محكمة ليبية تقضي بسجن تنظيم «يتاجر في البشر»

«منظمة دولية» تعلن وفاة 5 آلاف مهاجر بمسارات «أفريقية» العام الماضي

ترحيل مهاجرين من ليبيا إلى بنغلاديش (المنظمة الدولية للهجرة)
ترحيل مهاجرين من ليبيا إلى بنغلاديش (المنظمة الدولية للهجرة)
TT

محكمة ليبية تقضي بسجن تنظيم «يتاجر في البشر»

ترحيل مهاجرين من ليبيا إلى بنغلاديش (المنظمة الدولية للهجرة)
ترحيل مهاجرين من ليبيا إلى بنغلاديش (المنظمة الدولية للهجرة)

قضت محكمة في العاصمة الليبية طرابلس بمعاقبة تنظيم عابر للحدود، لاتهامه بـ«المتاجرة في البشر»، بالسجن لمدد تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات، فيما كشفت المنظمة الدولية للهجرة عن وفاة قرابة 5 آلاف مواطن بمسارات الهجرة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العام الماضي.

مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء على متن قارب قبالة سواحل ليبيا (أ ف ب)

وقال مكتب النائب العام الليبي، الصديق الصور، مساء (الأربعاء)، إن محكمة الجنايات بطرابلس قضت بإدانة منتمين إلى «تنظيم يتكون من 3 أشخاص، أُسِّس لغرض تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر». وأوضح أن النيابة العامة حرّكت دعوى جنائية في مواجهة ثلاثة متهمين «تعمَّدوا تنسيق عمليات هجرة غير مشروعة عابرة للحدود، من خلال منظَّمة ارتبطت بشبكات أخرى تمتهن تهريب المهاجرين عبر البر والبحر»، مشيراً إلى أن المحكمة أنزلت بالمحكوم عليه الأول عقوبة السجن 10 سنوات؛ و5 سنوات على المحكومين الثاني والثالث؛ ومصادرة وسائل النقل التي استعملاها في نقل المهاجرين غير النظاميين.

يأتي ذلك فيما كشف تقرير أصدرته المنظمة الدولية للهجرة عن أنه «تم تسجيل أكثر من نصف حالات الوفاة والاختفاء بين المهاجرين، وعددهم 8600 شخص في عام 2023، على مسارات الهجرة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو المنطلقة منها».

سفينة مهاجرين سريين تم اعتراض طريقها من قبل خفر السواحل الليبية (أ.ب)

وأوضح التقرير، الصادر حديثاً عن «مشروع المهاجرين المفقودين» التابع للمنظمة الدولية، ارتفاع عدد المهاجرين الذين فقدوا حياتهم، أو أصبحوا في عداد المفقودين في رحلات الهجرة في تلك المسارات العام الماضي إلى 4984 شخصاً، مقارنة بـ3820 في عام 2022.

وعدّ المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عثمان البلبيسي، هذه النتائج «مثيرة للقلق»، ورأى أن تعزيز التعاون في عمليات البحث والإنقاذ، سواء في البحر أو على المسارات الصحراوية، يصبح «أمراً في غاية الأهمية لمنع وقوع المزيد من الخسائر في الأرواح»، كما أنه «من الضروري للغاية تقديم الدعم الشامل لأسر المهاجرين المفقودين».

وتشير النتائج الرئيسية للتقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبحت منطقة عبور محورية للمهاجرين. ففي عام 2023 وصل أكثر من 215.508 مهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وفقًا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة.

وعبرت المنظمة عن أسفها بعدما لقي أكثر من 3.155 مهاجراً حتفهم في أثناء محاولتهم العبور، مشيرة إلى أن 1.878 شخصاً توفوا قبالة سواحل بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مبرزة أن هذه الأرقام «لا تعكس الحجم الحقيقي للأزمة، حيث إن العديد من حالات الوفاة والاختفاء لا يتم الإبلاغ عنها أو تقع دون أن يلاحظها أحد».

وسلط التقرير الضوء على الطبيعة المحفوفة بالمخاطر لمسارات الهجرة البرية، التي تفرض تحديات كبيرة لعمليات البحث والإنقاذ بطبيعة الأمر، ورأى أنه «لا يتم الإبلاغ عن العديد من الوفيات التي تحدث على هذه المسارات»، متابعاً أن «هذا يبين أن العدد الحقيقي للوفيات من المرجح أن يكون أعلى بكثير مما تشير إليه الأرقام المسجلة».

وتلفت المنظمة الدولية إلى أن الأطفال المهاجرين «يتعرضون للخطر على وجه الخصوص، ويحتاجون إلى حماية خاصة ضد المخاطر المتعددة التي يواجهونها طوال رحلتهم»، وقالت: «من المثير للقلق أنه منذ عام 2014، فقد 3372 طفلاً مهاجراً حول العالم حياتهم، منهم 913 في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. الأمر الذي يؤكد الحاجة الملحة لتعزيز تدابير الحماية والتعاون الدولي للتصدي لفقدان حياة الصغار».

ترحيل مهاجرين من ليبيا إلى بنغلاديش (المنظمة الدولية للهجرة)

في السياق، تقول منظمة الهجرة إن «برنامج العودة الإنسانية الطوعية» التابع لها يواصل مساعدة المهاجرين، الذين تقطعت بهم السبل والضعفاء الذين يطلبون المساعدة للعودة من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية، مشيرة إلى تسهيل رحلة جوية هذا الأسبوع تضم 163 مهاجراً من بنغازي إلى دكا ببنغلاديش.


مقالات ذات صلة

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

شمال افريقيا قوات بحرية إسبانية تعترض قارب مهاجرين غير نظاميين انطلق من سواحل موريتانيا (أ.ف.ب)

مهاجرون باكستانيون عالقون على الحدود بين مالي وموريتانيا

«رغم المسافة الكبيرة التي تفصل موريتانيا عن باكستان، والتي تقدر بنحو 7700 كيلومتر، فإنها أصبحت وجهة للمهاجرين الآسيويين».

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.