«الصلاحيات القانونية» تشعل خلافات «النواب» و«الأعلى للدولة» في ليبيا

على خلفية إقرار البرلمان «الموازنة العامة»

رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (المكتب الإعلامي للمجلس)
رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (المكتب الإعلامي للمجلس)
TT

«الصلاحيات القانونية» تشعل خلافات «النواب» و«الأعلى للدولة» في ليبيا

رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (المكتب الإعلامي للمجلس)
رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (المكتب الإعلامي للمجلس)

صعّد رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، بمواجهة المجلس الأعلى للدولة، الذي يرأسه محمد تكالة، وقال إن البرلمان «هو صاحب الاختصاص» في إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للدولة «دون غيره من المجالس الأخرى».

وبلغة لا تخلو من التحدي، طالب صالح تكالة بتقديم «نص قانون واحد يعطي مجلسه صلاحية إقرار الموازنة»، وهو ما عدّه مراقبون سجالاً يعيد للواجهة الخلاف المتكرر بين المجلسين حول «صلاحيات» كل منهما في اعتماد القوانين.

وقال عضو مجلس النواب الليبي، خليفة الدغاري، إنه وفقاً للاتفاق السياسي الموقّع نهاية 2015 في مدينة الصخيرات المغربية، فإن تشاور مجلسه مع «(الأعلى للدولة) يقتصر على ملفات بعينها، دون الإخلال بصلاحيات البرلمان كسلطة تشريعية منتخبة»، لافتاً إلى أن الاتفاق نصّ على اعتبار المجلس الأعلى للدولة «استشارياً».

وأضاف الدغاري لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف، رغم معرفة كل المؤسسات للصلاحيات الممنوحة لها باتفاق الصخيرات، فإن المناكفات بشأن تلك الصلاحيات لا تتوقف إلى يومنا هذا في مختلف القضايا؛ لذا نعدّها مناكفات سياسية لا قانونية، تستهدف إثبات الوجود بالمشهد».

وكان المجلس الأعلى للدولة قد صوّت بالإجماع «على رفض مشروع الموازنة العامة للدولة الليبية للعام الحالي، التي اعتمدها مجلس النواب (منفرداً) الأسبوع الماضي، بقيمة 179 مليار دينار». (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ولفت الدغاري إلى وجود تشاور بين المجلسين تم حول تلك الموازنة، وذلك عبر ضم اللجنة، التي شكّلها رئيس البرلمان لإعدادها ممثلين عن «الأعلى للدولة»، وكذلك حكومتا عبد الحميد الدبيبة وأسامة حماد.

بالمقابل، رفض عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، حديث صالح عن ما أسماه «تطفل مجلسه على مشروع الموازنة».

واستند معزب في تصريحاته لقناة «ليبيا الأحرار» إلى توضيح دور «الأعلى للدولة» بملف الموازنة، على نصوص اتفاق الصخيرات، وخاصة المادة (14) التي تنص على «اختصاص رئيس الوزراء بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات الدولية والقوانين المالية» مثل قانون الموازنة. لافتاً إلى أن حكومة الدبيبة «هي من تحظى وحدها بالاعتراف الأممي»؛ وهو ما يعني أن حكومة حماد «لا يجوز لها التقدم بمشروع الموازنة»، على حد قوله.

من جهته، نسب عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، الخلاف في تفسير نصوص اتفاق «الصخيرات» بين المجلسين؛ وذلك «لتضارب مواقف أفرقاء الأزمة الليبية عموماً من الحكومتين المتنازعتين على السلطة، وأيهما تعدّ حكومة شرعية للبلاد».

وقال بن شرادة لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاق السياسي لعام 2015 كان مرتبطاً بحكومة (الوفاق الوطني)، والذي نصّ على أن مدة ولايتها عام واحد فقط». مضيفاً أن ليبيا «تعيش الآن انقساماً حكومياً بين حكومة الدبيبة، التي سحب البرلمان الثقة منها في سبتمبر (أيلول) 2021، وحكومة حماد التي لا يعترف بها (الأعلى للدولة)».

ورغم تصويت 63 من أعضاء مجلسه، من أصل 75 حضروا الجلسة في العاصمة طرابلس، ضد الموازنة، فقد شدّد بن شرادة على اختلاف دوافع ومواقف هؤلاء للرفض. ورأى أن «هناك من رفض الموازنة لتخوفه من تهميش دور (الأعلى للدولة)، إذا استمر بالبرلمان في نهج الانفراد بالقرارات، وهناك من تمسك بعدم سلامة الإجراءات وفقاً لاتفاق الصخيرات».

وقال بن شرادة بهذا الخصوص: «هناك كتلة ثالثة ترفض إصدار ميزانية كبيرة جداً في التوقيت الراهن؛ بسبب تداعيات ذلك من تكريس للانقسام السياسي بين شرق البلاد وغربها، عبر إطالة أمد الحكومتين في السلطة نتيجة طمع كلتيهما بالتصرف بحصتها من الأموال».

وكان صالح قد أكد مطلع العام الحالي على أن مجلسه هو «السلطة التشريعية الوحيدة» بالبلاد في هذه المرحلة، نافياً «وجود شريك للمجلس في إصدار القوانين، طبقاً للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي»؛ مبرزاً أن «التشاور مع (الأعلى للدولة) «في الانتخابات والاستفتاء فقط».

بدوره، عدّ المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، السجال والتجاذب حول صلاحيات المجلسين «مجرد عنوان فصل جديد من خلافاتهما حول تقاسم المال والسلطة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إبرام صالح اتفاقاً منفرداً مع محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، على تمرير ميزانية مقدمة من حكومة حماد، رغم عدم الاعتراف الأممي بها، يعني تحقيقه انتصاراً معنوياً، وفرض إرادته ومجلسه على الجميع».

محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير (الشرق الأوسط)

وبحسب أوساط ليبية، فإن رفض «الأعلى للدولة» للموازنة، ودعوته «كل صاحب مصلحة للطعن عليها» مجرد محاولة لعدم الاستسلام للواقع.

من جانبه، تحدث الناشط السياسي، أحمد التواتي، عن «كيفية تعطيل المجلسين للمسار السياسي لسنوات بسبب خلافاتهما الدائمة على صلاحيات كل منهما باتفاق (الصخيرات)». وقال التواتي لـ«الشرق الأوسط» إن «اتفاق (الصخيرات) تم أثناء محاولة إنهاء حالة اقتتال داخلي؛ وحاول صنّاعه إرضاء الأطراف كافة، ومنها تيار الإسلام السياسي، الذي لم يحقق الأغلبية بالانتخابات التشريعية عام 2014».

رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي محمد تكالة (المجلس الأعلى)

ورأى التواتي «أنه تم تأسيس (مجلس الدولة) ككيان استشاري، ضم قطاعاً غير هيّن من المنتمين لهذا التيار، ممن كانوا أعضاء بـ(المؤتمر الوطني) السابق للبرلمان، وتم وضع البنود التي تدعو للتشاور بين المجلسين، وتحديداً في قضايا الاستفتاء والانتخابات والمناصب السيادية».

ويعتقد التواتي أن الشعب «هو الخاسر الأكبر» في إطار ما أسماه «سعي المجلسين لتحقيق مصالحهما الضيقة» عبر هذا الجدل حول الصلاحيات، والتشكيك بصحة الموقف القانوني للطرف الآخر.

سياسيون يرون أن هذه الخلافات تخفي «محاولة مكشوفة لتعطيل الانتخابات التي ستنتج سلطة تشريعية جديدة تنهي وجود المجلسين» (الشرق الأوسط)

وانتهى إلى أن هذه الإجراءات «محاولة مكشوفة لتعطيل الانتخابات، التي ستنتج سلطة تشريعية جديدة تنهي وجود المجلسين، ومعضلة ازدواجية التشريع الراهنة».


مقالات ذات صلة

وساطة ليبية تنجح في وقف اشتباكات طرابلس

شمال افريقيا عبد الحميد الدبيبة في صورة جماعية مع الرؤساء المشاركين في منتدى «الهجرة عبر المتوسط» المقام في طرابلس (إ.ب.أ)

وساطة ليبية تنجح في وقف اشتباكات طرابلس

شهد منتدى الهجرة عبر المتوسط الذي دشّنه رئيس حكومة الوحدة الليبية «المؤقتة»، الأربعاء، بالعاصمة طرابلس مشادة بين عناصر جهاز دعم الاستقرار وحراسات الرئيس التشادي

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا واجهة مطار طرابلس الدولي (الشرق الأوسط)

«قرب» عودة حركة الطيران بين ليبيا والأردن

أكد رئيس مجلس مفوضية هيئة تنظيم الطيران المدني الأردني أن وفداً أردنياً زار ليبيا للاطلاع على إمكانية عودة الرحلات الجوية المباشرة بين عمان وطرابلس.

«الشرق الأوسط» (عمان)
شمال افريقيا من اشتباكات سابقة شهدتها شوارع طرابلس بين جماعات مسلحة (أ.ف.ب)

مقتل امرأة جرّاء اشتباكات مسلّحة شرق طرابلس

أسفرت اشتباكات بين مجموعات مسلّحة محلية اندلعت ليل الثلاثاء الأربعاء في الضاحية الشرقية للعاصمة الليبية طرابلس عن مقتل امرأة، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً ديبي لدى وصوله إلى طرابلس (من مقطع فيديو نشرته منصة حكومتنا)

رئيس «الوحدة» الليبية يبحث مع نظيره المالطي و«أفريكوم» أزمات الهجرة

جدد رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، رفضه «تفكير البعض فى توطين المهاجرين في دول العبور، ومنها ليبيا».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من «المقبرة الجماعية» المكتشفة في سرت (الهيئة العامة للبحث عن المفقودين)

العثور على «مقبرة جماعية» في مسقط رأس القذافي

أعلنت السلطات المحلية في سرت بـ(وسط ليبيا) اكتشاف «مقبرة جماعية»، يعتقد أنها تضم ضحايا لتنظيم «داعش»، الذي اتخذ من مدينة معمر القذافي معقلاً قبل 2016.

جمال جوهر (القاهرة)

محادثات مصرية - أوروبية لتعزيز مكافحة «الهجرة غير النظامية»

فعاليات الجولة الرابعة رفيعة المستوى حول الهجرة بين مصر والاتحاد الأوروبي (الخارجية المصرية)
فعاليات الجولة الرابعة رفيعة المستوى حول الهجرة بين مصر والاتحاد الأوروبي (الخارجية المصرية)
TT

محادثات مصرية - أوروبية لتعزيز مكافحة «الهجرة غير النظامية»

فعاليات الجولة الرابعة رفيعة المستوى حول الهجرة بين مصر والاتحاد الأوروبي (الخارجية المصرية)
فعاليات الجولة الرابعة رفيعة المستوى حول الهجرة بين مصر والاتحاد الأوروبي (الخارجية المصرية)

بهدف تعزيز جهود مكافحة «الهجرة غير النظامية» إلى أوروبا، استضافت العاصمة المصرية القاهرة، فعاليات الجولة الرابعة للحوار الرفيع المستوى حول الهجرة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

ووفق بيان لـ«الخارجية المصرية»، الأربعاء، فإن المحادثات، التي ترأسها السفير خالد عمارة، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأوروبية، والسفير سيمون مورديو، نائب سكرتير عام جهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ناقشت «فرص تعزيز القنوات القانونية للهجرة والتنقل، وضرورة اتباع نهج شامل ومتوازن حيالها».

وأكد البيان المصري أن الحوار ساهم في «تعزيز التفاهم المشترك وتبادل المعلومات وأفضل الممارسات والخبرات، بالإضافة إلى دعم بناء القدرات الوطنية للكوادر المصرية العاملة في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، بناءً على الاحتياجات التي تحددها الدولة المصرية».

وجرت فعاليات الجولة يوم 16 يوليو (تموز) الجاري، بحضور ممثلين عن وزارة الخارجية المصرية وأجهزة الدولة المعنية بملف الهجرة ووزارات التربية والتعليم والتعليم الفني، والتعاون الدولي، والتضامن الاجتماعي، والعمل، فضلاً عن اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.

تناول الحوار، وفق البيان، عناصر رئيسية مؤثرة على تلك الظاهرة، من بينها: الفوائد التنموية للهجرة، وتحليل البعد الإقليمي، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، وسبل منع ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، والارتباط بين الهجرة والتنقل القانوني من خلال تناول ميثاق الاتحاد الأوروبي وانعكاساته على حقوق المهاجرين، والمتوقع دخوله حيز التنفيذ عام 2026، فضلاً عن قضايا الحماية واللجوء، والعودة وإعادة القبول وإعادة الإدماج.

واعتبرت مصر أن استقرارها وجهود التنمية فيها أمران رئيسيان لتحقيق الاستقرار والأمن لدول الاتحاد الأوروبي والمنطقة بأكملها، مشيرة إلى «نجاحها في منع ظاهرة الهجرة غير الشرعية منذ سبتمبر (أيلول) 2016»، كما تمت الإشارة إلى «تحمل مصر مسؤولية استضافة أكثر من 10 ملايين مهاجر ولاجئ».

واتفق الجانبان خلال المشاورات على «أهمية جذب المزيد من الاستثمارات الأوروبية إلى مصر وخلق فرص عمل لائقة ومناسبة للشباب في واقعهم المحلي، فضلاً عن قيام الاتحاد الأوروبي بزيادة توفير الاحتياجات المصرية اللازمة في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية».

وتعد تلك هي الجولة الرابعة التي تستضيفها القاهرة للحوار الرفيع المستوى حول الهجرة مع الاتحاد الأوروبي، سبقتها جلسات في ديسمبر (كانون الأول) 2017، ويونيو (حزيران) 2019، ونوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

وتأتي الجولة في ظل تطور لافت شهدته العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي هذا العام، بعدما اتفق الجانبان على ترفيع علاقات التعاون بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة في 17 مارس (آذار) الماضي.