نقص السيولة بالمصارف يعكر فرحة الليبيين بعيد الأضحى

في ظل ارتفاع أسعار الأضاحي وتدني الرواتب

اصطفاف الليبيين أمام أحد المصارف في طرابلس (متداولة على حسابات ليبية موثوقة)
اصطفاف الليبيين أمام أحد المصارف في طرابلس (متداولة على حسابات ليبية موثوقة)
TT

نقص السيولة بالمصارف يعكر فرحة الليبيين بعيد الأضحى

اصطفاف الليبيين أمام أحد المصارف في طرابلس (متداولة على حسابات ليبية موثوقة)
اصطفاف الليبيين أمام أحد المصارف في طرابلس (متداولة على حسابات ليبية موثوقة)

على مدار الأسبوع الماضي، وثّقت مشاهد وصور متداولة عبر وسائل الإعلام الليبية، ومنصات التواصل الاجتماعي، اصطفاف عشرات المواطنين في طوابير طويلة بشرق البلاد وغربها أمام المصارف للحصول على السيولة.

ونقل مراسلو عدد من القنوات المحلية شكاوى مواطنين ومعاناتهم في الحصول على رواتبهم من المصارف، طارحين تساؤلات عن أسباب عدم انتباه السلطات لتكرار أزمة نقص السيولة، إضافة إلى ارتفاع الأسعار بمواسم الأعياد، ما يمنعهم من شراء احتياجاتهم، وينغص فرحتهم عشية العيد.

ووفقاً لرؤية المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، فإن تكرار هذه المأساة «ليس إلا انعكاساً للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، نتيجة الانقسام الحكومي والمؤسسي». وقال فركاش لـ«الشرق الأوسط»: «إن الانقسام السياسي يلقي بظلاله على حياة المواطن، ويزيد من ضغوطه المعيشية، وللأسف، الأطراف المسيطرة على المشهد السياسي لا تنتبه كثيراً للأمر، مقارنة بتركيزها على تجاذباتها وصراعاتها على السلطة ومصالحها الخاصة».

الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي (الشرق الأوسط)

وحمّل فركاش مجلس النواب الليبي الجانب الأكبر من المسؤولية عن تكرار هذه الأزمات، ورأى أن «جزءاً كبيراً من الفساد المالي والإداري، المتسبب في هذه الأزمات، يعود لغياب الرقابة البرلمانية على أداء الحكومات التي أفرزتها اتفاقيات سياسية تمت برعاية أممية». معتقداً «أن البرلمان ساهم، عندما شكّلت حكومة موازية في تعميق انقسام المؤسسات السيادية بين شرق وغرب البلاد، وهذا بدوره صعّد من معدلات الفساد».

وتعاني ليبيا انقساماً حاداً بين حكومتين: الأولى هي حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية، ويرأسها أسامة حماد.

وتوقع فركاش استمرار «اكتواء المواطن الليبي بنيران تلك الأزمات المعيشية وغيرها، لحين إجراء الانتخابات، وإيجاد جسم تشريعي منتخب وحكومة موحدة».

تضاعف سعر الأضاحي زاد من معاناة الليبيين (رويترز)

بالمقابل، ذهب رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أحمد عبد الحكيم حمزة، إلى أن حكومة «الوحدة الوطنية» والمصرف المركزي «يتحملان كامل المسؤولية القانونية عما آلت إليه الأوضاع الإنسانية والمعيشية للمواطنين، وما يمرون به من معاناة وأزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة».

ونشر حمزة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صوراً لتدافع وازدحام المواطنين الشديد أمام المصارف، واصفاً إياها بـ«طوابير المهانة والإذلال، التي يشهدها الليبيون بسبب أزمة السيولة».

من جانبه، تساءل عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية «إذا كان من الشفافية أن يعلن مصرف ليبيا المركزي عن كمية السيولة الموجودة بالمصارف، ويعمل على توفيرها، وخصوصاً خلال المواسم، ويتوقف عن سياسة إفقار الليبيين وإذلالهم». في حين أرجع الخبير الاقتصادي الليبي، وحيد الجبو، أزمة نقص السيولة، وارتفاع الأسعار لما وصفه «بسوء التخطيط الاقتصادي، وسوء إدارة المال العام، في ظل استمرار الانقسام الحكومي والمؤسسي، وصراعات السلطة بين فرقاء الأزمة الليبية».

وقال الجبو، موضحاً أن سوء التخطيط والإدارة «أمر لا يمكن معالجته بشكل مؤقت لتحسين الأوضاع قبل مواسم الأعياد كما يتصور البعض، فالأمر يتطلب معالجة بسياسات اقتصادية سليمة ومستقرة». مبرزاً أن «العمل على تنويع مصادر الدخل العام، وعدم الاعتماد على عوائد النفط، إجراءات تغيب عن أذهان صانعي السياسات الاقتصادية نتيجة تأثرهم بالتجاذبات السياسية».

ورغم ارتفاع أسعار سلع عديدة منذ عدة أشهر مع ارتفاع الدولار، فإن الجبو أكد أن تضاعف سعر الأضاحي هو ما زاد من معاناة الليبيين، كونه مطلباً رئيسياً في العيد. وأوضح أن سعر الخراف المستوردة وصل إلى 1600 و1800 دينار، أما المحلية فتبدأ من 3 آلاف، في حين أن رواتب غالبية الليبيين، باستثناء القطاعات العليا، تتراوح ما بين 900 و2500 دينار. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).

ليبيون في سوق لبيع الخراف التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير قبيل العيد (أ.ف.ب)

ووضع الجبو «جشع التجار في مقدمة أسباب اشتعال أسعار الأضاحي، وانتشار مرض الحمى القلاعية خلال الشهور الماضية، الذي أدى لنفوق عدد كبير من رؤوس الماشية والأغنام»، وعدّ أن ليبيا لم تشهد هذه الأزمة الخانقة في السيولة حتى خلال السنوات التي شهدت صراعات مسلحة قبل أعوام قليلة، وذلك لعدم وضع المصرف المركزي قيوداً على فتح الاعتمادات، ما شجّع التجار حينذاك على إيداع أرباحهم بالمصارف.

وتحدّث رئيس «مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان»، طارق لملوم، عن قيام كل من الحكومتين المتنازعتين على السلطة، وكذلك القوى المسلحة في شرق البلاد وغربها بتوزيع الهبات والأضاحي بالمجان على بعض الأهالي بمناطق نفوذهم. ورأى لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا السلوك سيؤدي لتعوّد الليبيين الحصول على حقوقهم على شكل منح من القوى المسلحة المسيطرة على المشهد».


مقالات ذات صلة

هل يتمكن «النواب» الليبي من تحريك ملف «المصالحة الوطنية» المتعثر؟

شمال افريقيا مجلس النواب دخل مجدداً على خط ملف المصالحة في مواجهة المجلس الرئاسي (المجلس)

هل يتمكن «النواب» الليبي من تحريك ملف «المصالحة الوطنية» المتعثر؟

عقيلة صالح دعا إلى ضرورة تحقيق المصالحة «لتشمل جميع المؤسسات والجماعات»، بما يضمن «إنهاء الخلافات والاستفادة من حركة التاريخ».

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين تتفحص رفاة أشلاء تم العثور عليها في ترهونة (هيئة البحث عن المفقودين)

سلطات ليبيا تتجاهل مذكرات اعتقال «الجنائية الدولية» لقادة «ميليشيا الكاني»

رحبت منظمات شعبية بمذكرة المحكمة الجنائية الدولية عن توقيف 6 أعضاء في ميليشيا «الكانيات» المسلحة، لاتهامهم بـ«ارتكاب جرائم حرب في البلاد»

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا خوري خلال لقائها فرحات بن قدارة (حساب خوري على «إكس»)

الأمم المتحدة تدعو قادة ليبيا لإدارة عائدات النفط «لصالح الشعب»

يتطلع الليبيون إلى مرحلة ما بعد حل أزمة «المركزي»، في وقت تسعى البعثة الأممية لجهة إدارة الموارد النفطية من قبل المصرف، وتسخير الموارد النفطية لتحقيق التنمية.

جمال جوهر (القاهرة )
شمال افريقيا المنفي والحداد رئيس أركان قوات «الوحدة» (المجلس الرئاسي)

المنفي يتمسك بإنشاء «مفوضية للاستفتاء» رغم معارضة «النواب»

عاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى فتح ملف تدشين «مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني» رغم معارضة مجلس النواب، مما قد يجدد الجدل حولها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رصد تقرير للمنظمة الدولية للهجرة وجود أكثر من 700 ألف مهاجر غير نظامي في ليبيا (إ.ب.أ)

«الوحدة» الليبية تطلق حملة لترحيل «المهاجرين»

قالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إنها ستطلق حملة لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم، تبدأ من العاصمة طرابلس لتتوسع لاحقاً وتشمل باقي المدن الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجزائر تطلب من فرنسا «تحسين ظروف» رعاياها المهاجرين

وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
TT

الجزائر تطلب من فرنسا «تحسين ظروف» رعاياها المهاجرين

وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)
وفد الداخلية الجزائري المشارك في أشغال اجتماع وزراء «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)

أبعدت الجزائر منذ بداية العام الحالي 80 ألف مهاجر غير نظامي من أراضيها، يتحدر معظمهم من منطقة جنوب الصحراء، وحثَّت السلطات الفرنسية على «الاعتناء» بملايين المهاجرين الجزائريين، على أساس أنهم يعانون من «التمييز والإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية».

وعرض وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، خلال أشغال اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» التي اختتمت أمس الجمعة، بمدينة ميرابيلا جنوب إيطاليا، خطة بلاده لمواجهة الهجرة السرية، مؤكداً على «خطورة الترابط الوثيق بين هذه الظاهرة وأشكال الإرهاب، والإجرام العابر للحدود، والنشاطات العدائية والمجرَّمة قانونًا»، وفق ما نشرته وزارة الداخلية على حسابها بالإعلام الاجتماعي.

وزير داخلية الجزائر مع مديرة المنظمة الدولية للهجرة في اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» (الداخلية الجزائرية)

وأكد مراد في كلمته، أن «المتابع للظاهرة في وقتنا الحاضر، يلاحظ أن الهجرة أصبحت مرتبطة اليوم بتدفقات من المهاجرين غير النظاميين، نتيجة انعدام الاستقرار بدول المصدر، وتدهور الأوضاع الأمنية بها، والتي تضاف إلى ضعف بنيتها التنموية»، مبرزاً أن بلاده «تواجه تحديات كبيرة في مجال الهجرة منذ سنوات عدَّة، تطورت مؤخراً بشكل متسارع ومعقد».

وحسب مراد، فقد اتبعت الحكومة الجزائرية «نظرة منهجية وموضوعية» في التعامل مع مشكلة الهجرة غير الشرعية، وتحدث عن «وضع خطط عمل تشمل الأبعاد القانونية والإنسانية والاقتصادية، تعكس وعينا بحجم هذه الرهانات والمخاطر التي تحيط بنا». وقال بهذا الخصوص، إن هذه المقاربة «سمحت منذ بداية سنة 2024 بترحيل ما يعادل 80 ألف مهاجر غير نظامي، كما مكنت من تفكيك عدد هائل من الشبكات الإجرامية الخطيرة متعددة الجنسيات، وهي جهود استدعت تسخير إمكانات مادية وبشرية معتبرة».

وزير داخلية إيطاليا مع نظيره الجزائري خلال أشغال اجتماع وزراء داخلية «مجموعة الـ7» بمدينة ميرابيلا جنوب إيطاليا (إ.ب.أ)

ولم يذكر الوزير جنسيات المهاجرين الذين رحَّلتهم الجزائر، في حين جاء في تقارير «المنظمة الدولية للهجرة» حول هذه القضية، أن غالبيتهم من النيجر.

وأشاد مراد بـ«بوتيرة التعاون والتنسيق مع المنظمات الأممية الناشطة في المجال، على غرار المنظمة الدولية للهجرة، ما سمح بتحقيق نتائج إيجابية، من خلال تسهيل عودة آلاف المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية منذ بداية السنة الحالية»، مشدداً على أن معالجة هذه الظاهرة ذات الآثار متعددة الأبعاد: «لا يمكن أن تقتصر على تدابير ظرفية، وإنما يتطلب ذلك رؤية شاملة ومندمجة ومنسقة وتضامنية، تُعنى أساساً بمعالجة الأسباب الجذرية للظاهرة، وذلك عبر توفير عوامل الأمن والاستقرار، ودعم التنمية بالدول مصدر الهجرة».

مهاجرون غير نظاميين من النيجر على حدود الجزائر (حسابات ناشطين في غوث المفقودين)

كما تحدث الوزير الجزائري -ضمناً- عن خلاف بلاده مع فرنسا التي تطالبها باستعادة آلاف من مهاجريها السريين، مؤكداً بهذا الخصوص أن «بحث المسائل المتعلقة بالهجرة لا بد من أن يولي كذلك العناية لظروف جاليتنا المقيمة بالخارج»، ويقصد بذلك أن المهاجرين النظاميين الجزائريين في فرنسا يواجهون العنصرية والتمييز في الشغل، ومشكلات أخرى متصلة بـ«لمّ الشمل العائلي»، وهي مسائل يضبطها اتفاق فرنسي- جزائري تم إبرامه عام 1968، وحالياً تسعى الحكومة اليمينية الجديدة لمراجعته، بحجة أنه «لا يساعد على إنجاح خطط الحد من الهجرة إلى فرنسا».

دورية لخفر السواحل الجزائري في البحر المتوسط (وزارة الدفاع الجزائرية)

وأوضح مراد في هذا السياق أن الجزائر «تهيب بشركائها تعزيز جهود مكافحة مظاهر التطرف والتمييز، والإسلاموفوبيا، وخطاب الكراهية تجاه جاليتنا، بما يضفي على محيطنا الجهوي والعالمي السكينة المنشودة، في ظل اندماج أمثل وتعايش إيجابي».

وكانت وزارة الداخلية الفرنسية قد أعلنت مطلع 2024 أنها رحَّلت أكثر من 2500 جزائري عام 2023، من ضمن 17 ألف مهاجرين أبعدتهم بسبب أوضاعهم غير القانونية؛ مؤكدة أن عدد الجزائريين الذي أصدرت بحقهم قرارات بالإبعاد زاد بنسبة 36 في المائة منذ 2022 (انتقل من 1882 إلى 2562).