الآلاف في السودان فقدوا أطرافهم بسبب الحرب

عمليات «البتر» تتم في مراكز صحية غير مؤهلة

سودانية داخل مستشفى بمنطقة جبال النوبة في السودان (أ.ف.ب)
سودانية داخل مستشفى بمنطقة جبال النوبة في السودان (أ.ف.ب)
TT

الآلاف في السودان فقدوا أطرافهم بسبب الحرب

سودانية داخل مستشفى بمنطقة جبال النوبة في السودان (أ.ف.ب)
سودانية داخل مستشفى بمنطقة جبال النوبة في السودان (أ.ف.ب)

على ساق واحدة، تجاهد أمينة مصطفى بجسدها النحيل، للترجل من السيارة إلى الكرسي المتحرك لزيارة الطبيب ومعرفة مدى شفاء جرحها في مدينة بورتسودان شرق السودان، وهي من ضمن آلاف ضحايا الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».

قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «أصيبت بشظايا قذيفة عشوائية في القدم اليمنى، وخضعت لعملية بتر من الركبة»... أمينة (20 عاماً) واحدة ممن تعرضوا لعمليات بتر للأطراف في الحرب الدائرة في السودان.

وقال الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة، دكتور عبد القادر عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، إن أكثر من 10 آلاف طفل فقدوا جزءاً أو أجزاء حيوية من أجسادهم جراء إصابات بالمقذوفات النارية.

فريق «أطباء بلا حدود» في السودان (إكس)

في حين ذهب المدير العام لوزارة الصحة في العاصمة الخرطوم، محمد القائم، للقول، إنه «لا توجد إحصائية دقيقة بشأن أعداد الذين بترت أطرافهم، لكن بلا شك تجاوزوا الآلاف خلال الحرب، هذا ما تظهره التقارير عن ارتفاع الإعاقات وعلى وجه الخصوص الحركية».

وأوضح: «إن العمليات في مستشفى النور، الوحيد الذي يعمل في مدينة أم درمان وغيرها من المستشفيات الحكومية، تتم مجاناً».

المدير العام للهيئة العامة للأجهزة التعويضية جمال جامد (الشرق الأوسط)

بدوره، قال المدير العام لـ«الهيئة العامة للأجهزة التعويضية للمعاقين»، جمال حامد، إنه منذ اندلاع الحرب «زادت الاحتياجات للأطراف الاصطناعية بشكل كبير، ويتم تصنيع 900 طرف شهرياً لمن فقدوا أحد أطرافهم بسبب الاشتباكات، ولا يشمل هذا الرقم الذين تعرّضوا لعمليات جراحية للبتر بسبب الحوادث المرورية أو أمراض السكري».

بيد أنه أشار إلى «توقف تصنيع الأطراف الاصطناعية منذ 5 أشهر بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام»، وقال في الوقت الحالي نصنع «عصا الساعد والأحذية الطبية»، ونقدم خدمة العلاج الطبيعي.

منظمة «أطباء بلا حدود» تؤكد أن ثلث الأشخاص الذين يدخلون المستشفيات في السودان «هم من الأطفال دون العاشرة» (أ.ف.ب)

ووفقاً للمسؤول الطبي للهيئة، هنالك جهود كبيرة لاستئناف العمل قريباً، مشيراً إلى أن الهجرة المستمرة للكوادر الفنية إلى خارج السودان أدت إلى توقف العمل في المراكز بمدن مدني، عطبرة والقضارف، على رغم أنها مجهزة بالكامل للإنتاج.

وأوضح حامد، أن أسعار الأطراف الاصطناعية تتراوح بين 250 و300 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 150 دولاراً)، لكنه توقع ارتفاعها بسبب زيادة تكلفة التصنيع.

ووفق أطباء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بعد خروج المستشفيات الكبيرة العامة والخاصة من تقديم الخدمة الطبية للمرضى بسبب القتال، تتم عمليات بتر الأطراف في مراكز صحية صغيرة غير مؤهلة، يخرج منها المصاب قبل أن تندمل جراحه، إلى دور إيواء غير مهيأة للعيش بدورها، ولا توجد فيها أدنى رعاية طبية؛ ما يؤدي إلى الكثير من الوفيات.

من جانبها، قالت الأمينة العامة لـ«المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة»، رحاب مصطفى، إن آخر إحصائية لأعداد المعاقين تدل على أنها تجاوزت 3 ملايين حالة، مضيفة: «إن النزاع المسلح الدائر في البلاد أدى إلى زيادة كبيرة في أعدادهم، وأن انقطاع خدمة الاتصالات في بعض الولايات عطل التبليغ عن الحالات الجديدة».

الأمينة العامة لـ«المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة» رحاب مصطفى

ونوهت، إلى أنه قبل اندلاع الحرب كانت نسبة الإعاقة مرتفعة في ولايات الخرطوم، شمال كردفان، جنوب دارفور والجزيرة، وحالياً تشهد هذه الولايات معارك ضارية؛ ما يعني أنها لا تزال تضم أكبر عدد من المعاقين.

وقالت مصطفى، إن أعداداً كبيرة من الأطفال قُتلوا وتعرّضوا لإصابات تسببت في إعاقتهم بسبب شظايا الأسلحة والمقذوفات المتفجرة.

وتوقع مسؤولون صحيون أن تؤدي حركة النزوح جراء القتال، إلى فقدان أصحاب ذوي الإعاقة أجهزتهم التعويضية لأسباب مختلفة، منها انتهاء مدة صلاحيتها والحاجة إلى تغييرها، أو تعرّضها للكسر والتلف.

ويقول هؤلاء: «إن الكثيرين ممن تعرّضوا للإعاقة بسبب الحرب، يعيشون في دور الإيواء وسط بيئة قاسية لا تتناسب واحتياجاتهم الخاصة».

ويحتاج الأشخاص الذين تضرروا من الحرب وفقدوا على أثرها أطرافهم، إلى تدخلات كثيرة من التأهيل وإعادة التأهيل وتوفير المعينات الطبية والجاهزة التعويضية والمساعدة، وهي فوق قدرة المؤسسات التأهيلية والعلاجية في الولايات الآمنة والمستقرة نسبياً.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)
أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

استعادت قوات الجيش السوداني، السبت، مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في جنوب شرقي البلاد، ما يسهل على الجيش السيطرة على كامل الولاية. وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، مئات الأشخاص يخرجون إلى الشوارع احتفالاً باستعادة المدينة التي ظلت لأكثر من 5 أشهر تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».

وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دخلت رئاسة الفرقة 17 مشاة بمدينة سنجة». ولم يصدر أي تعليق من «قوات الدعم السريع» التي كانت استولت في مطلع يوليو (حزيران) الماضي، على مقر «الفرقة 17 مشاة» في مدينة سنجة بعد انسحاب قوات الجيش منها دون خوض أي معارك. ونشر الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عناصره برتب مختلفة أمام مقر الفرقة العسكرية الرئيسة.

بدوره، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام، خالد الأعيسر، عودة مدينة سنجة إلى سيطرة الجيش. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، نقلته وكالة أنباء السودان الرسمية، إن «العدالة والمحاسبة مقبلتان وستطولان كل من أسهم في جرائم، وستتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم».

وأضاف أن «الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق مزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة».

وفي وقت سابق، تحدث شهود عيان عن تقدم لقوات الجيش خلال الأيام الماضية في أكثر من محور صوب المدينة، بعد أن استعادت مدينتي الدندر والسوكي الشهر الماضي، إثر انسحاب «قوات الدعم السريع». وقال سكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن قوات الجيش وعناصر المقاومة الشعبية انتشروا بكثافة في شوارع سنجة، وإنهم فرحون بذلك الانتصار.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (أرشيفية - مواقع التواصل)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض. وبفقدان سنجة تكون «قوات الدعم السريع» قد خسرت أكثر من 80 في المائة من سيطرتها على ولاية سنار الاستراتيجية، حيث تتركز بقية قواتها في بعض البلدات الصغيرة.

يذكر أن ولاية سنار المتاخمة لولاية الجزيرة في وسط البلاد، لا تزال تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، التي تسيطر أيضاً على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولاية كردفان في جنوب البلاد.

ووفقاً للأمم المتحدة نزح أكثر من نحو 200 ألف من سكان ولاية سنار بعد اجتياحها من قبل «قوات الدعم السريع».

واندلعت الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، بعد خلاف حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات للانتقال إلى حكم مدني، وبدأ الصراع في العاصمة الخرطوم وامتد سريعاً إلى مناطق أخرى. وأدى الصراع إلى انتشار الجوع في أنحاء البلاد وتسبب في أزمة نزوح ضخمة، كما أشعل موجات من العنف العرقي في أنحاء البلاد.