الجزائر ترفض مشاركة فرنسا احتفالاتها بـ«إنزال بروفانس»

على خلفية توتر حاد بسبب دعم باريس خطة المغرب للصحراء

الرئيس ماكرون مستقبلاً القادة الأفارقة الذين شاركوا في احتفالات فرنسا بالذكرى الثمانين لـ«إنزال بروفانس» (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مستقبلاً القادة الأفارقة الذين شاركوا في احتفالات فرنسا بالذكرى الثمانين لـ«إنزال بروفانس» (أ.ف.ب)
TT

الجزائر ترفض مشاركة فرنسا احتفالاتها بـ«إنزال بروفانس»

الرئيس ماكرون مستقبلاً القادة الأفارقة الذين شاركوا في احتفالات فرنسا بالذكرى الثمانين لـ«إنزال بروفانس» (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مستقبلاً القادة الأفارقة الذين شاركوا في احتفالات فرنسا بالذكرى الثمانين لـ«إنزال بروفانس» (أ.ف.ب)

غابت الجزائر، أمس الخميس، عن احتفالات فرنسا بالذكرى الثمانين لـ«إنزال بروفانس»، الحدث البارز الذي مهّد لتحرير أراضيها من الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية.

وكانت السلطات الجزائرية قد تلقت دعوة من الحكومة الفرنسية للمشاركة في الاحتفالات، حسب مصادر دبلوماسية، عدّت رفض تلبيتها «مؤشراً على أزمة لافتة بين البلدين»، زادت تعقيداً في 25 من يوليو (تموز) الماضي، حينما سحبت الجزائر سفيرها من باريس، احتجاجاً على اعترافها بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء.

جانب من احتفالات فرنسا بـ«إنزال بروفانس» (الحكومة الفرنسية)

ويمنح غياب الجزائر عن الاحتفالات مصداقية لتوقعات الصحافة، بخصوص إلغاء زيارة للرئيس الجزائري إلى باريس، وهي الزيارة التي اتّفق البلدان في أبريل (نيسان) الماضي على إجرائها الخريف المقبل. وبات من الواضح، حسب مراقبين، أن الدعم الفرنسي القوي للرباط في قضية الصحراء أفسد مشروع الزيارة، وأوقف المحادثات التي كانت جارية بين الجهازين الدبلوماسيين بخصوص إعداد اتفاقات كانت ستُبرم بين الرئيسين الجزائري والفرنسي.

الرئيس الفرنسي مع جنود توغوليين شاركوا في «إنزال بروفانس» (سفارة فرنسا بتوغو)

والمعروف تاريخياً أن غالبية القوات، التي شاركت في «إنزال بروفانس» يوم 15 أغسطس (آب) 1944 بشواطئ إقليم الفار (جنوب شرقي فرنسا)، كانت تتألّف من جنود أفارقة، بينهم جزائريون، وكانت لهم إسهامات في تخليص فرنسا من الاحتلال النازي. وجاءت الاحتفالات، حسب الفرنسيين، «في إطار تعزيز العلاقات بين فرنسا وأفريقيا»، وبعبارة أصح مع مستعمراتها السابقة، التي استعانت بمواطنيها بضمهم إلى جيشها في الحرب، التي خاضتها ضد «ألمانيا هتلر».

وشارك نحو 250 ألف جندي في الجيش الفرنسي، بقيادة الجنرال دي لاتري دي تاسينغي، في الإنزال بين مدينتي تولون وكان، وكانت الغالبية العظمى منهم من الجزائريين والمغاربة (150 ألفاً من كلتا الجنسيتين)، بالإضافة إلى جنود سنغاليين وقوات من مالي، والنيجر وبوركينا فاسو، وتونس. وكانت الخسائر فادحة؛ إذ لقي 10 آلاف جندي حتفهم على السواحل الفرنسية للبحر الأبيض المتوسط.

رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش رفقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الغابون بريس أوليغي نغيما (أ.ف.ب)

وأكدت «وكالة الصحافة الفرنسية» عدم حضور أي ممثل للجزائر في الحفل، الذي أشرف عليه الرئيس إيمانويل ماكرون في مقبرة بالفار، كما لم يحضر أي ممثل لثلاث دول من منطقة الساحل، التي تشهد توتراً مع باريس، وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وكانت هذه الدول قد طلبت من فرنسا سحب قواتها من أراضيها، حيث أدت في السنوات الأخيرة مهام لتضييق الخناق على الجماعات المتطرفة، ومنعها من السيطرة على هذه البلدان، التي تشهد معدلات فقر تُعدّ من بين الأكبر في العالم.

وسعت السلطات العسكرية في باماكو ونيامي وواغادوغو لإقامة حلف مع روسيا لتعويض الوجود العسكري الفرنسي، فأرسلت إليها موسكو في الأشهر الأخيرة عتاداً حربياً ومدربين عسكريين، بدا أن معظمهم من عناصر مجموعات «فاغنر»، ما تسبّب في إثارة غضب الجزائر، التي تعد المنطقة مساحة لنفوذها، خصوصاً بعد أن ألغى حاكم مالي العقيد عاصيمي غويتا، مطلع 2024 «اتفاق السلام» المحلي، الذي كانت تشرف عليه الجزائر منذ التوقيع عليه فوق أراضيها عام 2015.

الرئيس ماكرون يؤدي تحية العلم الفرنسي خلال الاحتفالات (رويترز)

وكانت الجزائر قد تعاطت بصورة إيجابية مع دعوتي فرنسا إلى المشاركة في احتفالات «إنزال بروفانس» عامي 2004 و2014، بعكس هذه المرة. ففي الأولى شاركت برئيسها الراحل عبد العزيز بوتفليقة. وفي الثانية أوفدت وزيرها الأول عبد المالك سلال (يوجد في السجن منذ 2019 بتهم «فساد») لتمثيلها.

وعلى نقيض الاحتفالات، التي أُقيمت في 1994 و2004 و2014، فقد شهدت مشاركة نحو 15 من قادة أفريقيا، اقتصر الحضور هذه المرة على ستة رؤساء فقط، هم رؤساء الكاميرون بول بيا، وتوغو فور غناسينغبي، وجمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا، وجزر القمر غزالي عثماني، والغابون بريس أوليغي نغيما، بالإضافة إلى رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش. وقد يفسّر هذا الحضور الأفريقي المحدود مدى تدهور العلاقات بين باريس وعديد من الدول الأفريقية في السنوات الأخيرة.



الحكومة المصرية تراهن على اللحوم والدواجن البرازيلية لمواجهة الغلاء

وزير الزراعة المصري خلال لقاء السفير البرازيلي بالقاهرة (وزارة الزراعة المصرية)
وزير الزراعة المصري خلال لقاء السفير البرازيلي بالقاهرة (وزارة الزراعة المصرية)
TT

الحكومة المصرية تراهن على اللحوم والدواجن البرازيلية لمواجهة الغلاء

وزير الزراعة المصري خلال لقاء السفير البرازيلي بالقاهرة (وزارة الزراعة المصرية)
وزير الزراعة المصري خلال لقاء السفير البرازيلي بالقاهرة (وزارة الزراعة المصرية)

تراهن الحكومة المصرية على اللحوم والدواجن البرازيلية، بهدف توفير كميات كافية للاستهلاك المحلي بأسعار مناسبة لمواجهة غلاء الأسواق. ويرى خبراء أن اللحوم البرازيلية «خيار مناسب للحكومة المصرية لمواجهة العجز في تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم».

وتشهد أسعار اللحوم ارتفاعاً ملحوظاً في الأسواق بمصر، وحسب «بوابة أسعار السلع المحلية والعالمية» التابعة لمركز معلومات مجلس الوزراء المصري، وصل سعر كيلو اللحوم، الخميس، إلى 385.87 جنيه مصري، في حين وصل سعر كيلو الدواجن إلى 98.75 جنيه (الدولار الأميركي يساوي 48.9 جنيه في البنوك المصرية).

وسعياً لزيادة الواردات من اللحوم البرازيلية، أكد وزير الزراعة المصري، علاء فاروق، خلال لقاء السفير البرازيلي في القاهرة، باوليني فرانكو دي كارفلو، الجمعة، «أهمية العمل على زيادة التبادل التجاري من السلع الزراعية في ضوء اتفاقية التجارة الحرة مع دول تجمع (الميركسور) الذي يضم البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي»، مشيراً إلى أهمية «الاعتماد الإلكتروني للشهادات البيطرية للواردات البرازيلية من اللحوم ومنتجاتها»، حسب إفادة لـ«الزراعة المصرية».

أسعار الدواجن في مصر شهدت ارتفاعات متتالية خلال الأشهر الماضية (وزارة الزراعة المصرية)

وتناول لقاء وزير الزراعة المصري مع السفير البرازيلي «إزالة أي عوائق فنية قد تؤثر على انسياب السلع الزراعية والحيوانية بين الجانبين».

ووفق «الزراعة المصرية»، فإن «مصر تستورد كميات كبيرة من اللحوم والدواجن والأبقار الحية والأغذية من البرازيل، كما تقوم البرازيل باستيراد كميات كبيرة من الأسمدة من مصر والمنتجات الزراعية، حيث تم فتح السوق البرازيلية أمام البطاطس المصرية».

وكانت اللحوم البرازيلية قد واجهت أزمة في تصديرها من البرازيل خلال وقت سابق، بسبب «التشكيك في سلامتها إثر اكتشاف الشرطة البرازيلية في 2017 كميات ضخمة من اللحوم الفاسدة لدى عدد من المصدرين»، بحسب تقارير إعلامية سابقة. وتصدّر البرازيل اللحوم إلى 150 دولة، وتبلغ قيمة الصادرات البرازيلية من لحوم الأبقار والدجاج 10 مليارات دولار سنوياً.

وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة المصرية، محمد القرش، إن «الشراكة مع البرازيل لا تقتصر على استيراد اللحوم والدواجن»، مشيراً إلى «التعاون في مجال توفير الأعلاف، وإنتاج أفضل الخامات منها، في عملية الإنتاج الحيواني والداجنة». وأوضح القرش لـ«الشرق الأوسط» أنه «يتم استيراد اللحوم البرازيلية ضمن إجراءات توفير السلع في الأسواق بأسعار مناسبة»، في المقابل هناك «تصدير لمنتجات زراعية مصرية للسوق البرازيلية من الفواكه والخضراوات».

وتعد مصر ثاني أكبر شريك تجاري للبرازيل في أفريقيا؛ إذ بلغ «حجم التبادل التجاري 2.8 مليار دولار في عام 2023»، حسب وزارة الخارجية المصرية.

مصريون أمام منفذ لوزارة الزراعة لشراء اللحوم بأسعار مخفضة (محافظة القليوبية على «فيسبوك»)

واعتبر رئيس «جمعية مواطنون ضد الغلاء» بمصر (منظمة مدنية)، محمود العسقلاني، أن توسع الحكومة المصرية في استيراد الدواجن واللحوم من دول المنشأ مثل البرازيل، «يعمل على سد العجز في إنتاج الثروة الحيوانية بمصر، وإتاحة اللحوم اللازمة للاستهلاك داخل الأسواق بكميات كافية». وعدّ أن ذلك «يساهم في خفض أسعار اللحوم بالأسواق».

ولا يرى العسقلاني مشاكل تتعلق بسلامة استخدام اللحوم البرازيلية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك إجراءات استباقية مشددة على اللحوم المستوردة من البرازيل، من جهات حكومية عديدة، منها وزارات الصحة والتموين والزراعة وهيئة سلامة الغذاء»، مشيراً إلى أن من بين الإجراءات «التأكد من سلامة اللحوم الحية في الحجر الزراعي قبل ذبحها في المجازر المصرية».

في حين أرجع أستاذ الاقتصاد بـ«مركز البحوث الزراعية» بمصر، مدحت عنيبر، توسع الحكومة المصرية في استيراد اللحوم والدواجن من الخارج، إلى «العجز في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الحيواني، وصعوبة توفير الأعلاف اللازمة للتوسع في الإنتاج»، مشيراً إلى أن سياسة الحكومة قائمة على «تنويع مصادر استيراد اللحوم من دول في أفريقيا أيضاً لضمان إتاحتها والعمل على خفض أسعارها بالأسواق».

وشهدت مصر ارتفاعات متتالية في أسعار السلع منذ بداية العام الحالي، خاصة المواد الغذائية، واللحوم والدواجن. كما أجرت الحكومة «رفعاً تاريخياً» لسعر «الخبز المدعم»، بأربعة أمثال سعره، نهاية مايو (أيار) الماضي.

ويرى عنيبر أن من مميزات اللحوم البرازيلية «انخفاض وثبات أسعارها، وارتفاع جودتها»، مشيراً إلى أن «اللحوم التي يتم استيرادها تخضع لرقابة صحية دقيقة، ومن الصعب طرحها من دون التأكد من سلامتها». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «عدم توافر الأعلاف تسبب في عدم التوسع بالإنتاج الحيواني»، مشيراً إلى أنه «حتى تحقق مصر اكتفاء ذاتياً من اللحوم، يجب زراعة نحو 5 ملايين فدان ذرة»، إلا أنه عدّ ذلك «أمراً صعباً تحقيقه لتزامن موسم زراعة الذرة مع سلعة استراتيجية مثل الأرز».