«لجنة الرئاسي» الليبي تعلن تسلّم «المركزي»... والمصرف ينفي

صالح لوّح بـ«ورقة النفط» للسيطرة على المؤسسة

مصرف ليبيا المركزي بالعاصمة طرابلس (رويترز)
مصرف ليبيا المركزي بالعاصمة طرابلس (رويترز)
TT

«لجنة الرئاسي» الليبي تعلن تسلّم «المركزي»... والمصرف ينفي

مصرف ليبيا المركزي بالعاصمة طرابلس (رويترز)
مصرف ليبيا المركزي بالعاصمة طرابلس (رويترز)

فيما أعلنت لجنة «التسليم والتسلم» المكلفة من المجلس الرئاسي الليبي، بشكل مفاجئ، الجمعة، أنها نجحت بالتنسيق مع «الأجهزة الأمنية» في تسلُّم مفاتيح إدارة المصرف المركزي، نفى الأخير «نفياً قاطعاً» هذا الأمر، وقال إن «الإجراءات الصادرة عن الرئاسي بخصوص استبدال إدارة المحافظ، الصديق الكبير، جاءت من غير ذي صفة وباطلة».

الصديق الكبير (رويترز)

وأضاف المصرف في بيان، الجمعة، أنه «لا صحة لما يتداول على مواقع التواصل الاجتماعي»، مؤكداً «استمرار تعليق عمل موظفيه إلى حين إلغاء القرار الصادر من (الرئاسي)، مع استمرار تأدية مهامه المرتبطة بالمنظومة والخدمات الإلكترونية وفق القانون».

غير أن لجنة «التسليم والتسلم» المكلفة من «الرئاسي» أعلنت أن الإدارة الجديدة ستباشر مهامها، السبت، وجاء ذلك عقب تحشيدات مسلحة بالعاصمة منذ مساء الخميس.

ولم توضح اللجنة، التي شكلها المجلس الرئاسي، الأسبوع الماضي، لتسلم المصرف من إدارة الصديق الكبير، كيف تمت التسوية. لكن مصدراً بغرب ليبيا قال لـ«الشرق الأوسط» إن (جهاز الردع) «يلعب دوراً كبيراً في إتمام العملية، وفق تفاهمات مع تشكيلات مسلحة، على أن يتسلم الرئاسي مفاتيح المركزي فيما يظل الجهاز هو المكلف بحراسته».

من لقاء سابق جمع بين الكبير والدبيبة (المصرف المركزي الليبي)

وأوضحت اللجنة في بيانها، الجمعة، أن «عملية التسليم والتسلم تمت بسلاسة كبيرة، بعد أن أبدت الأجهزة الأمنية المعنية استجابتها لقرار المجلس الرئاسي». ولم يعلق مجلس النواب على نجاح «الرئاسي» في تسلم مفاتيح المصرف المركزي، حتى بعد ظهر الجمعة.

الكبير ونورلاند في لقاء سابق (المصرف المركزي الليبي)

وكانت تخوّفات أممية وأميركية وبريطانية قد استبقت اندلاع «اشتباكات محتملة» في العاصمة الليبية طرابلس حول المصرف المركزي، الذي تتصاعد الأزمات بشأن إحكام السيطرة على رئاسته ما بين المجلس الرئاسي من جهة، والبرلمان في شرق البلاد من جهة ثانية.

ولوحظ تحرك أرتال مسلحة من مدن بغرب ليبيا في ساعات متأخرة من مساء الخميس باتجاه العاصمة، بعضها يتبع المجلس الرئاسي، وأخرى موالية لمحافظ المصرف الصديق الكبير، فيما شهد محيط المصرف بوسط العاصمة، مزيداً من الاحتشاد المسلح، وتجمع مواطنين يدعمون الكبير.

وأمام خوف من اندلاع مواجهات بين المؤيدين لعزل الكبير، والمناصرين له، حذرت البعثة الأممية إلى ليبيا، وأميركا ودول غربية من وقوع اشتباكات، بينما طالبت بعض شركات الطيران نقل طائراتها من مطار معيتيقة بطرابلس إلى مصراتة (200 كيلومتر من العاصمة)، وفق مدير مطار معيتيقة، لطفي الطيب، لوسائل إعلام محلية.

جانب من التحشيد العسكري في طرابلس (إ.ب.أ)

وسارعت البعثة، التي أعربت عن «قلقها البالغ» إزاء التقارير التي تفيد بحشد القوات في العاصمة طرابلس، بالتأكيد على أن «استعراض القوة العسكرية، والمواجهات المسلحة في الأحياء المأهولة بالسكان أمر غير مقبول، ويهدد حياة وأمن وسكينة المدنيين».

ودعت البعثة في بيان أصدرته في ساعة مبكرة، الجمعة، إلى «التهدئة بشكل فوري، وخفض التوتر وضبط النفس»، ووقف التهديد باستخدام القوة لحل الأزمة المحيطة بمصرف ليبيا المركزي، مؤكدة «أنه لا مناص عن الحوار كحل وحيد لجميع القضايا الخلافية».

وأوضحت البعثة الأممية أنها «تجري اتصالات مكثفة مع الأطراف المعنية كافة للتوصل إلى اتفاق سلمي لحل الأزمة بشأن المصرف»، لكنها عدّت أن «هذه التحركات لا يمكن أن تُنتج حلاً مقبولاً أو عملياً للأزمة الحالية، أو للجمود السياسي الذي طال أمده»، بل عدّها «سبباً إضافياً يفاقم الأزمة، ويقلل من فرص التوصل إلى حل سياسي».

واندلعت الأزمة بعد تصاعد الخلاف بين سلطات طرابلس وغريمتها في بنغازي، بسبب رغبة المجلس الرئاسي في عزل الكبير، وتعيين الاقتصادي الليبي محمد الشكري قائماً بالأعمال، لكن مجلس النواب تمسك بالكبير ومجلسه.

وانضمت سفارتا أميركا والمملكة المتحدة في ليبيا إلى البعثة الأممية في التعبير عن «قلقهما» إزاء التقارير التي تفيد باحتمال وقوع اشتباكات في طرابلس. وحثت السفارة الأميركية في بيان لها، الجمعة، «جميع الأطراف على التهدئة الفورية، وتجنب أعمال العنف»، وقالت إنّ «محاولة حل أزمة المصرف بالقوة أمر غير مقبول، وستكون له عواقب وخيمة على سلامة هذه المؤسسة الحيوية واستقرار البلاد»، مشيرة إلى «التأثيرات الخطيرة المحتملة على مركز ليبيا في النظام المالي الدولي بسبب هذه الأحداث».

ومن جانبها، دعت السفارة البريطانية في ليبيا «الأطراف كافة إلى استخدام نفوذها للتخفيف من حدة الصراع، والدخول في حوار سلمي لحل الخلافات السياسية».

ومع تصاعد عمليات التحشيد المسلح، وانشغال الليبيين بالتحركات الأمنية طوال ليلة الخميس، قال عبد الله اللافي، عضو المجلس الرئاسي، إنه «لا مجال اليوم للعودة إلى الاحتراب أو التناحر لتحقيق المكاسب، أو استيفاء الحقوق»، مجدداً التأكيد على «حرص المجلس الرئاسي الشديد» على وحدة واستقرار الوطن، وإيمانه بأن الشراكة الوطنية «هي السبيل لتعزيز العدالة المنشودة».

الاقتصادي الليبي محمد الشكري (عبر صفحته الشخصية على فيسبوك)

وفاجأ الاقتصادي الليبي الشكري، الذي عينه المجلس الرئاسي قائماً بمقام المحافظ، الجميع، الجمعة، باشتراطه توافق مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» لقبول المهمة. وقال في بيان اليوم إنه «حفاظاً على المؤسسة النقدية من التشظي، وتأثر سمعتها أمام المؤسسات النقدية المناظرة في العالم، اشترطت على الجميع لتفعيل القرار بأن يكون هناك توافق من الجهتين التشريعيتين المختصتين (مجلسي النواب والدولة)».

ولاقى إحجام الشكري عن قبول منصب محافظ المركزي ترحيباً واسعاً من قوى سياسية في ليبيا؛ إذ قال رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي»، أسعد زهيو: «هذا هو موقف الشكري الذي راهننا عليه وفاز رهاننا، فما موقف من راهنتم عليه مما يحدث، والذي هو مستعد لأن يموت الجميع لأجل البقاء في منصب لم يفارقه منذ 14 سنة».

صالح لوّح بـ«ورقة النفط» للسيطرة على المصرف (الشرق الأوسط)

وكان عقيلة صالح قد لوّح في حوار صحافي بـ«ورقة النفط»، قائلاً إن «المساس بالمحافظ في الوضع الراهن قد يترتب عليه إغلاق النفط، ووقف تحويل إيراداته إلى المصرف المركزي»، وأضاف متوعداً بأنهم «لن يسمحوا باستمرار ضخ إيرادات الثروة الليبية لأشخاص جاؤوا بطريقة مشبوهة».


مقالات ذات صلة

ليبيا: معتصمون من زوارة يعطّلون العمل «نسبياً» بـ«رأس جدير» الحدودي

شمال افريقيا معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس (أرشيفية - داخلية الدبيبة)

ليبيا: معتصمون من زوارة يعطّلون العمل «نسبياً» بـ«رأس جدير» الحدودي

تجددت الأزمات المحيطة بمعبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس، مما تسبب في تعطيل العمل به «نسبياً» من الجانب الليبي مرة ثانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا قوات ليبية في طرابلس 12 فبراير 2022 (أ.ب)

الأمم المتحدة تُعبّر عن قلقها من التعبئة المسلحة في ليبيا

قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في وقت متأخر من يوم الخميس، إنها تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بتعبئة قوات في طرابلس وتهديدات باستخدام القوة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أعلنت وصول ناقلة «أنوار أفريقيا» محمّلة بالبنزين (المؤسسة الوطنية)

«الوحدة» الليبية للسيطرة على أزمة نقص الوقود

بدا أن حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في سبيلها للسيطرة على أزمة نقص الوقود التي تعاني منها مناطق بالعاصمة طرابلس، منذ عدة أيام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي مستقبلاً خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس العاصمة (المجلس الرئاسي الليبي)

تحرك أممي لاحتواء «معركة الاستحواذ» على «المركزي» الليبي

وسط تحرك أممي لاحتواء الأزمة، تنتظر قضية الصراع على رئاسة «المصرف المركزي» الليبي «حسماً قريباً» بين سلطتَي شرق البلاد وغربها.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الصديق الكبير يترأس اجتماعاً في طرابلس (المصرف المركزي الليبي)

ليبيا: تحشيد عسكري بطرابلس تزامناً مع إغلاق «المركزي»

تصاعد التوتر الأمني والعسكري في العاصمة طرابلس، بعدما تم إخلاء مقرّ المصرف المركزي، الذي تحدى محافظه الصديق الكبير محاولات المجلس الرئاسي عزلَه.

خالد محمود (القاهرة)

مصر: هل تُسهم زيادة الحوافز المادية للمعلمين في مواجهة «الدروس الخصوصية»؟

وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف خلال إحدى جولاته بالمدراس (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف خلال إحدى جولاته بالمدراس (وزارة التربية والتعليم)
TT

مصر: هل تُسهم زيادة الحوافز المادية للمعلمين في مواجهة «الدروس الخصوصية»؟

وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف خلال إحدى جولاته بالمدراس (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف خلال إحدى جولاته بالمدراس (وزارة التربية والتعليم)

أثار قرار الحكومة المصرية بزيادة الحوافر المادية للمعلمين بالمدارس من بداية العام الدراسي الجديد، الذي ينطلق الشهر المقبل، تساؤلات حول مدى تأثير هذه الحوافز في مجابهة «الدروس الخصوصية» بمصر، وسط تحركات من وزارة التربية والتعليم لـ«إعادة الانضباط إلى المدارس».

وتضمن قرار الحكومة زيادة قيمة الحصة للمعلمين، سواء كانوا من العاملين الرسميين أو المتعاقدين للتدريس بالحصة، لتكون 50 جنيهاً (الدولار الأميركي يساوي 48.78 في البنوك المصرية) بدلاً من 20 جنيهاً، مع احتساب الحصص الزائدة عن النصاب الأسبوعي للمعلم المُعين بالقيمة نفسها، مما سيتيح لبعض المعلمين «فرصة الحصول على زيادة في الرواتب».

وترى عضو لجنة «التعليم» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائبة جيهان البيومي، قرار الحكومة «خطوة أولى مهمة لتحسين دخل المعلمين، سواء من المعينين أو الذين يباشرون عملهم وفق نظام الأجر بالحصة»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك التزاماً حكومياً بتحسين جودة العملية التعليمية وإعادة الانضباط إلى المدارس المصرية».

ورغم تطلع جيهان البيومي إلى زيادة قيمة الأجر بالنسبة للحصة للمعلمين لتحفيزهم؛ فإنها أكدت «ضرورة متابعة الآباء لأبنائهم في المدارس، والتأكد من قيام المعلمين بشرح المناهج الدراسية بشكل كامل»، لافتة إلى أن «الدور المجتمعي لإنجاح عودة الانتظام بالمدارس والقضاء على الدروس الخصوصية مهم للغاية».

لكن الخبيرة التربوية في مصر، الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، وصفت نسبة الزيادة في أجر الحصة للمعلمين بـ«الهزيلة»، مشيرة إلى وجود مطالب سابقة بزيادتها لتصل إلى 150 جنيهاً منذ أكثر من عامين، بينما الآن يفترض أن تتضاعف عن القيمة التي كانت مقترحة بسبب معدلات التضخم وزيادة الأسعار.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «قبول المعلم، الذي يعمل بالحصة بهذا الأجر في مقابل أجور أعلى بكثير بـ(مراكز الدروس الخصوصية) سينعكس على قدرته في توصيل المعلومات للطلاب، أو سيلجأ للمدرسة من أجل جذب مزيد من الطلاب لإعطاء دروس خصوصية».

تعول «التعليم المصرية» على القرارات الجديدة لانتظام الدراسة داخل المدارس (وزارة التربية والتعليم)

وشهدت الأيام الماضية ملاحقات لعدد من «مراكز الدروس الخصوصية» التي بدأت عملها منذ مطلع الشهر الحالي، مما أدى إلى إغلاق بعضها، وتوقف البعض الآخر عن العمل، في وقت يترقب فيه معلمو المرحلة الثانوية (قبل الجامعية) التعديلات التي ستدخل على المناهج الدراسية خلال العام الجديد بالحذف والإضافة، بعدما قلصت وزارة التعليم المواد المضافة للمجموع الكلي في الصف الثالث الثانوي.

وبحسب مصدر في «التربية والتعليم»، فإن الوزارة ستبدأ مجموعات تقوية بالمدارس مع بداية العام الدراسي، وهذه المجموعات ستسمح للمعلمين بالحصول على أجر إضافي مقابل التدريس فيها بعدّ الأمر أحد عوامل جذب المعلمين للتدريس في المدرسة، مشيراً إلى أن التجربة التي طبقت في وقت سابق وواجهت عقبات «سيتم العمل على حلها عبر تصور متكامل يجري تنفيذه برقابة مشددة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الآليات التنفيذية لمجموعات التقوية الدراسية بالمدارس ستعلن في الأسابيع المقبلة، وستكون هناك فرصة لجميع الطلاب للالتحاق بها بما «يخدم العملية التعليمية ويشجع الطلاب على عدم الالتحاق بالدروس الخصوصية خارج المدارس».

جانب من مراجعات نهائية لطلاب مصريين داخل إحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم)

وهنا أشارت عضو لجنة «التعليم» إلى ضرورة الدعم المجتمعي للإجراءات الحكومية في مواجهة الدروس الخصوصية، بما سيخفف العبء المالي على أولياء الأمور، معربة عن أملها في «مساندة الأسر لهذه التحركات ودعمها والتوقف عن إلحاق أبنائهم بالدروس الخصوصية».

وهو الأمر الذي شككت الخبيرة التربوية في نجاحه عند التطبيق على أرض الواقع. وأرجعت عدم تفاؤلها لكونه متكرراً منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ عام 1997 الذي شهد «تجريم الدروس الخصوصية وملاحقة المعلمين»، لافتة إلى أن الأمر سيستمر طالما أن «المعلمين يشعرون بعدم حصولهم على الأجر الذي يستحقونه، خصوصاً مع التفاوت الكبير بين الأجور في المدارس و(مراكز الدروس الخصوصية)».