هل يفاوض الجيش السوداني «الدعم السريع»؟

محللون: الطريق إلى جنيف حتمي يفرضه الواقع الإنساني

طفل على هضبة مشرفة على مخيم للاجئين الفارين من المعارك في السودان قرب الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)
طفل على هضبة مشرفة على مخيم للاجئين الفارين من المعارك في السودان قرب الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)
TT

هل يفاوض الجيش السوداني «الدعم السريع»؟

طفل على هضبة مشرفة على مخيم للاجئين الفارين من المعارك في السودان قرب الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)
طفل على هضبة مشرفة على مخيم للاجئين الفارين من المعارك في السودان قرب الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

تتعلق قلوب معظم السودانيين هذه الأيام بمدينة جنيف السويسرية، لعلها تسهم في وقف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية التي يعيشونها، ولا سيما أن المجاعة أُعلنت رسمياً في بعض أنحاء البلاد، فـ«قوات الدعم السريع» أعلنت رسمياً موافقتها على المفاوضات في المدينة السويسرية، في حين ظل الجيش يطلق مواقف متضاربة، فهو مع التفاوض مرة لكنه يرهنه بشروط مسبقة، ومرة يعلن رفضه للتفاوض قبل «القضاء التام» على «قوات الدعم».

ويُنتظر أن يحل الموعد الذي ضربه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بمشاركة سعودية وسويسرية في 14 أغسطس (آب) الجاري، لمفاوضات ثنائية بين طرفي الحرب، بهدف وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

وفور إطلاق المبادرة أعلن قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو ترحيبه بالمبادرة، وقال وفق صفحته الرسمية على منصة «إكس»: «أرحب بالدعوة التي أعلنها أنتوني بلينكن، وأُعلن مشاركتنا في محادثات وقف إطلاق النار... أقدر الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وسويسرا في تنظيم هذه المداولات المهمة»، في حين صمتت قيادة الجيش طويلاً، وأحالت الأمر لوزارة الخارجية التي أعلنت موافقة مبدئية للانخراط في أي مفاوضات، بيد أنها طلبت اجتماعاً مع حكومة الولايات المتحدة قبل ذلك، كما اشترطت أن تكون المفاوضات مع الحكومة وليس الجيش. لكن واشنطن تتمسك بأن يقتصر التفاوض على الجيش و«الدعم السريع»، ونقلت تقارير صحافية الأسبوع الماضي عن المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرللو تجديده التأكيد أن الدعوة موجهة للطرفين المتقاتلين.

المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريللو (الشرق الأوسط)

وعدّ الحاكم السابق لولاية كسلا، صالح عمار، الذهاب لمحادثات جنيف وإجابة المبادرة الأميركية، تعبيراً عن «حاجة وأمنيات الشعب السوداني»، في مواجهة الأزمة الإنسانية التي يواجهها. وقال: «تقتضي الأوضاع، بل وتفرض على طرفي الحرب الذهاب إلى جنيف بقلوب مفتوحة، وفي أذهانهما معاناة السودانيين التي يشهدها العالم ويتحسر حزناً على شعب لا يستحق ما يحدث له».

ودعا عمار باسم القوى المدنية، طرفي الحرب للذهاب إلى جنيف بقوله: «لأنهما إذا رفضا أو رفض أحدهما، فنتائج ذلك هي اتساع نطاق الحرب، بل وامتدادها إلى مناطق جديدة يتكدس فيها ملايين النازحين».

وحذر عمار من مخاطر كبيرة حال رفض التفاوض، وتتمثل في «دخول دول مجاورة في الحرب التي يتوقع أن تمتد إلى حدودها، وحالة دمار شاملة»، وتوقع أن تفتح مشاركة الطرفين في المفاوضات ما أسماه «بوابة أمل ومحاصرة الحرب».

سودانيون فارون من بلدة سنجة جنوب شرقي السودان يستريحون في مخيم بعد وصولهم إلى القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

وكان القائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان تعرض لمحاولة اغتيال الأسبوع الماضي، وعقب نجاته أضاف شروطاً جديدة للتفاوض، تتضمن الاعتراف بحكومته وشرعيتها، وإشراك الحركات المسلحة التي تقاتل مع الجيش في التفاوض.

أما مساعده الأكثر تشدداً الفريق أول ياسر العطا، فقد أكد أن «قرار الجميع هو مواصلة الحرب حتى القضاء على (الجنجويد) أو استسلامهم»، وأن الجيش دمر قوتهم الصلبة، وأن «الخطة تمضي نحو سحق (الدعم السريع) تنفيذاً لرغبة الشعب».

وأشارت القيادية في «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)»، بثينة دينار، إلى الظروف الموضوعية المحيطة بالبلاد، واعتبرتها «سبباً كافياً لدفع الطرفين للذهاب إلى جنيف»، وتساءلت: «ما هو الأكثر مناسبة للدفع نحو التفاوض وإنقاذ الشعب من ظروف السودانيين الذين نُزّحوا وشُرّدوا، وأصبحت المجاعة أمراً واقعاً؟!».

الفريق ياسر العطا (وكالة السودان للأنباء)

ورأت دينار أن «خيار الجيش الوحيد هو أن يقبل أو يقبل، وليست هناك مساحة رفض، إن كان حريصاً على الشعب الذي يواجه المجاعة، فليس له إلا القبول والقبول».

وتوقعت دينار أن يؤدي وجود الجيش و«الدعم السريع» في جنيف إلى وقف الحرب وحماية المدنيين، أو في الحد الأدنى «وقف عدائيات إنساني»، وتابعت: «وجود الجيش و(الدعم السريع) والفاعلين الدوليين والإقليميين على الطاولة، وبمراقبة من المدنيين السودانيين، ينتج الخطوة الأساسية لإنقاذ وحماية الناس من الموت جوعاً، أما إكمال العملية السياسية، فهذا شأن آخر».

وتتوافق رؤية دينار مع مبادرات شعبية ومدنية عديدة، تدعو لوقف الحرب، وعلى رأسها مبادرة لجنة المعلمين، ومبادرة نقابة الصحافيين السودانيين، اللتان وجدتا تأييداً شعبياً واسعاً، وتحولت دعواتهما لترند سوداني: «نحن الشعب تعبنا من الحرب... يا جيش امشِ للتفاوض»، و«لا تنسوا السودان».

وبدد المحلل السياسي محمد لطيف، الشكوك حول ذهاب الجيش إلى جنيف، وقال إنه مقتنع بمشاركة الطرفين في المفاوضات المزمعة، لكنه قلل من مستوى التمثيل في هذه الجولة، وقال: «لا أتوقع أن يشارك البرهان أو حميدتي»، ورأى أن يسمي الجيش وفده «من دون تفويض كامل وبسقف محدد مسبقاً يقف عنده ولا يتجاوزه، وبلا مساحة مناورة كبيرة وسلطة تقديم التنازلات اللازمة».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (د.ب.أ)

ورغم تفاؤل لطيف فإنه لم يتوقع نتائج حاسمة في الجولة المقبلة، بقوله: «هذه أول جولة جادة منذ جدة، لذلك سيعمل كل طرف على جس النبض، واختبار الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها».

ورهن لطيف نتائج هذه المفاوضات بالأميركيين ومدى «تحضيرهم لها، وما إن كانوا قد أعدوا ورقة للتفاوض، ووضعوا أجندة ومحاور محددة»، وقال مؤكداً: «ستنعقد مفاوضات 14 أغسطس، لكن لا أتوقع الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، بسبب طبيعة الوفدين وفهمهما لمرحلة التفاوض، وعدم قدرة الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة راهناً على فرض عمليات إنسانية وتحديد مسارات آمنة، لا تملكان الإمكانات اللازمة لها»، وتابع: «ستنعقد جولة تفاوض، لكنها ستكون استكشافية، ونتائجها تتوقف على قدرة المسيرين وقوى الضغط».


مقالات ذات صلة

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
TT

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

قال رئيس منظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، إن كثيراً من النساء وأطفالهن يعانون من صدمات نفسية سيئة جراء الحرب الدائرة في السودان، مشيراً إلى أن بعض الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم بضعة أشهر تعرضوا لإصابات بالذخيرة الحية في مناطق الرأس والصدر.

وأضاف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أننا إزاء أسوأ أزمة إنسانية شهدتها المنظمة على الإطلاق... آلاف الأسر تفرقت، خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً، أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم، ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية، يبدو هذا الأمر مستحيلاً في بعض أجزاء البلد.

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم زمزم للنازحين (أ.ف.ب)

ورأى أن «الحرب تعد مشكلة حقيقية للنساء والأطفال تحديداً... أجرينا في أحد المستشفيات العاملة بالعاصمة الخرطوم فحوصات لنحو 4200 امرأة وطفل، ووجدنا أن ثلثهم يعاني من سوء التغذية الحاد، وهذا القياس يدل على أن كل الذين أجريت لهم فحوصات، يعانون من سوء التغذية المتوسط والحاد بدرجات متفاوتة».

وأوضح أن «واحداً من كل 6 جرحى يعالجون في المستشفى ذاته، يعاني من أمراض مصاحبة... لدينا أطفال لا تتعدى أعمارهم شهوراً تعرضوا لإصابات بالرصاص في الرأس أو الصدر، وللأسف في بعض الأحيان لا تتوفر المواد الطبية اللازمة لعلاجهم، في ظل حالة الحصار على المستشفى، ومنع وصول المعونات الطبية إليه».

الوضع في دارفور

وكشف الرئيس الدولي لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، عن ارتفاع نسبة حالات الإصابة بسوء التغذية وسط النساء الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع في إقليم دارفور (غرب البلاد)، «وهو ما يتسبب في الوفيات لأسباب بسيطة يمكن علاجها لو توفرت الإمدادات الطبية».

امرأة وطفلها في مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

وقال إن «نسبة انتشار أمراض سوء التغذية وفقر الدم أعلى بكثير من قدرة فرقنا على علاجها».

وأضاف كريستو: «في أغسطس (آب) الماضي، أجرينا فحوصات لنحو 30 ألف طفل في عمر سنتين وأقل، حيث أثبتت أن ثلث هذا العدد يعاني من سوء تغذية حاد».

وكشف تقرير سابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» في فبراير (شباط) الماضي عن وفاة طفل كل ساعتين في «مخيم زمزم» للنازحين في ولاية شمال دارفور.

ووفقاً للمنظمة، فإن الصراع في إقليم دارفور «أخذ طابعاً عرقياً، وعلى وجه الخصوص أحداث العنف التي جرت في ولاية غرب دارفور، وأدت إلى مقتل الآلاف ولجوء أكثر من 500 ألف شخص إلى تشاد».

وتجاوزت نسبة وفيات الأمهات في جنوب دارفور منذ مطلع العام الحالي التي سجلتها مرافق «أطباء بلا حدود»، 7 في المائة، وبينت الفحوصات التي أُجريت لرصد سوء التغذية بين الأطفال، معدلات هائلة تتجاوز عتبات الطوارئ.

وحض كريستو المجتمع الدولي «على بذل مزيد من الجهود للضغط على الأطراف المتحاربة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية العاجلة؛ لتوفير الغذاء والدواء للآلاف من المدنيين في السودان».

وعالجت فرق «أطباء بلا حدود» أكثر من 4214 إصابة ناجمة عن العنف، بما في ذلك الأعيرة النارية وانفجارات القنابل، وشكلت نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، 16 في المائة منهم.