سكان الجنوب الليبي يطالبون بحمايتهم من خطر العقارب

وسط نقص في عدد الأطباء وطواقم التمريض

طفلة ليبية تعاني من مضاعفات لدغة عقرب (مركز سبها الطبي)
طفلة ليبية تعاني من مضاعفات لدغة عقرب (مركز سبها الطبي)
TT

سكان الجنوب الليبي يطالبون بحمايتهم من خطر العقارب

طفلة ليبية تعاني من مضاعفات لدغة عقرب (مركز سبها الطبي)
طفلة ليبية تعاني من مضاعفات لدغة عقرب (مركز سبها الطبي)

​يطالب سكان مدن الجنوب الليبي، السلطات الرسمية، في الدولة بحمايتهم من مخاطر العقارب، وذلك على خلفية مقتل طفلين بلدغاتها السامة خلال الأيام الماضية. وقبل أيام قليلة من حلول عيد الأضحى، أعلن مستشفى «الشهيد عطية الكاسح التعليمي» بمدينة الكفرة جنوب شرقي البلاد، والسلطات المحلية هناك، عن ثاني حالة وفاة هذا العام جرّاء التأثر بلدغة عقرب، وكانت أيضاً لطفل يبلغ 12 عاماً.

وطبقاً للخبراء، يكثر نشاط العقارب بالأجواء الحارة، ما يشكّل تهديداً لحياة كثير من سكان الجنوب الليبي. وأرجع رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة بالحكومة المكلّفة من البرلمان، الدكتور إسماعيل العيضة، حالات الوفاة التي حدثت بالمدينة بالسنوات السابقة والعام الحالي، «لشدة سُمّية لدغة بعض أنواع العقارب، والتأخر في نقل المصاب للمستشفى وتلقّيه المصل المضاد».

وقال العيضة، وهو مدير مستشفى «الكاسح التعليمي»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمصال توفرت بالكفرة مقارنةً بمدن أخرى خلال موسم نشاط العقارب الذي يبدأ تقريباً من نهاية أبريل (نيسان) وحتى بداية نوفمبر (تشرين الثاني) كل عام. وأضاف: «إلا أنّ تأخُّر لجوء الأهالي في نقل المصاب للمستشفى، وتفضيلهم بالبداية تجربة طرق الطب الشعبي كالحجامة، يؤخّر ويقلّل من فرص إنقاذه».

ووفقاً لرؤيته فإن «بيع الأمصال المضادّة بالصيدليات الخاصة أدّى للتلاعب بها وغشّها، مما يؤثر على فرص نجاة المصاب».

انقطاع الكهرباء

تتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا؛ الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلّفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وعدداً من مدن الجنوب، ويرأسها أسامة حماد.

وعدّ العيضة انقطاع الكهرباء سبباً إضافياً للتعرض للإصابة، موضحاً «العقارب تخرج ليلاً بحثاً عن الرطوبة، وانقطاع التيار ولو لدقائق يمكّنها من التسلل للمنزل، خصوصاً إذا كان داخل إحدى المزارع». ولفت إلى أن توافد النازحين السودانيين بكثرة على الكفرة منذ نشوب الحرب ببلادهم دفع السلطات الطبية والمحلية للمطالبة بمضاعفة كمية الأمصال، خصوصاً أن كثيراً منهم يسكن المزارع والأماكن المهجورة.

ورغم ارتفاع عدد الإصابات في بعض الأحيان لما يقرب من 30 في اليوم، أكّد رئيس غرفة الطوارئ تماثُل أغلب ما يصل منها إلى المستشفيات، وهو ما أدى لتناقُص عدد الوفيات بدرجة كبيرة بالسنوات الأخيرة مقارنةً بالماضي. ويرى العيضة أن عدد المستشفيات والعيادات الموجودة بالكفرة «جيد»، حيث توجد 3 مستشفيات وأكثر من 6 عيادات عامة، لكنه اشتكى من نقص كبير بعدد الأطباء والفِرق الطبية المساعِدة.

تعاني مناطق في الجنوب الليبي من ظهور العقارب خصوصاً بداية الصيف (مركز سبها الطبي)

استخراج أمصال

أوضح الشريف البسكري، مدير مركز طب المناطق الحارة بالكفرة، الذي يُعَدّ من المراكز الرئيسية التي تُجري بالوقت الراهن تجارب بهدف محاولة استخراج أمصال مضادة للدغات العقارب من سُمّها، أن ظاهرة انتشار العقارب بالمدينة تحدث منذ القِدَم؛ نظراً لوجُود عدد كبير من المزارع بمحيطها.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال البسكري: «هناك 5 أنواع من العقارب تنتشر بعموم ليبيا، 3 منها بالكفرة وهم شديدو السُّمّية، وإذا لم تتوافر وسيلة نقل سريعة للمصاب بلدغة لأقرب مستشفى فقد ينتشر السم بجسمه ويدخل في غيبوبة ويصعب إنقاذه».

وعن جهود مؤسّسته العلمية في إنتاج مصل من سم العقرب، قال: «نحن نطمح لهذا، ولكن الأمر ليس سهلاً، فتجميع نصف ملّي من هذا المصل يستلزم اصطياد واستخلاص سُم نحو 200 عقرب».

بينما لفت رئيس بلدية الكفرة، عبد الرحمن عقوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الأزمة تراجعت بدرجة كبيرة، خصوصاً مع تغيّر شكل البناء من أكواخ بُنِيت بالطوب اللبِن إلى منازل شُيّدت بمواد البناء الحديثة، بالإضافة لاستقرار شبكة الكهرباء بالمدينة، وتوافر الأمصال.

تنمية مدن الجنوب

إلا أن بعض المواطنين وبعض النشطاء بالمدينة أكّدوا خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأزمة الرئيسية لا تكمن في توفر الأمصال، وإنما في عدم محاربة وجود العقارب بالأساس، أو على الأقل محاولة الحد من تكاثُرها رغم تكرار سقوط الأطفال تحديداً ضحايا لها كل عام».

ودعا هؤلاء «للمسارعة ببدء تنمية وإعمار حقيقي بمدن الجنوب، ورفع كفاءة خدماته الصحية ووسائل النقل وشبكات الكهرباء».

وعدّ الناشط السياسي الليبي حسام القماطي، استمرار مثل تلك الأزمات دليلاً على «تقاعُس فجّ» من الحكومات التي تعاقَبت على إدارة الدولة قبل «ثورة 17 فبراير» وبعدها.

وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأزمة إحدى نتائج المركزية المقيتة بالدولة، حيث يتم تهميش المناطق البعيدة عن المركز، مما يصعّد من شعور المظلومية لدى أبنائها الذين يعانون من تحديات بيئية وجغرافية؛ كارتفاع درجة الحرارة، والقرب من الحدود، والتعرض لخطر أنشطة عصابات التهريب».

وتحدّث الناشط السياسي عن انعكاس «دور الفساد وإهمال المسؤولين على الأوضاع الحاصلة بالجنوب»، ويعتقد أن «كثيراً من القيادات بالحكومات المتعاقبة صرف ميزانيات مرتفعة لمشروعات وهمية تحت شعار تنمية مدن الجنوب»، وقال: «للأسف لم يحرص عدد من ممثّلي الجنوب بالسلطة التشريعية على التنديد وملاحقة هؤلاء ومحاسبتهم».

وحذّر القماطي من آثار تلك السياسات، موضحاً أن «عدم توافر الخدمات الرئيسية أو ضعفها يدفع الأغلبية لرفض الإقامة بالجنوب، سواء كانوا أطباء أو معلمين؛ وتدريجياً ارتفعت وتيرة هجرة أبناء هذا الإقليم نحو مدن الشمال تطلّعاً للحصول على خدمات وحياة أفضل».


مقالات ذات صلة

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

شمال افريقيا الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على تقرير ديوان المحاسبة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد بتقرير ديوان المحاسبة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الوفد البرلماني الليبي برئاسة صالح في إيطاليا (مكتب صالح)

رئيس «النواب» يُشدد من روما على «حاجة ليبيا لحكومة موحدة»

دافع عقيلة صالح عن مجلسه خلال زيارته إلى روما، وقال إن «الجمود في العملية السياسية ليس بسبب البرلمان؛ بل نتيجة القوة القاهرة التي ذكرتها مفوضية الانتخابات».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)

شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

إلى جانب المخاطر الدستورية المحتملة، يخشى مراقبون من تهديدات «التوطين» للأمن القومي في ليبيا؛ إذ قد ينذر «باختراقات أمنية خطيرة وارتفاع معدلات الجريمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع الوفد الأممي مع القيادات المحلية في سبها جنوب ليبيا (البعثة الأممية)

خوري: حان الوقت ليمسك الليبيون بزمام أمورهم

ناقش وفد أممي بقيادة خوري، خلال زيارته مدينة سبها بجنوب ليبيا مع كبار المسؤولين العسكريين، تحسن الوضع الأمني في الجنوب وتحديات أمن الحدود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة لسيف القذافي تداولها أنصاره على صفحاتهم الشخصية

تصريحات منسوبة لسيف القذافي تعيده للساحة السياسية الليبية

يُبقي أنصار سيف الإسلام القذافي عليه حاضراً في المشهد السياسي الراهن بتصريحات غير موثقة للتأكيد على قربه من الحياة العامة رغم أنه لم يظهر في مكان عام منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.