«مسجد باريس» الممول جزائرياً يحضّ الفرنسيين على التصدي لليمين المتطرف

نداء يعكس القلق على مصير ملفات مشتركة مع المستعمر سابقاً

الرئيس الجزائري مستقبلاً عميد مسجد باريس بقصر الرئاسة في 10 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً عميد مسجد باريس بقصر الرئاسة في 10 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
TT

«مسجد باريس» الممول جزائرياً يحضّ الفرنسيين على التصدي لليمين المتطرف

الرئيس الجزائري مستقبلاً عميد مسجد باريس بقصر الرئاسة في 10 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً عميد مسجد باريس بقصر الرئاسة في 10 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

يثير تصدر حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في فرنسا، بفارق كبير، وإمكانية حصده الأغلبية المطلقة، قلقاً فعلياً لدى «مسجد باريس الكبير»، الذي دعا الناخبين المسلمين في فرنسا إلى التصويت ضده في الدورة الثانية المقررة الأحد المقبل، علماً أن المؤسسة الدينية الإسلامية الكبرى في فرنسا، تتبع من ناحية التمويل الحكومة الجزائرية.

صورة عميد مسجد باريس مرفقة بمقاله حول التصويت ضد اليمين المتطرف (حساب المسجد)

وكتب عميد «مسجد باريس الكبير»، الجزائري شمس الدين حفيز، مقالاً نشره بحساب المسجد بالإعلام الاجتماعي، الأربعاء، بمناسبة فوز «التجمع الوطني» بنتيجة مريحة في الدورة الأولى من الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، قال فيه إنه «يوجِّه نداء رسمياً إلى جميع المواطنين (في فرنسا): لا تدعوا اليمين المتطرف يشوه جمهوريتنا. شاركوا في الجولة الثانية، وصوّتوا لصالح المرشحين الذين يحترمون ويدافعون عن قيم ديمقراطيتنا. كل صوت مهم لمنع صعود الذين يريدون تقسيم أمتنا».

وأكد حفيز، الذي يحمل الجنسية الفرنسية: «أثبت التاريخ أنه عندما نبقى صامتين أمام الظلم والكراهية، يمكن أن تكون العواقب كارثية. لا ندع ظل اليمين المتطرف يعتم مستقبلنا. لنستأْ، لنحتج، لنصوت! لنجعل صوتنا يسمع من أجل العدالة والكرامة الإنسانية».

يشار إلى أن «مسجد باريس»، الذي يعدّ من أبرز المؤسسات الإسلامية بالعاصمة الفرنسية منذ 90 عاماً، دعا في انتخابات الرئاسة الفرنسية 2022، إلى التصويت لصالح إيمانويل ماكرون ضد مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، ابنة جان ماري لوبان، المظلي سابقاً في الجيش الفرنسي، الذي اشتغل في صفوفه بالجزائر خلال حرب التحرير (1954 - 1962)، وتنسب له أعمال تعذيب موثقة ضد مناضلين جزائريين في تلك الفترة.

وأوضح حفيز، في مقاله، أن نتائج الجولة الأولى «أظهرت أن اليمين المتطرف، المتمثل في التجمع الوطني، يلقي بظلاله على أمتنا بشكل يثير القلق». علماً أن الحزب الذي يقوده جوردان بارديلا حصل على 33.15 في المائة من الأصوات، متقدماً على «الجبهة الشعبية الجديدة» (يسار مع الخضر) التي حصلت على 27.99 في المائة. فيما نال المعسكر الرئاسي 20.04 في المائة من الأصوات.

جانب من باحة مسجد باريس (فليكر)

وتضع هذه النتائج اليمين المتطرف على أبواب السلطة في فرنسا، الأمر الذي يحذر منه مسؤول «مسجد باريس»، قائلاً: «إن خطاب الانقسام والكراهية وجد صدى مقلقاً بين شريحة من مواطنينا». مبرزاً أن «وعود اليمين المتطرف بنشر الأمان وبحماية الهوية، تخفي سياسات تهدد بشكل خطير تماسكنا الاجتماعي وقيمنا الجمهورية».

والمعروف أن موازنة «مسجد باريس الكبير» تدفعها الجزائر، وهي في حدود مليوني يورو سنوياً. ومسيّروه تختارهم الجزائر، بمن فيهم العميد. وفي بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، قبل 9 أشهر، التقى وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي مع حفيز بالمسجد، وبحث معه تصاعد الأعمال والتصريحات المعادية للمسلمين، على خلفية الأحداث في الشرق الأوسط.

وبحسب مصادر جزائرية مهتمة بالانتخابات في فرنسا، «يعكس موقف مسجد باريس، بخصوص توجهات الناخب الفرنسي، رأي وموقف الجزائر من مجريات الأحداث عند المستعمر السابق».

عميد المسجد مع وزير الشؤون الدينية الجزائري وأئمة يتبعون المسجد (وزارة الشؤون الدينية الجزائرية)

وفي 10 يونيو (حزيران) الماضي، استقبل الرئيس عبد المجيد تبون عميد المسجد، في إطار توجيهات تسديها الحكومة الجزائرية للمؤسسة الدينية، تخصّ عادة شؤون المسلمين في فرنسا، وأحياناً الرهانات الداخلية التي تجري بها، والتي يمكن أن يكون لها تأثير على العلاقات الجزائرية الفرنسية، كما الحال مع الاستحقاق الحالي حالياً. فالجزائر لا تتمنى أبداً أن تميل فرنسا إلى أقصى اليمين، بسبب ملفات حساسة مشتركة مع شريكها المتوسطي، لليمين المتطرف موقف سلبي منها، مثل «اتفاق 1968» الذي يؤطر قضايا الهجرة والعمل والإقامة والدراسة في فرنسا، والذي يريد «التجمع الوطني» حتى «الجمهوريون» (اليمين التقليدي) إلغاءه بحجة أنه «يعيق الإجراءات الحكومية التي تحد من الهجرة».


مقالات ذات صلة

نقاشات سعودية - أوروبية تتناول جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية

الخليج وزير الدولة السعودي خلال اجتماعه مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي (واس)

نقاشات سعودية - أوروبية تتناول جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية

شهدت العاصمة الرياض، الأحد، مناقشات سعودية - أوروبية تناولت جهود الجانبين في حل النزاعات الإقليمية والدولية وأوجه التعاون والتنسيق المشترك في العديد من المجالات

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

يقول صنصال إن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وإن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها، مرتكبين بذلك حماقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج م. وليد الخريجي وفروخ شريفزاده يترأسان الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين السعودية وطاجيكستان في الرياض (واس)

مشاورات سعودية - طاجيكية تناقش تعزيز التعاون في شتى المجالات

بحثت جولة المباحثات الثالثة من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والطاجيكستانية، الأربعاء، تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج م. وليد الخريجي ترأس الجانب السعودي في الجولة الثانية من المشاورات السياسية مع «الخارجية الصينية» (واس)

مشاورات سعودية – صينية تعزز التنسيق المشترك

بحثت الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والصينية في الرياض، الاثنين، تطوير العلاقات الثنائية، وأهمية تعزيز التنسيق المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

انتخابات «جوبالاند» تعمق الخلاف مع حكومة الصومال

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

انتخابات «جوبالاند» تعمق الخلاف مع حكومة الصومال

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

إجراء الانتخابات الرئاسية في ولاية جوبالاند جنوب الصومال، رغم رفض مقديشو، حرّك تساؤلات بشأن مسار العلاقات مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، مع حديث عن إعادة انتخاب الرئيس الحالي أحمد محمد مدوبي، الرافض لقانون الاقتراع المباشر الموحد للبلاد.

اقتراع جوبالاند، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، سيعمق الخلاف مع حكومة الصومال غير المعترفة بالانتخابات، والمتمسكة بإجراء انتخابات بنظام الاقتراع المباشر، مرجحين احتمال وصول الأمر «إلى «مواجهات أو اقتتال أهلي» بين الحكومتين، وقد يستدعي «انفصال» ولاية جوبالاند ما لم يتم حدوث توافقات وحلول سريعة.

وجاءت انتخابات «جوبالاند» بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المَعنيّ بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد، وهو القانون الذي يرفضه مدوبي، الذي يعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، ويعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

وأفادت وسائل إعلام صومالية محلية، الاثنين، بأن «أعضاء برلمان ولاية جوبالاند في جنوب الصومال، أعادوا الاثنين، انتخاب مدوبي رئيساً للولاية في فترة رئاسية ثالثة» على الرغم من معارضة الحكومة الصومالية للانتخابات التي جرت في الولاية.

رئيس ولاية جوبالاند يتفقد عدداً من المناطق المحررة من الإرهاب (وكالة الأنباء الصومالية)

وحصل مدوبي على 55 صوتاً مقابل 16 لأقرب منافسيه فيصل محمد متان، في حين حصل المرشح الثالث، أبو بكر عبدي حسن على 4 أصوات فقط، وفق المصادر نفسها التي كشفت أن مرشحين آخرين في مدينة «كسمايو» مقاطعون لهذه الانتخابات، أعلنوا إجراء انتخابات موازية.

وأجريت تلك الانتخابات بحسب المحلل والأكاديمي المتخصص في شؤون منطقة القرن الأفريقي، الدكتور على محمود كولاني، «بسرعة، وأسفرت عن فوز مدوبي كما كان متوقعاً».

بينما رأى الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، أن «انتهاء انتخابات جوبالاند بانتخاب مدوبي للمرة الثالثة مع تسمية المعارضة رئيساً آخر (يتحدث السيناتور إلياس غابوس، عضو مجلس الشيوخ، أنه تم انتخابه رئيساً)، وهذا يعني أن الولاية فيها رئيسان، وربما تندلع مواجهات بينهما».

وكان أحمد مدوبي قد انسحب من اجتماعات «المجلس الاستشاري الوطني» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التي ترعاها الحكومة الفيدرالية، ورفض نتائجها التي أقرت إجراء انتخابات مباشرة موحدة للولايات الإقليمية الصومالية، وصدر بشأنها قانون نهائي من البرلمان، السبت، رفضته ولايتا جوبالاند وبونتلاند، وقوى سياسية أخرى.

وفي خطاب قبل نحو أسبوع، كشف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، أن «رئيس جوبالاند المنتهية ولايته، أحمد مدوبي، وقّع جميع الاتفاقيات لتوجيه الانتخابات المباشرة في البلاد»، مؤكداً أن «العملية الانتخابية التي في جوبالاند غير قانونية، وما يتمخض عنها غير مقبول»، في تصريحات سبقها بيان أصدرته وزارة الداخلية الصومالية في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) كرر عدم الاعتراف بالاقتراع أيضاً.

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلتها انقلابات وحروب أهلية ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب بناءً على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس أعضاء المجالس التشريعية المحلية ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة ازدادت المطالبة لإجراء انتخابات مباشرة، وفق إعلام محلي.

وسبق يوم الاقتراع في ولاية جوبالاند، نفي بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) في بيان صحافي، الأحد، التقارير التي تزعم أن عناصر الشرطة التابعة لها متورطة في تنظيم الانتخابات في ولاية جوبالاند، مجددة التزامها بالحياد والدعوة إلى حوار بنَّاء بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وسلطات جوبالاند لحل النزاعات الانتخابية سلمياً.

وبرأي كولاني فإن «تلك الانتخابات التي جرت في حكومة إقليم جوبالاند الصومالية تتعارض مع قانون الانتخابات الذي أقره البرلمان قبل أيام، كما أنها خطوة خطيرة على نزاهة الانتخابات التي من المتوقع إجراؤها في مناطق إقليمية عدة قريباً في الصومال، وسبق أن حذرت الحكومة المركزية من هذا الأمر، وأكدت عدم الاعتراف بانتخابات مدوبي».

ويعد انتخاب أحمد محمد إسلام (أحمد مدوبي) وفق كولاني «انتكاسة قوية للمفاوضات البطيئة بالفعل بين الحكومة الفيدرالية وحكومة جوبالاند الإقليمية»، متوقعاً أن يزيد فوز مدوبي من «تصعيد الصراع القوي بين الطرفين».

ويرى أن «هذا الصراع سينتهي إلى فوضى بالبلاد في حال وجود حل فوري ينهي هذا الأمر، وكذلك التدخل الأجنبي الذي سيؤثر في نهاية المطاف في كل الانتخابات الأخرى التي من المتوقع إجراؤها قريباً في البلاد».

وبحسب تقدير مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم فإن «أحمد مدوبي يريد أن يفشل الحكومة الفيدرالية ونظامها الانتخابي، ويبدو في ظل الأجواء الحالية أن انتخاب مدوبي وقانون الانتخابات المدعوم من الحكومة سينتهيان بالفشل».

وسيؤدي ذلك بحسب إبراهيم إلى «تعميق الخلافات مع حكومة الصومال، وقد يحدث اقتتال مسلح بين الحكومة الفيدرالية وحكومة مدوبي»، مرجحاً حال تطور الخلافات أن تؤدي إلى انقسام وانفصال ولاية جوبالاند عن الصومال.