هل انشق حزب البشير أم «غيّر جلده» استعداداً لما بعد الحرب؟

قيادي وصف نفسه برئيس الحزب يعين هيكلاً جديداً لـ«حزب المؤتمر الوطني» السوداني

البشير أثناء خطاب بالقصر قبل شهرين من سقوط نظامه في أبريل 2019 (أ.ب)
البشير أثناء خطاب بالقصر قبل شهرين من سقوط نظامه في أبريل 2019 (أ.ب)
TT

هل انشق حزب البشير أم «غيّر جلده» استعداداً لما بعد الحرب؟

البشير أثناء خطاب بالقصر قبل شهرين من سقوط نظامه في أبريل 2019 (أ.ب)
البشير أثناء خطاب بالقصر قبل شهرين من سقوط نظامه في أبريل 2019 (أ.ب)

تضاربت الآراء والتحليلات حول التعديلات التي أجراها قيادي أطلق على نفسه صفة «رئيس «حزب المؤتمر الوطني»»، بين كونها انقساماً وصراعاً داخلياً، وبين كونها إعادة هيكلة استعداداً للمرحلة القادمة لما بعد الحرب، أو محاولة لتغيير «جلد» الحزب الذي حكم البلاد أكثر من ثلاثين عاماً، وأسقط بثورة شعبية أطاحت بحكمه، لكن المحللين السياسيين يرجحون أن القرارات الجديدة ربما تدرج في إطار الانشقاق الرأسي في الحزب المحلول.

وأسس الراحل حسن الترابي «حزب المؤتمر الوطني» عقب الاستيلاء على الحكم بانقلاب عسكري في 1989، ليكون واجهة إلى جانب التنظيم المعروف باسم الحركة الإسلامية، وأوكلت رئاسته لرئيس الحكومة آنذاك العميد عمر حسن البشير.

ويوم الأحد الماضي، نشرت صفحة تابعة للحزب وتناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي، قرارات أصدرها القيادي بالحزب إبراهيم محمود، كون بموجبها قطاعات إدارية جديدة للحزب، مطلقاً على نفسه صفة «رئيس الحزب»، وبموجبها عين القيادي السابق بالحزب الحاج آدم يوسف رئيساً للقطاع السياسي، وحاج ماجد سوار ومريم جسور نائبين له، إضافة إلى عبد الكريم عبد الله في منصب أمين الاتصال السياسي، بينما تولى فضل المولى الهجا أمانة التعبئة السياسية، وضياء الدين سليمان محمود ممثلاً لقطاع الإعلام، وأكمل بقية قطاعات الحزب بمكلفين جدد، وبينهم أعضاء قدامى في الحزب، بعضهم كان متمرداً عليه، إلى جانب عدد من أعضاء بالحزب أطلق عليهم «أعضاء خبرة» وأبرزهم عمار باشري، السلطان سعد بحر الدين، الصحافي عبد الماجد عبد الحميد، عبد القادر محمد زين.

مظاهرات صاخبة خرجت في الخرطوم احتفالاً بسقوط نظام البشير 2019 (إ.ب.أ)

وقال الإسلامي المنشق أشرف عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس الحزب الحالي هو أحمد هارون المختبئ في جهة غير معلومة، بعد فراره وقادة آخرين بالحزب من السجن بعد اندلاع الحرب، وتابع: «هارون لم يقم في أي وقت بتفويض إبراهيم محمود برئاسة الحزب».

ومحمود هو مقرب من المجموعة التي لجأت إلى تركيا بعد سقوط نظام حزبهم، وأبرزهم محمد عطا (مدير جهاز الأمن السابق وسفير السودان السابق في واشنطن)، ومها الشيخ (زوجة محمد عطا وقيادية في الحزب)، ومعتز موسى (آخر رئيس وزراء في عهد البشير)، وياسر يوسف (حاكم الولاية الشمالية السابق)، إلى جانب إبراهيم غندور (المقيم في إثيوبيا) وزير الخارجية السابق ونائب رئيس الحزب في عهد البشير.

ورجح عبد العزيز أن تكون تلك القرارات موقفاً من مجموعات داخل «حزب المؤتمر الوطني»، خاصة من أطلق عليهم «المسيطرين» على الحزب والمختفين داخل السودان، وهم أحمد هارون، وعلي كرتي (وزير الخارجية السابق 2010 و2015) وأسامة عبد الله (وزير سابق في عهد البشير) أو ما يطلق عليهم مجموعة «كوبر»، وقال: «هم يسيطرون في الخفاء، ويهمشون المجموعة اللاجئة في تركيا وإثيوبيا».

واستبعد عبد العزيز أن تكون الخطوة التي اتخذتها المجموعة التي يقودها إبراهيم محمود تبادل أدوار، مرجحاً أنهم قصدوا وضع قيادات الحزب المختفية أمام الأمر الواقع.

الانقسامات ليست جديدة

ولا تعد الانقسامات جديدة على «حزب المؤتمر الوطني»، فقد انقسم الحزب رأسياً في 1999، فيما عرف بـ«المفاصلة» التي أطاحت فيها مجموعة السلطة الموالية للرئيس البشير بزعيم الإسلاميين السودانيين حسن الترابي، الذي أنشأ بعد إطاحته من قبل تلاميذه «حزب المؤتمر الشعبي».

وتلا ذلك انقسام مجموعة أخرى بقيادة غازي صلاح الدين العتباني في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 وبمعيته أكثر من 31 من القيادات البارزة في الحزب، وكون «حركة الإصلاح الآن»، فيما شهد الحزب احتجاجات واسعة عرفت باسم «مذكرة الألف أخ» قبل أن تتم السيطرة عليها.

وفي مارس (آذار) 2018 – قبيل الثورة بعدة أيام ونتيجة للضغط الشعبي عليه – فوض البشير صلاحياته كرئيس للحزب لنائبه أحمد محمد هارون، لحين انعقاد المؤتمر العام التالي للحزب الحاكم، لكن الثورة الشعبية أطاحت بحكمه قبل انعقاد ذلك المؤتمر، ولم يصدر عن هارون أي تصريحات بتفويض صلاحياته لأي من قيادات الحزب.

مجموعات الحزب

ويتكون الحزب حالياً من ثلاث مجموعات رئيسية متنافسة، وهي «مجموعة المعتقلين» الذين كانوا يخضعون للمحاكمة، وفروا من السجن بعد اندلاع الحرب، ومنهم أحمد هارون، ومجموعة «المختفين» التي تعمل في السر وتدير الحزب وتسيطر عليه، وعلى رأسها علي أحمد كرتي وأسامة عبد الله وآخرون، و«مجموعة اللاجئين» الذين فروا من البلاد عقب سقوط حكمهم وعلى رأسهم مدير جهاز الأمن السابق محمد عطا المولى، وزوجته مها الشيخ، وآخر رئيس وزراء في عهد البشير معتز موسى، إلى جانب إبراهيم غندور الذي لجأ إلى إثيوبيا.

البشير مع بعض أعضاء فريقه العسكري في الأيام الأولى لاستيلائه على السلطة عام 1989 (أ.ف.ب)

ولا يعرف ما إن كان أفراد المجموعة الفارة من السجن لا تزال في داخل البلاد، أم تم تهريبهم إلى الخارج، ورغم تصريحات الداخلية السودانية لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، بأنها لن تسمح لهم بمغادرة البلاد، تناقلت الوسائط مقطع فيديو زعمت فيه أن القيادي بالحزب والفار من السجن نافع علي نافع وصل لتركيا، في وقت لا تزال أمكنة بقية الفارين من السجن مجهولة، بما فيها عمر البشير وأحمد هارون.

وفي أول اجتماع له بعد تكوينه في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، أصدر مجلس السيادة الانتقالي برئاسة عبد الفتاح البرهان، قراراً قضى بحل «حزب المؤتمر الوطني» الذي كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير، وأمر بمصادرة أمواله ومنع رموزه من ممارسة العمل السياسي لعشر سنوات على الأقل.

واستعاد الحزب المحلول «نفوذه» بعد انقلاب أكتوبر 2021 ضد الحكومة المدنية التي تكونت بسقوط حكم الإسلاميين في السودان بالثورة الشعبية المعروفة بثورة ديسمبر 2018، والتي شارك فيها ملايين السودانيين المطالبين بإسقاط حكم الإسلاميين.

وذهبت تحليلات تناولتها وسائط التواصل الاجتماعي إلى أن ما حدث «انشقاق» جديد في الحزب، يقوده مساعد البشير الأسبق ونائب رئيس الحزب إبراهيم محمود، بينما ذهبت تحليلات أخرى إلى أن الأمر ربما يكون «حيلة» من حيل الإسلاميين السودانيين للعودة للواجهة بأسماء جديدة، واستعداداً لمرحلة ما بعد الحرب.

ويتهم «حزب المؤتمر الوطني» بأنه كان يقف خلف انقلاب الجيش ضد حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ويستدلون على ذلك بأن قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان أعاد لقادة الحزب وأعضائه ممتلكاتهم وأموالهم التي تمت استعادتها من قبل لجان التفكيك، وأتاح لهم العودة للسيطرة على مفاصل الدولة مجدداً.

كما يتهم الحزب بـ«إشعال شرارة» الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» من خلال سيطرة الضباط الموالين له على زمام الأمور داخل الجيش، والذي قضى بإبعادهم من السلطة واستعادة ممتلكاتهم وأموالهم التي جنوها باستغلال السلطة لصالح الحكومة، وهو الحزب الوحيد الذي تقاتل «تنظيماته وكتائب ظله» إلى جانب الجيش ويرفض بشكل قاطع وقف الحرب والتفاوض مع قوات «الدعم السريع».

ويتهم حزب المؤتمر الوطني بأنه كان يقف خلف انقلاب الجيش ضد حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ويستدلون على ذلك بأن قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، أعاد لقادة الحزب وأعضائه ممتلكاتهم وأموالهم التي تمت استعادتها من قبل لجان التفكيك، وأتاح لهم العودة للسيطرة على مفاصل الدولة مجددا.

كما ويتهم الحزب بـ"إشعال شرارة" الحرب بين الجيش والدعم السريع من خلال سيطرة الضباط الموالين له على زمام الأمور داخل الجيش، لدعم السريع، والذي قضى بابعادهم من السلطة واستعادة ممتلكاتهم وأموالهم التي جنوها باستغلال السلطة لصالح الحكومة، وهو الحزب الوحيد الذي تقاتل "تنظيماته وكتائب ظله" إلى جانب الجيش ويرفض بشكل قاطع وقف الحرب والتفاوض مع قوات الدعم السريع.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

صحيفة سودانية: «الدعم السريع» تشكل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم (الجمعة)، بأن «قوات الدعم السريع» أعلنت تشكيل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا أفورقي والبرهان لدى لقائهما الثلاثاء (موقع مجلس السيادة السوداني على إكس)

أفورقي يبلغ البرهان بوقوف بلاده مع استقرار ووحدة السودان

أعلن الرئيس الإريتري آسياس أفورقي وقوف بلاده مع السودان لتحقيق الأمن والاستقرار في أعقاب مباحثات أجراها في أسمرة مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا عقار وفليتشر خلال لقائهما في الخرطوم أمس (إكس)

ترحيب أممي بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات سودانية

رحب المسؤول الأممي توم فليتشر الثلاثاء بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة بإنشاء مراكز إنسانية في 3 مطارات بالبلاد

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
TT

تعليق جوبالاند التعاون مع الصومال... هل يقود إلى «انفصال»؟

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)
تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية خلال عملية عسكرية (أ.ب)

محطة جديدة من التوتر بين ولاية جوبالاند، جنوب الصومال، والحكومة الفيدرالية، عقب قرار الإقليم تعليق العلاقات والتعاون مع مقديشو، بعد خلافات زادت وتيرتها عقب إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز أحمد مدوبي بولاية ثالثة، بالمخالفة لتشريع صومالي جديد يدخل حيز التنفيذ العام المقبل بالعودة إلى «الانتخابات المباشرة».

ذلك التعليق من جانب ولاية جوبالاند التي تقع على الحدود مع كينيا وإثيوبيا، جاء بعد إصدار سلطات الجانبين مذكرتي اعتقال لقيادة الإقليم والحكومة الفيدرالية، ويراه خبراء تحدّثوا مع «الشرق الأوسط» أنه قد يقود إلى «انفصال» للولاية عن مقديشو، ويفاقم من الصراع الأهلي، ويسمح لحركة «الشباب» الإرهابية التي ستستغل تلك الخلافات لزيادة تمددها.

وتُعد ولاية جوبالاند «سلة غذاء» الصومال، وعاصمتها «كسمايو»، ميناء مهماً من الناحية الاستراتيجية، وتحد ساحلها منطقة بحرية متنازع عليها بشدة، مع وجود مكامن نفط وغاز محتملة، و«يزعم كل من الصومال وكينيا السيادة على هذه المنطقة»، وفق «رويترز».

وجاء القرار في ظل أزمة انتخاب مدوبي الذي ترفضه مقديشو متزامناً مع إصدار محكمة «كسمايو» مذكرة اعتقال بحق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، متهمة إياه بـ«إشعال حرب أهلية وتقويض الوحدة الوطنية»، وذلك غداة إصدار محكمة بنادر الإقليمية التابعة لمقديشو، الأربعاء، مذكرة اعتقال بحق مدوبي، متهمة إياه بـ«انتهاك الدستور الصومالي».

وجاءت انتخابات جوبالاند، الاثنين، بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت الماضي، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المَعني بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد، وهو القانون الذي يرفضه مدوبي الذي يُعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، ويُعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

وكان الصومال يعتمد منذ عام 2000 على نظام انتخابات غير مباشرة مبني على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس، ولتجاوز هذا النظام توصّل «منتدى المجلس التشاوري الوطني» في مايو (أيار) 2023 إلى اتفاق يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، في عودة إلى آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، لكن لم تُنظم لعدم وجود قوانين للانتخابات، واتفق أعضاؤه على إجراء اقتراع مباشر في سبتمبر (أيلول) 2025، بعد وضع القانون الذي صدر قبل نحو أسبوع.

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «إصدار مذكرات اعتقال وتعليق العلاقات واعتبار انتخاب مدوبي غير قانوني انعكاس لتصاعد التوتر بين الحكومة الفيدرالية وجوبالاند؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع السياسية وزيادة الانقسامات».

وسيكون خيار «احتمالية الانفصال» مطروحاً، حسب بري؛ «إذا استمرت التوترات»، موضحاً أن «جوبالاند قد تسعى إلى إعلان انفصال فعلي. لكن هذا يتطلب دعماً محلياً ودولياً، بالإضافة إلى استقرار سياسي داخلي».

و«ربما كانت مذكرتا الاعتقال المتبادلة بين الطرفين ليستا إلا ستاراً داكناً تجري من ورائه الرغبة في تحرير خطاب العداء المتبادل الذي يجتهد طرفاه في التغطية عليه بمفاهيم الشرعية الدستورية لطبيعة الانتخابات»، وفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج.

ويرى أنه لو أصبح الصومال على هذه الحالة من التنازع فسوف يتحول إلى «بؤرة جاذبة للنشاط الإرهابي»، ومسرح لعمليات عسكرية يكون مداها واسعاً حول عموم منطقة القرن الأفريقي.

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

وقبل أيام، نشرت الحكومة الصومالية الفيدرالية ما يقرب من 1000 جندي فيدرالي في منطقة رأس كامبوني جنوب البلاد التي تنتشر فيها قوات جوبالاند، بعد انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي، لضمان الاستقرار ومواجهة حركة «الشباب». وعدّ إعلام صومالي محلي تلك الخطوة «تصعيداً كبيراً للخلاف بين الولاية ومقديشو».

بينما عدّت وزارة الأمن الداخلي في جوبالاند تلك الخطوة أنها «محاولة لتدمير النظام الفيدرالي وإثارة القلاقل السياسية والأمنية في الإقليم»، محذرة من «وقوع صدام بين تلك القوات وقوات الولاية الإقليمية».

وأزمة جوبالاند هي الثانية أمام مقديشو، في ظل استمرار توتر علاقاته مع إقليم أرض الصومال الانفصالي منذ بداية العام، مع عقد إثيوبيا مع الإقليم اتفاقاً مبدئياً، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

ورفضت مقديشو تلك الخطوة وعدّتها مساساً بالسيادة، وأدى الاتفاق إلى توتر في منطقة القرن الأفريقي، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وإعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029؛ بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة الصومال واستقلاله».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (الرئيس الصومالي على «إكس»)

ويرى الحاج أن الصراع الذي بلغ «حد اللاعودة» بين الحكومة الفيدرالية في الصومال وإقليم جوبالاند، يشير إلى فاعلية التدخلات الحدودية في محيط القرن الأفريقي؛ حيث يتشارك إقليم جوبالاند الحدود مع إثيوبيا، وهي ذات الدولة التي أضحت علاقاتها مع الصومال تسير على نحو مضطرب ومتوتر منذ أن أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مع إقليم أرض الصومال.

ويعتقد أن كل ما جرى من توترات بشأن الانتخابات في جوبالاند وحكومة الصومال ليس إلا بذرة خلاف لزعزعة وحدة الصومال، بعدما أثبتت التجربة الانتخابية في أرض الصومال نجاحها، و«ربما مُضيها في اتجاه الانفصال والاستقلال». ولا يستبعد «وجود أصابع إثيوبية تعمل على توجيه بوصلة مدوبي نحو تبني خيارات الانفصال والمطالبة بالاستقلال بعيداً عن هيمنة السلطة المركزية في مقديشو».

ويتفق معه بري على أن «إثيوبيا تلعب دوراً في دعم بعض المجموعات في جوبالاند؛ مما يعزّز مخاوف إمكانية حدوث انفصال جديد، خصوصاً أن التدخل الإقليمي يُعد عاملاً مهماً في الديناميات المحلية».

عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية الصومالية (أ.ب)

وبشأن إمكانية حدوث حل للأزمة، يرى الحاج أن «تخفيف مقديشو حدة الخطاب العدائي بين الصومال وأقاليمه ذات النزعة الانفصالية، يصبح هو الرهان الآن بغية تحييد الدور الإثيوبي ومنع نفوذها الساعي لاستغلال أوضاع المنطقة عموماً؛ لأجل تمرير مصالحها الحيوية دون الاكتراث لمستقبل القرن الأفريقي».

بينما أوضح بري أنه يمكن تدارك الأمور عبر إجراء الحكومة الفيدرالية وجوبالاند حواراً شاملاً لمعالجة القضايا العالقة، وتدخل وساطة دولية لتسهيل ذلك الحوار، مؤكداً أن الوضع في جوبالاند «يتطلّب خطوات عاجلة وفعّالة من جميع الأطراف المعنية، باعتبار أن الحوار والتعاون سيكونان المفتاح لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتجنّب تصعيد النزاع».