بعد عفو ملكي... زراعة القنب بالمغرب إلى ازدهار

تشترك فيها 60 ألف أسرة تضم نحو 400 ألف فرد

زهرة القنب (رويترز)
زهرة القنب (رويترز)
TT

بعد عفو ملكي... زراعة القنب بالمغرب إلى ازدهار

زهرة القنب (رويترز)
زهرة القنب (رويترز)

تبدو فرحة معانقة الحرية والتفاؤل على محيا محمد وهو ينظر إلى أرضه الجبلية الوعرة في باب برد بضواحي شفشاون شمال العاصمة الرباط، عندما يستحضر عفو العاهل المغربي الملك محمد السادس عن عدد من مزارعي القنب الهندي لإدماجهم في أنشطة تنموية بالمنطقة، بعيداً عن التجارة غير المشروعة في هذا النبات المخدر... على ما ورد في تقرير لوكالة «رويترز» الاثنين.

ويقول محمد، الذي صدر ضده حكم بالسجن لعامين، قضى منهما نحو عام قبل أن ينعم بالعفو الملكي: «هذه الأرض، باستثناء بعض الأشجار المثمرة، غير صالحة للزراعة ولا تعطي إنتاجاً يكفي للعيش... فبالأحرى فلاحة تسويقية تدر علينا بعض الدخل».

مزرعة للقنب في مدينة شفشاون المغربية (أرشيفية - رويترز)

وأضاف: «منذ صغري والناس هنا يزرعون القنب الهندي، فالأهالي هنا لهم احتياجاتهم غير الأكل والشرب اللذين نوفرهما بالكاد... مصاريف اللباس والعلاج والتمدرس».

ويشاركه التفاؤل ابن عمه عبد السلام الذي قال: «كنا دائماً نزرع القنب في خوف من مواجهة السجن والغرامات بسبب أن هذه الزراعة والمتاجرة فيها ممنوعة، لكن أولى الخطوات التي جعلتنا نتنفس الصعداء، كانت قرار الحكومة المغربية منذ ثلاث سنوات بجعل زراعة القنب الهندي قانونية».

وصوّت البرلمان المغربي في عام 2021 لصالح تقنين زراعة القنب الهندي في بعض المناطق الشمالية، وجعلها مشروعة لإدخالها في الاستخدامات الطبية والتجميلية والصناعية.

ويعد المغرب أكبر منتج للقنب الهندي في العالم، هو وأفغانستان، بحسب تقرير «مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة»، وتسمح السلطات بزراعة وتصدير واستخدام المنتج في الأدوية وقطاع الصناعة، لكنها لا تسمح باستخدامه لأغراض ترفيهية.

العاهل المغربي الملك محمد السادس (ماب)

وفي 20 أغسطس (آب) الجاري، أصدر العاهل المغربي محمد السادس عفواً عن 4831 شخصاً «في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي».

وذكر بيان لوزارة العدل أنه «فضلاً عن الجوانب الإنسانية لهذه الالتفاتة... فإنها ستمكن المشمولين بها من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، والأثر الذي سيحدثه نشاطها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي».

وكانت السلطات المغربية على مدى عقود، تلجأ إلى أساليب تنوعت بين إجبار الفلاحين على التخلي عن زراعة هذه النبتة بإحراق الحقول والسجن، أو إقناعهم بزراعات بديلة كالأشجار المثمرة، ومنها الزيتون والخروب، وتربية الماعز بحسب طبيعة كل منطقة جبلية.

صورة لنبتة القنب الهندي (الحشيش) (رويترز)

لكن بعد التقنين في 2021، وسعت السلطات منطقة زراعة وانتشار القنب الهندي بهدف الاستفادة من النبتة في مجالات طبية وتجميلية، وذلك في كل من مناطق: الحسيمة وشفشاون وتاونات، في حين استمرت أقاليم أخرى في زراعته بطرق غير قانونية، كأقاليم وزان وتطوان والعرائش.

ويدخل القنب في تقاليد استهلاكية ترفيهية في المنطقة؛ إذ يُخلط القنب المجفف مع التبغ ويتم تدخينه في أنابيب طويلة مصنوعة من الخشب تنتهي بأوعية من الفخار يطلق عليها محلياً اسم «السبسي».

وقال محمد الكروج المدير العام لـ«الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي» لوكالة «رويترز»: «العفو الملكي يشجع المزارعين على زراعة القنب الهندي بصورة قانونية لتحسين إيراداتهم وظروفهم المعيشية».

وانطلق موسم زراعة القنب الهندي وفق الإطار القانوني للاستعمالات الطبية والتجميلية في مايو (أيار) 2023، وقال الكروج إن أول حصاد للنبتة بلغ 294 طناً. وتوقع أن يكون محصول هذا العام أكبر، مع زيادة تصاريح الزراعة.

وقال شكيب الخياري منسق «الائتلاف الجمعوي المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي»، إن العفو «جاء استجابة من العاهل المغربي الملك محمد السادس لمطلب سكان مناطق زراعة القنب الهندي، حيث يشترك ما يناهز 60 ألف أسرة تضم نحو 400 ألف فرد، مباشرة في هذه الزراعة، كما جاء استجابة للقوى الحية للمجتمع، والمتمثلة في جمعيات المجتمع المدني، وبعض الأحزاب السياسية على قلتها التي تدافع عن مصالح هذه الفئة».

توالي سنوات الجفاف أرغم الفلاحين على اللجوء للري بطريقة التنقيط لتوفير المياه (أ.ف.ب)

وأصدر «المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي»، بياناً عقب العفو الملكي ثمّن فيه الخطوة، لكنه حذر «السلطات الحكومية المعنية بأن المناطق التقليدية تعرف ركوداً اقتصادياً خطيراً في ظل ما يعرفه المغرب والعالم من ارتفاع مهول للأسعار، كما أنها ما زالت تعاني العزلة والتهميش رغم مرور ثلاث سنوات على دخول ورش التقنين حيز التنفيذ».

كما لفت الانتباه إلى «إشكالية كبيرة يعاني منها عدد من الجهات التي تقوم بزراعة القنب، سواء المرخص لها أو غيرها، تتمثل في الإجهاد المائي الذي عانى منه المغرب في السنوات القليلة الماضية بسبب شح الأمطار».

وبعيداً عن منطقة باب برد وشفشاون، تقول رشيدة (54 عاماً) من قرية عين بيضا التابعة لإقليم وزان، غير المرخص له بزراعة القنب الهندي، إن الوادي بجانب منزلهم، كان يُستغل منذ أكثر من 30 عاماً في ري الخضر وسقي البهائم لكن مياهه نضبت «حتى قبل نقص التساقطات في الأعوام القليلة الماضية».

صورة تبين تقلص منسوب نهر واد بومقلة جنوب المغرب (إ.ب.أ)

وأضافت أن الوادي، وهو أحد روافد نهر لوكوس الذي يبلغ طوله 100 كيلومتر وينبع من جبال الريف بشمال المغرب، ويصب في المحيط الأطلسي عند ساحل العرائش، «استغله السكان منذ أواخر تسعينات القرن الماضي لري القنب الهندي، هذا الأخير يتطلب كميات كبيرة من المياه».

وتعتبر زراعة القنب الهندي في هذه المنطقة دخيلة على السكان، لكنهم لجأوا لها مثل عدد من المناطق الشمالية المغربية الأخرى، لاعتقادهم أنها تدر عليهم دخلاً أكبر من الزراعات الأخرى.

وحذر المغرب في أكثر من مناسبة من آثار الإجهاد المائي، وقال العاهل المغربي في وقت سابق، إن «المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة».


مقالات ذات صلة

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

رياضة عربية الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي (إ.ب.أ)

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

مدّد الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي عقده مع باريس سان جيرمان بطل فرنسا لكرة القدم حتى عام 2029.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رضوان الحسيني مدير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بوزارة الشؤون الخارجية المغربية (الشرق الأوسط)

المغرب يؤكد «التزامه الراسخ» بمكافحة الإرهاب النووي والإشعاعي

المغرب يؤكد التزامه بالأهداف الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب النووي، التي تدعو إلى نهج استباقي ومتعدد الأبعاد، لمحاربة هذه الآفة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية زكريا أبو خلال لاعب تولوز انضم لتشكيلة منتخب المغرب (أ.ف.ب)

الركراكي يستدعي أبو خلال لتشكيلة المغرب بدلاً من أخوماش

أعلن الاتحاد المغربي لكرة القدم الثلاثاء أن وليد الركراكي مدرب المنتخب الأول استدعى زكريا أبو خلال لتعويض غياب إلياس أخوماش.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية حسين الشحات لاعب الأهلي (صفحة اللاعب على فيسبوك)

مصر: الصلح يُنهي أزمة الشحات والشيبي بعد 18 شهراً من «الخِصام»

بعد نحو عام ونصف العام من «الخِصام» بينهما، أنهى الصلح أزمة المصري حسين الشحات، لاعب الأهلي، والمغربي محمد الشيبي.

محمد عجم (القاهرة)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
TT

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، يوم الاثنين المقبل، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

وأعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن استضافة «مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة»، يوم 2 ديسمبر (كانون الأول)، وقال خلال مشاركته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا الاثنين: «المؤتمر سيبحث إجراءات تعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، حسب إفادة للخارجية المصرية.

وأعاد عبد العاطي التأكيد على محددات الموقف المصري تجاه التطورات الإقليمية، التي تتضمن «ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، ونفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق، فضلاً عن أهمية الانتقال لإيجاد أُفق سياسي لتنفيذ حل الدولتين».

وكشفت مصادر مصرية مطلعة أن «المؤتمر سيعقد على مستوى وزراء الخارجية»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحضور سيشمل تمثيلاً إقليمياً، من دول المنطقة، ودولياً، من المجتمع الدولي»، إلى جانب «تمثيل المؤسسات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها (الأونروا)».

وتجري القاهرة استعداداتها المكثفة لاستضافة المؤتمر، لضمان مشاركة واسعة فيه إقليمياً ودولياً، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن «مصر ما زالت تتلقى تأكيدات من الدول التي ستشارك»، وأوضحت أن «المؤتمر سيناقش الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للوضع في قطاع غزة»، وأن «دعم عمل وكالة (الأونروا)، سيكون من فعاليات المؤتمر».

ويعقد المؤتمر في ظل مطالبات عربية رسمية برفع القيود الإسرائيلية على مرور المساعدات لقطاع غزة، بعد قرار إسرائيل بحظر عمل أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويتوقف رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين، صلاح عبد العاطي، عند عقد المؤتمر بالتزامن مع الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، وقال إن «الفلسطينيين ينظرون بإيجابية لمؤتمر القاهرة الوزاري، أملاً في تحقيق اختراق لأزمة المساعدات الإنسانية، والتدخل لإنفاذ الدعم لسكان القطاع»، مشيراً إلى أن «استمرار الوضع الحالي، مع حلول موسم الشتاء، يفاقم من المعاناة الإنسانية للسكان بغزة».

وتحدث عبد العاطي عن الأهداف التي يأمل الفلسطينيون أن يحققها المؤتمر، ودعا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة أن يحقق المؤتمر استجابة إنسانية سريعة لسكان القطاع، كما حدث في التدخلات المصرية السابقة»، إلى جانب «ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي لفتح المعابر أمام المساعدات الإغاثية»، كما طالب بـ«تشكيل تحالف دولي إنساني لدعم الإغاثة الإنسانية لغزة».

وتقول الحكومة المصرية إنها قدمت نحو 80 في المائة من حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة، وفق تصريحات لوزير التموين المصري في شهر مايو (أيار) الماضي.

واستضافت القاهرة، في أكتوبر من العام الماضي، «قمة القاهرة للسلام»، بمشاركة دولية واسعة، بهدف «دفع جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار، والعمل على تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

وباعتقاد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، طارق فهمي، أن «مؤتمر القاهرة الوزاري يستهدف إعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية، مرة أخرى، في ضوء التطورات الإقليمية»، وقال إن «توقيت ومستوى التمثيل في المؤتمر، يقدمان رسائل تنبيه مبكرة لخطورة الوضع في القطاع، والمسار المستقبلي للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي».

وستتجاوز مناقشات المؤتمر حدود الدعم الإنساني والإغاثي لسكان قطاع غزة، وفقاً لفهمي، الذي قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «المؤتمر سياسي بالدرجة الأولى، ويستهدف استعراض الجهود المبذولة، خصوصاً من الدول العربية، لوقف الحرب في القطاع»، مشيراً إلى أن «المؤتمر سيسعى لصياغة مقاربات جديدة للتعاطي مع الأزمة في غزة، والقضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تولي إدارة دونالد ترمب مهامها الرسمية في أميركا».