خبراء لا يستبعدون اتساع نطاق الحرب بالسودان... وتفشي المجاعة

سيناريوهات ما بعد رفض الجيش السوداني مفاوضات جنيف

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)
TT

خبراء لا يستبعدون اتساع نطاق الحرب بالسودان... وتفشي المجاعة

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

قبل يومين على انطلاق مفاوضات جنيف، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، فاجأت حكومة بورتسودان المراقبين والمواطنين ببيان يُفهم منه أنها «لن تذهب» إلى جنيف، وبالتالي الحكم بالموت على المفاوضات التي علَّق عليها ملايين الضحايا السودانيين آمالاً عريضة، قبل أن تبدأ.

وأعلن وفد الحكومة إلى مشاورات جدة الاستهلالية، في بيان، «تمسكه» بـ«إعلان جدة الإنساني»، وعدم قناعته «بجدوى إنشاء منبر جديد»، ورفض مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة بصفة مراقب، وهو ما فُهم منه على نطاق واسع، أن الجيش «لا يريد» المشاركة في مفاوضات جنيف، وأنه يتذرع أو «يناور» بالحديث عن «اتفاق جدة».

بورتسودان تتمسك بما تسميه «التفاوض باسم حكومة السودان» وليس الجيش، فيما تقول واشنطن إن الدعوة وُجِّهت إلى طرفي القتال، وإن مفاوضات «وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وإيصال المساعدات الإنسانية» تتطلب تفاوض المتقاتلين، وبالتالي على الجيش إرسال «وفد عسكري بمستوى عالٍ» للتفاوض.

المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريللو (رويترز)

«قوات الدعم السريع»، رغم إعلانها قبول المفاوضات في جنيف، تخوص عمليات عسكرية في عدة جبهات، لا سيما في الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور. ولا يُعرف ما إن كانت هذه العمليات بغرض تحسين الوضع التفاوضي، أم وضع مزيد من الضغط على الجيش ليقبل التفاوض، فالحرب بعيدة عن ثلاث ولايات فقط، بينما 15 ولاية من ولايات البلاد الـ18 تعاني الحرب جزئياً أو كلياً.

ووفق خبراء، فإن أسوأ السيناريوهات المتوقعة إزاء رفض الجيش الذهاب إلى جنيف، هو أن يجد المجتمع الإقليمي - الدولي نفسه أمام خيارات صعبة، تتراوح بين الرغبة في تدخل قوي لوقف الحرب، وفرض عقوبات على الطرف الرافض للتفاوض... لكن ما يُضعف هذا السيناريو، هو الانقسام الدولي الراهن، والانشغال بحروب أخرى تلقى اهتماماً أكبر، مثل الحرب الروسية - الأوكرانية، والحرب في غزة.

فآلية مجلس الأمن شبه معطَّلة، إزاء وضع السودان، حيث إن روسيا التي تقف إلى جانب الجيش، لن تسمح بتمرير قرار يؤثر سلباً على حليفها وأطماعها في المنطقة، فضلاً عن أن تجربة التدخلات الدولية من دون مظلة مجلس الأمن، لا سيما في «الحالة الليبية»، كانت مخيِّبة للآمال ونتائجها كارثية ولا تزال، فما إذن السيناريوهات التي على السودانيين توقعها؟

عائلات نازحة بولاية كسلا في 10 يوليو 2024 (رويترز)

القيادي في «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)»، ووالي كسلا السابق صالح عمار، يرى أن «السيناريو الأقرب هو توسع نطاق الحرب لتشمل كل السودان، وأن تشتد نيرانها وأوارها أكثر إذا فشل التفاوض... وسيؤدي ذلك إلى زيادة واشتداد المعاناة الإنسانية ووصول المجاعة لكل السودان، واكتمال انهيار البلاد».

وقال عمار إن «أمام المجتمع الدولي خياراً واحداً في حال تعثر المفاوضات، يتمثل في إرسال قوات على الأرض بشكل عاجل لإيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين المواطنين الذين تتهددهم المجاعة». وأضاف: «كان على العالم منذ بداية الحرب إرسال قوات على الأرض، لكن ما دام تعذر ذلك، فإنه تقع عليه الآن مهمة إنسانية صرفة، تتمثل في تأمين إيصال المساعدات إلى مستحقيها، فالموضوع الإنساني أمر عاجل وحرج، ويجب على العالم إرسال قوات لتأمين إيصال المساعدات إلى المستحقين».

من جهته، أكد الخبير العسكري اللواء المتقاعد كمال إسماعيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن حرب السودان ليس فيها «منتصر أو مهزوم، وأن المهزوم الأكبر هو الشعب»، وأنها «لن تنتهي إلّا بالتفاوض»، لذلك على طرفي الحرب الاستجابة لدعوة التفاوض.

عنصر من الجيش السوداني يمرّ بين منازل متضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان بالخرطوم (أرشيفية - رويترز)

وحذر من احتمالات لجوء المجتمع الدولي إلى «إجراءات أخرى» –لم يسمِّها– ضد من يرفض التفاوض، وهو سيناريو واحد «قرارات دولية مختلفة قد لا تكون لصالح الطرف الرافض»، وتابع قائلاً: «نحن لن نقف مع الطرف الذي يرفض التفاوض، لأننا حريصون على حياة شعبنا ورفاهيته، ولن نقبل هذا اللامعقول من أجل أغراض غير معقولة».

وقطع بأن من يرفض وقف الحرب «معروف»، بقوله: «من يقف مع الحرب ويؤيد استمرارها يتحمل مسؤولية كل هذه التجاوزات التي حدثت للسودانيين نتيجةً للحرب».

وعدَّ الخبير العسكري ذهاب وفد إلى جدة للتفاوض باسم الحكومة «خطأ استراتيجياً»، وقال: «الجيش و(الدعم السريع) هما المسؤولان عن وقف الحرب، أما أن ترسل وفداً باسم حكومة غير موجودة على الأرض، وغير معترف بها، فإن ذلك يُحمِّل الجيش المسؤولية عن الفشل في حماية الوطن والشعب».

فهل ستتحول ما سمّاها رئيس وفد بورتسودان إلى جدة، محمد بشير إبونمو، «تهديدات أميركية»، إلى واقع على أرض السودان، أم أن واشنطن ستكتفي بفرض عقوبات جديدة على الطرف المتعنت، وستقنع مجلس الأمن المتشظي، باتخاذ قرارات محددة في هذا السياق؟


مقالات ذات صلة

تحذير أممي: السودان عند نقطة انهيار كارثية

شمال افريقيا 
المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريلو (رويترز)

تحذير أممي: السودان عند نقطة انهيار كارثية

أعلنت الولايات المتحدة، أمس، تمسكها ببدء محادثات بشأن السودان هذا الأسبوع في جنيف، «حتى في غياب» ممثلي الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الذي أبدى تحفظات.

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أ.ف.ب)

حميدتي: سنشارك في مفاوضات سويسرا لوقف الحرب السودانية فوراً

أقر قائد «الدعم السريع» بأن البلاد «تمر بحالة من الانهيار جراء الحرب التي تسببت بفوضى، وفراغ أمني كبير»

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

واشنطن مصرّة على اجتماع جنيف حول السودان

المجاعة والفيضانات أُضيفت إلى قائمة التحديات التي يواجهها ملايين الأشخاص في البلاد التي مزّقتها الحرب، في ظلّ أكبر أزمة نزوح في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي المنظمة الدولية للهجرة تحذر من أن السودان وصل إلى نقطة انهيار كارثية (أ.ف.ب)

السودان عند «نقطة انهيار كارثية»

حذرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، من أن السودان وصل إلى «نقطة انهيار كارثية».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييللو (رويترز)

المبعوث الأميركي: محادثات السودان في جنيف ستمضي قدماً هذا الأسبوع

أعلنت الولايات المتحدة الاثنين أنها تريد بدء محادثات بشأن السودان هذا الأسبوع في سويسرا حتى في غياب ممثلي الحكومة السودانية التي أبدت تحفظات على الطرح الأميركي.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

اسم مفتي مصر الجديد يثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية الجديد (مجمع البحوث الإسلامية)
الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية الجديد (مجمع البحوث الإسلامية)
TT

اسم مفتي مصر الجديد يثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية الجديد (مجمع البحوث الإسلامية)
الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية الجديد (مجمع البحوث الإسلامية)

ما إن تم الإعلان عن تعيين الدكتور نظير عياد مفتياً جديداً في مصر، حتى التقطته سريعاً منصات التواصل الاجتماعي، واعتلى هاشتاغ «#المفتي_الجديد» قائمة «التريند» في مصر، والأكثر بحثاً خلال الساعات الماضية، بسبب الاسم، الذي بدا لدى البعض «نادراً وغريباً»، خصوصاً في الأوساط الدينية الإسلامية.

ونشرت الجريدة الرسمية في مصر، الاثنين، قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتعيين الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، مفتياً للجمهورية لمدة 4 سنوات، خلفاً للدكتور شوقي علام، بعد انتهاء مدته.

وعياد هو المفتي الـ20 في تاريخ دار الإفتاء المصرية منذ عام 1859.

وأثار اسم نظير عياد تفاعلاً على «السوشيال ميديا»، حيث عبّر روادها عن غرابته على أسماعهم، وأنه غير مألوف على آذانهم.

وربط الكثير من الحسابات بين اسم المفتي الجديد وبين بابا الأقباط السابق في مصر البابا شنودة الثالث، الذي كان يحمل اسم نظير جيد قبل الرهبنة، معتبرين أن «تشابه الأسماء من اللطائف في مصر».

وهو الربط الذي امتد إلى تساؤل البعض في سخرية حول ديانة المفتي الجديد، وهل هو مسلم أم مسيحي الديانة؟

وأطلق آخرون لقب «قداسة المفتي أبونا نظير عياد». بينما قام الكثير من الرواد بنشر اسم المفتي الجديد ثلاثياً «نظير محمد عياد».

وأثار التخصص العلمي للمفتي الجديد في مجال العقيدة والفلسفة تساؤلات من جانب البعض، حيث رأوا أنه كان من الأفضل اختيار متخصص في أي فرع من فروع الفقه لشغل منصب المفتي.

وحصل عياد على ليسانس أصول الدين في العقيدة والفلسفة عام 1995، كما نال الماجستير في أصول الدين تخصص العقيدة والفلسفة عام 2000، والدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 2003، بحسب مجمع البحوث الإسلامية.

وتدرج عياد في الوظائف الأكاديمية بدءاً من العمل معيداً، ثم مدرساً مساعداً ثم مدرساً، ثم أستاذاً مساعداً في كلية أصول الدين جامعة المنصورة، حتى انتقل إلى كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بكفر الشيخ أستاذاً مساعداً للعقيدة والفلسفة بقسم العقيدة والفلسفة، ثم حصل على الأستاذية عام 2016.

من جانب آخر، تداول رواد آخرون ما نشره حساب الأزهر الشريف من توضيح أن قرار اختيار المفتي الجديد جاء بناءً على ترشيح من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.

وكذلك نشر آخرون تهنئة الإمام الأكبر للمفتي الجديد، ودعاءه له أن يُوفَّق في الارتقاء بمنظومة العمل في دار الإفتاء المصرية. كما قال شيخ الأزهر: «لقد امتحنكم الله تعالى بهذا المنصب المهم، وكم هو أمر جلل ومسؤولية كبري؛ فسخّره في صناعة الخير للناس والتيسير عليهم».

وإلى جانب عمله في منصب الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية التابع لمؤسسة الأزهر الشريف في أبريل (نيسان) عام 2019، تقلّد عياد مناصب عدة أخرى، منها عضويته بالمنظمة العالمية لخريجي الأزهر، وعضويته باللجنة النقابية للعاملين بالبحث العلمي بالأزهر الشريف، وعضويته ببيت العائلة المصرية، وفريق حماية البيئة ومكافحة الإدمان بوزارة الشباب المصرية.

كما أثرى عياد المجلات العلمية بالكثير من المؤلفات التي تزيد على ثلاثين مؤلفاً في تخصصات: علم الكلام، الفلسفة والمنطق، الفرق والمذاهب والأديان، التصوف، وبعض العلوم والفنون الأخرى.

وفي تفاعل آخر، تناقل بعض رواد «السوشيال ميديا» فيما بينهم مقطع فيديو تظهر فيه والدة المفتي الجديد عقب قرار تعيينه، تقول فيه: «ربنا يجعلها رحلة الخير عليك يا ولدي».

إلى ذلك، وفي أول تعليق منه عقب اختياره، قال المفتي إنه سيعمل بكل جهد للحفاظ على الدور الرائد لدار الإفتاء المصرية على المستويين المحلي والدولي، بما ينعكس على نشر صحيح الدين كما أراده الله دون إفراط أو تفريط.

كما أكد عياد أهمية التعاون والتنسيق المشترك بين المؤسسات الدينية في مصر من جانب وبينها وبين المؤسسات الدينية في العالمين الإسلامي والعربي من جانب آخر، لافتاً إلى أن التعاون والتكامل من شأنهما أن يحققا صالح الخطاب الديني ويدعما المنهج الوسطي تحت مظلة الأزهر الشريف، ويسهما في ضبط الخطاب الإفتائي الذي يراعي واقع الناس وحالهم.