تجدد المناكفات السياسية بين روسيا وأميركا بسبب سيف القذافي

أنصاره استنكروا مطالبة واشنطن بتسليمه لـ«الجنائية الدولية»

سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)
سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)
TT

تجدد المناكفات السياسية بين روسيا وأميركا بسبب سيف القذافي

سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)
سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي (أ.ف.ب)

فيما بدت وكأنها ورقة تستخدم «تحت الطلب»، تجددت المناكفات السياسية بين روسيا وأميركا حول سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، بعد مطالبة الأخيرة لسلطات البلاد بضرورة تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وجاءت هذه المطالبة على لسان مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بحيث تشمل تسليم كل من تصدر ضده مذكرات اعتقال من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، والجهات القضائية المعنية بالعدالة، بمن في ذلك سيف القذافي.

وأحدثت مطالبة الدبلوماسي الأميركي في كلمته خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء الماضي، حالة من الغضب والرفض المتصاعدين في الأوساط الليبية لأسباب عدة؛ إذ قال خالد الغويل، مستشار اتحاد القبائل الليبية للعلاقات الخارجية، إن التحرك الأميركي «ليس مستغرباً بالنسبة لنا بالنظر إلى ما تقوم به من دعم لإسرائيل ضد سكان غزة».

سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 من نوفمبر 2021 (رويترز)

ومن وقت لآخر، تعود واشنطن للحديث عن ضرورة إخضاع سيف القذافي للمحكمة الجنائية الدولية بداعي «ارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب» خلال اندلاع «الثورة»، التي أطاحت بنظام والده في 17 فبراير (شباط) عام 2011.

وقال المندوب الأميركي إن «المسؤولين مثل سيف الإسلام القذافي، الصادر بحقه مذكرة توقيف، يجب أن يُقدموا للمحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة».

وشهدت جلسات مجلس الأمن الدولي في أكثر من مرة سجالاً أميركياً - روسياً حول سيف القذافي. بينما قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية، كريم خان، إحاطته أمام الدول الأعضاء في المجلس، أشار فيها إلى «إنهاء التحقيقات في ليبيا مع حلول نهاية عام 2025»، كما أشار إلى فتح مكتب للمحكمة في ليبيا لدعم مبدأ التكامل في التحقيقات.

ويرى الغويل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن القضاء الليبي «هو من يقرر في مصير سيف الإسلام، وقد سبق أن برأه من التهمة الموجهة إليه»، لافتاً إلى أن ليبيا لم توقع على برتوكول المحكمة، التي وصفها بأنها «تعمل بسياسة الكيل بمكيالين، ودائماً ما نلاحظ استمرار مطالبتها بذلك دون وجه حق».

وفيما عُدَّ دفاعاً عن سيف القذافي، رد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، خلال اجتماع مجلس الأمن على تقرير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن التحقيق في الوضع داخل ليبيا، وقال إن «القذافي تم قتله بشكل همجي، وفي المقابل تمت ملاحقة سيف الإسلام قبل أن يصدر عفو عنه».

من إحدى جلسات مجلس الأمن التي خصصت لمناقشة الأزمة السياسية في ليبيا (مجلس الأمن)

وأجملت السفارة الروسية في ليبيا حديث المندوب في عدة نقاط، من بينها اعتقاده أن «الجنائية الدولية شاركت في تدمير ليبيا، ومسؤولة عن الإفلات من العقاب، وما ارتكب من جرائم أثرت بشكل كبير على المنطقة». وقال إن «هناك جرائم أخرى ارتكبها الـ(ناتو)، وهذا لا يهم المحكمة، وما نود أن نذكره هو أنه سيتم اللجوء إلى الخدعة ذاتها، التي حدثت في يوغوسلافيا بشأن جرائم الـ(ناتو)»، مبرزاً أن «الكيل بمكيالين من قبل المحكمة لا يتصل فقط بالملف الليبي، بل بالقضية الفلسطينية وكل أنشطة المحكمة».

كما لفت المندوب الروسي إلى ضرورة «البدء بعملية سياسية في ليبيا بالاستناد إلى توافق وطني، وبمشاركة كل الفعاليات في المجتمع الليبي، بدلاً من الاستماع لهذه البيانات الفارغة».

ومنذ بروز توتر في العلاقات بين واشنطن وموسكو في التعاطي مع الأزمة الليبية، وأميركا تدعو سيف إلى تبرئة ساحته أولاً أمام المحكمة الدولية، بينما يحظى بمساندة روسيا على قاعدة «ضرورة مشاركته في الحياة السياسية، كونه مواطناً ليبياً».

وفي دفاعه عن سيف القذافي، اتهم مستشار اتحاد القبائل الليبية للعلاقات الخارجية، أميركا بأنها «تسهم في الفتنة»، قائلاً: «لا يعنينا قرارات الولايات المتحدة، والشعب الليبي سيقول كلمته عبر الانتخابات، وسيف الإسلام مراهن على أن الليبيين هم من سيقول الكلمة الفصل في قيادة البلاد».

ولقطع الطريق أمام المحكمة الجنائية دعا رئيس حزب «صوت الشعب»، فتحي الشبلي، سلطات بلاده القضائية لرفض ما سمّاه بـ«التدخل السافر في شأن القضاء الليبي». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حزبنا يدين إحاطة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، كما نرفض التدخل السافر في شؤون القضاء الليبي، وكل ما جاء في الإحاطة، والذي يعني بوضوح إلغاء دور القضاء الليبي وتهميشه»، لافتاً إلى أن المحكمة الجنائية «مُسيسة، وذراع لقمع الشعوب التي لا تذعن لسياسات الولايات المتحدة وتوابعها»، كما أن بلادنا ليست موقعة على بروتوكول المحكمة، وليست عضواً بها، ولذلك لا حق لها بالتدخل في شؤون قضائنا».

الشيخ علي أبو سبيحة رئيس فريق سيف الإسلام القذافي في اجتماعات «المصالحة الوطنية» (الشرق الأوسط)

ويرى سياسيون ليبيون تفجير قضية سيف القذافي أمام مجلس الأمن «نوعاً من المناكفة المعتادة» بين مندوبي موسكو وواشنطن، باعتبارها ورقة «تحت الطلب»، يتم التلويح بها من وقت لآخر، لكن موالين لسيف الإسلام يرون أن المحكمة الجنائية «لم تقدم أي اتهام ضده حتى الآن، كما أنها توقفت عن المطالبة باستدعائه منذ سنوات.

وكان موالون لسيف القذافي بالزنتان قد نظّموا استعراضاً عسكرياً مهيباً، وأكدوا تمسكهم مجدداً بدعم سيف القذافي للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما اعتقلته السلطات الأمنية بجنوب ليبيا، ونجله زكريا، في ظل تقارير تتحدث عن نقلهما بطائرة عسكرية إلى مدينة بنغازي، واتهام أنصار النظام السابق للمشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، بالوقوف وراء اعتقاله.


مقالات ذات صلة

هدوء حذر غرب طرابلس الليبية بعد ليلة من الاشتباكات المسلحة

شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لتسلم رئيسه تقرير الهجرة غير النظامية (المركز الإعلامي لصالح)

هدوء حذر غرب طرابلس الليبية بعد ليلة من الاشتباكات المسلحة

أعلن مكتب مركز طب الطوارئ والدعم بمدينة الزاوية، مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين في الاشتباكات التي شهدتها مدينة العجيلات غرب العاصمة طرابلس.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا حفتر يتوسط المنفي وصالح في لقاء سابق (القيادة العامة)

ليبيا: قانون «المصالحة» يُشعل «صراع الصلاحيات» بين البرلمان و«الرئاسي»

وجّه رئيس البرلمان الليبي حديثه «للمعترضين على قانون المصالحة الوطنية» وقال إن «الطريق في عرض القوانين يكون بمقترح مقدم من 10 نواب أو مشروع قانون حكومي»

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المجلس الرئاسي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

ليبيا: كيف بدأ الخلاف بين «النواب» و«الرئاسي»... وإلى أين سينتهي؟

تجددت التوترات بين مجلسي «النواب» و«الرئاسي» في ليبيا بعد اعتراض الأخير على إقرار الأول مشروع قانون «المصالحة الوطنية» في جلسته الأخيرة الأسبوع الماضي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا قوات موالية لحكومة الدبيبة في تدخل لتفريق المحتجين وسط العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)

«لقاء كوهين» يفاقم الاحتجاجات في غرب ليبيا ضد «الوحدة»

الدبيبة: هناك أطراف محلية لا تريد إلا الحروب والدمار والفساد في ليبيا.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)

القاهرة تتمسك مجدداً بتفكيك الميليشيات وإخراج «المرتزقة» من ليبيا

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير تميم خلاف إن بلاده تواصل دعم تشكيل «سلطة تنفيذية موحدة» في ليبيا تساعد في إجراء الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش السوداني يواصل تقدمه في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يواصل تقدمه في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

تواصل سقوط مدن ولاية الجزيرة وسط السودان تباعاً في يد الجيش السوداني والفصائل المسلحة المتحالفة معه، من دون أي معارك؛ نتيجة لانسحاب مفاجئ لـ«قوات الدعم السريع» من مناطق سيطرتها في مساحات واسعة حول الولاية.

وحقق الجيش، السبت، مكاسب عسكرية كبيرة بعد سيطرته على عاصمة الولاية مدينة ود مدني، التي ظلت في قبضة «قوات الدعم السريع» لأكثر من عام. وتقدمت، الأحد، قوات الجيش من الناحية الغربية للولاية، وفرضت سيطرتها على عشرات البلدات الصغيرة والقرى الواقعة قرب مدينة الكاملين، أكبر محليات ولاية الجزيرة، التي تبعد نحو 95 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم. ولا تزال قوات الجيش تواصل التقدم بوتيرة أسرع لاستعادة المناطق التي تقع على الطريق الرئيسية الرابطة بين ولاية الجزيرة وولاية الخرطوم.

وأفاد سكان قرويون بأن قوات الجيش بدأت في عمليات تمشيط واسعة النطاق في البلدات والقرى لطرد عناصر «الدعم السريع» التي انسحبت باتجاه العاصمة الخرطوم.

وسيطر الجيش على بلدات مهمة من جهة الغرب، وهي فداسي والقريقريب والعيكورة، بينما تتقدم قواته صوب مدينة الحصاحيصا، إحدى أكبر مدن الجزيرة، التي لا تزال خارج نطاق التواصل نتيجة لانقطاع الاتصالات وشبكة الإنترنت.

كما سيطرت قوات «درع السودان» بقيادة أبو عاقلة كيكل، المنشق عن «قوات الدعم السريع» على بلدة تمبول شرق الجزيرة، وهي مركز استراتيجي لمئات القرى في سهل البطانة. وظهر كيكل مع عناصر من قواته أمام مستشفى تمبول، معلناً السيطرة عليها بالكامل.

وفي حال تواصل تقدم الجيش السوداني بهذه الوتيرة، من اتجاهي الغرب والشرق في ولاية الجزيرة، فلن يتبقى في أيدي «الدعم السريع» من المناطق الاستراتيجية في وسط البلاد، سوى وجوده في العاصمة الخرطوم. وتواجه «قوات الدعم السريع» صعوبات كبيرة في المحافظة على المناطق التي كانت تسيطر عليها أمام التقدم المتواصل للجيش من عدة محاور.