الجزائر: إلحاق أصول جرائم فساد بأملاك الدولة

شركات واستثمارات تعود لوجهاء في نظام بوتفليقة

الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)
الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)
TT

الجزائر: إلحاق أصول جرائم فساد بأملاك الدولة

الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)
الرئيس المترشح لولاية ثانية تعهّد باستعادة الأموال المهربة للخارج (حملة المترشح)

بدأت الحكومة الجزائرية دمج 108 أصول شركات وأملاك تعود لوجهاء في النظام السابق، في مجموعات صناعية حكومية كبيرة، إثر صدور أحكام قضائية نهائية بمصادرتها.

وينتمي أصحاب هذه الأصول إلى فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، يقضون حالياً عقوبات ثقيلة في السجن بعد إدانتهم بالفساد.

الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (الشرق الأوسط)

وأكدت تقارير حكومية أن وزارة الصناعة وإنتاج الأدوية «بصدد تنفيذ الشطر الأخير من خطة تحويل أصول الأملاك المحجوزة مصدر الفساد، إلى شركات حكومية تشتغل في عدة أنشطة، مثل صناعة الحديد ومواد البناء وعتاد تركيب السيارات والصناعة الغذائية، وحتى شركات خدمات مثل السياحة». ووفق التقارير نفسها، تترقب الحكومة إتمام الخطة بنهاية 2024.

وصرَح مدير «حوكمة المؤسسات الاقتصادية والصناعية» بوزارة الصناعة، الخميس الماضي، للإذاعة الحكومية، بأن الفترة بين 2022 و2024، شهدت تحويل أصول شركات وممتلكات خاصة لصالح الشركات العامة الاقتصادية في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصناعة والإنتاج الصيدلاني والسياحة والطاقة والمناجم والأشغال العامة والصناعات الغذائية.

وأشار إلى أن عمليات نقل الملكية الخاصة إلى الدولة، شملت 31 أصلاً في عام 2022، في حين عام 2024 جرى دمج 77 أصلاً من الأملاك الخاصة، على مرحلتين منفصلتين، وفق المسؤول ذاته.

رجال أعمال في السجن (من اليمين): محيي الدين طجكوت وعلي حداد وطارق خنينف (الشرق الأوسط)

ومن أشهر الوحدات الصناعية ذات رأس المال الخاص، التي جرى إلحاقها بالنسيج الصناعي الحكومي، مصنع الإسمنت في أدرار بأقصى جنوب البلاد، ومصانع الطوب والصناعات الغذائية.

وكانت المجموعة الحكومية الكبيرة المختصة في المنتجات الغذائية «أغروديف»، هي المستفيد الأكبر من عملية الدمج، ووفق التقارير الحكومية ذاتها، بالنظر لمصادرة عشرات الشركات المتخصصة في هذا المجال، كانت ملكاً لرجال أعمال مقربين من الرئيس السابق بوتفليقة، وكان لهم وزراء يدافعون عن مصالحهم، وبفضلهم حصلوا على مشروعات، ورست عليهم صفقات حكومية كبيرة، درَّت عليهم أموالاً ضخمة في الـ20 سنة التي سبقت الحراك الشعبي الذي أجبر بوتفليقة على الاستقالة في 2 أبريل (نيسان) 2019.

وتتضمن خطة التعامل مع الأصول المصادرة، أيضاً، استغلال الإمكانات التي تحوزها لإطلاق عدة مشروعات، منها مجمع لسحق بذور الزيت في جيجل (شرق)، إذ يتوقع أن يبدأ تشغيله في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي تقدير الحكومة، سيؤدي المصنع المرتقب دوراً مهماً في تحقيق الاكتفاء وحتى التصدير للخارج، بشأن إنتاج الزيت الخام المخصص لزيت المائدة وأعلاف الحيوانات.

كما تشمل الخطة أيضاً، مشروعاً لإنتاج السكر بشرقي العاصمة، ومصنعاً للأنابيب الفولاذية بوهران غرب البلاد.

وزير الصناعة المُكلف بنقل الأصول محل فساد إلى أملاك الدولة (الوزارة)

ويبرز من جرد الأصول التي تعود لوجهاء النظام في وقت سابق، أن عدد العمال والموظفين بالشركات المعنية يفوق 200 ألف، بعضهم نظّم مظاهرات قرب الشركات التي كانوا يعملون بها منذ سنوات، للمطالبة بالحفاظ على مناصب الشغل. وبدت الحكومة مهتمة بمصير أصول هذه الشركات، من دون أن تكترث للوظائف التي ضاعت.

وفي بداية حملة انتخابات الرئاسة (الجارية حالياً) المقررة في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل، أكد الرئيس المترشح لولاية ثانية، عبد المجيد تبون، أن رجال الأعمال الذين صادرت الدولة ممتلكاتهم «أخذوا قروضاً كبيرة من المصارف الحكومية، ولم يسددوها».

وقال إن المحاكم أصدرت في السنوات الأخيرة 285 إنابة قضائية موجهة لـ30 دولة، يعتقد أن بها ودائع وأرصدة مالية تعود لمسؤولين في الدولة، مصدرها مال عام. مؤكداً أن التحريات حول الفساد، أشارت إلى وجود 755 حساباً بنكياً في الخارج لمسؤولين محل شبهة فساد، مبرزاً أن «الإجراءات التي اتخذناها لاستعادة الأموال المنهوبة، ثقيلة شيئاً ما، ولكن كلنا أمل في أنها ستحقق الهدف».


مقالات ذات صلة

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

شمال افريقيا مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

قبول طعن بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج عبد المجيد تبون خلال استقباله الأمير عبد العزيز بن سعود في القصر الرئاسي بالعاصمة الجزائر (واس)

بتوجيه من ولي العهد السعودي... وزير الداخلية يلتقي الرئيس الجزائري

بتوجيه من الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، التقى الأمير عبد العزيز بن سعود، وزير الداخلية، الخميس، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

الكاتب الجزائري - الفرنسي صنصال يستأنف قرار احتجازه

وُضع الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال رهن الاعتقال في وحدة احتجاز في أحد مستشفيات الجزائر العاصمة، فيما استأنف فريق الدفاع عنه قرار احتجازه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الكاتب الجزائري بوعلام صنصال يتحدث في مؤتمر صحافي خلال الدورة الثانية والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي 9 فبراير 2012 (أ.ب)

الجزائر تواجه دعوات متزايدة للإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال

دعا سياسيون وكتاب وناشطون إلى الإفراج عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مخاطباً أعضاء اتحاد المزارعين الجزائري (الرئاسة)

الجزائر تعلن «الاقتراب» من التحرر من تبعيتها للمحروقات

أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن تصدير المحروقات «من أجل استيراد غذائنا سياسة خاطئة، وعلينا إنتاج ما نستهلكه».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.