اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء يفجر أزمة حادة مع الجزائر

السلطات الجزائرية تقرر سحب سفيرها في باريس بـ«أثر فوري»

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء يفجر أزمة حادة مع الجزائر

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي بمناسبة زيارته للجزائر في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

اختار الرئيس الفرنسي مناسبة احتفال المغرب بالعيد الـ25 لصعود الملك محمد السادس على العرش ليقدم للرباط هدية دبلوماسية وسياسية بالغة الأهمية، من خلال اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء، وهو ما كانت فرنسا ترفضه حتى اليوم.

التوتر الجديد بين باريس والجزائر يطرح علامات استفهام كثيرة حول زيارة تبون المرتقبة لفرنسا (الرئاسة الجزائرية)

ويبدو واضحاً أن خطوة الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سعى في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى التقارب مع الجزائر، وتصفية الإرث الاستعماري لبلاده من خلال زيارة رسمية للرئيس عبد المجيد تبون، وعبر مجموعة من الخطوات، ستدفع مجدداً العلاقات الفرنسية -ـ الجزائرية نحو التوتر، بالنظر لحساسية الملف للمسؤولين الجزائريين، وللعلاقات المتردية بين الرباط والجزائر. وسارعت الجزائر منذ الخميس الماضي، أي منذ أن علمت الجزائر باستدارة الموقف الفرنسي، إلى إصدار بيان عبرت فيه عن «استنكارها الشديد» للقرار «غير المنتظر»، الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية. وأكدت وزارة الخارجية في بيانها، بلهجة لا تخلو من التهديد، أن الحكومة الجزائرية «ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنتج عن هذا القرار الفرنسي، وتُحمّل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك».

باريس: التعويض عن الوقت الضائع

جاءت الخطوة الفرنسية، التي رفضت باريس لسنوات القيام بها ما أدى إلى تباعد بينها وبين المغرب، في إطار رسالة من الرئيس ماكرون إلى العاهل المغربي كشف عنها، معاً، قصر الإليزيه والديوان الملكي المغربي، الثلاثاء. وإذا كانت باريس قد أعلمت الجزائر مسبقاً بمضمون قرارها، فإن غرضها كان تمهيد الأرضية وتفكيك اللغم، الذي يمكن أن ينفجر بوجهها ويطيح بكافة جهود التقارب التي سعى إليها ماكرون ومعه حكومته من أجل «تطبيع» العلاقات بالغة الحساسية بين باريس والجزائر.

الرئيس الجزائري مستقبلاً رئيسة الوزراء الفرنسية في 10 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وليس سراً أن المغرب كان ينتظر منذ فترة طويلة من باريس أن تقدم أخيراً على ما أقدمت عليه، فقد كانت الرباط تأخذ عليها عدم التحاقها بالركب الغربي، على غرار ما فعلت إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وغيرها. وأدى تردد باريس إلى برودة في العلاقات الثنائية. وما زاد في تفاقمها «التقارب» بين باريس والجزائر، والزيارة الرسمية المطولة التي قام بها ماكرون إلى الجزائر في شهر أغسطس (آب) من عام 2022، ومحادثاته المستفيضة مع الرئيس تبون. ولأن العلاقات الفرنسية - المغربية - الجزائرية مسألة بالغة التعقيد، فإن كل تقارب بين باريس وإحدى العاصمتين ينظر إليه على أنه يتم على حساب العاصمة الأخرى.

الرئيس الجزائري مع وزير الداخلية ورئيسة الوزراء الفرنسيين يوم 18 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

يبدو اليوم أن فرنسا تريد الإسراع للتعويض عن الوقت الضائع، وعن تأخرها في الاستجابة لما تراه الرباط قضيتها «المقدسة». ففي رسالته، تبنى ماكرون المقاربة المغربية لإغلاق ملف الصحراء بكل نقاطه، حيث كتب أن فرنسا تعتبر أن مخطط الحكم الذاتي الذي عرضه المغرب منذ 2007، «يشكل، من الآن فصاعداً، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل، مستدام ومتفاوض بشأنه طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة»، مضيفاً أن «الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية».

وفيما يعكس رغبة في محو صفحة الخلافات بين فرنسا والمغرب، قال ماكرون إن دعم باريس لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في2007 «واضح وثابت»، ما يحور نوعاً ما الموقف الفرنسي السابق، حيث دعمت فرنسا دوماً المقاربة الدولية مع تقييمها الإيجابي لما طرحته الرباط.

وبتعبير قاطع لما تلتزم به فرنسا من الآن فصاعداً، كتب ماكرون أن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية»، وأن باريس «تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي». كما حرص ماكرون على الإشارة إلى أنه «من الضروري مواصلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة»، منوهاً «بجهود المغرب» على هذا الصعيد، ووعد بأن فرنسا «ستواكب المغرب في هذه الخطوات لفائدة السكان المحليين».

ملك المغرب محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة الأخير للمغرب في نوفمبر من عام 2018 (رويترز)

وسابقاً، كانت باريس تقول إن المخطط المغربي يشكل «قاعدة جدية وذات مصداقية»، لإيجاد حل لمعضلة الصحراء، ولكن ليست القاعدة «الوحيدة» للحل. وإذ شدد ماكرون على «ثبات الموقف الفرنسي» إزاء ما سماه «تحدي الأمن الوطني» للمغرب، رأى أنه «حان الوقت لإحراز» تقدم على طريق الحل، داعياً «كافة الأطراف إلى الاجتماع من أجل حل سياسي هو في متناول اليد».

الجزائر ترد بسحب سفيرها بـ«أثر فوري» من فرنسا

حقيقة الأمر أن باريس تريد أن تدرج مقاربتها الجديدة في سياق «البراغماتية»، باعتبار أن ما يطرحه المغرب هو أكثر المقترحات جدية، وأنه يحظى بدعم متزايد من قبل الأسرة الدولية، ومنها في أفريقيا، بل إنها ترى فيه المخرج «الوحيد» من الأزمة المتواصلة منذ نحو 50 عاماً ولا أفق حل لها. ويبدو أن الرئيس ماكرون يريد «حماية» موقف بلاده بحديثه عن «حل سياسي عادل، مستدام ومتفاوض بشأنه طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». إلا أنه يسارع لقول عكس ذلك عندما يجزم بأن الحل الوحيد الممكن يكمن في الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء تحت السيادة المغربية.

وبكلام آخر، فإن ماكرون يصطف عملياً إلى جانب المغرب، بل إنه يعد بالترويج للحل الذي تعرضه الرباط منذ 17 عاماً. ولا شك أن موقف باريس الأخير سيعزز علاقاتها مع الرباط، وستكون ترجمته العملية قيام الرئيس ماكرون بزيارة رسمية «الأرجح أن تكون زيارة دولة»، بعد ثلاثة أعوام من العلاقات الباردة.

وأكدت صحيفة «لو موند» في عددها ليوم الاثنين أن «تغير» الموقف الفرنسي برز مع زيارة وزير الخارجية، ستيفان سيجورنيه، إلى الرباط في شهر فبراير (شباط) الماضي، حيث رأى أن «الصحراء الغربية مسألة وجودية» بالنسبة للمغرب، وأن باريس حضرت الأرضية لهذا التغيير منذ ربيع العام الماضي. وأفادت الصحيفة نفسها بأن الإليزيه دعا رؤساء الشركات الكبرى إلى اجتماع مع المستشار الدبلوماسي لماكرون، حيث أخبرهم الأخير بالتغير المرتقب في سياسة باريس، وأكد لهم أن زيارة ماكرون للرباط قائمة، ومن المنتظر أن تتم قبل نهاية العام الحالي، وما تنتظره فرنسا هو تلقي الدعوة الرسمية لإتمامها.

كان من الطبيعي أن تعبر الرباط عن ترحيبها وارتياحها إزاء الانعطافة الحادة في الموقف الفرنسي. وصدر بيان عن الديوان الملكي المغربي رأى أن ما قامت به باريس يشكل «تطوراً مهماً وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الصحراء».

وتقترح الرباط منح هذه المنطقة حكماً ذاتياً تحت سيادتها، فيما تدعو جبهة «البوليساريو» إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير برعاية الأمم المتحدة، نصّ عليه اتّفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.

ولم يتأخر رد فعل الجزائر حتى قبل نشر الرسالة الرئاسية، حيث سارعت وزارة الخارجية إلى إصدار بيان، الخميس الماضي، أعربت فيه «عن استنكارها لقرار الحكومة الفرنسية الاعتراف بخطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية».

وبعد ذيوع خبر رسالة ماكرون رسمياً، الثلاثاء، صدر عن وزارة الخارجية بيان أفاد بأن الحكومة الجزائرية قررت سحب سفيرها المعتمد في باريس بـ«أثر فوري». وقال البيان: «لقد أقدمت الحكومة الفرنسية على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضاً في إقليم الصحراء الغربية. وهذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة قد تمت من قبل الحكومة الحالية، باستخفاف واستهتار كبيرين دون تقييم متبصر للعواقب التي تسفر عنها».

واتهم البيان باريس بـ«انتهاك الشرعية الدولية، والتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتناقض كل الجهود الحثيثة والدؤوبة، التي تبذلها الأمم المتحدة بهدف استكمال مسار تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، فضلاً عن أنها تتنصل من مسؤولياتها الخاصة المترتبة على عضويتها الدائمة في مجلس الأمن». ومع هذا التطور، تكون زيارة الرئيس عبد المجيد تبون المؤجلة إلى باريس قد دخلت في غياهب النسيان.

ومن جانبها، هاجمت «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» «البوليساريو» فرنسا، وأكدت أنها «تستبعد باريس من كل مبادرة لغرض وضع حد للاستعمار في الصحراء»، بما في ذلك من بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء»، واتهمت في بيان فرنسا بـ«الوقوف إلى جانب المحتل» ما يجعلها «طرفاً غير مقبول».



مصر ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

رجل يُلوح بعلم لبنان في مدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
رجل يُلوح بعلم لبنان في مدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

مصر ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

رجل يُلوح بعلم لبنان في مدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)
رجل يُلوح بعلم لبنان في مدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية، الأربعاء، بأن القاهرة تُرحب بوقف إطلاق النار في لبنان، مشيرة إلى أنه «سيسهم في بدء مرحلة خفض التصعيد بالمنطقة».

وأكد البيان أهمية احترام سيادة لبنان، وضرورة العمل على استكمال بقية مؤسسات الدولة، بما فيها الرئاسة، دون أي إملاءات خارجية.

وأضاف أن اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان ينبغي أن يكون توطئة لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وضرورة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والنفاذ الكامل للمساعدات الإنسانية دون عراقيل.

ودعت مصر في البيان «لعملية سياسية جادة، وفي إطار زمني محدد، يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وإنهاء الاحتلال».

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية حيز التنفيذ، في الساعة الرابعة من فجر الأربعاء بالتوقيت المحلي.

وقد وسَّعت إسرائيل حربها التي تشنّها على قطاع غزة، لتشمل لبنان في الفترة الماضية، وقتلت كثيراً من كبار قادة جماعة «حزب الله»، التي تتبادل معها إطلاق النار منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.