محللون: البرهان أمام خيارات «ضيقة ومحدودة»

في ضوء تناقض مواقفه بشأن مفاوضات وقف الحرب

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)
TT

محللون: البرهان أمام خيارات «ضيقة ومحدودة»

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)

«خيارات ضيقة ومحدودة» أمام قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، هكذا وصف بعض المحليين تأرجح مواقفه بين الرفض والقبول المشروط، بـ«المشاركة في أي محادثات لإنهاء الحرب في البلاد»، وعلى حد قولهم: «يقع تحت ضغط كبير وحصار من الداخل والخارج».

فبعد يومين من إعلان الحكومة السودانية عبر وزارة الخارجية، استعداداها للانخراط في محادثات سويسرا لوقف إطلاق النار، بشرط عقد اجتماع سابق مع الحكومة الأميركية للتشاور بشأن أجندتها والأطراف المشاركة، خرج البرهان بعد نجاته من محاولة اغتيال بمسيّرة مجهولة خلال مشاركته الأربعاء في تخريج ضباط الكلية الحربية بمدينة جبيت شرق البلاد، بشروط جديدة من بينها «الاعتراف بالحكومة»، ودعا الوسطاء لمخاطبة «الدعم السريع» للانسحاب من المدن التي تسيطر عليها.

البرهان يحيي جمهور من ضباط الجيش بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (رويترز)

ويرى محللون أن رفض البرهان محادثات سويسرا «سيفقده المواقف المتوازنة لبعض دول الجوار الساعية لوقف الحرب، ومن ثم سيضع نفسه في مواجهة المجتمع الدولي، الذي سيسعى في المقابل، لزيادة الضغط عليه وعزله دولياً عن الذين يقاتلون إلى جانبه، ويرفضون أي اتجاه لوقف الحرب».

البحث عن الشرعية

وقال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ: «إن البرهان يريد قبل الذهاب إلى أي محادثات، الاعتراف بشرعية حكومته والتعاطي معه على هذا الأساس»، بيد أنه استبعد أن يجد ذلك المطلب قبولاً من الدول النشطة في الملف السوداني، مرجعاً ذلك إلى«عدم وجود سلطة شرعية بعد انقلاب الجيش على الحكم المدني» في 2021.

ورأى أن ما ذكره قائد الجيش في جبيت بعد فشل استهدافه بالطائرة المسيّرة، «كان إشارات متناقضة حول موقفه الحقيقي من محادثات وقف إطلاق النار» التي دعت لها الولايات المتحدة بسويسرا في 14 من أغسطس (آب) الحالي.

وقال: «إن البرهان أمام خيارين: إما أن يذهب إلى محادثات ويضع تلك الشروط ضمن أجندة التفاوض في سويسرا، أو أن يرفض، ومن ثم يظهر أمام العالم أنه غير جاد في وقف الحرب، وخطورة هذا الموقف قد تدفع للتعامل مع قوات الدعم السريع بوصفه أمراً واقعاً، ونتائجه اشتعال حرب أكثر ضراوة، وربما يؤدي إلى تغير في المواقف الحيادية لبعض الدول، من الجيش السوداني».

البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (أ.ف.ب)

وقال أبو الجوخ: «إن البرهان يحاول أن يمارس أكبر ضغط ممكن على الوسطاء والمجتمع الدولي لإضفاء شرعية على حكومته، لكن إعلان جدة عرف الطرفين بأنهما القوات المسلحة وقوات الدعم السريع... وما يعيق الموافقة على طلبه، أن (الدعم السريع) لا تعترف بأي شرعية لحكومة بورتسودان، وقد يدفعها ذلك إلى اتخاذ ردة فعل بالامتناع عن المشاركة في المحادثات».

وضع معقد

وبدوره، قال ضابط «متقاعد» برتبة رفيعة في الجيش: «إن وضع البرهان معقد جداً، من الناحية العسكرية على الأرض، من هذه الزاوية يمكن النظر إلى مواقفه التي تبدو في بعض الأحيان متشددة تجاه مواصلة الحرب حتى القضاء على تمرد ميليشيا الدعم السريع، وأحياناً أخرى يبدي مرونة مع وضع الشروط للحفاظ على تماسك مؤسسة الجيش».

وأضاف الضابط الذي طلب حجب هويته، أن قرار الذهاب إلى المفاوضات يجب ألا يكون حوله خلاف بين قادة الجيش، وأن يتم اتخاذه عبر التراتبية داخل المؤسسة العسكرية، وإلا فسُيحدث شرخاً داخلها... ورأى أن أي خطوة من الجيش للقبول بالمفاوضات مع «الدعم السريع»، يجب أن تسبقها تهيئة داخل المؤسسة العسكرية والرأي العام في الشارع، بيد أن ما يحدث في الواقع حملة مضادة لوقف الحرب.

أرشيفية لقائد الجيش السوداني البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا (الجيش السوداني)

ووفق المصدر ذاته، فإن للإسلاميين تأثيراً على القرار داخل الجيش، وتزايد بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب الحالية وانخراط أعداد كبيرة منهم في القتال في صفوفه في كل المواقع العسكرية بالبلاد، مشيراً إلى أن اتخاذ قرار بالذهاب إلى المفاوضات وتجاوزهم، ستكون له ردة فعل خطيرة على تماسك الجيش.

وقال: «إن تكتيك البرهان حالياً هو: حارب أولاً ثم فاوض، وسيعمل على كسب أكبر وقت ممكن لخلق حالة من التوازن العسكري على الأرض لتقوية موقفه على طاولة المفاوضات، لكن وفقاً للخريطة العسكرية الحالية، فإن ذلك قد يأخذ وقتاً طويلاً».


مقالات ذات صلة

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

شمال افريقيا أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف بلاده مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار في أعقاب مباحثات أجراها في أسمرة مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا امتحانات لطلاب سودانيين بمصر (السفارة السودانية في القاهرة)

انفراجة في أزمة المدارس السودانية الموقوفة بمصر

في انفراجة لأزمة المدارس السودانية الموقوفة بمصر أعلنت السفارة السودانية بالقاهرة أن لجنة من وزارة التعليم المصرية ستزور بعض المدارس الأخرى لمراجعة قرار إغلاقها

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا عقار وفليتشر خلال لقائهما في الخرطوم أمس (إكس)

ترحيب أممي بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات سودانية

رحب المسؤول الأممي توم فليتشر الثلاثاء بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات بالبلاد

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

وجه رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
TT

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

بينما أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» للكاتب الشهير بوعلام صنصال الذي يحتجزه الأمن الجزائري منذ الـ16 من الشهر الحالي، سيبحث البرلمان الأوروبي غداً لائحة فرنسية المنشأ، تتعلق بإطلاق سراحه.

وصرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الثلاثاء، لدى نزوله ضيفاً على إذاعة «فرانس إنفو»، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون «مهتم بالأمر، إنه كاتب عظيم، وهو أيضاً فرنسي. لقد تم منحه الجنسية الفرنسية، ومن واجب فرنسا حمايته بالطبع. أنا أثق برئيس الجمهورية في بذل كل الجهود الممكنة من أجل إطلاق سراحه». في إشارة، ضمناً، إلى أن ماكرون قد يتدخل لدى السلطات الجزائرية لطلب إطلاق سراح الروائي السبعيني، الذي يحمل الجنسيتين.

قضية صلصال زادت حدة التباعد بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

ورفض الوزير روتايو الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول هذه القضية، التي تثير جدلاً حاداً حالياً في البلدين، موضحاً أن «الفاعلية تقتضي التحفظ». وعندما سئل إن كان «هذا التحفظ» هو سبب «صمت» الحكومة الفرنسية على توقيفه في الأيام الأخيرة، أجاب موضحاً: «بالطبع، بما في ذلك صمتي أنا. ما هو مهم ليس الصياح، بل تحقيق النتائج». مؤكداً أنه يعرف الكاتب شخصياً، وأنه عزيز عليه، «وقد تبادلت الحديث معه قبل بضعة أيام من اعتقاله».

واعتقل الأمن الجزائري صاحب الرواية الشهيرة «قرية الألماني»، في محيط مطار الجزائر العاصمة، بينما كان عائداً من باريس. ولم يعرف خبر توقيفه إلا بعد مرور أسبوع تقريباً، حينما أثار سياسيون وأدباء في فرنسا القضية.

وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو (رويترز)

ووفق محامين جزائريين اهتموا بـ«أزمة الكاتب صنصال»، فإن تصريحات مصورة عُدَّت «خطيرة ومستفزة»، أدلى بها لمنصة «فرونتيير» (حدود) الفرنسية ذات التوجه اليميني، قبل أيام قليلة من اعتقاله، هي ما جلبت له المشاكل. وفي نظر صنصال، قد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، وأشار إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، التي تقع في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

بل أكثر من هذا، قال الكاتب إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». وفي تقديره «لم تمارس فرنسا استعماراً استيطانياً في المغرب لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، وفُهم من كلامه أنه يقصد الجزائر، الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً محلياً، خصوصاً في ظل الحساسية الحادة التي تمر بها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، زيادة على التوتر الكبير مع الرباط على خلفية نزاع الصحراء.

البرلمانية الأوروبية سارة خنافو (متداولة)

وفي حين لم يصدر أي رد فعل رسمي من السلطات، هاجمت «وكالة الأنباء الجزائرية» بحدة الكاتب، وقالت عن اعتقاله إنه «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور، رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه ضد المهاجرين في فرنسا عموماً، والجزائريين خصوصاً.

يشار إلى أنه لم يُعلن رسمياً عن إحالة صنصال إلى النيابة، بينما يمنح القانون الجهاز الأمني صلاحية تجديد وضعه في الحجز تحت النظر 4 مرات لتصل المدة إلى 12 يوماً. كما يُشار إلى أن المهاجرين السريين في فرنسا باتوا هدفاً لروتايو منذ توليه وزارة الداخلية ضمن الحكومة الجديدة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويرجّح متتبعون لهذه القضية أن تشهد مزيداً من التعقيد والتوتر، بعد أن وصلت إلى البرلمان الأوروبي؛ حيث سيصوت، مساء الأربعاء، على لائحة تقدمت بها النائبة الفرنسية عن حزب زمور، سارة كنافو. علماً بأن لهذه السياسية «سوابق» مع الجزائر؛ إذ شنت مطلع الشهر الماضي حملة كبيرة لإلغاء مساعدات فرنسية للجزائر، قُدرت بـ800 مليون يورو حسبها، وهو ما نفته الحكومة الجزائرية بشدة، وأودعت ضدها شكوى في القضاء الفرنسي الذي رفض تسلمها.