تباين في ليبيا حول تنفيذ عقوبة الإعدام

وسط مخاوف من استغلال الأحكام سياسياً

النائب العام يترأس اجتماعاً سابقاً لمجلس إدارة مركز البحوث الجنائية والتدريب (مكتب النائب العام)
النائب العام يترأس اجتماعاً سابقاً لمجلس إدارة مركز البحوث الجنائية والتدريب (مكتب النائب العام)
TT

تباين في ليبيا حول تنفيذ عقوبة الإعدام

النائب العام يترأس اجتماعاً سابقاً لمجلس إدارة مركز البحوث الجنائية والتدريب (مكتب النائب العام)
النائب العام يترأس اجتماعاً سابقاً لمجلس إدارة مركز البحوث الجنائية والتدريب (مكتب النائب العام)

جددت أحكام بالإعدام، أصدرتها محكمة مصراتة، الواقعة غرب ليبيا، منتصف الأسبوع الحالي، بحق أربعة متهمين أدينوا بتفجير مجمع محاكم ونيابات بالمدينة، التساؤلات حول مدى إمكانية تفعيل تلك الأحكام، في ظل عدم تنفيذ هذه العقوبة في البلاد منذ ما قبل اندلاع «ثورة» 17 فبراير (شباط) 2011.

ووسط تباين في آراء أكاديميين وحقوقيين، ذكّرت أصوات ليبية بحديث النائب العام الليبي، المستشار الصديق الصور، الذي أكد في مؤتمر صحافي عقده مطلع العام الحالي، أن النيابة «عازمة على تنفيذ أحكام الإعدام خلال الفترة المقبلة».

الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)

وتتباين وجهات النظر في ليبيا بين مؤيد ومعارض حيال عدم تنفيذ أيٍّ من الأحكام التي أصدرها القضاء خلال الـ13 عاماً الماضية، وفقاً لأستاذة القانون الجنائي المشارك بجامعة بنغازي، جازية جبريل شعيتير.

وقالت شعيتير لـ«الشرق الأوسط»، إن البعض يرى أنه «من الأفضل عدم المساس بحق الحياة في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، في ظل ما تشهدها من صراعات وفوضى أمنية»، مشيرة إلى وجود أصوات أخرى تحذر من أن «التراخي في تنفيذ سيادة القانون سينعكس سلباً على أمن المجتمع وهيبة الدولة، عبر تشجيع الجناة على تكرار جرائمهم؛ كونهم لا يخشون العقاب».

وسبق أن استعرض النائب العام الليبي التقرير السنوي لعام 2023، الخاص بحصيلة أحكام الإعدام التي صدرت على مدار عقدين ولم تنفذ بعد، والتي قدر عددها بـ90 حكماً بحق ليبيين ووافدين، مشيراً إلى أن أغلب الوافدين خرجوا من السجون منذ عام 2011.

وأشار النائب العام إلى أن 19 متهماً ممن صدرت بحقهم أحكام نهائية، وتم التصديق عليها من مجلس القضاء، يوجدون حالياً بسجون طرابلس ومصراتة بالمنطقة الغربية، وبنغازي شرقاً، فيما تمكّن البعض من الهرب خلال الفوضى التي شهدتها ليبيا عقب عام 2011.

النائب العام أشار إلى تمكن بعض المجرمين من الهرب خلال الفوضى التي شهدتها ليبيا عقب عام 2011 (الشرق الأوسط)

كما سبق أن أشار إلى وجود 250 محكوماً عليهم بالإعدام في سجن أجدابيا (شرق) ينتظرون قرار المحكمة العليا.

وأبرزت أستاذة القانون الجنائي أن أهالي ضحايا جرائم القتل ليسوا جميعاً غاضبين من تأجيل تنفيذ الأحكام بحق قتلة ذويهم، وقالت بهذا الخصوص: «وفقاً للقانون، إذا قبل أولياء الدم دفع القاتل الدية فإن عقوبته تنخفض تلقائياً للسجن المؤبد، وبالتالي يستشعر هؤلاء دائماً أن قرار إنزال العقوبة بالجاني من عدمه سيتحدد بواسطتهم في نهاية المطاف».

بدوره، تحدث الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا، عبد المنعم الحر، عن «عدم وجود توافق ومواءمة بين التشريعات الليبية المتعلقة بالإعدام والاتفاقيات الدولية، التي صدقت عليها، والمتعلقة بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حق الحياة».

وأيد الحر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تأجيل تنفيذ أحكام الإعدام، التي قال إنها «صدرت بكثرة من محاكم مدنية وعسكرية»، وقال إن «ليبيا تمر بمرحلة انتقالية، وحكم الإعدام بحاجة لحكومة مستقرة، تدرس الأحكام بعناية قبل تنفيذها».

من جهته، رأى الناشط الحقوقي الليبي، طارق لملوم، أن هناك «توسعاً في فرض عقوبة الإعدام عبر التشريعات، وبالتبعية إصدارها بوصفها أحكاماً من القضاء المدني والعسكري طيلة الفترة الماضية، وإن كانت لم تنفذ منذ 2010».

وأوضح لملوم لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «تهماً عدة غير القتل، تنتهي بالإعدام؛ كالتخابر مع دول ومنظمات خارجية»، معرباً عن تخوفه «مما يردده البعض عن توظيف تلك التهم سياسياً بترهيب بعض النشطاء والمنظمات الحقوقية لإسكاتهم عن التنديد ببعض القضايا؛ فضلاً عن جعل الإعدام عقوبة للسحر رغم صعوبة إثبات ذلك».

البرلمان أصدر قانوناً «لتجريم السحر والشعوذة» ينص على معاقبة الساحر بالإعدام (مجلس النواب)

وكان البرلمان قد أصدر في مايو (أيار) الماضي، قانوناً «لتجريم السحر والشعوذة والكهانة وما في حكمها»، نص على معاقبة الساحر «بالإعدام إذا ثبت أن سحره تضمن كفراً، أو ترتب على سحره قتل نفس معصومة».

ويعارض لملوم فكرة تنفيذ الأحكام في الوقت الراهن، مرجعاً ذلك «لعدم ضمان سلامة إجراءات التقاضي، في ظل ما شهدته ولا تزال تشهده ليبيا من صراعات مسلحة وانقسامات سياسية»، وطالب بـ«استمرار تأجيل التنفيذ لحين استقرار البلاد».

وبجانب الحكم الأخير لمحكمة جنايات مصراتة بإعدام أربعة من المتهمين بالانضمام لتنظيم «داعش»، سبق أن أصدرت حكماً في مايو العام الماضي، بالإعدام أيضاً على 23 متهماً بسبب صلاتهم بالتنظيم في مدينة سرت عام 2015.


مقالات ذات صلة

ليبيا: تحشيد عسكري بطرابلس تزامناً مع إغلاق «المركزي»

شمال افريقيا الصديق الكبير يترأس اجتماعاً في طرابلس (المصرف المركزي الليبي)

ليبيا: تحشيد عسكري بطرابلس تزامناً مع إغلاق «المركزي»

تصاعد التوتر الأمني والعسكري في العاصمة طرابلس، بعدما تم إخلاء مقرّ المصرف المركزي، الذي تحدى محافظه الصديق الكبير محاولات المجلس الرئاسي عزلَه.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على فيسبوك)

ليبيا: لماذا تراجعت المطالب بكشف مصير النائب الدرسي المخطوف؟

يرصد سياسيون ونشطاء ليبيون أسباب تراجع المطالب بكشف مصير النائب إبراهيم الدرسي، الذي اقتاده مجهولون من منزله في بنغازي قبل 3 أشهر من الآن؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا منظر جوي لمدينة درنة الليبية بعد الفيضانات التي شهدتها المدينة في 14 سبتمبر 2023 (رويترز)

الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التدهور السريع للوضع في ليبيا

أعربت الأمم المتحدة عن قلقها، الثلاثاء، إزاء التدهور السريع للوضع الاقتصادي والأمني في ليبيا، مندّدة بالتصرّفات «الأحادية» لبعض الجهات الليبية الفاعلة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا دورية تابعة لرئاسة أركان القوات البرية في الجنوب الغربي (رئاسة الأركان)

«الوطني الليبي» يبسط قبضته على «منجم ذهب» قرب حدود تشاد

أفاد تقرير سابق صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأن ليبيا هي إحدى مناطق استخراج الذهب الحر الرئيسية وقد اجتذبت آلاف التشاديين.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة بثتها وسائل إعلام ليبية محلية لوصول لجنة «الرئاسي» إلى مقر المصرف المركزي

«الرئاسي» الليبي يدفع بمحافظ جديد لـ«المركزي»... والكبير يرفض التسليم  

أعلن «الرئاسي» الليبي أن مجلس الإدارة الجديد للمصرف المركزي بطرابلس سيباشر مهامه بداية من الأربعاء، فيما تمسك الصديق الكبير، المحافظ الحالي بمنصبه.

خالد محمود (القاهرة)

ليبيا: تحشيد عسكري بطرابلس تزامناً مع إغلاق «المركزي»

الصديق الكبير يترأس اجتماعاً في طرابلس (المصرف المركزي الليبي)
الصديق الكبير يترأس اجتماعاً في طرابلس (المصرف المركزي الليبي)
TT

ليبيا: تحشيد عسكري بطرابلس تزامناً مع إغلاق «المركزي»

الصديق الكبير يترأس اجتماعاً في طرابلس (المصرف المركزي الليبي)
الصديق الكبير يترأس اجتماعاً في طرابلس (المصرف المركزي الليبي)

تصاعد التوتر الأمني والعسكري في العاصمة الليبية طرابلس، بعدما تم إخلاء مقر المصرف المركزي، الذي تحدّى محافظُه الصديق الكبير محاولات المجلس الرئاسي الإطاحة به من منصبه، متحصناً بتصويت مجلس النواب لصالح بقائه في منصبه، وسط دعوات أميركية وأممية وغربية للتهدئة وعدم التصعيد.

وتحدّثت مصادر محلية عن تحشيد عسكري غير مسبوق، ووصول قوات مسلحة من مدينة مصراتة (غرب) إلى طرابلس، تزامناً مع توجّه قوة تابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لإجبار الصديق على تسليم مهامه لمحمد الشكري الذي عيّنه المجلس الرئاسي بدلاً منه.

وأكّد مسؤول في المصرف معلومات ردّدتها وسائل إعلام محلية عن إغلاق مقرّه في طرابلس، وإخلائه من الموظفين، الأربعاء، على خلفية تهديدات باقتحامه، شملت المحافظ ومساعديه.

صورة نشرتها وسائل إعلام محلية لوجود مسلحين أمام مقر المصرف المركزي بطرابلس

وقالت إدارة الموارد البشرية بالمصرف إنها منحت عطلة رسمية مفتوحة لكل موظفي المصرف إلى إشعار آخر، بينما رصد شهود عيان قيام القوات المكلّفة بتأمين مقر المصرف بإخلاء موقف سيارات المصرف، وإخلاء المبنى بأكمله من الموظفين.

وفى أول بيان له، أعلن مجلس الإدارة الجديد للمصرف، المُشكّل بقرار المجلس الرئاسي، تشكيل لجنة للتحقيق فيما وصفها بالممارسات «الجسيمة» المرتكَبة من الإدارة السابقة للمصرف، ورفْع نتائج التحقيق للسلطات المختصة. مشدّداً على العمل الفوري لاستعادة الدينار الليبي وقيمته الوطنية أمام العملات الأجنبية، بهدف تخفيف الضغوط الاقتصادية، كما شدّد على التزامه عدالة توزيع إيرادات الدولة.

وفي تحدٍّ جديد لخصومه، وتأكيداً لاستمراره في عمله، ترأّس الصديق الكبير، اجتماعاً مساء الثلاثاء بمقر المصرف مع بعض مسؤوليه؛ لمناقشة توسيع نطاق خدمات الدفع الإلكتروني، بوصفها جزءاً من خطة التحول الرقمي، وتطوير أداء القطاع المصرفي وجاهزيته للانتقال للمرحلة الثانية من مسار خدمة الدفع الفوري، التي أطلقها المصرف مؤخراً.

صورة وزّعها مجلس النواب لجلسته في بنغازي الثلاثاء

وكان مجلس النواب قد صوّت بالإجماع في جلسته الرسمية، مساء الثلاثاء، بمقره في بنغازي، على إلغاء تكليف الشكري، واستمرار الصديق ونائبه مرعي البرعصي في عملهما، وتقديم ترشيح بتشكيل إدارة جديدة للمصرف خلال 10 أيام.

ومع ذلك، نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر مسؤول بالمجلس الرئاسي، أن جلسة مجلس النواب لم يحضرها العدد الكافي من النواب لتحقيق النصاب القانوني اللازم لإصدار القرارات، لافتاً إلى ما وصفه بغياب الشفافية خلال هذه الجلسة.

في المقابل، لوّح مصدر من رئاسة مجلس النواب بإغلاق حقول النفط بالكامل لحين الاتفاق على «حكومة موحّدة»، ومجلس رئاسي جديد، واتفاق على اقتسام الثروة بين الأقاليم بالتساوي، لافتاً في تصريح لوسائل إعلام محلية إلى أنه سيتم التشاور مع المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، حول خطوات الرد على التصعيد الذي اتهم المنفي ومجموعته بالتسبّب فيه.

وقال مسؤول مقرّب من حفتر لـ«الشرق الأوسط» إن «خيار إغلاق النفط ليس مطروحاً في الوقت الراهن»، لكنه أوضح أن «كل الخيارات دونه مطروحة»، داعياً إلى عدم استباق الأحداث.

بدوره، أمر الدبيبة وزير داخليته المُكلّف، عماد الطرابلسي، ورئيس مجلس إدارة شركة البريقة لتسويق النفط، بإلزام شركات توزيع الوقود بفتح المحطات المغلقة، والعمل على مدار 24 ساعة، بعد إعلان نقابة محطات الوقود نقص البنزين في طرابلس، على الرغم من إعلان المؤسسة الوطنية للنفط أن إجمالي الإيرادات المحالة إلى المصرف المركزي بلغت 11.6 مليار دولار منذ مطلع العام الحالي.

من جهته، قال خالد المشري، رئيس مجلس الدولة، إنه بحث، الثلاثاء، بطرابلس، مع ممثّلي «حراك أحرار الوطن» السبل الكفيلة بتحريك العملية السياسية، بما يُنتج انتخابات تُنهي المراحل الانتقالية، وتؤدي إلى الاستقرار، إضافةً إلى المستجدات الأخيرة، لافتاً إلى اتفاقهم مع موقفه برفض القرارات الفردية، التي قد تزعزع أمن العاصمة، والبلاد بشكل عام.

واستدعت هذه التطورات قلقاً غربياً، عبّرت عنه وزارة الخارجية الفرنسية، التي طالبت في بيان لها، الثلاثاء، باستئناف عملية سياسية من أجل وضع حد للتوترات بين المجموعات المسلّحة، ودعت إلى تشكيل حكومة موحّدة، وعقد انتخابات رئاسية وتشريعية، وقالت إنها تدعم الجهود التي تبذلها البعثة الأممية من أجل تحقيق ذلك.

صورة وزّعها سفير الاتحاد الأوروبي لاجتماعه مع المنفي

من جهته، قال نيكولا أورلاندو، سفير الاتحاد الأوروبي، إنه دعا خلال اجتماعه، مساء الثلاثاء بطرابلس، مع محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، جميع الأطراف المعنية، بما فيها الرئاسي، للعمل عن كثب مع بعثة الأمم المتحدة لتهدئة التوترات، وإحياء العملية السياسية من خلال الحوار، بهدف الحفاظ على استقرار وسلامة ليبيا.

بدورها، قالت ستيفاني خوري، القائمة بأعمال البعثة الأممية، إنها بحثت مع القائم بأعمال السفارة الأميركية، جيريمي برنت، التحديات الراهنة التي تواجه ليبيا، بما في ذلك الانقسام المؤسسي، مشيرةً إلى تشديدها على أهمية نزاهة المؤسسات ومساءلتها، وعلى ضرورة الالتزام بالحوار في حل القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية كافةً.

اجتماع القائم بالأعمال الأميركي مع اللافي (السفارة الأميركية)

بدوره، استغل جيريمي اجتماعه، مساء الثلاثاء بطرابلس، مع وليد اللافي، وزير الدولة بحكومة الوحدة للاتصال والشؤون السياسية، لتأكيد أهمية تجاوز التوترات، وتعزيز الحوار، والتوافق بين الأطراف الليبية، بدعم من البعثة الأممية والمجتمع الدولي.