هل يستمر الجيش السوداني برفض التفاوض إرضاءً لحلفائه دُعاة الحرب؟

اشتراط إخلاء «الدعم السريع» منازل المواطنين ذريعة في غير موضعها

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
TT

هل يستمر الجيش السوداني برفض التفاوض إرضاءً لحلفائه دُعاة الحرب؟

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة لقواته شرق البلاد (أرشيفية - سونا)

دأب الجيش السوداني على رفض العودة للتفاوض مع «قوات الدعم السريع»، تحت ذريعة عدم التزامها بنص المادة (1/ج) من «إعلان جدة الإنساني» في 11 مايو (أيار) 2023، التي نصت على إخلاء المراكز الحضرية بما في ذلك «مساكن» المدنيين، واشترط تنفيذها قبل العودة لأي تفاوض، متجاهلاً جلوسه مع «الدعم» فيما عُرف بـ«جدّة 2» وتوقيعه معها بيان التزامات. فهل بالفعل ينطلق الجيش من موقف مبدئي أو يتخذ تلك المسألة ذريعة للتنصل من التفاوض إرضاء لأنصار استمرار الحرب؟

فمنذ بادرت وزارة الخارجية الأميركية في 23 يوليو (تموز) الجاري إلى دعوة الطرفين للعودة للتفاوض، في 14 أغسطس (آب) المقبل في جنيف، استعاد أنصار الجيش وتنظيمات الإسلاميين وحزب «المؤتمر الوطني»، نغمة الضغط على الجيش لرفض المشاركة في المفاوضات المزمعة.

ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق جدة في مايو 2023 (رويترز)

جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ توقيع إعلان جدة الإنساني، ووقتها كانت الحرب تدور في العاصمة الخرطوم فقط، أما لحظة إعلان المبادرة الأميركية فقد اتسع نطاقها ليشمل معظم ولايات البلاد ما عدا خمساً من ثماني عشرة ولاية، وسيطرت «الدعم السريع» على عدد كبير من قواعد الجيش ووحداته العسكرية، وألحقت به خسائر بشرية ومادية فادحة.

ظل الجيش يماطل في العودة للتفاوض لوقف الحرب، متجاهلاً المأساة الإنسانية الكبيرة التي تسببت فيها الحرب، واتساع نطاقها وخسائره الفادحة، مستخدماً «الالتزام» ببند واحد من «إعلان جدة» يلوح به كلما عادت سيرة التفاوض للتداول.

نصت المادة (1/ج)، على «اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة، لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، مما يهدف إلى إخلاء المراكز الحضرية بما فيها مساكن المدنيين، فعلى سبيل المثال، لا ينبغي استخدام المدنيين كدروع بشرية».

«قوات الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)

وهو ما يعتبره المحلل السياسي محمد لطيف «عقبة» تجب إزالتها، منطلقاً من أن قضية منازل المدنيين هي نتيجة من تداعيات الحرب وليست سبباً فيها، ويقول: «لا يمكن تجاهل السبب والاتجاه لمعالجة النتيجة... الخطوة الأولى هي إيقاف الحرب».

ويرى لطيف أن «التمسك باستمرار الحرب لا علاقة له بمصالح الشعب، بل إن دعاة الحرب والمتمسكين باستمرارها يتخذون من هذا النص في (إعلان جدة)، ذريعة للحفاظ على مصالحهم». ويتابع: «أكرر، وكررتها أكثر من مرة، لا يوجد في (إعلان جدة) نص يلزم (الدعم السريع) بالخروج من منازل المواطنين».

وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أصدر مرسوماً بحل «قوات الدعم السريع» وإلغاء قانونها، وإعلانها «قوة متمردة على الدولة يتم التعامل معها على هذا الأساس»، الأمر الذي اعتبره لطيف «إنهاء لوجود تلك القوات القانوني والأمني والسياسي الذي نص عليه (إعلان جدة) في ديباجته».

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يسار) ومساعده ياسر العطا (أرشيفية - الجيش السوداني)

ويتابع لطيف: «الالتزام بالإعلان يجب ألّا يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي لأطرافه، ولا يرتبط بأي عملية سياسية»، ويستطرد: «التذرع بالنص الوارد في الإعلان هو مجرد محاولات تشويش وتضليل للرأي العام»، ويقول: «هذه الذريعة أصبحت مثل (قميص عثمان) والفتنة الكبرى، ونحن في فتنة كبرى أيضاً وجد دعاتها ما يتاجرون ويزايدون به على الناس».

ويرى لطيف أن «النصّ الذي وقعه الجيش أكد شرعية (قوات الدعم السريع)، والتمسك به يقتضي الاعتراف بما ورد في النص»، ويتابع: «إذا كنت تتمسك بـ(إعلان جدة)، فهذا هو (إعلان جدة) والبند الأول منه يفترض أن تلتزم به».

ويضيف: «الجيش وقع على شرعية (الدعم السريع)، في (إعلان جدّة)، كمؤسسة منشأة بقانون صادر من البرلمان، وأمن على وضعها السياسي بوصف رئيسها نائباً لرئيس السلطة الانتقالية، وعلى شرعية وجودها الأمني في المعسكرات أو مواقع عسكرية».

ويسخر لطيف من ذريعة الجيش وأنصاره بالقول: «ليس هناك استسلام أكثر من هذا، هم يتحدثون أن (إعلان جدة) ألزم (الدعم السريع) بالخروج من مساكن المدنيين، ويتجاهلون أنه اعترف بشرعية (الدعم السريع)».

سودانيون فارون من بلدة سنجة جنوب شرقي السودان يستريحون في مخيم بعد وصولهم إلى القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

وتتذرع «الدعم السريع» من جهتها، بما عُرف بـ«بيان التزامات بناء الثقة» الموقع بين الطرفين في «جدة 2» بتاريخ 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، والذي نصت المادة (3) منه على آلية تواصل بين قادة الطرفين وإعادة احتجاز الهاربين من السجون، بما فيهم قادة النظام السابق، «وتحسين المحتوى الإعلامي وتخفيف حدة اللغة الإعلامية، واتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمؤججة للصراع»، وهو ما لم يلتزم أي من الطرفين به.

فهل يذهب الجيش إلى جنيف أو يخضع لابتزاز، وربما تهديد، دعاة استمرار الحرب من الإسلاميين الذين يرون في استمرارها استمراراً لوجودهم وسيطرتهم على الجيش والدولة، ويرون في وقفها هزيمة عسكرية وسياسية قد تخرجهم من الملعب نهائياً؟!


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تدحض أنباء تقدم للجيش السوداني في سنار

شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

«الدعم السريع» تدحض أنباء تقدم للجيش السوداني في سنار

عضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي سليمان: «البلاد تعاني من كارثة إنسانية تغطي كل أقاليم السودان... 25 مليون سوداني في المرحلة الثالثة من الجوع».

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)

بوارج إريترية في سواحل السودان... رسائل في بريد إثيوبيا

رست الجمعة بوارج إريترية في السواحل السودانية، أثارت جدلاً كبيراً بشأن دواعيها في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد قتالاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (ودمدني السودان)
شمال افريقيا إيمان وأيمن التوأمان داخل وحدة سوء التغذية بمستشفى الأطفال بأم درمان (نيويورك تايمز)

«فسيفساء جبهات القتال المتغيرة» في السودان

ديكلان والش، كبير مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز» في أفريقيا، يكتب من السودان... بلد لم يتمكن سوى عدد قليل من الصحافيين من الدخول إليه وسط حرب أهلية.

ديكلان والش (نيروبي)
شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش البرهان وقائد «الدعم السريع» حميدتي خلال إحدى المناسبات السابقة على الحرب (أرشيفية)

حملات «إسفيرية» وشعبية لحث الجيش السوداني على التفاوض

علت الأصوات المطالبة بوقف الحرب وإحلال السلام في السودان، متحديةً التضييق الذي تفرضه الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن وحلفاؤهما ضد كل من ينادي بـ«لا للحرب».

أحمد يونس (كمبالا)

وزير جزائري سابق يحتج بشدة على «إقصائه غير القانوني» من الترشح للرئاسة

أحد شوارع العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)
أحد شوارع العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)
TT

وزير جزائري سابق يحتج بشدة على «إقصائه غير القانوني» من الترشح للرئاسة

أحد شوارع العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)
أحد شوارع العاصمة الجزائرية (مواقع التواصل)

احتج وزير الجالية الجزائرية بالخارج، سابقاً، بلقاسم ساحلي، بشدة، على قرار رفض ترشحه لانتخابات الرئاسة المقررة يوم 7 سبتمبر (أيلول) المقبل، مطالباً «المحكمة الدستورية» بإبطاله، بناء على طعن رفعه إليها، ويفترض أن تدرسه في غضون 7 أيام وفق قانون الانتخابات.

وظهر ساحلي في قمة التذمر وهو يشرح في مؤتمر صحفي، ليل السبت - الأحد، «بطلان قرار السلطة الوطنية للانتخابات» رفض ملف ترشحه. وكان رئيس هذه الهيئة، وزير العدل سابقاً، محمد شرفي، أعلن، الخميس الماضي، رفض 13 مرشحاً، والموافقة على 3 مرشحين فقط، هم: الرئيس عبد المجيد تبون، وعبد العالي حساني، رئيس الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم»، ويوسف أوشيش، السكرتير الأول لـ«جبهة القوى الاشتراكية»، وهي أقدم حزب معارض.

محمد شرفي رئيس سلطة مراقبة الانتخابات (الشرق الأوسط)

وأكد ساحلي أن قرار رفض ترشحه، الذي تسلمه من «سلطة الانتخابات»، كتب فيه أن أعضاءها طلبوا من رئيسها «التحري حول مسألة إقامة المرشح في العاصمة لمدة 10 سنوات على الأقل (وفق شروط القانون)، ومن احتمال وجود سوابق قضائية في حقه». مشيراً في هذا الخصوص إلى أن «المحكمة الدستورية عليها أن ترفض هذه الملاحظة، لأن سلطة الانتخابات ما كان ينبغي أن تشير إلى ذلك قبل أن تتحرى حول هذا الأمر، بحكم أنني لست معنياً بما ذكرته».

وأبرز ساحلي أن قرار رفض ترشحه، تضمن حديثاً لـ«سلطة الانتخابات» عن «أخلقة الحياة السياسية»، فتساءل باستياء بالغ: «هل أنا من المافيا، أم أنا سارق أم ماذا؟! هل أقع تحت طائلة أحكام قضائية بالسجن؟ طبعا هذا غير صحيح». وأردف: «طالب سنة أولى قانون لا يمكنه أن يرتكب خطأ كهذا».

وأوضح ساحلي، الذي كان وزيراً بين عامي 2012 و2013، أن السلطة كتبت في قرارها أنه قدم 635 استمارة توقيع خاصة بمنتخبين في ملف ترشحه، «في حين الحقيقة أنني أودعت 649 استمارة، فما مصير 14 استمارة؟ أين ذهبت؟!».

بلقاسم ساحلي وزير سابق (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وأضاف: «إذا كان هذا العدد مرفوضاً، يجب على السلطة أن تبلغني بالأسباب». مشيراً إلى أن الهيئة رفضت له 96 استمارة من 635 بذريعة أنها «مكررة مع مرشحين آخرين». وقال بهذا الخصوص: «فرضا أن ذلك صحيح، كيف لي أن أعلم أن منتخباً منح توقيعه لمرشح آخر بعد أن منحه لي؟ وحتى لو علمت بذلك، لا أملك سلطة منع هذا التصرف. القانون يقول مَن يقدم توقيعه لمرشحين يتعرض لغرامة. فما ذنبي أنا؟».

ويشترط قانون الانتخابات على مَن يرغب في تولي رئاسة الجمهورية أن يجمع 50 ألف توقيع فردي لناخبين، أو 600 توقيع منتخب في 29 ولاية على الأقل من 58 ولاية في كلا الحالتين. على ألا يقل عدد التوقيعات عن 1200 في كل ولاية.

وبحسب ساحلي، «لا يحق لسلطة الانتخابات إلغاء استمارات توقيعات الناخبين»، على أساس أن المادة 254 من قانون الانتخابات «تتحدث عن إلغاء الاستمارات المكررة عندما يتعلق الأمر فقط بالناخب الذي يمنحها للمترشح، في حين أنا وضعت لدى السلطة توقيعات المنتخبين وليس الناخبين. ألهذه الدرجة بلغ جهلهم بالقانون؟!».

سيدة الأعمال سعيدة نغزة (الشرق الأوسط)

كما احتجت سيدة الأعمال سعيدة نغزة، بشدة، على «إقصائها المجحف» من الترشح للرئاسة، معلنة في فيديو نشرته على حسابها بـ«فيسبوك»، عزمها «استعادة حقها بأي شكل». وقالت إنها أودعت طعوناً لدى المحكمة الدستورية.

وكانت لويزة حنون، زعيمة «حزب العمال»، أعلنت في 11 من الشهر الحالي، سحب ترشحها واتهمت جهات في السلطة، لم تحددها، بـ«افتعال عراقيل»، حالت حسبها، دون جمعها العدد المطلوب من التوقيعات.

عاجل مسؤولان إسرائيليان: إسرائيل تتأهب لاحتمال اندلاع قتال لبضعة أيام مع "حزب الله" بعد هجوم الجولان