عودة المياه إلى مجاريها بين الجزائر وأمانة «الاتحاد المغاربي»

بعد توتر شديد مع البكوش على خلفية النزاع مع الرباط

صورة-أرشيفية-لمؤسسي-الاتحاد-المغاربي
صورة-أرشيفية-لمؤسسي-الاتحاد-المغاربي
TT

عودة المياه إلى مجاريها بين الجزائر وأمانة «الاتحاد المغاربي»

صورة-أرشيفية-لمؤسسي-الاتحاد-المغاربي
صورة-أرشيفية-لمؤسسي-الاتحاد-المغاربي

قال وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، إن تونس «اتخذت خياراً صائباً» بتعيين الدبلوماسي طارق بن سالم أميناً عاماً لـ«اتحاد المغرب العربي»، في إشارة ضمناً، إلى استياء بلاده الكبير من فترة تولي الطيب البكوش ذلك المنصب، واتهامه بأنه كان «دوماً منحازاً للمغرب» بخصوص نزاع الصحراء الغربية.

وأفادت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، الأحد، أن عطاف أجرى لقاء ثنائياً مع السالم في أكرا عاصمة غانا، بمناسبة مشاركتهما في «الاجتماع نصف السنوي السادس، بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية والآليات الإقليمية بأفريقيا»، مؤكداً أن تونس «اختارت للأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي دبلوماسياً محنكاً، يشهد له تمسكه والتزامه تجاه القضايا التي تعني المنطقة المغاربية».

وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف (الوزارة)

ووفق البيان ذاته، أكد الوزير عطاف للدبلوماسي التونسي أن الجزائر ستمد له يد العون في أداء مهامه، خدمةً لتطلعات ومصالح الشعوب المغاربية.

وكانت وزارة الخارجية التونسية أعلنت، في نهاية مايو (أيار) الماضي، عن تعيين طارق بن سالم أميناً عاماً لـ«اتحاد المغرب العربي»، لمدة 3 سنوات، بداية من يونيو (حزيران) 2024، ليخلف مواطنه وزير الخارجية التونسي الأسبق الطيب البكوش، الذي شغل المنصب منذ منتصف عام 2016.

وقالت تونس إن تعيين بن سالم «جاء وفقاً لمقتضيات معاهدة تأسيس اتحاد المغرب العربي عام 1989، وباقتراح من الرئيس التونسي قيس سعيد، وبعد موافقة جميع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد»، وهي 5 دول.

وتميزت علاقة الجزائر بالبكوش طيلة الفترة الماضية بتوتر حاد. فقد هاجمته بشدة العام الماضي، واتهمته بـ«تضليل الرأي العام المغاربي وتزييف الحقائق»، على خلفية اتهامه لها بـ«عرقلة العمل المغاربي»، ومطالبتها بتسديد ديون لفائدة «الاتحاد».

وأخذت الجزائر على البكوش «انحيازه» لخطة الحكم الذاتي المغربية بشأن الصحراء. والمعروف أنها تدعم موقف «بوليساريو» بخصوص رفض الخطة، وتشجعه على المطالبة بـ«استفتاء تقرير المصير برعاية أممية».

طارق بن سالم (مواقع التواصل)

ويشار إلى أن المنصبين الأساسيين في «الاتحاد»، هما الأمانة العامة ومجلس الشورى. الأول مقره الرباط، ودرجت العادة على أن يتولاه تونسي. والثاني مقره الجزائر، ورئيسه الحالي الدبلوماسي الجزائري سعيد مقدَم.

وأطلق قادة المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا «اتحاد المغرب العربي»، في 17 فبراير (شباط) 1989، بمدينة مراكش المغربية، وكان الهدف «النهوض بالمنطقة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً». غير أن هذا التكتل لم يكتب له أن يحقق أي مكسب في الميدان، بسبب الخلاف الجزائري المغربي حول نزاع الصحراء، الذي ازداد تصعيداً في 2021، عندما قررت الجزائر قطع علاقتها مع الرباط.

وعقدت آخر قمة لـ«الاتحاد» في 1994 في تونس. وفي العام نفسه، أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب، بسبب اتهام مخابراتها بتنفيذ عمل إرهابي بفندق في مراكش.

تبون وسعيد (أ.ف.ب)

ومطلع مارس (آذار) الماضي، عقد الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والتونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، بالجزائر، «لقاء مغاربياً ثلاثياً»، وفق ما أعلنته الرئاسة الجزائرية التي قالت إن القادة الثلاثة «استعرضوا القمة السابعة للغاز» التي عقدت في تلك الفترة بالجزائر، وحضرها سعيد والمنفي. كما بحث اللقاء، حسبها، «الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية، وضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها، لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب».

وفي أبريل (نيسان) الماضي، التقى القادة في تونس، ما ترك انطباعاً بأن الأمر يتعلق ببديل لـ«الاتحاد المغاربي» المشلول بسبب الخلاف بين أكبر عضوين فيه. وسئل تبون من طرف الصحافة الجزائرية، عن هذا الموضوع، فقال إن «المسعى لا يهدف إلى إقصاء أي أحد»، ودعا «الأشقاء في المغرب» للانضمام إلى الاجتماع التشاوري المغاربي الذي تم الاتفاق على عقده مرة كل 3 أشهر، في إحدى العواصم الثلاث. وإلى الساعة لا يعرف موقف موريتانيا منه.


مقالات ذات صلة

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي يُبقي على وزراء الحقائب السيادية والمقربين من تبون

ذكرت «وكالة الأنباء الجزائرية» أن رئيس الوزراء محمد النذير العرباوي قدّم، اليوم الاثنين، استقالة الحكومة إلى الرئيس عبد المجيد تبون.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».