​«رحلات اللجوء» تعمّق جراح السودانيين الفارين إلى ليبيا

أحدثها خلّف 7 قتلى و23 مصاباً... بعضهم في حالة حرجة

جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي ينقل القتلى والمصابين السودانيين جنوب الكفرة (الجهاز)
جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي ينقل القتلى والمصابين السودانيين جنوب الكفرة (الجهاز)
TT

​«رحلات اللجوء» تعمّق جراح السودانيين الفارين إلى ليبيا

جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي ينقل القتلى والمصابين السودانيين جنوب الكفرة (الجهاز)
جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي ينقل القتلى والمصابين السودانيين جنوب الكفرة (الجهاز)

في الصحراء الشاسعة بين ليبيا والسودان، لقي كثير من الفارين من الحرب في الدولة المجاورة مصيراً غامضاً، بينما مات آخرون في حوادث متفرقة، أو خلال تخطيطهم للهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

من قلب مستشفى «الشهيد عطية الكاسح التعليمي» بمدينة الكفرة (جنوب شرقي ليبيا) شهد المشفى الحكومي أحدث مآسي «رحلات اللجوء»، التي عادة ما تحصد أرواح كثير من السودانيين القاصدين ليبيا.

جانب من اللاجئين السودانيين بعد إصابتهم في حادث جنوب الكفرة الليبية (مستشفى الشهيد عطية الكاسح التعليمي بالكفرة)

وفي حصيلة أولية أعلن المستشفى، مساء (الاثنين)، وقوع 7 قتلى و23 مصاباً، بينهم 10 في حالة حرجة، نتيجة انقلاب حافلة كانت تقل العشرات جنوب مدينة الكفرة، وذلك عندما كانوا يعبرون الحدود إلى داخل ليبيا.

ومنذ اندلاع الحرب في السودان، تشهد الكفرة تدفق مئات السودانيين بشكل زائد، وقال عميد بلدية الكفرة، عبد الرحمن عقوب، في تصريح نقلته وسائل إعلام محلية، إن المدينة باتت تستقبل أكثر من ألف لاجئ سوداني يومياً، بينما يغادر قرابة 700 منهم إلى داخل المدن الليبية الأخرى.

وعدّ الحقوقي الليبي، رئيس مؤسسة «بلادي لحقوق الإنسان»، طارق لملوم، هذه الحادثة واحدة من المآسي التي تعمّق جراح الأشقاء السودانيين خلال محاولتهم الهروب من الحرب الدائرة في بلدهم، مشيراً إلى أنهم ظلوا يعانون خلال الأشهر الماضية أزمات عدة.

مصابان سودانيان بعد نقلهما إلى المستشفى عقب تعرضهما لحادث (مستشفى الشهيد عطية الكاسح التعليمي بالكفرة)

ويسلط لملوم الضوء على المصاعب، التي يواجهها مئات السودانيين في ليبيا، بداية من الحبس والخطف أو المطاردة.

واستناداً إلى أحدث البيانات، التي أصدرتها المنظمة الدولية للهجرة، فإن السودانيين في ليبيا يمثلون 18 في المائة من إجمالي المهاجرين إلى البلاد. وسبق الحادث، الذي وقع على بعد 170 كيلومتراً جنوب الكفرة، فواجع عدة خلال الأشهر الماضية، خلفت قتلى وعشرات المصابين، وعادة ما يُكلف جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي بنقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج.

وفي مارس (آذار) الماضي، شهدت الصحراء الليبية حادثاً مأساوياً، بعد اشتعال النيران في شاحنة كانت تقل لاجئين سودانيين، من بينهم نساء وأطفال، ما تسبب في مقتل 6 أشخاص وتفحم أربعة جثث منهم.

وتعمل حكومة أسامة حماد بشرق ليبيا على تقديم الدعم بشكل ملحوظ للاجئين السودانيين في الكفرة. ورصد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن أعداد اللاجئين السودانيين في ليبيا زاد بشكل كبير منذ بدء الصراع في أبريل (نيسان) 2023.

وفي يوليو (تموز) الماضي، خصصت منسقة الإغاثة في حالات الطوارئ بالإنابة، جويس مسويا، 5.3 مليون دولار من الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ لدعم 195 ألف لاجئ معرض للخطر، ولمجتمعاتهم المضيفة في ليبيا.

جانب من معونات قدمتها مفوضية اللاجئين للسودانيين الفارين إلى ليبيا (المفوضية)

وأوضح دوجاريك أن هذا التمويل «يعد جزءاً من خطة الاستجابة الإقليمية الأوسع للاجئين المخصصة لأزمة السودان، التي نسقتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تشمل الآن ليبيا وأوغندا؛ حيث يسعى الشركاء في مجال المساعدات الإنسانية إلى الحصول على 1.5 مليار دولار لدعم المتضررين من الصراع».

في سياق ذلك، أوضح دوجاريك أن أكثر من 15 شهراً من الصراع «أجبرت خُمس سكان السودان على الفرار، بمن فيهم أكثر من 2.1 مليون شخص عبروا إلى البلدان المجاورة».

ويشكل المهاجرون غير النظاميين، ممن يحملون الجنسية السودانية في ليبيا رقماً كبيراً، إذ تعمد السلطات المحلية في طرابلس وبنغازي إلى اعتقال العشرات منهم، وترحيلهم وفق «البرنامج الطوعي» الذي ترعاه الأمم المتحدة.

وفي مايو (أيار) الماضي، اتهم حقوقيون ليبيون أجهزة الأمن في العاصمة طرابلس باعتقال عدد من الأطفال السودانيين القصّر، وسط مخاوف حينها، بعد أن طالت الحملة مسجلين لدى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وسبق أن تمكنت الأجهزة الأمنية من «تحرير» 200 مهاجر غير نظامي، بينهم نساء وأطفال كانوا محتجزين في الكفرة، من قِبل عصابة تتاجر بالبشر، بقصد مساومة أسرهم على دفع الفدية.

وفي أواخر أبريل الماضي، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن أسراً سودانية نازحة إلى ليبيا بسبب الحرب تقيم في أكثر من 50 مخيماً غير رسمي، بمزارع ضواحي مدينة الكفرة. بينما أعلنت «جمعية الهلال الأحمر الليبي» أنها أرسلت شحنات، تشمل أغطية ومراتب ومواد نظافة شخصية، ومعدات الحماية، ومياهاً إلى النازحين بالكفرة.


مقالات ذات صلة

تكالة يلجأ للقضاء لحسم الخلاف على رئاسة «الدولة» الليبي

شمال افريقيا صورة أرشيفية لجلسة سابقة للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المجلس)

تكالة يلجأ للقضاء لحسم الخلاف على رئاسة «الدولة» الليبي

أنهى المجلس الأعلى للدولة الليبي جلسة صاخبة عقدها، الثلاثاء، في العاصمة طرابلس، لانتخاب رئيسه الجديد، من دون إعلان رسمي عن فوز أي من المرشحين الثلاثة.

خالد محمود (القاهرة)
الاقتصاد حقل الشرارة النفطي الليبي (رويترز)

ليبيا تعلن تخفيض الإنتاج في حقل الشرارة بسبب اعتصامات

أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الثلاثاء عن بدء التخفيض الجزئي للإنتاج من حقل الشرارة النفطي.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا لقاء رئيس البعثة الأوروبية للمساعدة الحدودية مع رئيس أركان «حرس الحدود» بغرب ليبيا (البعثة الأوروبية للحدود)

​حقل «الشرارة» الليبي توقف تماماً... وتجديد اتهام نجل حفتر بذلك

ناقشت بعثة أوروبية لدى ليبيا معنية بالحدود مع سلطات العاصمة تعميق التعاون بشكل أكبر خاصة في دعم عمل حرس الحدود بغرب البلاد وتقديم المشورة حول تحسين الأداء.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا مدينة مصراتة (مواقع التواصل)

سكان في مصراتة الليبية يشتكون «طردهم من ديارهم»

يشتكي سكان بمدينة مصراتة (غرب ليبيا) تعرّضهم للطرد من منازلهم على يد الأجهزة الأمنية، بداعي بناء مول تجاري، وسط انتقادات حقوقية للسلطة التنفيذية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع المجلس الرئاسي الليبي بطرابلس مع رئاسة أركان القوات الموالية لـ«الوحدة»

«الوطني الليبي» يلتزم الصمت حيال اتهامات لنجل حفتر بإغلاق «الشرارة»

تصاعدت أزمة إغلاق «حقل الشرارة» النفطي في ليبيا، إذ عدّته حكومة «الوحدة» المؤقتة «ابتزازاً سياسياً»، فيما التزم «الجيش الوطني» الصمت.

خالد محمود (القاهرة)

تونس: «الأمن القومي» يدعو القوات المسلحة إلى التصدي للإرهاب والتهريب

اجتماع مجلس الأمن القومي يأمر بتصعيد حملات مكافحة الإرهاب والتهريب ومراقبة حدود البلاد (موقع الرئاسة التونسية)
اجتماع مجلس الأمن القومي يأمر بتصعيد حملات مكافحة الإرهاب والتهريب ومراقبة حدود البلاد (موقع الرئاسة التونسية)
TT

تونس: «الأمن القومي» يدعو القوات المسلحة إلى التصدي للإرهاب والتهريب

اجتماع مجلس الأمن القومي يأمر بتصعيد حملات مكافحة الإرهاب والتهريب ومراقبة حدود البلاد (موقع الرئاسة التونسية)
اجتماع مجلس الأمن القومي يأمر بتصعيد حملات مكافحة الإرهاب والتهريب ومراقبة حدود البلاد (موقع الرئاسة التونسية)

أحالت مكاتب تحقيق أمنية وقضائية مزيداً من السياسيين البارزين على مؤسسات التحقيق في قضايا مكافحة الإرهاب والفساد، بينهم عدد من الشخصيات التي أعلنت نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية، وأخرى لعبت أدواراً في الصفوف الأولى داخل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني منذ منعرج يناير (كانون الثاني) 2011 الذي أطاح بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.

وشملت الإيقافات والتحقيقات الجديدة الوزيرين السابقين عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي، والحقوقية سهام بن سدرين، رئيسة الهيئة العليا للحقيقة والكرامة التي كلفت بملف «العدالة الانتقالية» بعد 2011، ورجل الأعمال والإعلامي نزار الشعري، والقاضي مراد المسعودي رئيس منظمة القضاة الشبان، والعقيد المتقاعد من الجيش الوطني محمد عادل الدو، والبرلماني السابق عياض اللومي القيادي في حزب «قلب تونس» الليبيرالي الذي أسسه المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في 2019 رجال الأعمال نبيل القروي.

أحكام غيابية... وشبهات

كما أوردت مصادر مطلعة إصدار محاكم تونسية أحكاماً بالسجن ضد زعيمة «الحزب الدستوري الحر» المحامية عبير موسي، وضد وزير الصحة زعيم حزب «الإنجاز» عبد اللطيف المكي، ورجل الأعمال نزار الشعري، ولطفي المرايحي زعيم حزب «الاتحاد الشعبي الجمهوري»، وشخصيات عمومية أخرى.

ونصت الأحكام القضائية على حرمان بعض هذه الشخصيات من حق الترشح للانتخابات الرئاسية «مدى الحياة»، بسبب شبهات الضلوع في مخالفات قانونية وأمنية ومالية خطيرة، حسب مصادر إعلامية تونسية شبه رسمية.

وكشف محامون تونسيون عن أن بعض الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن «مع النفاذ العاجل» أحيلوا على القضاء «في حالة فرار»، بينهم من يوجد خارج البلاد. في المقابل لم يقع التنصيص على النفاذ العاجل بالنسبة للبقية، بما يمنحهم حق الاعتراض والاستئناف والتعقيب، وهم في حالة سراح، على الاتهامات الموجهة إليهم وبينها «ارتكاب جرائم انتخابية» في انتخابات 2019، أو خلال الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

في الوقت نفسه، قررت محاكم أخرى منذ أسابيع تأجيل البت في «تهم جنائية خطيرة» موجهة لبعض هؤلاء السياسيين، بينهم عبد اللطيف المكي وزير الصحة الأسبق والقيادي المنشق عن حزب «النهضة»، وعبير موسي زعيمة «الحزب الدستوري»، وعشرات من الموقوفين في قضايا ما يعرف بـ«ملفات شبهات التآمر على أمن الدولة»، وبينهم قياديون في أحزاب يسارية وليبيرالية وإسلامية عديدة، سبق أن تولوا مسؤوليات في الحكومة والبرلمان ما بين 2011 و2021.

«التآمر على الأمن الوطني»

وقد صعّد الرئيس التونسي قيس سعيد لهجته إزاء بعض الشخصيات السياسية والعمومية التي عاد إلى اتهامها بـ«التآمر على الأمن الوطني»، وبـ«الوقوف وراء العصابات المسؤولة عن الاحتكار والترفيع غير القانوني في الأسعار وعن قطع الماء والكهرباء وعن محاولة تخريب الدولة والإدارة من الداخل» بما في ذلك عبر تعمد «تلويث مياه بعض الشواطئ العمومية في المناطق السياحية»، وافتعال «خلل فني» في شبكات الصرف الصحي.

وتحدث سعيد مجدداً عن «مؤامرة على البلاد وأمنها، وعلى المسار الحالي للانتخابات الرئاسية»، بمناسبة ترؤسه لاجتماع جديد لـ«مجلس الأمن القومي»، بحضور كبار قادة المؤسستين العسكرية والأمنية، ورئيس الحكومة ووزراء الداخلية والدفاع والعدل والخارجية.

وأوردت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن سعيد أصدر خلال هذا الاجتماع أوامر للقوات المسلحة العسكرية والأمنية بـ«مزيد مراقبة حدود البلاد»، والتصدي للهجرة غير النظامية، وللتهريب، ولعصابات الإرهاب والاتجار في المخدرات والممنوعات.

رئاسة الجمهورية تنفي

ورداً على الانتقادات التي وجهتها مؤسسات حقوقية وسياسية تونسية ودولية حول «توظيف القضاء والمحاكم والمؤسسات الأمنية»، خلال الصراعات السياسية الحالية بين السلطة والمعارضة، نفى الرئيس التونسي قيس سعيد في تصريحات أدلى بها فور تقديم ملف ترشحه لدورة ثانية أن يكون أمر بالتتبع الأمني والقضائي لأي شخصية سياسية أو إعلامية أو اقتصادية، بل أشار إلى كونه أصدر «عفواً رئاسياً خاصاً» على مجموعة من المتهمين في قضايا «جرائم إلكترونية»، في ذكرى إعلان الجمهورية يوم 25 يوليو (تموز) الماضي.

لكن سعيد أورد أن «النيابة العمومية رفعت من تلقاء نفسها في سياق مهماتها القانونية وصلاحياتها» شكايات ضد بعض الشخصيات العمومية؛ بسبب «شبهات» ضلوعها في جرائم قانونية مختلفة، بينها ما يهم قطبي الإرهاب والفساد المالي ومؤسسات مكافحة الإجرام والمخدرات والتهريب وقوانين النشر والصحافة.

إيقاف رئيسة ملف العدالة الانتقالية السابقة الحقوقية سهام بن سدرين (متداولة)

كما فتح الرئيس التونسي في الجلسة العلنية لاجتماع مجلس الأمن القومي ملف «الأجندات الخارجية» لبعض الشخصيات والأطراف السياسية التونسية، وندد بـ«محاولات التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية» للدولة والبلاد.

وأمر المجلس البعثات الدبلوماسية التونسية في الخارج بـ«توضيح الحقائق»، وتفنيد الاتهامات الموجهة للسلطات التونسية مع «تجاهل الجرائم ومخططات التخريب التي تستهدف الأمن القومي للبلاد»، بما في ذلك عبر «الجرائم الإلكترونية»، و«محاولات التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

في المقابل، تابعت عدة منظمات نقابية وحقوقية وحزبية تونسية ودولية توجيه انتقادات للسلطات، وطالبت بالإفراج عن كل الإعلاميين والسياسيين والبرلمانيين والحقوقيين الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية وإعلامية. ودعت بلاغات صدرت عن هذه المنظمات إلى «تنقية المناخ الأمني والإعلامي والسياسي في البلاد» عشية الانتخابات الرئاسية الجديدة.