تساؤلات ليبية عن أسباب «الظهور المتحفظ» لسيف الإسلام القذافي

البعض يرجعها للتخوف من استهدافه

سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)
سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)
TT
20

تساؤلات ليبية عن أسباب «الظهور المتحفظ» لسيف الإسلام القذافي

سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)
سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)

أعادت صورة حديثة نشرها أنصار النظام السابق، لسيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، الأحاديث بشأن أسباب إحجامه عن الظهور علناً، منذ تقدمه بأوراق ترشحه للرئاسة قبل نهاية عام 2021.

وتباينت آراء سياسيين ومعارضين لسيف الإسلام، بين من يرى أن اختفاءه «يرجع لكونه ملاحقاً من قبل المحكمة الجنائية الدولية، أو لعدم امتلاكه لأي مشروع سياسي يقدمه إلى الليبيين باستثناء إرث والده»، لكن مؤيدين له يشيرون إلى أن «عدم انخراطه المباشر بالقضايا السياسية وما يتخللها من صراعات واتهامات متبادلة بالفساد، قد يكون خياراً ذكياً عزز شعبيته».

سيف الإسلام القذافي أثناء تقديمه أوراق ترشحه للرئاسة قبل نهاية العام الماضي (صفحته على تويتر)
سيف الإسلام القذافي أثناء تقديمه أوراق ترشحه للرئاسة قبل نهاية العام الماضي (صفحته على تويتر)

ويرى خالد الترجمان رئيس «مجموعة العمل الوطني» للدراسات الاستراتيجية، أن اختفاء سيف الإسلام «ضرورة» في ظل سريان مفعول مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، التي تطالب بتسليمه إليها، لاتهامه «بجرائم حرب» خلال ثورة 17 فبراير عام 2011.

ويرفض الترجمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما تطرحه بعض الأصوات من أن سيف الإسلام «تزايدت شعبيته لدى بعض المكونات القبلية والسياسية والعسكرية بالبلاد وخاصة بالجنوب؛ وأن ذلك يخصم من شعبية قائد (الجيش الوطني) المشير خليفة حفتر».

وتساءل الترجمان عن «طريقة قياس من يردد ذلك لشعبية نجل القذافي؛ وكيف يمكن لشخص مطارد مثله ويلف الغموض الكثير من تفاصيل حياته ولم يقدم مشروعاً سياسياً، أن يحصل على دعم أي كيان قبلي أو سياسي أو مجموعة مسلحة».

ولم تظهر أي معلومات تفصيلية تتعلق بحياة سيف الإسلام بعد إطلاق سراحه، لا محل إقامته ولا تحركاته ولا من يموله أو يوفر له الحماية، حتى ظهر في مقر «المفوضية الوطنية» في مدينة سبها لتقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ومقابلة صحافية مع «نيويورك تايمز» قبل ذلك التاريخ بعام.

وأشار الترجمان إلى أن «كثيراً من أنصار معمر القذافي ممن يعرفون بـ(تيار سبتمبر) أو (ثورة الفاتح)، يقولون بأن سيف لا يمثلهم سياسياً؛ فضلاً عن تغيير ولاء الكثير منهم بالسنوات الماضية نحو تأييد قيادة (الجيش الوطني) بمناطق تمركزه في شرق ليبيا وجنوبها».

الرئيس الراحل معمر القذافي (الشرق الأوسط)
الرئيس الراحل معمر القذافي (الشرق الأوسط)

وقتل معمر القذافي الذي حكم ليبيا لنحو 42 عاماً، بعد ثمانية أشهر من اندلاع الثورة ضده، وبعد شهر واحد من مقتله أي في نوفمبر ألقي القبض على نجله سيف الإسلام وتم نقله لمدينة الزنتان غربي البلاد، وقدم للمحاكمة أمام القضاء الليبي.

وفي منتصف عام 2015 صدر الحكم بإعدامه، لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم حرب» وقتل المواطنين خلال «ثورة فبراير» التي أطاحت بنظام والده، إلا أن الحكم لم ينفذ، وتم إطلاق سراحه من قبل «كتيبة أبو بكر الصديق» التي كانت تحتجزه في الزنتان منتصف عام 2017 بشكل مفاجئ ودون قرارات رسمية من السلطات.

ويرى المحلل بـ«المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، جلال حرشاوي، أن سيف القذافي «لا يمتلك القدرة على الظهور والتحدث العلني، أو حتى عبر مقطع مصور»، وقال «لا يمكن وصفه سوى كون أنه رمز، وليس سياسياً حقيقياً».

بالمقابل، لفت الناشط المدني ناصر عمار، إلى إعلان قوى سياسية وعسكرية وقبلية بمدينة الزنتان مؤخراً دعمها لسيف الإسلام، ويرى أن ذلك «يجعله قريباً في التساوي مع بقية الأطراف الليبية التي تمتلك وجوداً مسلحاً على الأرض».

وقال عمار، الذي كان يشغل رئيس (غرفة عمليات طرابلس) خلال «ثورة 17 فبراير» لـ«الشرق الأوسط» إن «تغيير قناعاتي وبعض العسكريين بالمنطقة الغربية بدعم سيف، جاء في إطار مشاركته لنا مواقفنا الرافضة لأشكال الهيمنة والتدخل الخارجي في ليبيا»، لافتاً إلى «اهتمام سيف بقضية المصالحة الوطنية، وهي شرط رئيسي لتحقيق الاستقرار المنشود».

«ميدان الشهداء» بطرابلس الذي شهد أكبر احتفالات بإسقاط نظام القذافي (مديرية أمن طرابلس)
«ميدان الشهداء» بطرابلس الذي شهد أكبر احتفالات بإسقاط نظام القذافي (مديرية أمن طرابلس)

ويرى عمار أن «بيانات الفريق السياسي لسيف الإسلام تعوّض قِلة ظهوره»، مرجعاً هذا النهج من الغياب «إلى التخوف من الاستهداف والملاحقة من بعض القوى المتنفذة في غرب وشرق ليبيا وجنوبها، والتي تواصل منذ ثلاثة أشهر اعتقال بعض قيادات فريقه هناك... الجميع منزعج من تنامي شعبيته».

ومؤخراً أعلن الفريق السياسي لسيف الإسلام رفضه المشاركة في اجتماع «مركز الحوار الإنساني» الذي كان مقرراً عقد قبل أيام في روما تحت شعار «ملتقى أنصار النظام السابق».

من جهته يرى مدير «مركز الأمة للدراسات الاستراتيجية»، محمد الأسمر، أن الغياب الشخصي لسيف عن المشهد العام «قد صب لصالحه وعزز من شعبيته».

وقال الأسمر لـ«الشرق الأوسط» إن المناخ السياسي الليبي ليس مستقراً، «وملفات الأزمة غاية التعقيد والتداخل، وغالباً ما يسفر الانخراط في نقاشها إلى خلافات عميقة حتى في صفوف المنتمين لتيار سياسي واحد، وبالتالي فضل سيف التعامل مع هذه الوضعية بشكل غير نمطي، وذلك بالابتعاد عما تمارسه أطراف وشخصيات أخرى كالحديث للإعلام أو عقد مؤتمرات، وربما توزيع الاتهامات بالمسؤولية على خصومهم».

ورأى الأسمر أن سيف الإسلام «ترك للخبراء بفريقه تقديم رؤيتهم العلمية حول تلك القضايا، وهو ما يرصد في بياناتهم والصفحات والمواقع الإعلامية المؤيدة له، مع استمراره في التركيز على الهدف الرئيسي، وهو حلم جل الليبيين بالوصول للانتخابات».


مقالات ذات صلة

ليبيا: سيف القذافي وآخرون بالنظام السابق إلى «المرافعة» مجدداً

شمال افريقيا سيف الإسلام القذافي في الزنتان (متداولة)

ليبيا: سيف القذافي وآخرون بالنظام السابق إلى «المرافعة» مجدداً

انتقدت «رابطة أسرى النظام الجماهيري» قراراً قضائياً بإعادة قضية سيف وآخرين للمرافعة من جديد، بعد أن كانت محجوزة للحكم هذا الأسبوع.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من حطام المسيّرة التي أسقطت صباح الثلاثاء في العجيلات بغرب ليبيا (من مقطع فيديو متداول على حسابات موثوقة)

مسلحو العجيلات الليبية يسقطون «مسيّرة متطورة» لقوات الدبيبة

تجاهلت السلطات في طرابلس الليبية التعليق على إسقاط طائرة مسيّرة «تركية الصنع»، لكن مصادر عسكرية قالت لوسائل إعلام إنها «مسلحة وتعد الأكثر تطوراً».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)

غضب بين أنصار القذافي لاتهامه بالتسبب في «ضياع ليبيا»

كان بالقاسم حفتر، «مدير صندوق إعادة إعمار ليبيا»، يتحدث عن القذافي في إطار نقاش عام خلال زيارة سابقة إلى جامعة وادي الشاطئ (جنوباً) وتساءل عما تركه لبلده.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

يقبع السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في سجن معيتيقة تحت إشراف «قوة الردع»، التي سمحت بنقله إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)

تجدد المناكفات السياسية بين روسيا وأميركا بسبب سيف القذافي

تجددت المناكفات السياسية بين روسيا وأميركا حول سيف الإسلام القذافي، بعد مطالبة الأخيرة السلطات في البلاد بضرورة تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

جمال جوهر (القاهرة )

اتهامات لميليشيات في غرب ليبيا بـ«احتكار بيع الأسمنت»

عنصران تابعان لـ«قوة التدخل والسيطرة» خلال تمركز أمني في زليتن غرب ليبيا (الصفحة الرسمية للقوة)
عنصران تابعان لـ«قوة التدخل والسيطرة» خلال تمركز أمني في زليتن غرب ليبيا (الصفحة الرسمية للقوة)
TT
20

اتهامات لميليشيات في غرب ليبيا بـ«احتكار بيع الأسمنت»

عنصران تابعان لـ«قوة التدخل والسيطرة» خلال تمركز أمني في زليتن غرب ليبيا (الصفحة الرسمية للقوة)
عنصران تابعان لـ«قوة التدخل والسيطرة» خلال تمركز أمني في زليتن غرب ليبيا (الصفحة الرسمية للقوة)

تواجه ميليشيات في غرب ليبيا اتهامات بالضلوع في «عمليات احتكار الأسمنت وبيعه في السوق السوداء»، وفق إفادات من مسؤولين محليين ونشطاء.

يأتي ذلك في أعقاب اعتصام لعمال مصنع «كبير» للأسمنت في مدينة زليتن (غرب) في مارس (آذار) الماضي، للتحذير من تغول تشكيلات مسلحة وتصاعد نفوذها داخل المصنع.

ويقر عميد بلدية زليتن، مفتاح حمادي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «باحتكار تشكيلات مسلحة من خارج مدينة زليتن لعمليات بيع الأسمنت إلى جانب عدد من التجار».

أحد الأحياء الرئيسية في مدينة زليتن (أ.ف.ب)
أحد الأحياء الرئيسية في مدينة زليتن (أ.ف.ب)

وظهر في ليبيا مؤخراً أحاديث علنية عن دور بعض الميليشيات في احتكار الأسمنت، وذلك بعد اتهامات وجهها لها عدد من النشطاء الليبيين، من بينهم عبد الله ماماش، بالتربح من خلال «احتكار الأسمنت في المدينة»، وفق تسجيل مصور متداول.

ودأبت تقارير أممية على تسليط الضوء، بشكل دوري، على شبكات احتكار وتهريب، تديرها ميليشيات في غرب البلاد، بدءاً من النفط والبنزين، وصولاً إلى الاتجار بالبشر، ويبدو أن الأسمنت هو جانب من حلقاتها المتشابكة.

وبحسب شهادات متطابقة لسكان محليين، فإن عمليات بيع الأسمنت في السوق السوداء تجري على «نطاق واسع» منذ سنوات من قبل بعض الميليشيات، وسط اتهامات متداولة عبر وسائل إعلام محلية وصفحات تواصل لإدارة مصنع الأسمنت بـ«المحاباة» في توزيع الحصص، مما قاد إلى إغلاق محتجين للمصنع مرتين.

ويرى مطلعون على هذه القضية أن النظام الأساسي لشركة «الاتحاد العربي»، التابع لها المصنع، يعفيها من رقابة «ديوان المحاسبة»، مقتصراً على قواعد رقابية تضعها الجمعية العمومية.

وتداولت صفحات تواصل اجتماعي ليبية صورة من فاتورة بيع أسمنت بسعر المصنع لميليشيا «قوة دعم الدستور والانتخابات»، التابعة لحكومة «الوحدة» في طرابلس، وهي الوثيقة التي لم ينفها أي طرف، والتي قال عميد بلدية زليتن إنها «سليمة».

وبدا واضحاً لمتابعين ليبيين نفوذ الميليشيات من زليتن وخارجها في قضية الأسمنت، مع إقفال المصنع في شهر مارس (آذار) الماضي بداعي «عدم عدالة توزيع الحصص على المواطنين، والإخلال باتفاق سابق جرى تحت رعاية النائب العام». ووقتذاك، فرضت ميليشيا «القعقاع»، المعروفة في زليتن، مدعومة بعناصر مسلحة، نفسها على المشهد حين اقتحمت موقع كتيبة الحماية التابعة للجهاز الوطني للقوى المساندة داخل المصنع، خلال الاعتصام الأخير، وفق رواية ناشط ومدون ليبي، تحفظ على ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط».

ويعلق عميد بلدية زليتن على هذه القضية قائلاً: «بعد الإغلاق الأخير من قِبل بعض السائقين وتشكيلات مسلحة بالمدينة، ودخول بعض التشكيلات من خارجها، وخوفاً من تطور هذا الصراع، تم تشكيل لجنة لفض الإشكال، ووضع آلية لضمان لوصول الأسمنت للمواطنين».

الحديث عن «بيزنس الأسمنت» يحيل أيضاً إلى شبهات حول دور «ميليشيا أبناء حريز» في زليتن، وفق رواية الإعلامي المعني بقضايا الفساد، خليل الحاسى.

وأمام هذا السباق على الأسمنت المسعّر الذي تحول إلى تجارة رابحة، يرى مفتاح حمادي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحل الأمثل يمكن في تمكين الأجهزة الرقابية، وذلك بإخضاع الشركة للرقابة من جانب ديوان المحاسبة»، مشيراً إلى «دور النائب العام الذي يضغط دائماً للحفاظ على استمرار العمل بالمصنع».

الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)
الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)

وتُعرف مدينة زليتن في غرب ليبيا معقلاً رئيسياً لصناعة الأسمنت في ليبيا، إذ تحتضن، علاوة على مصنع «الاتحاد العربي للمقاولات»، مصنعاً آخر تبلغ طاقته الإنتاجية 800 ألف طن، وفق بيانات حكومية.

ومن منظور المحلل العسكري الليبي، محمد الترهوني، فإن «نفوذ الميليشيات في بيزنس الأسمنت في زليتن هو ورقة في ملف مثقل بالاحتكار والاستحواذ، وفرض وتعزيز النفوذ السياسي»، عادّاً أن «سطوة الميليشيات جعل من هذه الموارد نقمة أكثر منها نعمة ومصدر رزق للشعب الليبي».

ويشير الترهوني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى دور هذه التجارة في «تمويل الميليشيات، وتوطيد سيطرتها عبر رفع سعر الأسمنت بإغلاق المصنع أو إغراق السوق».

وتذهب دراسة صادرة عن مركز «فاروس» للاستشارات والدراسات الاستراتيجية إلى اعتبار الميليشيات في ليبيا أحد الأطراف المنتفعة من «الفساد»، ضمن شبكة واسعة، وفق محمد إدريس عبد العزيز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طبرق، الذي رأى أنها «تريد الحفاظ على النظام القائم بغرض الاستمرار في تحقيق مصالحها الخاصة».

ستيفاني خوري (أ.ف.ب)
ستيفاني خوري (أ.ف.ب)

وسبق أن خلصت نائبة مبعوث الأمم المتحدة السابقة، ستيفاني وليامز، إلى ترجيح «تورط المجموعات المسلحة في أنشطة على غرار المافيا، بما في ذلك تهريب الأشخاص والوقود والمخدرات وأسلحة».