صعّدت الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حمّاد، من موقفها تجاه عملية تغيير رئيس محافظ المصرف المركزي، من قبل سلطات طرابلس، وقررت (الاثنين) إعلان حالة «القوة القاهرة» على جميع الحقول والموانئ والمؤسسات والمرافق النفطية، وإيقاف إنتاج وتصدير النفط «حتى إشعار آخر».
وبهذه الخطوة يعود النفط الذي يُوصف «بقوت الليبيين»، ويُشكّل 98 في المائة من موارد البلاد مجدداً، إلى دائرة الصراع السياسي بين أفرقاء الأزمة المتنافسين على حكم ليبيا.
وبرّر حمّاد القرار، بأنه ردّ على «تكرار الاعتداءات على قيادات وموظفي وإدارات مصرف ليبيا المركزي من قبل (مجموعات خارجة عن القانون)، وبتحريض ومساعدة من المجلس الرئاسي، منتحل الصفة».
وقال في مؤتمر صحافي، (الاثنين) إن «محاولات الدخول بالقوة إلى مقر المصرف نتج عنها إيقاف وعرقلة سير المعاملات المالية للدولة؛ كما أدت إلى الإضرار بالمواطنين بشكل عام».
وفيما نوه إلى أنها (الاعتداءات) من شأنها أيضاً «تعريض الاقتصاد الوطني للانهيار المتسارع»، أهاب بالأجهزة المختصة والتابعة لحكومته التفاعل مع قرار الإغلاق، ووضعه موضع التنفيذ «بشكل عاجل».
وأيّد عيسى العريبي رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب، قرار الحكومة الليبية بإعلان حالة «القوة القاهرة» على جميع الحقول والموانئ النفطية.
وأغلق مواطنون وقبائل ليبية مقربة من «الجيش الوطني» حقولاً وموانئ نفطية قبل ذلك، على خلفيات مطالب اجتماعية وأزمات سياسية بين سلطات شرق البلاد وغربها، ولأسباب من بينها «عدم وجود عدالة في توزيع الموارد».
وتقع غالبية الحقول تحت سيطرة «الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر، فضلاً عن أن منطقة الواحات بجنوب غربي ليبيا، تعد من أبرز المناطق الغنية بالحقول النفطية في البلاد.
ووسط تخوفات مجتمعية ودولية من تداعيات وقف النفط، دافع عضو مجلس النواب، محمد تامر، عن القرار الذي اتخذه حمّاد، وقال إنه «جاء رداً على الإجراءات غير القانونية التي أجراها المجلس الرئاسي بخصوص تكليف محافظ جديد للمصرف المركزي».
وعدّ تامر، النائب عن الجنوب الليبي، قرار «الرئاسي» بتغيير المحافظ «تعدياً على اختصاصات مجلسي النواب والأعلى للدولة»، متهماً (الرئاسي) بـ«الإضرار بالمصرف المركزي».
وعدّ في حديث إلى «الشرق الأوسط» إعلان حكومة حمّاد «القوة القاهرة» على الحقول النفطية «إجراءً احترازياً يستهدف الحفاظ على أموال الليبيين».
https://www.facebook.com/watch/?v=1182655736180888
وبالتوازي مع قرار حمّاد، أعلنت شركة الواحة للنفط، (الاثنين) أنها «ستبدأ في التخفيض التدريجي» للإنتاج، مطالبة الجهات المختصة بالتدخل للمحافظة على استمرار إنتاج النفط، كما حذرت من أن استمرار الاحتجاجات والضغوط سيؤدي إلى إيقاف إنتاج النفط.
وقبل ذلك، أعلن عدد من شباب المناطق النفطية والفعاليات الاجتماعية في مدن الواحات الواقعة جنوب شرقي ليبيا، التوجه لإغلاق الحقول النفطية في منطقتهم، على خلفية أزمة مصرف ليبيا المركزي.
وتوعدوا في بيان مصور تلاه أحدهم «بإغلاق الحقول النفطية بالكامل لحين التوصل لاتفاق عادل لاقتسام الموارد بين الأقاليم، وإعطاء كل ذي حق حقه»، وزادوا من توعدهم: «سوف نستمر في الإغلاق حتى تتحقق مطالبنا العادلة والمشروعة».
وقال المجتمعون إنهم «تابعوا ما تمر به البلاد من أحداث متسارعة، ومحاولة السيطرة على مصرف ليبيا المركزي بالقوة، والاستفراد بالأموال من قبل ضعفاء النفوس»، وانتهوا إلى أن «أصحاب المصالح الشخصية يريدون تمرير القرارات والتلاعب بأموال الليبيين، وزيادة معاناة الشعب الليبي».
و«القوة القاهرة» هي أحد بنود العقود، وتعفي الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهما.
وتقع المنشآت النفطية في عموم ليبيا رهينة قبضة بعض المحتجين، الذين يطالبون السلطات من حين لآخر بمطالب، بعضها فئوية، تتمثل في زيادة الاستحقاقات المالية، أو الرعاية الطبية لهم ولأسرهم، وذلك بتعمدهم تعطيل العمل في بعض المنشآت النفطية.
وسبق أن أغلق محتجون من الجنوب الليبي حقل «الشرارة»، الذي يعد (أكبر الحقول الليبية) بعد انتهاء مهلة الاستجابة لمطالبهم، محمّلين «المؤسسة الوطنية للنفط»، و«الحكومات» المسؤولية الكاملة في حال عدم تحقيق مطالبهم، ما أعاد مجدداً النفط الليبي إلى «دائرة الصراع».
وتسبب إغلاق حقل «الشرارة» الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف برميل يومياً، في خسارة ليبيا حتى الآن 3.5 مليار دينار ليبي، بحسب تصريحات صحافية لنقيب قطاع النفط سالم الرميح. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).
وأعلنت «المؤسسة الوطنية للنفط» في وقت سابق من أغسطس (آب) حالة القوة القاهرة في حقل الشرارة.
وكان جُل الليبيين يتوقعون ذلك، لا سيما بعد تلويح عقيلة صالح رئيس مجلس النواب بذلك، عندما حذر الأسبوع الماضي، من أن «أي تغيير في منصب محافظ المصرف المركزي قد يؤدي إلى إغلاق منشآت النفط، ووقف تحويل الإيرادات إلى المصرف المركزي».
ومضى صالح حين ذلك في تهديده، الذي بات واقعاً: «لن نسمح باستمرار ضخ إيرادات الثروة الليبية لأشخاص جاءوا بطريقة مشبوهة وأيدٍ غير أمينة».
وفي وقت سابق، أكد نائب رئيس «المجلس الأعلى للقبائل الليبية»، السنوسي الحليق، أن إغلاق الموانئ والحقول النفطية في شرق البلاد «قد يكون خياراً مطروحاً إذا استمرت الظروف القاهرة»، محذراً من أن «استغلال هذه الثروة بشكل غير عادل قد يجر البلاد إلى منزلق خطير».
وأظهرت بيانات ديوان المحاسبة الليبي عن النصف الأول من السنة المالية 2024 تسجيل إجمالي الموارد النفطية ما يزيد على 44 مليار دينار موزعة على إيرادات النفط والغاز والمشتقات النفطية.