لماذا أقال سعيد رئيس الحكومة التونسية

الخطوة جاءت بعد ساعات من تأكيد الحشاني أن فريقه الحكومي أحرز تقدماً في عدد من القضايا

الرئيس قيس سعيد خلال إشرافه على موكب تسلم كمال المدّوري لمهامه رئيساً للحكومة (الرئاسة)
الرئيس قيس سعيد خلال إشرافه على موكب تسلم كمال المدّوري لمهامه رئيساً للحكومة (الرئاسة)
TT

لماذا أقال سعيد رئيس الحكومة التونسية

الرئيس قيس سعيد خلال إشرافه على موكب تسلم كمال المدّوري لمهامه رئيساً للحكومة (الرئاسة)
الرئيس قيس سعيد خلال إشرافه على موكب تسلم كمال المدّوري لمهامه رئيساً للحكومة (الرئاسة)

أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد، في ساعة متأخرة من ليلة أمس (الأربعاء)، رئيس الحكومة أحمد الحشاني، وعيّن مكانه وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدّوري.

وقالت الرئاسة في بيان: «إنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد استقبل ظهر هذا اليوم الأربعاء (...) بقصر قرطاج، السيد كمال المدّوري، وزير الشؤون الاجتماعيّة، وقرّر تكليفه برئاسة الحكومة خلفاً للسيد أحمد الحشاني».

وجرى تعيين الحشاني رئيساً للحكومة في أغسطس (آب) من العام الماضي. وقبل ساعات قليلة من إقالته، قال الحشاني في رسالة بالفيديو إن الحكومة أحرزت تقدماً في عدد من القضايا، على الرغم من التحديات العالمية، بما في ذلك تأمين احتياجات البلاد من الغذاء والطاقة، كما نشر الأربعاء الماضي بياناً حول الاجتماعات التي عُقدت في مقر الحكومة، خصوصاً بشأن الوضع الاقتصادي المتردي، ولذلك استغرب عدد كبير من التونسيين هذا القرار في هذا التوقيت بالذات، وتساءلوا عن أسبابه ودوافعه، خصوصاً أن الحشاني يحظى باحترام وتقدير عدد كبير من السياسيين ورؤساء الأحزاب.

الرئيس قيس سعيد خلال إشرافه على مراسيم تسلم الحشاني رئاسة الحكومة أغسطس 2023 (الرئاسة)

جواباً على هذه التساؤلات، رأى عدد من المراقبين لتطورات الأوضاع السياسية في تونس أن هذه الخطوة جاءت بعد فترة من التوترات والخلافات الملموسة بين الرئيس والوزير الأول الحشاني حول عدد من القضايا الحساسة، وأبرزها أزمة المياه الأخيرة.

فقد أدلى سعيد بتصريحات كثيرة، مفادها بأن انقطاع المياه سببه وجود «لوبيات» داخل الإدارة تسعى لاختلاق الأزمات من أجل تجييش الناس ضده. غير أن الحشاني قال بالمقابل إن تونس تمر بأزمة جفاف حادة هي السبب الرئيسي لانقطاع المياه، وهو ما أثار تكهنات كثيرة حول كون هذه الخلافات قد ساهمت في قرار الإقالة، رغم أن السبب الحقيقي للإقالة لم يُعلن بشكل واضح، لكن تظل مسألة المياه من الملفات الساخنة التي ربما أثرت على هذا القرار.

من بين الأسباب الأخرى، بحسب مراقبين، عجر حكومة الحشاني عن إيجاد حلول لإنعاش الاقتصاد المتأزم، وخلق فرص عمل، والحد من ارتفاع الأسعار، وتناقص المواد الأساسية، ومواجهة مخاطر شح المياه بسبب استمرار الجفاف لسنوات متتالية. ولذلك وجّهت له ولفريقه الحكومي انتقادات شديدة لكون الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد لا ينفك يتدهور. في وقت تشهد فيه تونس المثقلة بالديون (أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي)، تباطؤاً في النمو، يتوقع أن يكون ما دون 2% هذا العام، وارتفاعاً في معدلات البطالة (16%)، مما يغذي ظاهرة الهجرة غير القانونية إلى أوروبا.

من هو المدروي؟

كمال المدوري من مواليد 1974 في مدينة تبرسق، حصل على شهادة الدكتوراه مرحلة ثالثة في قانون المجموعة الأوروبية والعلاقات المغاربية الأوروبية، وعلى شهادة الأستاذية في العلوم القانونية من كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس. كما نال شهادة ختم الدراسات بالمرحلة العليا بالمدرسة الوطنية للإدارة، وهو أيضاً خريج معهد الدفاع الوطني سنة 2015 ومفاوض دولي.

المدروي رئيس الحكومة التونسية خلفاً للحشاني (د.ب.أ)

وتولى المدوري عضوية المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، ومنصب نائب رئيس اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية بالمجلس نفسه. علاوة على عضويته في مجالس إدارات عدة مؤسسات وطنية، على غرار المؤسسة العمومية للصحة (شارل نيكول)، والهيئة العامة للتأمين، ومجالس إدارات الصناديق الاجتماعية الثلاثة. كما زاول التدريس بالمدرسة الوطنية للإدارة والتكوين بالمدرسة العليا لقوات الأمن الداخلي، وحصل أيضاً على وسام «الشغل الفضي المذهب» لسنة 2018، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء.

توقيت الإقالة

تأتي إقالة الحشاني في هذا التوقيت وسط تزايد الاستياء الشعبي من أزمة الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء في العديد من مناطق البلاد. وبينما تقول الحكومة إن تونس تعاني من جفاف مستمر أدى إلى اعتماد نظام حصص في توزيع المياه، يرى الرئيس سعيد أن انقطاعات المياه مؤامرة قبل الانتخابات الرئاسية، ويؤكد أن السدود ممتلئة. بينما تقول وزارة الفلاحة من جانبها إن نسبة امتلاء السدود «حرجة للغاية ووصلت إلى 25 في المئة فقط».

عبير موسى زعيمة «الحزب الدستوري الحر» (موقع الحزب)

كما تأتي هذه الإقالة قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ووسط صعوبات اقتصادية تشهدها تونس، وهي الانتخابات التي أعلن الرئيس سعيد الترشح لخوض غمارها، وسط انتقادات واسعة النطاق من المعارضة وجماعات حقوق الإنسان، الذين يشكون من مضايقات وترهيب يقولون إنه يشير إلى رغبة في تمهيد الطريق أمام سعيد للفوز بولاية جديدة، خاصة بعد تأكيد العديد من المرشحين المحتملين أنهم مُنعوا من تقديم ملفاتهم إلى الهيئة الانتخابية، لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على سجلاتهم الجنائية، أو ما يعرف في تونس بـ«البطاقة عدد 3».

والاثنين الماضي، أصدرت محكمة قراراً بسجن أربعة مرشحين، من بينهم رجل الأعمال والإعلام نزار الشعري، ووجهت لهم تهماً تتعلق بتزوير تواقيع التزكيات. كما أدانت محكمة، مساء الاثنين، المعارِضة عبير موسى بتهم مختلفة، من بينها التآمر على الدولة، وقضت بسجنها عامين، وذلك بموجب المرسوم رقم 54 الخاص بمكافحة نشر الأخبار الكاذبة، بعد اتهامها بانتقاد هيئة الانتخابات.

وكانت زعيمة «الحزب الدستوري الحر»، قدّمت ملف ترشيحها للانتخابات الرئاسية قبل يومين من خلال محاميها. وفي نهاية يوليو (تمّوز)، وبعد زيارة استمرت أربعة أيام واجتماعات متعددة مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار: إنها «منزعجة من التدهور الشديد في الحقوق» في البلاد التي كانت مهد «الربيع العربي».

القضاء أصدر أمراً بسجن نزار الشعري بتهمة تزوير تواقيع تزكيات الانتخابات (الشرق الأوسط)

وقالت كالامار إنها في بداية الحملة الرئاسية «لاحظت أن القمع الحكومي يغذي الخوف، بدلاً من المناقشات الحية للمشهد السياسي التعددي»، ونددت «بالاعتقالات التعسفية» للمعارضين، و«القيود والملاحقات القضائية» ضد بعض المرشحين وسجن الصحافيين. غير أن الرئيس سعيّد يردد في مناسبات عديدة أن «الحريات مضمونة في البلاد».



تحشيد عسكري غرب ليبيا لـ«مواجهة محتملة» مع حفتر

جانب من تحرك قوات بـ«الجيش الوطني» الليبي باتجاه الجنوب الغربي (من مقطع فيديو لرئاسة أركان القوات البرية)
جانب من تحرك قوات بـ«الجيش الوطني» الليبي باتجاه الجنوب الغربي (من مقطع فيديو لرئاسة أركان القوات البرية)
TT

تحشيد عسكري غرب ليبيا لـ«مواجهة محتملة» مع حفتر

جانب من تحرك قوات بـ«الجيش الوطني» الليبي باتجاه الجنوب الغربي (من مقطع فيديو لرئاسة أركان القوات البرية)
جانب من تحرك قوات بـ«الجيش الوطني» الليبي باتجاه الجنوب الغربي (من مقطع فيديو لرئاسة أركان القوات البرية)

تصاعدت عمليات التحشيد العسكري في مدن غرب ليبيا، تحسباً لـ«مواجهة محتملة» مع قوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، التي تحركت باتجاه الجنوب الغربي لتنفيذ مهمة، وصفتها قيادته بأنها تدخل ضمن «خطة شاملة لتأمين الحدود وتعزيز الأمن القومي».

وعلى الرغم مما وصف بـ«تطمينات» القيادة العامة للجيش، المتمركز بشرق ليبيا، جاءت في بيان عسكري للمتحدث باسم «رئاسة أركان القوات البرية»، أكد أنها «لا تستهدف أحداً»، فإن جميع القوى الأمنية والعسكرية بغرب ليبيا تشهد حالة استنفار راهناً، وسط تجهيزات عسكرية واسعة في مصراتة والزاوية لمواجهة حفتر.

وفي ظل ترقب واسع لما ستسفر عنه الأوضاع المتوترة في الساعات المقبلة، حثت البعثة الأممية لدى البلاد، اليوم (الجمعة)، الأطراف كافة على «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أي أعمال استفزازية، من شأنها إخراج الأوضاع عن السيطرة، وتعريض الاستقرار الهش في ليبيا وسلامة المواطنين للخطر».

قوات بـ«الجيش الوطني» تتحرك باتجاه الجنوب الغربي (من فيديو لرئاسة أركان القوات البرية)

ولوحظ انتشار واسع للآليات العسكرية المصطفة في مصراتة، عقب توجيه «قوة العمليات المشتركة» بالمدينة نداء عاجلاً لمنتسبيها كافة للوجود «فوراً» إلى مقرها مع جميع تجهيزاتهم ومعداتهم.

وفي زمرة التوتر الذي ساد الأجواء، اجتمع رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بممثلي بعض القوى الأمنية في المنطقة الغربية بطرابلس، مساء (الخميس)، ونقل مكتبه «تأييدهم لكل خطواته المقبلة، بهدف تحقيق الاستقرار بالمنطقة الغربية».

محمد المنفي التقى ممثلي بعض القوى الأمنية في المنطقة الغربية بطرابلس لتدارس الوضع الأمني (رويترز)

وكانت رئاسة الأركان العامة و«قوة العمليات المشتركة»، و«الجهاز الوطني للقوى المساندة»، التابعون لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، قد أعلنت رفع درجة الاستعداد والتأهب لجميع العناصر لمواجهة «أي خطر قادم».

ولطمأنة الليبيين عقب انتشار حالة من التوتر في غرب البلاد، سارعت القيادة العامة للتأكيد على أن هذا التحريك لقواتها يستهدف «تأمين الحدود الجنوبية، من خلال تكثيف الدوريات الصحراوية، والرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة».

حفتر مع عدد من قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)

وقالت رئاسة الأركان إن هذا التحرك يأتي «تنفيذاً لتعليمات المشير خلفية حفتر، في إطار تعزيز الأمن على الحدود، والتصدي لأي تهديدات قد تستهدف سلامة الوطن واستقراره»، مبرزة أن الوحدات العسكرية «انتقلت للمناطق المكلفة بتأمينها، وهي مدن: سبها وغات، وأباري ومرزق والقطرون، وبراك والشاطئ وأدري، والتي توجد فيها أساساً وحدات تابعة للقيادة العامة لتعزيز الأمن في تلك المناطق، وتثبيت ركائز الأمان».

وأصافت القيادة العامة أن هذا التحرك لقواتها يأتي «في ظل التوتر في دول الجوار، وإمكانية نشاط العصابات والجماعات المتطرفة»، مبرزة أنها رصدت ردود فعل على هذا التحرك «المنظم والمنضبط»، وأشارت إلى أن ما صدر من بيانات من بعض الأطراف «يأتي في إطار الابتزاز السياسي والمالي».

المجلس الأعلى للدولة أعلن رفضه لهذه التحركات ورآها «غير شرعية» (المجلس)

وسبق للمجلس الأعلى للدولة أن أعلن رفضه للتحركات التي وصفها بـ«غير الشرعية»، ورأى أنها «تسعى بشكل فاضح وواضح لزيادة النفوذ والسيطرة على منطقة استراتيجية مهمة مع دول الجوار».

ورأى المجلس أن هذه التحركات قد تسفر عن «العودة إلى الصراع المسلح الذي يهدد اتفاق وقف إطلاق النار، ومساعي توحيد المؤسسة العسكرية، ويقود إلى انهيار العملية السياسية»، داعياً المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش إلى «رفع حالة التأهب والاستعداد للتصدي لأي خطر محتمل»، كما طالب البعثة الأممية والمجتمع الدولي بـ«موقف واضح تجاه هذه التحركات وإدانتها».

ويربط متابعون ليبيون بين التوترات الحاصلة قرب غدامس خلال الأسابيع الماضية، وهذا التحرك العسكري لقوات «الجيش الوطني»، وسط توقع برغبة حفتر في السيطرة على المناطق الحيوية، القريبة من الحدود التونسية - الجزائرية، بما فيها مطار غدامس.

ولم يستبعد المتابعون لهذه التطورات تحول المنطقة، الواقعة أقصى غرب ليبيا، إلى مسرح لأحداث ساخنة خلال الأيام المقبلة، بين تابعين لحكومة الدبيبة، وموالين لحفتر، ويرون أن «كل طرف يسعى لتعزيز قواته عبر حلفائه العسكريين في المنطقة، بقصد إحكام السيطرة على غدامس ومطارها، ومن ثم فتح نافذة حدودية جديدة على القارة».

ودخلت البعثة الأممية على خط الأزمة، وقالت إنها تتابع «بقلق» التحركات الأخيرة للقوات في مختلف أنحاء ليبيا، وخاصة في المناطق الجنوبية والغربية، وأشادت في المقابل بالجهود الجارية لتهدئة الوضع، ومنع المزيد من التوتر.

ودعت إلى مواصلة التواصل والتنسيق بين القوات التابعة لـ«الجيش الوطني»، وحكومة «الوحدة الوطنية»، وقالت إنها تشعر «بالأسف»؛ كون هذه التطورات تتزامن مع الذكرى الرابعة والثمانين لتأسيس الجيش الليبي.

خوري في أنقرة مع نائب وزير الخارجية التركي وعدد من المسؤولين (البعثة الأممية)

وكانت البعثة الأممية قد قالت إن القائمة بأعمال رئيس البعثة، ستيفاني خوري، التقت في أنقرة، (الخميس)، بنائب وزير الخارجية برهان الدين دوران وفريقه، واستعرضت في اجتماعين منفصلين آخر المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية في ليبيا.

في غضون ذلك، اندلعت اشتباكات مسلحة بين فصيلين مسلحين في مدينة تاجوراء الساحلية (شرق العاصمة طرابلس)، قبيل وبعد صلاة الجمعة. وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد في ظل دوي طلقات الرصاص بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وفق شهود عيان لـ«الشرق الأوسط».

وفي ظل عدم تعقيب حكومة «الوحدة» على هذه الاشتباكات، أفادت التقارير الأولية بأن المواجهات اندلعت بين كتيبة «رحبة الدروع»، بقيادة خلف الله بشير، المعروف بـ«البقرة»، وكتيبة «الشهيدة صبرية»، الموالية لمفتي غرب ليبيا الصادق الغرياني.

وقالت كتيبة «رحبة الدروع» في تاجوراء، في بيان مقتضب، (الجمعة)، إن آمرها بشير خلف الله «نجا من محاولة اغتيال، وهو بصحة جيدة»، فيما انتشرت مقاطع فيديو لسيطرتها على معسكر «الشهيدة صبرية».

ووصف المدون الليبي، جعفر الحشاني، الوضع في مدينة تاجوراء بـ«الحرج»، مشيراً إلى أن مجموعة مسلحة حاولت اغتيال «البقرة»، فاتجهت «كتيبة رحبة الدروع» للأخذ بثأره، وهاجمت كتيبة «الشهيدة صبرية»، وأسرت 12 عنصراً منها بعد السيطرة عليها.