انطلاق محادثات وقف الحرب في جنيف بغياب الجيش

المبعوث الأميركي: وفد السودان لم يصل والعالم يراقب

سودانيون يتظاهرون أمام مقر المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب (إ.ب.أ)
سودانيون يتظاهرون أمام مقر المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب (إ.ب.أ)
TT

انطلاق محادثات وقف الحرب في جنيف بغياب الجيش

سودانيون يتظاهرون أمام مقر المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب (إ.ب.أ)
سودانيون يتظاهرون أمام مقر المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب (إ.ب.أ)

بدأت في مدينة جنيف السويسرية محادثات دولية تهدف إلى وقف إطلاق النار في السودان، ووضع الحلول للأزمة الإنسانية الطاحنة الناتجة منها، وذلك بغياب الجيش السوداني (بقيادة عبد الفتاح البرهان)، ووصول وفد «قوات الدعم السريع» (بقيادة محمد حمدان دقلو / حميدتي)، وبمشاركة أميركية وسعودية وسويسرية ومصرية وإماراتية، إلى جانب الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وذلك وسط اهتمام ورقابة دولية لتطور الأوضاع في السودان.

وقال المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بريللو، وفقاً لمنشور على صفحته في «فيسبوك»، إنهم يركزون على ضمان «امتثال الأطراف لالتزاماتها في جدة وتنفيذها»، ووقف الاقتتال، واحترام القانون الإنساني الدولي وتمكين وصول المساعدات الإنسانية. وقال: «حان الوقت لإسكات أصوات البنادق».

ووصل وفد «قوات الدعم السريع» إلى جنيف للمشاركة في المباحثات، ويتكون من العميد عمر حمدان رئيساً، وعضوية كل من المستشار محمد المختار، المستشار عز الدين الصافي، والمستشار الصحافي نزار سيد أحمد، وهو الوفد الذي قاد المفاوضات في مدينة جدة السعودية، وتم خلالها توقيع «إعلان جدة الإنساني».

صورة نشرها الموفد الاميركي في "فيسبوك" لجلسة المحادثات حول السودان في جنيف الأربعاء

وقاطع الجيش السوداني المفاوضات تحت مبررات عدة، من بينها تحفظه على بعض المشاركين، لا سيما دولة الإمارات العربية المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) بصفة مراقبين، وعلى نقل المفاوضات من منصة جدة السعودية إلى منصة أخرى، رغم تأكيد المبعوث الأميركي أن «جنيف» امتداد لـ«جدة»، واشتراط إنفاذ «إعلان جدة الإنساني» الموقّع بعد نحو شهر من انطلاق الحرب.

البرهان محيياً جنوده في قاعدة ببورتسودان الأربعاء (أ.ف.ب)

وقال توم بريللو إن «قوات الدعم السريع» أعلنت موافقتها غير المشروطة على المشاركة، وقطع باستمرار المفاوضات بمشاركة ممثلين للجيش أو من دونهم، على رغم صعوبة عقد وساطة رسمية لغياب ممثلي الحكومة؛ لذلك ستبحث «المسائل العملية»، لكنه لم يفصل هذه المسائل العملية.

وتتقاتل ثلاثة أطراف رئيسية في السودان منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، هي: الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع» شبه العسكرية، وبعض الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق سلام السودان في جوبا التي اختارت الوقوف إلى جانب الجيش، بينما اختارت بعضها «الحياد».

سودانيون يتظاهرون أمام مقر المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب (إ.ب.أ)

ويستعين كل من الأطراف الثلاثة بحواضن اجتماعية ذات طابع سياسي وإثني، فالجيش يستعين بمن يطلق عليها «المقاومة الشعبية» المكونة من مدنيين اختاروا حمل السلاح إلى جانب الجيش، بينما تستعين «الدعم السريع» بمجموعات إثنية وثقافية ثقلها في غرب البلاد، قبل أن تنضم إليها مجموعات أخرى من وسط وجنوب البلاد.

سياسياً، تتقاتل مجموعتان رئيسيتان، ولكل حلفاؤها، وهما الإسلاميون وأنصار النظام السابق المنضوون تحت «حزب المؤتمر الوطني»، وخلايا الحركة الإسلامية – الاسم السوداني لـ«الإخوان المسلمين» - وهي مجموعة موالية للجيش يتردد أن قائدها الرئيس وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس عمر بشير، علي كرتي، وترفض بشدة وقف الحرب والتفاوض مع «الدعم السريع» وتصفها بالمتمردة وتطالب باعتبارها «تنظيماً إرهابياً».

سودانيون يتظاهرون أمام مقر المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب (إ.ب.أ)

أما المجموعة الأخرى، فتتمثل في «تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية» (تقدم) ويترأسها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي أطيحت حكومته بانقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي دبّره قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي يشغل في الوقت ذاته منصب «رئيس مجلس السيادة الانتقالي»، ونائبه في رئاسة المجلس وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وتتبادل الكتلتان الاتهامات، فبينما تتهم «تقدم» أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير والإسلاميين وحلفاءهم، بالاختباء خلف الجيش وتسخيره من أجل عودتهم للحكم، يتهم الإسلاميون والجيش مجموعة «تقدم» بأنها «حاضنة سياسية» لـ«قوات الدعم السريع».

وفي سلسلة تغريدات على حساباته الرسمية في منصات التواصل، أبدى بيرللو ترحيبه بمشاركة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى السودان رمطان لعمامرة، وقال إن وجوده في سويسرا سيسهم في تكثيف الجهود من أجل البناء على عملية جدة الإنسانية، وحث «المتحاربين على احترام القانون الإنساني الدولي».

وأكد بيرللو في تلك التغريدات التزامه القاطع بما أسماه «دعم شعب السودان»، وإنهم «الوفد الأميركي، والشركاء الدوليين، والخبراء والفنيين، والمجتمع المدني السوداني» «ينتظرون» وصول القوات المسلحة السودانية، وإن العالم يراقب ما يحدث في السودان.

وفي وقت مبكر من صباح الأربعاء، رحّب بيرللو بوفد مصر، وقال إنه يُعدّ شريكاً استراتيجياً من أجل إنهاء الصراع في السودان ومعالجة الأزمة السودانية، وإنه يتطلع أن يلعب دوراً في دفع المفاوضات، وذلك إشارة إلى قرب مصر من الطرف الرافض للمفاوضات وهو الجيش السوداني.

وخارج المجموعتين، طالب الحزب الشيوعي السوداني بإشراك المدنيين في مفاوضات جنيف، ونسبت إذاعة «راديو دبنقا» التي تبث من هولندا إلى عضو اللجنة المركزية فتحي فضل أن المفاوضات من دون المدنيين تعطي طرفي القتال دوراً في مرحلة ما بعد الحرب، وهي بذرة فشل داخل المفاوضات نفسها.

دعوة «تضامن»

بدورها، دعت القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين، واختصاراً «تضامن»، جموع الشعب السوداني والقوى السياسية والمدنية والعسكرية كافة للاستجابة للجهود المحلية والدولية، للتوقيع الفوري على اتفاق وقف عدائيات، ووقوف القوى المدنية صفاً واحداً خلف شعار «لا للحرب». وتعهدت «تضامن» في بيان الأربعاء، بعدم الوقوف مكتوفة الأيدي إزاء «ما يحدث لشعبنا»، وتوعدت باستخدام كل الوسائل المتاحة من أجل «نجاة الشعب من الضياع، والوطن من مأساته»، وأعلنت تأييدها كل الخطوات المحلية والدولية المؤيدة لـ«نضالات شعبنا»، والوقوف ودعم «ثورة ديسمبر» (كانون الأول) وقيمها التي تبشر «بنصر قريب ولو كره المرجفون».


مقالات ذات صلة

محادثات جنيف السودانية تنطلق في غياب الجيش

شمال افريقيا 
سودانيون يتظاهرون أمام مقر المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب (إ.ب.أ)

محادثات جنيف السودانية تنطلق في غياب الجيش

انطلقت في مدينة جنيف السويسرية، أمس (الأربعاء)، محادثات دولية تهدف إلى وقف إطلاق النار في السودان، ووضع الحلول للأزمة الإنسانية الطاحنة الناتجة عنها.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني في القضارف الأربعاء (أ.ف.ب)

مقتل وإصابة عشرات في الأبيض السودانية

تعرّضت مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان (وسط غربي السودان)، الأربعاء، لقصف مدفعي مكثّف، أدّى إلى وقوع قتلى وجرحى، غالبيتهم من المدنيين.

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا الحرب دفعت نحو مليونين ونصف مليون شخص للفرار إلى الدول المجاورة (رويترز)

محادثات وقف إطلاق النار بالسودان تنطلق في سويسرا اليوم

من المقرر أن تبدأ المحادثات حول الحرب الدائرة في السودان بسويسرا اليوم الأربعاء، حيث ستركز المناقشات على المساعدات الإنسانية للملايين الذين يواجهون الجوع

«الشرق الأوسط» (جنيف )
شمال افريقيا خالد عمر يوسف (مواقع التواصل)

وزير سابق: البرهان و«الإخوان» رهنوا السودان والسودانيين لغاياتهم السياسية

حمّل وزير سابق وقيادي في تنسيقية «تقدم» قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، المسؤولية عن الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من 15 شهراً

أحمد يونس (كمبالا)
العالم العربي المنظمة الدولية للهجرة تحذر من أن السودان وصل إلى نقطة انهيار كارثية (أ.ف.ب)

السودان عند «نقطة انهيار كارثية»

حذرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، من أن السودان وصل إلى «نقطة انهيار كارثية».

«الشرق الأوسط» (جنيف)

القاهرة تعزّز دعمها لمقديشو ببروتوكول عسكري «محوري»

السيسي يستقبل شيخ محمود في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي يستقبل شيخ محمود في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

القاهرة تعزّز دعمها لمقديشو ببروتوكول عسكري «محوري»

السيسي يستقبل شيخ محمود في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي يستقبل شيخ محمود في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وقّعت مصر والصومال، الأربعاء، بروتوكول تعاون عسكري، وصفه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بـ«المحوري»، بينما عَدَّه خبراء «تعزيزاً للحضور المصري في منطقة القرن الأفريقي»، التي تشهد توترات متنامية، على خلفية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، بشأن مساعي الأخيرة إقامة ميناء بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهو ما رفضته حكومة مقديشو.

وجدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال استقباله نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، الذي يزور القاهرة لعدة أيام، موقف بلاده «الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، ورفض التدخل في شؤونه».

وتُعدّ هذه هي الزيارة الثانية للرئيس الصومالي إلى القاهرة هذا العام؛ حيث كانت الأولى نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، في أعقاب توقيع الحكومة الإثيوبية مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفَذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، وهي المذكرة التي قُوبِلت برفض دولي واسع.

وإقليم «أرض الصومال» هو محمية بريطانية سابقة، أعلن استقلاله عام 1991، لكن لم يعترف به المجتمع الدولي.

ووفق بيان للرئاسة المصرية، الأربعاء، فإن السيسي وشيخ محمود عقدا جلسة مباحثات تم خلالها «تأكيد قوة ومتانة العلاقات بين مصر والصومال، والحرص المشترك على تدعيمها على مختلف الأصعدة»، أعقبها مراسم توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين.

السيسي ونظيره الصومالي يشهدان مراسم التوقيع على بروتوكول التعاون العسكري (الرئاسة المصرية)

وجدّد السيسي خلال اللقاء موقف مصر «الداعم لوحدة وسيادة الصومال على أراضيه، والرافض لأي تدخل في شؤونه الداخلية»، كما رحّب بالخطوات المتبادلة بين الدولتين لتعميق التعاون الثنائي، ومن بينها إطلاق خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشو، وافتتاح مقر جديد للسفارة المصرية في مقديشو، فضلاً عن توقيع بروتوكول التعاون العسكري بين الدولتين.

ونقل البيان المصري عن الرئيس الصومالي «تقديره لدعم مصر المتواصل لبلاده على مدار العقود الماضية»، مشدّداً على «حرص الصومال على المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية مع مصر خلال الفترة المقبلة»، وثمّن دور الهيئات المصرية المختلفة في بناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات.

كما توافق الرئيسان، حسب البيان، على «تكثيف التشاور والتنسيق خلال الفترة المُقبلة، لمواصلة العمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي».

وقال الرئيس الصومالي إنه أجرى محادثات مثمرة مع الرئيس السيسي في القاهرة، أدّت إلى «توقيع اتفاقية دفاعية محورية بين الصومال ومصر؛ لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين»، وأعرب شيخ محمود، في تدوينة له عبر موقع «إكس»، عن «امتنانه لدعم مصر الثابت لسيادة الصومال وسلامة أراضيه».

وعارضت مصر بقوة توقيع «الاتفاق الإثيوبي» مع «أرض الصومال»، وسبق أن أكّد السيسي أن «بلاده لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو المساس بأمنه».

وفي 21 يوليو (تموز) الماضي صدّقت الحكومة الصومالية على اتفاقية دفاعية تم توقيعها بين البلدين في يناير الماضي، خلال زيارة الرئيس الصومالي لمصر.

ويأتي الإعلان عن توقيع بروتوكول عسكري مصري - صومالي، في وقت تحدّث فيه مصدر دبلوماسي أفريقي لـ«الشرق الأوسط» عن «عرض مصري بإرسال قوات حفظ سلام جديدة؛ لدعم أمن واستقرار الصومال، اعتباراً من العام المقبل، مع نهاية عمل بعثة الاتحاد الأفريقي».

ويرى سفير الصومال بمصر والمندوب الدائم لدى الجامعة العربية، علي عبدي، أن زيارة الرئيس شيخ محمود، «تأتي في توقيت شديد الحساسية، في ظل تحديات إقليمية ودولية غير مسبوقة تتطلّب تعزيز التعاون، والتنسيق مع مصر»، مشيراً في بيان له إلى أن «القاهرة تلعب دوراً محورياً لدعم بلاده في مواجهة التحديات الراهنة».

ويوضح الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أن التعاون العسكري مع الصومال «لا يشمل إقامة قواعد عسكرية مصرية هناك»، مشيراً إلى أن «اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري تُعنَى بالتدريب وتبادل المعلومات، والمشاركة في بناء جيش صومالي قوي، لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية والتحديات الأمنية».

وقال فرج لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر تنظر للصومال بوصفها شريكاً استراتيجياً مهماً في تأمين منطقة القرن الأفريقي، ومضيق باب المندب المؤدّي لحركة الملاحة البحرية لقناة السويس»، مؤكداً أن «مصر تدعم توحيد الأراضي الصومالية، واستعادة حكومة مقديشو أرض الصومال».

وتُولِي القاهرة أهميةً كبيرة لتعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وأكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال تدشينه خط الطيران المباشر بين القاهرة والصومال وجيبوتي، في يوليو (تموز) الماضي، «اهتمام مصر بتعزيز مستوى العلاقات مع دول القرن الأفريقي، وعلى رأسها الصومال، ورغبتها بالإسهام في دعم الاستقرار بدول المنطقة، لا سيما مع ما تمرّ به من تحديات جسيمة».

وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تدعم الصومال، لمواجهة أي تدخل أجنبي في شؤونه، خصوصاً بعد انتهاك الحكومة الإثيوبية لسيادة الصومال، بإبرام اتفاق مع إقليم أرض الصومال الانفصالي».

والثلاثاء، استضافت العاصمة التركية أنقرة جولة ثانية من مشاورات الوساطة بين الصومال وإثيوبيا؛ لإنهاء الخلاف بين البلدين بشأن أزمة «الميناء البحري»، إلا أن المحادثات انتهت دون التوصل لاتفاق.