«الجنائية الدولية» تلاحق «ثعلب الصحراء» في منطقة الساحل

المطلوب الأول في القارة الأفريقية بتهمة الإرهاب

إياد أغ غالي في شمال مالي عام 2012 (أ.ف.ب)
إياد أغ غالي في شمال مالي عام 2012 (أ.ف.ب)
TT

«الجنائية الدولية» تلاحق «ثعلب الصحراء» في منطقة الساحل

إياد أغ غالي في شمال مالي عام 2012 (أ.ف.ب)
إياد أغ غالي في شمال مالي عام 2012 (أ.ف.ب)

أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها أصدرت مذكرة اعتقال دولية بحق زعيم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» إياد أغ غالي، وهو واحد من أخطر قادة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، والزعيم الأهم لتنظيم «القاعدة» بمنطقة غرب أفريقيا عموماً.

المحكمة الجنائية الدولية أعلنت أن مذكرة الاعتقال الدولية صدرت عام 2017، ولكنها لم تعلن بشكل رسمي سوى يوم الجمعة، وهو ما يعني أن صدورها تزامن مع تنصيب إياد أغ غالي رجل «القاعدة» الأول في المنطقة بعد اختياره زعيماً لجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التي تعد أكبر تحالف للحركات الإرهابية في منطقة الساحل، يضم إلى جانب «أنصار الدين» كلاً من «إمارة الصحراء» التابعة لتنظيم «القاعدة»، وجبهة «تحرير ماسينا»، وتنظيم «المرابطون».

وقالت المحكمة الجنائية الدولية في بيان صحافي: «أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، بناء على طلب المدعي العام، مذكرة اعتقال ضد إياد أغ غالي»، مشيرة إلى أن صدورها كان بتاريخ 18 يوليو (تموز) 2017، وبررت المحكمة تأخر إعلان مذكرة الاعتقال بما قالت إنه «المخاطر المحتملة على الشهود والضحايا».

جرائم حرب

وأشارت المحكمة إلى أن لديها عدة أسباب منطقية لإصدار مذكرة الاعتقال، أولها كونه مؤسس وزعيم جماعة «أنصار الدين» التي سيطرت على مدينة تمبكتو التاريخية في الفترة من يناير (كانون الثاني) 2012 وحتى يناير 2013، وهي الفترة التي وقعت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في المدينة التاريخية الأهم في مالي.

واستعرضت المحكمة في البيان الذي نشرته الأمم المتحدة على موقعها الإلكتروني، نماذج من الجرائم التي تتهم بها إياد أغ غالي، وكان من بينها قتل جنود عاجزين عن القتال في أغيلهوك؛ وذلك في إشارة إلى معركة قادها إياد أغ غالي شخصياً شهر يناير 2012 في مدينة أغيلهوك بين «أنصار الدين» والجيش المالي، وتكبد فيها الأخير خسائر فادحة في الأرواح.

عناصر من الشرطة النيجرية (أرشيفية)

وذكرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أن أغ غالي سيواجه أيضاً اتهامات بـ«السجن أو أي شكل آخر من أشكال الحرمان الخطير من الحرية الجسدية، والاغتصاب والاستعباد الجنسي، ولكن أيضاً الاضطهاد لأسباب دينية، فضلاً عن اضطهاد النساء والفتيات لأسباب جنسية».

علاوة على ذلك، تشير المحكمة الجنائية الدولية إلى أن «إياد أغ غالي سيكون مسؤولاً عن ارتكاب هذه الجرائم، بالاشتراك مع أشخاص آخرين؛ وبالتالي يكون مسؤولاً عن ارتكاب هذه الجرائم (...) للأمر بارتكابهم أو التشجيع عليه، أو تقديم العون أو المساعدة أو أي شكل آخر من أشكال المساعدة، أو المساهمة بأي طريقة أخرى؛ أو كقائد عسكري». وأشارت المحكمة إلى أنها سترسل طلباً بالتعاون إلى السلطات المختصة في أي دولة ذات صلة، أو أي سلطة أخرى ذات صلة للقبض على المشتبه فيه وتسليمه.

ثعلب الصحراء

تأتي هذه المذكرة بعد سنوات من اختفاء الرجل الأهم في شبكة التنظيمات المسلحة بمنطقة الساحل الأفريقي، وتواريه عن الأنظار بشكل شبه تام، في ظل تقارير غير رسمية تتحدث عن اختبائه في منطقة جبلية وعرة على الحدود بين دولتي مالي والجزائر، حيث يوجد عمقه الاجتماعي لقبائل الطوارق.

وتتركز اتهامات المحكمة على الفترة التي كان يقود فيها إياد أغ غالي «جماعة أنصار الدين» التي أسسها عام 2011، وتحالف مع تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، وسيطر على مناطق واسعة من شمال مالي عام 2012، وأقام ما يشبه إمارة تطبق تفسيراً متشدداً للشريعة الإسلامية، وحاول مطلع 2013 التوسع نحو جنوب دولة مالي، حيث توجد العاصمة باماكو.

ولكن خطة أغ غالي انهارت بعد أن تدخلت فرنسا عسكرياً، تحت غطاء دولي وبطلب من السلطات المركزية في مالي، فوجهت ضربات قوية عام 2013 لجماعته وأرغمتها على التراجع نحو جبال «إيفوغاس» في أقصى شمال شرقي مالي. ورغم تزعمه لتنظيم «القاعدة» في مالي والساحل، فإن إياد أغ غالي بدأ مساره مع حمل السلاح في «الكتيبة الخضراء» التي شكلها العقيد الليبي الراحل معمر القذافي من قبائل الطوارق، وحاربت معه ضد تشاد، ثم أرسلها للقتال في جنوب لبنان، وقد شارك أغ غالي في كل هذه الحروب.

عناصر لـ«داعش» في منطقة الساحل الأفريقي (أرشيفية - أ.ف.ب)

خاض غالي أيضاً تمرداً مسلحاً ضد دولة مالي مطلع تسعينات القرن الماضي، حين كان يقود جماعة مسلحة متمردة ذات توجه علماني وتطالب باستقلال إقليم أزواد (شمال مالي) عن السلطة المركزية في باماكو، وظل حاضراً في كل تمرد يخوضه الطوارق.

تغيرت توجهاته الفكرية عام 2007، وأصبح يعتنق الفكر السلفي الجهادي، وخلال هذه الفترة قاد وساطات مع تنظيم «القاعدة» للإفراج عن رهائن غربيين، حصل بموجبها على أموال طائلة، وبعد انهيار نظام القذافي في ليبيا عام 2011، عاد يحملُ معه كميات كبيرة من السلاح، وأسس جماعة «أنصار الدين» وأعلن نيته تأسيس إمارة إسلامية في مالي.

المطلوب الأول

وإن كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة اعتقال دولية في حق إياد أغ غالي، إلا أنها لا تملك إمكانات للبحث عنه من أجل اعتقاله، سوى التعاون مع دولة مالي أو بقية الدول في المنطقة للبحث عنه.

في غضون ذلك، يعد إياد أغ غالي البالغ من العمر 76 عاماً، أحد أهم المطلوبين بتهم تتعلق بالإرهاب في أفريقيا وربما العالم، وحاول الفرنسيون خلال وجودهم في مالي طيلة السنوات العشر الماضية الوصول إليه دون جدوى، رغم أنهم نجحوا في تصفية عدد من المقربين منه، ويعتقدُ أنه أصيب في إحدى محاولات تصفيته من طرف الفرنسيين.

ولكن الرجل الذي يلقب بثعلب الصحراء، يوصف بأنه ذكي ولديه خبرة كبيرة في دروب الصحراء، ويحظى بولاء السكان المحليين ما يمنحه القدرة على الاختباء والتواري عن الأنظار لسنوات طويلة، رغم مطاردته من طرف الجميع.

ومنذ 2020 يخوض إياد أغ غالي حرباً على جبهتين؛ فمن جهة يواصل هجماته ضد الدولة في مالي والجيش ويوسع دائرة نفوذه في شمال ووسط مالي، ومن جهة أخرى يخوض حرباً دامية ضد «داعش»، المنافس الجديد والشرس في منطقة الساحل. وخاض التنظيمان معارك شرسة في المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر، استطاعت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي يقودها إياد أغ غالي أن يحقق فيها انتصارات ميدانية كبيرة، على حساب «داعش».


مقالات ذات صلة

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

قال مجلس السيادة السوداني، اليوم (الاثنين)، إن رئيس المجلس الفريق عبد الفتاح البرهان وجّه بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

وأوضح المجلس، في بيان له، أنه تمّ السماح لتلك المنظمات بالاستفادة من مطارات كل من مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان، ومدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، ومطار مدينة الدمازين في إقليم النيل الأزرق بوصفها «مراكز إنسانية لتخزين مواد الإغاثة».

كما سمح رئيس المجلس بتحرّك موظفي وكالات الأمم المتحدة مع القوافل التي تنطلق من تلك المناطق، والإشراف على توزيع المساعدات، والعودة إلى نقطة الانطلاق فور الانتهاء.

وتسبّبت الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي في أكبر أزمة نزوح في العالم.