ليبيا: نشاط متزايد لـ«تجار البشر» براً وبحراً رغم «التعهدات الحكومية»

السلطات «تحرر مئات» المهاجرين المخطوفين... وتنقذ 173 آخرين من الغرق

إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)
إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)
TT

ليبيا: نشاط متزايد لـ«تجار البشر» براً وبحراً رغم «التعهدات الحكومية»

إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)
إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)

أنقذت السلطات الأمنية في غرب ليبيا وشرقها، «مئات المهاجرين» براً وبحراً من قبضة عصابات المهرّبين، كما حالت دون غرق عشرات آخرين في «المتوسط»، وسط رصد نشاط متزايد لـ«تجار البشر» على الساحل الليبي، وتساؤلات عن جدوى تعهدات الحكومتين المتنازعتين على السلطة، في التصدي لمثل هذه التدفقات.

وفي عمليتين منفصلتين، أعلنت السلطات الأمنية المعنية بمكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس، إنقاذ 173 مهاجراً من الغرق في «المتوسط»، مع عودة عصابات التهريب إلى النشاط، مستغلة انشغال البلاد بالصراعات السياسية.

مهاجرون بعد إنقاذهم من الغرق قبالة ساحل غرب ليبيا (إدارة أمن السواحل)

وقالت «الإدارة العامة لأمن السواحل» بغرب ليبيا، في وقت مبكر من صباح الأحد، إن دورية بحرية تستقل الزوارق الذي يطلَق عليها «وادي غان» تمكنت من إنقاذ 123 مهاجراً غير نظامي، من بينهم رجال ونساء وأطفال، وينتمون إلى جنسيات أفريقية عديدة، مشيرة إلى أنهم كانوا يستقلون «قارباً متهالكاً داخل المياه الإقليمية أمام سواحل مدينة زوارة».

عدد من المهاجرين بعد إنقاذهم من الغرق قبالة ساحل غرب ليبيا (إدارة أمن السواحل)

ومدينة زوارة الساحلية تعدّ من أهم نقاط انطلاق أفواج المهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية، بالإضافة إلى القرة بوللي وصبراتة والزاوية، التي تكثر فيهم عمليات جلب وتخزين المهاجرين في مخازن أو شقق سكنية، لحين «إنزالهم البحر في وقت تحدده تلك العصابات حسب الأوقات المناسبة».

وأوضحت الإدارة العامة لأمن السواحل أن العملية التي أشرف عليها مديرها اللواء بشير بالنور سليمان، انتهت إلى انتشال المهاجرين من البحر، وإنزالهم في «ميناء الشعاب» التابع لأمن السواحل فرع طرابلس، ثم تسليمهم إلى جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة، لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالهم.

وعادة ما تلتمس منظمة «أطباء بلا حدود» أعذاراً للمهاجرين الفارين عبر المتوسط، وترى أن «الافتقار إلى خيارات آمنة وقانونية، إضافة إلى العنف الذي يعانيه المهاجرون في ليبيا، لا يترك لهم خياراً سوى عبور البحر، ومن ثم زيادة عدد الضحايا».

إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)

وبعد ساعات قليلة من الإعلان عن العملية الأولى، كشفت الإدارة العامة لأمن السواحل في غرب ليبيا، عن إنقاذ 51 مهاجراً غير شرعي ينتمون إلى دول أفريقية مختلفة، لكن هذه المرّة جرى انتشالهم من قبالة ساحل مدينة القرة بوللي، بعد تعطّل قارب كان يقلهم. وقالت الإدارة إنه تم إنزالهم أيضاً إلى نقطة «ميناء الشعاب» لحين تسليمهم إلى جهاز مكافحة الهجرة.

وسبق لحكومتي «الوحدة الوطنية» بالعاصمة طرابلس، ونظيرتها بشرق ليبيا، عقد مؤتمرات دولية بشأن ملف الهجرة غير النظامية، انتهت جميعها إلى توصيات تتعلق بسبل مكافحة الظاهرة، لكن متابعين لهذا الملف يرون ضرورة «القضاء أولاً على سوق السمسرة في المهاجرين، المنتشرة في غالبية المدن الليبية، ثم إنهاء الصراع السياسي»، ويشيرون إلى أن هناك «تجارة رائجة تديرها عصابات ومجموعات مسلحة، وأحياناً جهات أمنية رسمية».

و«العصابات المتاجرة بالبشر»، إن لم تكن منتشرة في غالبية المدن الساحلية المشهورة كنقاط انطلاق لعمليات هجرة غير نظامية إلى أوروبا، فإنها موجودة بكثرة في مناطق بالجنوب الشرقي أو الغربي، بالنظر إلى ابتعادها أيضاً عن أعين الأجهزة الأمنية، بحسب سكان تلك المناطق.

وسبق أن عثرت السلطات الأمنية بغرب ليبيا، على 65 جثة لمهاجرين غير نظاميين في مقبرة جماعية بمنطقة الشويرف، في مارس (آذار) الماضي، وبدأت التحقيق في الجريمة، بعد انتشال الجثث، وأخذ عينات الحمض النووي منها. وتظهر إحصاءات «الأمم المتحدة»، أن ليبيا تؤوي قرابة 704 آلاف مهاجر من 43 جنسية، بحسب بيانات جُمعت من 100 بلدية ليبية في منتصف عام 2023.

مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الليبي» بصرمان ينتشلون جثة لمهاجر غير نظامي (المكتب الإعلامي للجمعية)

وتكثر في ليبيا عمليات اكتشاف جثث مجهولة الهوية في الصحراء تعود غالباً لمهاجرين، وكانت السلطات الليبية قد أعلنت العثور على 27 جثة في الصحراء عند الحدود مع تونس. كما أكدت في وقت آخر، العثور على 20 جثة لمهاجرين بالقرب من تشاد، ضلوا طريقهم في الصحراء الليبية.

ولم يُبد الحقوقي الليبي طارق لملوم أي استغراب للكشف عن هذه الأعداد من المهاجرين المخطوفين لدى عصابات، ويرى في تصريح صحافي أن «الآلاف منهم لا يزالون محتجزين في مزارع ومخازن في الغرب والشرق والمنطقة الوسطى». ويلفت إلى أن «تجار البشر كل يوم يستحدثون طرقاً جديدة لاحتجاز المهاجرين واللاجئين لطلب الفدية من عائلاتهم مقابل إطلاقهم»، منتقداً استعراض الأجهزة الأمنية، «بالساحات وفي ظل درجات حرارة مرتفعة، لمهاجرين من بينهم نساء وأطفال بعد القبض عليهم».

وغالباً ما يطرح البحر جثثاً لمهاجرين غرقوا في «المتوسط». وأعلن «الهلال الأحمر الليبي»، السبت الماضي، انتشال جثمان قال إنه «لمهاجر غير نظامي» عُثر عليه على شاطئ صرمان، بعد ورود بلاغ من أحد المواطنين. وهذه ظاهرة متكررة يرصدها باستمرار سكان المدن الساحلية في ليبيا.

مهاجرون قبيل إنزالهم بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق (إدارة أمن السواحل)

وتسعى حكومتا ليبيا إلى عقد مؤتمرات دولية بقصد الحضّ على إيجاد حل لهذه المعضلة مع الدول الأوروبية. وفي نهاية مايو (أيار) الماضي انتهى اجتماع عُقد في شرق ليبيا، إلى إصدار ما سماه «إعلان بنغازي»، تضمن عدداً من التوصيات التي يعتقد أنها ستحد من عمليات الهجرة من دول أفريقية وعربية إلى ليبيا، ومنها إلى الشواطئ الأوروبية، من بين هذه التوصيات إطلاق «صندوق لتنمية أفريقيا».


مقالات ذات صلة

قتلى ومفقودون بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن

العالم العربي قوات خفر السواحل اليمنية في محيط باب المندب (أرشيفية - أ.ف.ب)

قتلى ومفقودون بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن

قالت المنظمة الدولية للهجرة، الأحد، إن 13 شخصاً لقوا حتفهم، وإن 14 لا يزالون مفقودين بعد غرق قارب قبالة سواحل اليمن يوم الثلاثاء الماضي.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا أفراد من خدمات الطوارئ يحملون كيسًا للجثث بعد غرق قارب شراعي قبالة ساحل بورتيسيلو بالقرب من مدينة باليرمو (رويترز)

​فقدان 7 وإنقاذ 15 بعد غرق قارب قبالة سواحل إيطاليا

ذكرت وسائل إعلام إيطالية أن قارباً يبلغ طوله 50 متراً وعلى متنه 22 شخصاً غرق صباح اليوم قبالة ساحل مدينة باليرمو مما تسبب في فقدان 7 أشخاص

«الشرق الأوسط» (روما)
شمال افريقيا جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي ينقل القتلى والمصابين السودانيين جنوب الكفرة (الجهاز)

​«رحلات اللجوء» تعمّق جراح السودانيين الفارين إلى ليبيا

في الصحراء الشاسعة بين ليبيا والسودان لقي كثير من الفارين من الحرب في الدولة المجاورة مصيراً غامضاً بينما مات آخرون في حوادث متفرقة أو في طريقهم للهجرة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب تلتقي القنصل الإيطالي في بنغازي (المتحدث باسم المجلس عبد الله بليحق)

مباحثات ليبية - إيطالية حول ملف «الهجرة» ودعم الجنوب

فرض ملفا عملية الهجرة غير النظامية والأوضاع في الجنوب الليبي نفسيهما على المباحثات التي أجراها أعضاء مجلس النواب الليبي والقنصل العام لإيطاليا في مدينة بنغازي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صالح وحماد وخلفهما بالقاسم حفتر خلال افتتاح مشاريع خدمية في أجدابيا (الحكومة الليبية)

صالح يتهم «بعض القنوات» ببث الفرقة بين الليبيين

وجّه رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، رسائل عدة لأطراف بالبلاد، لم يُسمِّها، وقال إن «بعض القنوات تعمل بالنقد الهدام وتدعو للفُرقة والكراهية وتشويه البعض».

جمال جوهر (القاهرة)

الجيش السوداني يقصف للمرة الثانية مرافق مدنية بشرق دارفور

سوق مدمرة جراء المعارك بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
سوق مدمرة جراء المعارك بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يقصف للمرة الثانية مرافق مدنية بشرق دارفور

سوق مدمرة جراء المعارك بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
سوق مدمرة جراء المعارك بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

هاجم الطيران الحربي للجيش السوداني، الأحد، للمرة الثانية، مدينة الضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور (غرب البلاد)؛ ما أدى إلى تدمير جزء كبير من مركز صحي، لكن من دون وقوع خسائر في الأرواح، وفق شهود عيان.

يأتي هذا الهجوم بعد يومين من قصف المستشفى العام بالمدينة، الذي أسفر عن مقتل 8 أشخاص وإصابة أكثر من 18 آخرين، وعلى أثر ذلك أُجلي نحو 700 مريض من المرفق الصحي الوحيد المؤهل لتقديم الرعاية الطبية، بعد الدمار الكبير الذي لحق به.

من مستشفى الضعين في شرق دارفور (الشرق الأوسط)

وقال الشهود لــ«الشرق الأوسط» إن طائرات الجيش شنت في ساعة مبكرة من صباح الأحد غارات جوية، وألقت براميل متفجرة بشكل مباشر ودقيق على موقع صحي بوسط المدينة المأهولة بالسكان.

بدوره، قال «منبر محامي دارفور»، في بيان، إن الغارة دمرت مكاتب تابعة لوزارة الصحة، وعدداً من منازل المواطنين، وخلفت أضراراً كبيرة.

وعدّ «المنبر»، وهو هيئة مستقلة، «استهداف الأعيان المدنية جريمة حرب مكتملة الأركان وفقاً لـ(اتفاقيات جنيف الأربع) وبروتوكولاتها الملحقة بـ(ميثاق روما)».

وبدأ سلاح الجو منذ أيام معدودة شن هجمات منسقة ومكثفة على مناطق واسعة في ولايتَي شرق وشمال دارفور، وعلى مناطق أخرى في سنار والجزيرة وسط البلاد، تسيطر عليها «قوات الدعم السريع».

دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر بإقليم دارفور إثر معارك سابقة بين الجيش و«قوات الدعم السريع»... (د.ب.أ)

ويقول الجيش السوداني باستمرار إن غاراته الجوية تستهدف مخازن أسلحة تابعة لـ«قوات الدعم السريع».

وأدان أهالي الضعين، في مظاهرة احتجاجية الثلاثاء الماضي، استمرار القصف الجوي العشوائي ضد الأعيان المدنية، وطالبوا الأمم المتحدة «بالتدخل الفوري والعاجل لحظر الطيران الذي يستهدف في الأساس الأحياء السكنية؛ إذ لا توجد أي مواقع عسكرية تابعة لـ(قوات الدعم السريع) داخل المدينة».

ووفق مسؤولين صحيين، فقد «أخرجت الضربة الأولى مستشفى المدينة من الخدمة كلياً، ولم يعد صالحاً للعمل، مما يعرض حياة مئات المرضى من المصابين بالفشل الكلوي والأمراض المزمنة وغيرهم للخطر».

وقالت «شبكة أطباء السودان» إن «القصف الجوي على مدينة الضعين ألحق ضرراً بأقسام عدة في المستشفى؛ من بينها العنابر المخصصة للنساء والتوليد والأطفال، وغرفة ثلاجة لقاحات الأطفال، ومركز لإيواء النازحين بالقرب من الموقع المستهدف».

امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور بالسودان خلال يناير 2024 (رويترز)

واستقبلت الضعين خلال الأشهر الماضية عشرات الآلاف من النازحين الذين أُجبروا على الفرار من مناطق القتال في ولايات دارفور الأخرى.

ووفق «قوات الدعم السريع»، فإن طائرات الجيش السوداني نفذّت الأسبوع الماضي 27 طلعة جوية على مناطق متفرقة في ولايات البلاد، أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، وأضرار جسيمة في البنية التحتية للمستشفيات والأسواق ومحطات المياه ومنازل المواطنين.