ليبيا: أزمات متصاعدة... والبعثة الأممية تجهد لمنع التدهور

وسط تحذيرات من مخاطر اندلاع توتر في العاصمة طرابلس

خوري لدى مشاركتها في رئاسة اجتماع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن عملية برلين 12 أغسطس الحالي (البعثة الأممية)
خوري لدى مشاركتها في رئاسة اجتماع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن عملية برلين 12 أغسطس الحالي (البعثة الأممية)
TT

ليبيا: أزمات متصاعدة... والبعثة الأممية تجهد لمنع التدهور

خوري لدى مشاركتها في رئاسة اجتماع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن عملية برلين 12 أغسطس الحالي (البعثة الأممية)
خوري لدى مشاركتها في رئاسة اجتماع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن عملية برلين 12 أغسطس الحالي (البعثة الأممية)

تشعّبت الانقسامات السياسية، وازدادت الخصومات بين أفرقاء الأزمة الليبية، التي تراوح مكانها منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

وأمام ما تشهده ليبيا راهناً من «صراع على المناصب»، و«إقصاء للآخر» تجد البعثة الأممية نفسها من جديد أمام وضع معقّد، خصوصاً إذا ما تطورت الأوضاع إلى «تصعيد جهوي» في الأيام المقبلة بين الموالين لأصحاب هذه المناصب.

المنفي والدبيبة يتوسطان المشري والكبير وفوزي النويري نائب رئيس مجلس النواب (المصرف)

وزادت الأزمات في ليبيا بـ«معضلة جديدة» تتمثل في التصعيد بين مجلس النواب و«المجلس الرئاسي»، وخلافهما حول منصب رئيس محافظ «مصرف ليبيا المركزي» الصديق الكبير، فضلاً عن نزاع على رئاسة «المجلس الأعلى للدولة» بين رئيسه المنتهية ولايته محمد تكالة، وخالد المشري، الرئيس السابق.

وأمام هذه الأزمات الطارئة، سارعت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري، إلى التباحث مع نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، حول المستجدات التي تشهدها ليبيا على المستويين السياسي والاقتصادي، لكن يظل السؤال حول مدى مقدرة البعثة على منع التصعيد المرتقب.

واللافي، الذي ظل يرعى مباحثات للمصالحة الوطنية بين المكونات الليبية المختلفة قبل أن تتعطل، أوضح أن اجتماعه وخوري جاء بهدف «تفادي التصعيد؛ وتخفيف التوتر بين الأطراف المختلفة»، من دون أن يسمي هذه الأطراف.

اللافي مستقبلاً خوري في لقاء مساء 18 أغسطس (المجلس الرئاسي الليبي)

وارتأى اللافي في مباحثاته مع خوري، وفقاً لبيان «المجلس الرئاسي»، مساء الأحد أن تفادي التصعيد، يأتي من خلال العمل على «وضع مشروع سياسي محكم»، يعالج القضايا الخلافية، و«يطمئن الأطراف كافة، ويقدم حلولاً شاملة ومستدامة، تخدم مصلحة الشعب الليبي».

ويعتقد رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي، فتحي عمر الشبلي، أن الأمم المتحدة ومبعوثتها «في حالة ضعف شديد نتيجة انقسام مجلس الأمن بين معسكرين لكل منهما مصالحه التي تختلف على الآخر».

ويرى الشبلي في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن المشهد السياسي في ليبيا «ضبابي وكل يوم يزداد تعقيداً» مرجعاً ذلك «لعوامل عدة تتمثل في تدخلات خارجية» بملف الأزمة.

وأشار إلى «اختلاف المصالح والأهداف والرؤى السياسية بين مجلسي النواب والدولة، واصطاف كل منهما خلف لاعب إقليمي».

كما يعتقد الشبلي أن «القوى الكبرى» التي «تهيمن على الملف الليبي، من مصلحتها استمرار حالة الفوضى الناعمة في ليبيا»، ويرجع ذلك «لتخوفها من أن تؤدي الانتخابات إلى اختيار رئيس دولة وطني وقوي يعمل على الحد من أطماعها وسيطرتها على البلاد».

وعلى الرغم من أن خوري سعت لاحتواء التوتر بين تكالة والمشري، وقالت إنها تحدثت إلى الطرفين كلٍ على حدة، بشأن الخلاف على رئاسة المجلس، فإن مراقبين يتوقعون أن تشهد العاصمة توتراً بين أنصارهما إذا ما احتدم الخلاف بينهما ولم يتوصلا إلى حل.

وجرت الانتخابات على رئاسة «المجلس الأعلى للدولة» في السادس من أغسطس (آب) الحالي، ووقع الخلاف بين الطرفين قبل أن تحسم اللجنة القانونية بالمجلس النتيجة لصالح المشري، الذي تمكن من السيطرة على المجلس بواسطة مؤيديه، فيما رفض تكالة النتيجة وفضّل اللجوء للقضاء.

وعادة ما يلجأ أي مسؤول في ليبيا عند عزله إلى جبهته ومدينته لدعمه في مواجهة منافسه، لذا قال تكالة إن «سيطرة المشري على مقر المجلس تمت بأسلوب لا يمت إلى الديمقراطية بأي صلة، هي عمل مرفوض»، عادّاً ذلك «أسلوباً قد يهدد تماسك المجلس وعمله في المرحلة المقبلة».

وينظر ليبيون إلى خوري، التي يفترض أن تقدم ثاني إحاطة لها منذ توليها المنصب، إلى مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، على أنها «لم تحدث اختراقاً في أزمتهم حتى الآن»، ويرون أنها أمضت الفترة السابقة في الاستماع لمختلف الأطراف من دون تقديم حل لقضيتهم المُعقدة.

بدوره أكد اللافي دعم مجلسه «للجهود والمساعي التي تبذلها البعثة الأممية»، مع التشديد على ضرورة «تحقيق توافق بين جميع الأطراف، والالتزام بمسار سياسي يشمل الجميع، ويؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية».

ورأى رئيس حزب «صوت الشعب»، أن ما أقدم عليه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من اتخاذ قرارات «زاد الفجوة» بين شرق ليبيا وغربها، وقال إن من بين تلك القرارات «التي لم تحظ بنصاب قانوني من أعضاء مجلسه»، إنهاء ولايتي «المجلس الرئاسي» وحكومة «الوحدة»، وإعادة تنصيب الصديق الكبير.

الكبير ونورلاند في لقاء سابق (المصرف المركزي)

ويرى مراقبون ليبيون، أن إزاحة الكبير، من منصبه «ليست أمراً هيناً، بالنظر إلى أنه يحظى بدعم أميركي وأممي»، فضلاً عن أن «جبهته الاجتماعية سترفض عزله وتقاوم إبعاده عن منصب المحافظ».

ودافع عضو مجلس نواب ينتمي إلى مدينة طرابلس عن قرار صالح، بإنهاء ولايتي «المجلس الرئاسي» و«الوحدة»، والتمسك بالكبير، وفيما قال لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان يتصرف «وفق اختصاصاته الممنوحة لكونه الجهة المنتخبة في ليبيا».

وتسعى خوري إلى محاصرة الأزمة بلقاء يجمع مختلف الأطراف داخلياً وخارجياً في أنقرة والقاهرة. كما ناقشت مع مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن عملية برلين في اجتماعها في 12 أغسطس الحالي، سبل دعم المؤسسات الأمنية الليبية والأطراف الفاعلة لتحقيق السلام والاستقرار المستدامين.


مقالات ذات صلة

محافظ «المركزي» الليبي يتحدى قرار «الرئاسي» ويرفض إقالته

شمال افريقيا الكبير يجتمع مع مجلس إدارة المصرف المركزي في طرابلس (المصرف)

محافظ «المركزي» الليبي يتحدى قرار «الرئاسي» ويرفض إقالته

تحدى محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، قرار «المجلس الرئاسي»، بإقالته من منصبه، فيما رفض مجلسا النواب و«الدولة» هذه الخطوة أو الاعتراف بها.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا 
من لقاء سابق بين إردوغان والدبيبة (حكومة الوحدة)

انتقادات واسعة في ليبيا لاتفاقية الدبيبة ــ إردوغان

تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لرئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، عقب الكشف عن «مذكرة تفاهم» جرى توقيعها مع تركيا في مارس (آذار).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع الكبير والمبعوث الأميركي (المصرف المركزي بطرابلس)

«الرئاسي» الليبي يقرر تعيين محافظ جديد لـ«المصرف المركزي»

قال المجلس الرئاسي الليبي مساء الأحد إنه قرر تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي وإعادة هيكلة مجلس إدارة المصرف، وذلك في تحد لمجلس النواب.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «الرئاسي» الليبي يتحدّى «نزع صلاحياته»... ويدعو لتوحيد المؤسسة العسكرية

«الرئاسي» الليبي يتحدّى «نزع صلاحياته»... ويدعو لتوحيد المؤسسة العسكرية

تجاهل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، قرار مجلس النواب بإنهاء صلاحياته، ودعا في أول ظهور له إلى دعم توحيد المؤسسة العسكرية لحماية ليبيا.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا مناورات بحرية تركية سابقة أمام سواحل ليبيا (وزارة الدفاع التركية)

ليبيا: انتقادات واسعة للدبيبة بعد كشف بنود اتفاق موقّع مع تركيا

تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لرئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، عقب الكشف عن بنود مذكرة تفاهم مزعومة تم توقيعها مع تركيا في مارس (آذار).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حميدتي» يتوعد بتبني خيارات جديدة تمنع «جنرالات الجيش من التحكم بمصير السودان»

محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
TT

«حميدتي» يتوعد بتبني خيارات جديدة تمنع «جنرالات الجيش من التحكم بمصير السودان»

محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)
محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

توعد قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتصعيد جديد يمنع بموجبه «الجيش السوداني من التحكم بمصير السودان»، وبتبني خيارات جديدة - لم يحددها - لمواجهة رفض «جنرالات الجيش» المشاركة في مفاوضات جنيف. وفي الوقت نفسه، دعت الوساطة الدولية المجتمعة في سويسرا، أطراف الحرب، لحماية المدنيين وعمال الإغاثة بشكل عاجل، وكشفت عن مقتل 22 وإصابة 34 من عمال الإغاثة في السودان منذ اندلاع الحرب حتى الآن.

ودخلت المباحثات التي تجري في مدينة جنيف السويسرية الاثنين يومها السادس، من دون نجاح يُذكر، لغياب الجيش السوداني ورفضه المشاركة فيها، ما لم تتم الاستجابة لطلباته، في حين ظل وفد «الدعم السريع» «مرابطاً» هناك بانتظار وصول الوفد النظير.

صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)

وإزاء ذلك، هدد «حميدتي» في تغريدة على صفحته بمنصة «إكس»، بعدم السماح لمن أطلق عليهم «مجموعة من الجنرالات المرعوبين الذين هربوا من العاصمة» بالتحكم بمصير السودان، مشيراً إلى «خيارات كثيرة» قال إنه قد «يضطر لتنفيذها متى ما أصبح الأمر ضرورياً».

ويشترط الجيش للمشاركة في المفاوضات، أن يكون تمثيله باسم «الحكومة»، وتنفيذ «إعلان جدة الإنساني» الموقع في 11 مايو (أيار) 2023، بما في ذلك خروج «قوات الدعم السريع» من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين.

ورغم غياب الجيش عن «جنيف»، تواصلت المباحثات التي جاءت بمبادرة أميركية ورعاية سعودية وسويسرية، مع وجود كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى جانب مصر والإمارات العربية المتحدة، وتهدف لوقف إطلاق نار يمكّن من إيصال المساعدات الإنسانية، لكن عدم مشاركة الجيش عقّد الأمر بشكل كبير.

صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)

وأرسلت الحكومة السودانية التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، الأحد، وفداً رسمياً إلى القاهرة للبحث في كيفية تنفيذ «إعلان جدة الإنساني» الموقع مع «قوات الدعم السريع»، مع المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريللو، ومصر.

ووصل الوفد إلى القاهرة، من دون أن تخرج معلومات جديدة تتعلق بالمحادثات التي يجريها هناك، وما إن كان سيشارك فيما تبقى من أيام مفاوضات جنيف.

وذكر «حميدتي» في تغريدته على «إكس»: «قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وزمرته يفتقرون إلى أي التزام حقيقي بالتفاوض، أو بالعمل من أجل مستقبل السودان أو تخفيف معاناة شعبه».

ومشيراً إلى قبوله بمبدأ المفاوضات قال: «بينما يوجد وفدنا المفاوض في جنيف برغبة صادقة لإيجاد حل للأزمة السودانية، تركز عصابة بورتسودان بشكل أساسي على الحفاظ على امتيازاتها ومصالحها التاريخية التي لا تنفصل عن مصالح النظام القديم».

المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريللو خلال مؤتمر صحافي في جنيف 12 أغسطس (إ.ب.أ)

وأكد «حميدتي» مجدداً التزامه بالتفاوض «من أجل تحقيق الاستقرار في السودان»، وأنه من أجل ذلك استجاب لكل مبادرات وقف الحرب. وفي الوقت ذاته، دعا المجتمَعين المحلي والدولي لاتخاذ «موقف حاسم» بمواجهة «الاستهتار الذي يبديه قادة المؤسسة العسكرية بمعاناة ملايين السودانيين وبقضية السلام والاستقرار».

وفي بيان مشترك من الولايات المتحدة، وسويسرا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، دعت الوفود المجتمعة في سويسرا بمناسبة «اليوم العالمي للعمل الإنساني»، أطراف الحرب «المروعة» في السودان لحماية المدنيين وعمال الإغاثة.

وقال المجتمعون إنهم بدأوا اجتماعات اليوم السادس بالوقوف دقيقة صمت، تقديراً لـ«اليوم العالمي للعمل الإنساني» ووفاء لعمال الإغاثة الذين سقطوا في خلال العمل، وذلك عبر فتح «الشرايين الرئيسية للغذاء والدواء» لتصل إلى ملايين الأشخاص الذين يعانون الجوع الحاد في السودان.

متطوعون يحملون وجبات غذائية لمخيم نازحين في القضارف شرق السودان في 13 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وكشف البيان عن مقتل 22 من عمال الإغاثة و34 آخرين سقطوا بين مصاب وجريح، أثناء تأدية واجبهم في السودان، وقطع البيان: «هذا غير مقبول». ودعا بشكل عاجل أطراف «الحرب المروعة» إلى حماية المدنيين وعمال الإغاثة، واحترام التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، التي أعادوا التأكيد عليها في «إعلان جدة الإنساني»، وتعهدوا بالتزام العمل من أجل الإنسانية، ودعوا جميع الأطراف إلى القيام بالمثل.