن )
شمال افريقيا الرئيسان المصري والصومالي خلال مباحثات في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

مصر تؤكد دعمها لجهود الصومال في مكافحة الإرهاب

أكدت مصر دعمها الكامل لجهود الصومال في مكافحة الإرهاب، ومساعي مقديشو لتحقيق الأمن والاستقرار للشعب الصومالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري وزير الخارجية المصري خلال لقاء نظيره الصومالي في القاهرة (الخارجية المصرية)

تحليل إخباري لماذا طلبت مصر المشاركة في قوات حفظ السلام «الأفريقية» بالصومال؟

أثار طلب مصر المشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الأمن والاستقرار في الصومال، تساؤلات حول دلالات التحرك المصري.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يستقبل شيخ محمود في القاهرة (الرئاسة المصرية)

القاهرة تعزّز دعمها لمقديشو ببروتوكول عسكري «محوري»

وقّعت مصر والصومال، الأربعاء، بروتوكول تعاون عسكري، وصفه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بـ«المحوري»، بينما عَدّه خبراء «تعزيزاً للحضور المصري في القرن الأفريقي».

أحمد إمبابي (القاهرة)

​ماذا يخسر الليبيون من إغلاق حقول النفط؟

أحد حقول النفط في جنوب ليبيا (رويترز)
أحد حقول النفط في جنوب ليبيا (رويترز)
TT

​ماذا يخسر الليبيون من إغلاق حقول النفط؟

أحد حقول النفط في جنوب ليبيا (رويترز)
أحد حقول النفط في جنوب ليبيا (رويترز)

سلطت أزمة إغلاق الحكومة الليبية، المكلفة من مجلس النواب، الحقول والموانئ النفطية الضوء على الخسائر التي قد تتعرض لها البلاد، إذ يرى سياسيون ومحللون أن ليبيا قد تواجه «أزمات متعددة» تتعلق بمعيشة المواطنين، بالإضافة إلى الأضرار الكثيرة التي قد تواجه الاقتصاد الوطني.

بداية، أعرب رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي»، أسعد زهيو، عن أسفه «لإقحام النخب الحاكمة النفط، الذي يوصف بأنه قوت الليبيين، في الصراع المحتدم منذ قرابة أسبوعين بشأن السيطرة على المصرف المركزي».

الصديق الكبير (رويترز)

وتساءل زهيو في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا يتوجب على العاملين بالدولة، بصفتهم القطاع الأكبر من الليبيين، دفع فاتورة إزاحة الصديق الكبير من موقعه المستمر به منذ 2011؟»، لافتاً إلى أن الشهر الحالي يكاد يقترب من نهايته، والجميع لا يزال ينتظر راتبه لتسديد احتياجاته الأساسية.

ويرى زهيو أن «أي تطمينات لن تقلل من تخوفات الليبيين»، مشيراً إلى أنهم «يدركون بفضل خبرتهم من إغلاقات مشابهة سابقة أنهم سيكونون في مواجهة أزمات متعددة، من بينها ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية، ونقص السيولة، وربما أيضاً أزمة وقود، فضلاً عن احتمال تأثر محطات الكهرباء بتوقف ضخ الغاز».

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الاستقرار)

وكانت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، برئاسة أسامة حماد، قد أعلنت إغلاق النفط؛ رداً على محاولة المجلس الرئاسي تغيير محافظ المصرف المركزي في طرابلس.

من جهته، أبدى عضو مجلس النواب الليبي، خليفة الدغاري، تخوفه من تداعيات قرار إغلاق النفط على الاقتصاد الوطني ومعيشة المواطن. ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن كثرة الإغلاقات «تزعزع الثقة بالليبيين وليبيا في السوق العالمية؛ كما قد يترتب على غموض مستقبل الصراع حول المصرف المركزي تزعزع الاستقرار المالي للدولة».

وأعلنت البعثة الأممية للدعم في ليبيا اعتزامها عقد اجتماع طارئ تحضره الأطراف المعنية بأزمة مصرف ليبيا المركزي، بهدف التوصل إلى توافق يستند إلى الاتفاقات السياسية والقوانين السارية، وعلى مبدأ استقلالية المصرف المركزي.

وتساءل الدغاري حول مستقبل صرف الرواتب، وقدرة الحكومة على تمويل الخدمات العامة، من صحة وتعليم، كما تطرق إلى التخوفات من توقف مشاريع إعادة الإعمار بعموم البلاد، وتحديداً بالشرق والجنوب في ليبيا.

من جانبه، توقع المحلل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي «استمرار الاضطراب الراهن جراء الإغلاق لبضعة أسابيع فقط»، وعدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المبكر جداً القول بأن عملية الإغلاق ستؤدي لتضرر أو توقف مشاريع إعادة الإعمار في شرق البلاد»، لافتاً إلى «وجود فرصة لإيجاد حل لتلك المشاريع»، مقارنة بـ«الضرر الأكبر» الذي ستتعرض له حياة المواطنين جراء توقف النفط من إضعاف لقيمة الدينار.

وفي أعقاب بيان البعثة الأممية، دعا رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، مجلس النواب للقيام بدوره في اختيار محافظ للمركزي، عبر عقد جلسة قانونية «علنية وشفافة» بالتشاور مع مجلس الدولة.

محللون سياسيون يؤكدون أن قرار إغلاق حقول النفط سيزيد من معاناة الليبيين (رويترز)

وانضم المحلل السياسي الليبي، إسلام الحاجي، للرؤى السابقة بأن قرار الإغلاق سيزيد من معاناة المواطن، الذي كان يعاني بالأساس من تدهور الأوضاع الاقتصادية بالشهور الأخيرة.

ورغم بيان المصرف المركزي، عبر موقعه الإلكتروني، الذي يديره الصديق الكبير، والذي حذر فيه «من تعطيل عمل المصرف، وعدم تمكينه من تنفيذ راتب شهر أغسطس (آب) الحالي»، قلل الحاجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من التخوفات بهذا الصدد، قائلاً: «الجميع سوف يتسابق لتدبير قيمة الرواتب وصرفها حتى لا يثير ضده عداء أكثر من مليوني مواطن من العاملين بالدولة»، مشيراً إلى أن صرف الرواتب لن يلغي بقية الأزمات، وتحديداً نقص كثير من السلع الرئيسية، من أغذية وأدوية مع توقف النفط، وتوقف معاملات المصرف، ومنها الاعتمادات المستندية التي يتم بها الاستيراد.

ووفقاً لرؤية الحاجي، فإن الإشكال الراهن حول المصرف المركزي، والذي تعمق مع قرار إيقاف النفط «سيجد طريقه للحل إذا ما توافقت كل من أميركا وبريطانيا على مجلس إدارة جديد له».